X
جديد الموقع
حزب الله يهنئ الشعب الفلسطيني على كسر قيود الاحتلال عن المسجد الأقصى المبارك
حزب الله: ما قام به أبناء عائلة الجبارين في القدس درس لأحرار الأمة..
الإمام الخامنئي: الجرائم بحق الشعب الايراني لن تزيده إلا كرهاً للادارة الأميركية وأذنابها بالمنطقة كالسعودية
بيان صادر عن حزب الله تعليقاً على اقتحام النظام البحراني لمنزل آية الله الشيخ عيسى قاسم
حزب الله يدين بأشد العبارات : الحكم ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم جريمة
السيد حسن نصر الله يهنئ الشيخ روحاني بإعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الاسلامية

مختارات :: هــا هــو اليتيـم بعيـن الله (2)

img

صممت على أن أرتدي ملابسي, وانطلق إلى حراء, بيد أني تراجعت عن هذه الفكرة , فالوقت متأخر, والأطفال نيام , ولا يمكن لي أن أخرج وحدي . ناديت زيداً –وقد بلغ أشده –لينطلق باحثاً عن متبنيه, لكنه رجع بخفي حنين , فاضي اليد , خائباً.

 

 

لما أستولى عليُّ الأضطراب , عقدت العزم على الأنطلاق , إلا أن طرقات الباب استوقفتني , طرقات هادئة, طالما سمعتها من أبي القاسم عند رجوعه إلى البيت في هزيع من الليل .

عرفت أنه هو .

لما فتحت الباب , رأيته على ضوء الشمعة , في حالة تختلف عمّا كان عليه , عند خروجه من البيت. صفحته الوردية فقدت رونقها المعهود وخالطها الشحوب , وعينه الحور البراقة بدت بالحمى ملتهبة .

فقد من عظيم قواه مافقد, فما كان يتدارك نفسه ويتمالك, دخل الدار, وهو يتشبت بالباب والجدران, ويتأرجح بين خطوات قصيرة وئيدة, تتضوع منه رائحة لم أجد فيه مثله. أما وجهه فقد تضاعف تلئلئاً ونصاعة.

هرولت إليه هارعة , وتأبطه , وهو أيضاًَ أستند بيديه إلى كاهلي , كأن جسمه يلتهب في بوتقة لافحة.

انطلقنا نحو غرفة الإستقبال , أول غرفة مطلة على الفناء, كان يحاول أن يجر رجليه وهو يستند إليّ.

 

 

أستلقى في الغرفة على ألسرير , فجلست إلى جانبه , وأخذت بيديه الحمئتين متسائلة : قل لي, يا أبن العم , ماذا بك حلّ !؟

أخذ يسرد ما جرى عليه بصوت باهت , كأنه يتصاعد من قعر الجب . لما أستمعت إليه , شعرت أنني مالكة الدنيا كلها , ففرحت فرحاً عظيماً , ولولا الحياء , وذاك الوقت المتأخر من الليل , لكنت أنفجر زغردة وأعلن في الحيّ عن فرحي الغامر.

التفت إلى أبي القاسم قائلة : ألا تتذكر يا بن العم , لمّا هبط إليك جبرائيل في المرات السابقة , وناجيتني فيه , قلت لك انه ليس بشيطان , بل هو ملك ؟

حرك زوجي رأسه مؤيداً بلا حول ولا قوة.

قلت : يا أبا القاسم, لا تستغرب ولا تعجب من أمر الله إذ بعثك للعالمين رسولاً , فالصديق والعدو لا يفكران ما أنت عليه من الصدق والوفاء، والأمانة, وإعانة المظلوم , ونصرة الحق , وحسن الخلق , والشفقة والكرم , وصلة الرحم.

هو الصدق كله , بل أعظم من الصدق . لم ينخرط أبداً أبو القاسم أيام الشباب فيما أنخرط فيه فتيان العرب من الفجور والفسوق . وفي سن الكهولة لم يمس سوءاً , ولم يره أحد ٌ عليه , لحظات حياته قضاها على الطهر والصدق والاحسان , فشغف به الناس , وله كنّوا الحب.

 

 

وضعت خديجة يدها على جبين زوجها , رأته عيناً حمئة تلفح ناراً , إلا أن روعه أخذ يهدأ , فسكنت نظراته المضطربة.

- مهلاً , يا بن العم , قرعينا , وأستقم , والذي نفس خديجة بيده , إن هذا جزاء ما عانيت , وأجر ما أتقيت . بخ بخ لك الرسالة هذه , يا أمين أهل الديار أجمع .

خديجة كأم عطوف , أخذت بحنان يد زوجها , وأنهضته من سريره .( حرارتك مرتفعة , تعال معي , يا أبا القاسم , إلى فناء الدار لأغسلك . عسى أن تفل عنك الحمى).

نزع النبي عقاله , وخلع بردته , فوضعها على السرير , وأنطلق مع خديجة . لما وصلا إلى قعر الفناء الحالك , قعد النبي القرفصاء على صفوان مرباع . فتحت خديجة الفوهة الخشبية لأول خابية مستندة إلى الحائط وأخذت بالدلو المعلق عليه , فصبّت من الخابية فيه الماء , وأدارته على رأس زوجها ووجهه.

ولما صبت الماء على أبي القاسم , ورجعنا إلى غرفة الاستقبال , استلقى على السرير هزيلاً , فجلستُ إلى جواره . قال لي مباشرة : يا خديجة , اشعر بقشعريرة , البرد , زمليّني بالدثار !
وضعتُ تحت رأسه وسادة جلدية , وغطيته ببردته , إلا أنه لم ينج من رجفته , فد ثرته في المرة التالية بملحفة دون جدوى , فبلغ به الأمر مبلغاً أن سرت الرعشة إلى لحافه , وفي المرة الأخرى , ألقيت عليه بساط وبر , فهدأت نفسه إلا أن رجفاته بين حين وأخرى كانت تتعالى من تحت البساط .
بعد فترة قصيرة , سمعت أنفاسه تسكن وتستقر, فعرفت أنه غط في نومه.

ارتديت ملابسي, وأدنيت جلبابي, وانطلقت إلى دار أبن عمي , ورقة . كان دار ورقة على مقربة من جارنا , عرفت من النور الساطع على الدرب, من فتحة باب غرفته , أنه ساهر , وليله قائم.

طرقت الباب بهدوء, فتحت ابنة عمي – أخت ورقة – لي الباب. لما دخلت الدار , واجهني صهيب , وهو خارج من غرفة ابن عمي , وكان عازماً على الذهاب . (صهيب هذا منذ أمد بعيد زُجّ به من الشام أسيراً إلى مكة. فأبتاعه عبد الله جدعان , إلا أنه أستطاع بحصانته و براعته , في فترة وجيزة, أن يفدي نفسه , ويفك أسره).

دخلت الغرفة لّما ذهب صهيب.

- مساء الخير ابن العم !

- مساء الخير , ألست خديجة الطهر !؟

- بلى, يا ورقة.

- ما دهاك في هذه الساعة المتأخرة من الليل , وما جرّ بك إلى الخروج من البيت !؟

- استوقفني سؤال, وألحّ عليّ فهمه , فضقت صبراً للحصول على الجواب , ولم أتحمل , الانتظار حتى الصباح.

- حسناً حسناً, لا يشترط للمعرفة الزمان , ومعرفة اليوم خير من الغد . اسألي !

- يابي العم , قل لي ماذا تعرف عن جبريل ؟

قام ورقة بعوده الهزيل , منتصفاً , مصوباً رأسه نحو خديجة :

- ها ... أصحيح ما أسمع !؟ أنت تفوهت باسم جبريل الأمن !؟

- نعم يا بي العم , قل لي من هو جبريل ؟

خر ورقة ساجداً , ثم رفع رأسه مذعوراً يقول :ماذا...ماذا يا خديجة ؟

كيف تتفوهين باسمه الطاهر في هذه البلدة المنحرفة عن عبادة الله الأجلّ .

أقسم بالمسيح , لن أتحدث عنه أبداً ما لم تخبريني من اين سمعت اسمه!.

- سأخبرك يا بن العم , شرط , أن تعاهدني على كتمان ما أبثه إليك حتى يحين وقته .

- سأفعل , يا ابنة العم , سأفعل!.

- هبط جبريل الليلة على أبي القاسم , وحدّثه..!.

 

 

تهللّ وجه ورقه النحيل , وأندفع فيه الدم , فانفجرت وجنته حمرة بدت لخديجة رأي العين .

- يا قدوس , يا قدوس , هذه من عجائب آياتك , ودليل قدرتك ! والآن , خبريني أين هبط على زوجك!؟
-
في غار حراء .

تبرق عين ورقة الغائرة , وترعد في سرعة .

- يا خديجة , اعلمي أن جبريل لو نزل على ديار لماج بالعجائب.

- يا ورقة , ألم تكتب عنه الكتب التي أطلعت عليها !؟

رد ورقة , وقد اغرورقت عيناه : ما هذا الذي تقولينه يا خديجة , جبريل ملك الله الجليل , ورسوله المرسل , وواسطة الخالق وكبار أنبيائه , وذوي الغرم منهم , فهو الذي هبط على موسي وعيسى.
أبرقت عين خديجة الفاتنة , ولمعت فرحاً , وقالت:

يا بن عمي , ألم تذكر الكتب السابقة أسم محمد !؟

- يا خديجة , قرأت في أخبار الماضيين أن الله تعالى سيبعث من هذه البلدة يتيماً يأويه , وفقيداً يغنيه , وضالاً يهديه , خاتم الأنبياء , لا نبي بعده.

- هل من مزيد ؟

- نعم , نعم , يا خديجة , تكلّمه الموتى كما كلّمت عيسى , وتحييّه الصفا والحجر , وفي الشجر آية نبوته . يا خديجة إن صدقتِ فيما رويتِ فإن الذي نزل به جبريل الأمين على أبي القاسم هو وحي الله , وهو نبيه.

عزمت خديجة على الرجوع إلى دارها , فخاطبها ورقة قائلاً : يا سيدة نساء قريش , أنا أيضاًَ رأيت في المنام خلا ل ليال ثلاث على التوالي أن الله بعث رسولاً إلى مكة , واليوم لا أرى بين الناس جميعاً من هو أجدر بالنبوة منه.

شكرته خديجة , وقامت من مكانها..

 

تعليقات الزوار


مواقيت الصلاة

بتوقيت بيروت

الفجر
5:40
الشروق
6:53
الظهر
12:22
العصر
15:25
المغرب
18:07
العشاء
18:58