دعا رئيس الجامعة اللبنانية البروفيسور فؤاد ايوب اهل الاختصاص في الجامعة اللبنانية الى رفع الصوت والعمل لمعالجة فعلية للفساد حتى لا تهدد بنانا الاساسية وتصل الى منظومة القيم الاخلاقية.
كلام البروفيسور ايوب جاء خلال افتتاح اعمال ندوة "الانهيار الإجتماعي والسياسي في لبنان وشروط النهوض"، التي نظمها "بيت المستقبل" بالتعاون مع الجامعة اللبنانية ـ كلية العلوم الإجتماعية - الرابية، وتحدث فيها الرئيس السابق امين الجميل ورئيس الجامعة، ومديرة الكلية الدكتورة منى رحمة، وحضرها النائبان السابقان احمد فتفت وباسم الشاب، عميد كلية الإعلام الدكتور جورج صدقة، عميدة معهد العلوم الإجتماعية البروفسورة مارلين حيدر وعدد من العمداء والمديرين والإساتذة والطلاب.
بداية النشيد الوطني، فنشيد الجامعة اللبنانية. ثم ألقى الجميل كلمة قال فيها: "ان التربية والعائلة والحوكمة الرشيدة هي الأساس لانتشال لبنان مما يتخبط فيه. وعندما تتداعى أسس البيت تنهار جدرانه، وعندما تتداعى الأسس التي قام عليها الوطن تتشظى معها الدولة وتنهار بكل مقوماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهل من المبالغة وصف المرحلة التي نعيشها بالانهيار؟ ولكن انا لا احب كلمة انهيار، بل افضل الانكماش، وهو الأصح".
وأكد أن "القصد ليس المزيد من الإحباط والتراجع بقدر ما هو الحض على التبصر بأحوالنا، في وقت باتت فيه السياسة تطغى على أمور أخرى قد تكون أكثر أهمية وأشد تأثيرا على حال البلاد والعباد".
وسأل: "أي مكان أفضل من الجامعة اللبنانية لمحاولة الإلمام بمشاكلنا وقراءتها قراءة موضوعية بهدف إيجاد الأطر الصحيحة لمعالجتها؟ في الواقع، ليس مستغربا بعد سنوات طويلة من النزاعات والحروب والاحتلالات والاغتيالات والفراغات السياسية التي وسمت أكثر من نصف قرن من تاريخ لبنان الحديث، أن يصاب الاجتماع اللبناني بأكثر من علة ووهن. فالعلاقة بين السياسة والاجتماع هي علاقة تفاعلية، إذا وهنت الأولى وهن الثاني، وكلما كانت الأولى متماسكة ورشيدة كان الثاني متماسكا ورشيدا".
ورأى أن "اضطراب السياسة أصاب أول ما اصاب خلية المجتمع الأولى والأساس في تماسكه، العائلة. وفي اعتقادنا أن اهتزاز العائلة طال المجتمع برمته، فبدأنا نشعر بهشاشته، أو أقله أن وضعه معتل وغير صحي. إضافة إلى تأثيرات الأحوال السياسية والأمنية، جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتضغضع العائلة أكثر وتزيد من خلل المجتمع اللبناني. لا أنكر بقولي هذا إيجابيات التكنولوجيا الحديثة وفوائدها الجمة، إنما أيضا لا بد من التنبه لدورها السلبي في إضعاف تماسك العائلة، والعائلة لا سيما في مجتمعات على غرار لبنان لا تزال هي أساس الاجتماع ولبنته الأولى".
وتابع: "لا يسقط من حساباتنا في هذا السياق دور التربية في بناء التماسك الاجتماعي، وبالتالي تدعيم التماسك الوطني. وللأسف، لا بد لنا من الاعتراف أنه وسط الأمواج والأنواء التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، انصب اهتمامنا على السياسة والأمن والأحوال المعيشية وأهملنا التربية. وجاءت عواقب هذا الإهمال وخيمة طالت العقول والنفوس، وباتت الأجيال الصاعدة تقرأ في كتب مختلفة تعزز الانتماءات الفرعية والعصبيات الضيقة على حساب الانتماء الوطني الجامع. فظهرت شقوق عميقة في المجتمع لا أبالغ إذ أقول أنها تهدد وحدة الكيان ووحدة الوطن".
وقال: "سياج الوطن سلسلة من الحلقات المتماسكة إذا ضعفت واحدة منها أثرت على سائر الحلقات. إذا تضعضعت السياسة اهتز الاقتصاد، وإذا اهتز الاقتصاد وهن الاجتماع. ووسط هذا الضعف وذاك الاهتزاز والوهن، تتداعى التربية والصحة وسائر الخدمات. من هنا يبرز دور الحوكمة الرشيدة التي دونها لا سبيل إلى الخروج من النفق الذي نمر به منذ سنوات حتى بتنا مثل أعمى يقود أعمى ويقعان معا في حفرة".
وأكد "مرة جديدة دور الجامعة الوطنية في تصويب الأمور، وأهمية العلاقة بين الجامعة ومراكز البحوث التي ينبغي أن تكون تبادلية في الاتجاهين، حيث أن الطلبة الجامعيين يشاركون في أنشطة مراكز البحوث كما مراكز البحوث تستفيد من الخبرات والكفاءات الجامعية".
وأمل "أن تضيء هذه المساحة من النقاش شمعة في الظلمة التي تحيط بنا، وتفتح الباب أمام حلقات وأنشطة مستمرة بين "بيت المستقبل" و"الجامعة اللبنانية".
رحمة
واعتبرت رحمة في كلمتها أن "مهمة العلوم الاجتماعية تشخيص مشاكل المجتمع واقتراح الحلول". ورأت أن "انهيار المجتمعات يبدأ عندما تضحى بحرياتها فتنهار مؤسساتها السياسية والاجتماعية والتربوية. والحرية مرتبطة بالقيم، وكلما كانت قناعة الانسان بقيمه عميقة كان أكثر انفتاحا لقبول قيم الأخرين. وإن تعميم الأخلاق لا يفرض على الآخرين بل يناقش معهم. السعي الأخلاقي هو الاهتمام بالآخر، فلا يمكن لأحدنا احترام نفسه اذا لم يكن يحترم الآخر ضمن منظومة اجتماعية عادلة".
أيوب
وألقى أيوب كلمة قال فيها إن "هذا اللقاء لقاء علمي مهم في بعده الوطني، إذ انه يجب ان نتطلع الى قراءة مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية بعين الباحث الذي يسعى لمستقبل أفضل. لا أبالغ في القول إن انتقاء مصطلح الانهيار صحيح ودقيق لأنه يعبر عن الواقع، فالوضع قد وصل الى ما لا يبشر بالخير اذا لم نبادر الى رأب الصدع والتصويب. وكلنا يعرف ان لبنان، إن استمر بتنظيمه البيروقراطي المشظى طائفيا وطبقيا ومناطقيا لقبائل سياسية ومذهبية، تتناحر فيه على السلطة، فإن الفساد بأشكاله وتنوعاته سيستمر استشراء في اتجاه الانهيار العام".
وأضاف: "إن تنامي الحديث عن الفساد حتى من رجال السلطة ينبئنا بمدى تعاظمه، حتى وصلنا الى تحسسه في حياتنا اليومية، وهذا أمر يخيف الجميع لأننا تخطينا فساد الاشخاص ووصلنا الى مرحلة تأصيل ثقافة الفساد".
ورأى أن "تفشي الظواهر السلبية في المجتمع وسياسة اللامبالاة من المعنيين في ظل تعاظم الفساد والمفسدين وفي غياب المعالجات الفعلية بما بات يهدد بنانا الأساسية وصولا الى منظومة القيم الأخلاقية والثقافية، لذلك لا بد من رفع الصوت من أهل الاختصاص الذين تحوي جامعتنا الكثير منهم، وفي هذه المناسبة نقر بدينامية معهد العلوم الإجتماعية الذي يفعل طاقته المعرفية والتقنية في خدمة بيئته ووطنه، كما يسعدني ان يشاركنا اليوم مسؤولون سياسيون لنفكر عمليا في الأساليب الناجعة لعمل إنقاذي ينقذ مجتمعنا".
وعبر عن سعادته "للشراكات التي تبنى بين الجامعة ممثلة بمعهد العلوم الإجتماعية ومراكز ثقافية وبحثية تتقاطع همومها معنا في خدمة الوطن، وأعني شراكتنا مع بيت المستقبل"، آملا "أن تستمر وتتوطد مذكرة التفاهم لتصبح ممأسسة ومستدامة".
وعبر أيوب اخيرا عن إيمانه "بقدرة الشعب اللبناني على اعادة بناء ذاته وبناء الوطن الذي نحلم باستقرار العيش فيه، فالنهوض لا بد آت".
بعدها كانت جلستان الاولى تحت عنوان "انهيار السياسة وسبل النهوض" وادارها الدكتور فادي الأحمر بمشاركة فتفت والشاب والكاتب نصري الصايغ.
ثم جلسة ثانية تحت عنوان: "التدهور الاجتماعي وسبل النهوض"، أدارتها الإعلامية نجاة شرف الدين وتحدث فيها الدكتور عدنان الأمين والدكتور زهير حطب والدكتور شادي رحمه.
بتوقيت بيروت