...................................جريدة
الأخبار................................
قصص من ملف التفرّغ | خراب الجامعة الوطنية
يتصل أستاذ جامعي بـ«الأخبار»، يجهش بالبكاء لأن التفرغ لم يشمله. أراد أن يوصل
رسالة بأنه أستاذ جامعي يجري إذلاله لأنه لم يرضَ أن يكون واحداً في قطيع الغنم.
جزم بأن ملفه مستوفي الشروط كافة، وأن الكلية التي يدرّس فيها تحتاج بإلحاح إلى
اختصاصه، وأن مدير الكلية رفع اسمه في اللائحة الأولى «النظامية»... لكنه يتهم حركة
أمل بأنها شطبت اسمه لمصلحة أستاذ آخر لا يملك نصاباً تعليمياً. ليست حركة أمل
وحدها متورطة في الملف، العونيون والكتائبيون كان لهم دور أيضاً، بذريعة تحقيق
التوازن الطائفي.
قصة الملف
حكاية ملف التفرغ الحالي بدأت عام 2008، حينها صدرت لوائح المشمولين بالتفرغ بعد
إقرارها في مجلس الوزراء، وحُفظ حق نحو 82 أستاذاً بالتفرغ، بعدما تبين أنهم
مستوفون للشروط ولم تُدرج أسماؤهم. منذ ذاك الحين وملف التفرّغ موضوع على بساط
البحث. أعدّت الكليات لوائح المرشحين لديها إلى التفرغ، ممن استوفوا الشروط، على
أساس حاجات الأقسام والأقدمية والأولوية، ليصار إلى رفع لائحة جديدة على مجلس
الوزراء.
مع مرور السنوات، ازدادت الأسماء المرشحة في الملف، وبلغ العدد 671 أستاذاً، وكان
الحد الأدنى من المعايير القانونية والأكاديمية المعتمدة حينها كفيلاً بالمحافظة
على مستوى المرشحين. الأسماء عبرت من الأقسام إلى مجالس الوحدات، ثم إلى العمداء
الذين – يفترض أنهم – رفعوها إلى رئيس الجامعة دون إجراء تعديلات عليها، بحسب
الأصول المتبعة، وهذا ما أكده العديد من العمداء السابقين والحاليين الذين اتصلت
بهم «الأخبار». بعد وصول الملف الأول إلى مجلس الوزراء، رفض رئيس الجمهورية السابق
ميشال سليمان، إمراره، متذرعاً بغياب مجلس الجامعة، ولكن أعيد النظر لاحقاً
بالمسألة، وأعيد الملف إلى الجامعة لتزيد أسماءً على الملف تحت مبررين أساسيين:
الأول أن الأحزاب أرادت إضافة أساتذة محسوبة عليها، والثاني هو الصرخة التي أطلقتها
مجموعة من الأساتذة الذين استُثنوا مجدداً من الملف، رغم كفاءتهم.
وصل العدد إلى 916 أستاذاً، وأُطيح الحد الأدنى من المعايير المعتمدة، أو على الأقل
لم تكن المعايير واضحة. ويؤكد عدد من المديرين أن العمداء طلبوا «عبر الهاتف» من
المديرين أن يطرحوا أسماءً إضافية على الملف، والمديرون بدورهم قاموا بالشيء نفسه
عبر التواصل السريع مع رؤساء الأقسام. بعض المديرين استغلوا فرصة مخالفة قوانين
الجامعة التي ترعى عملية رفع أسماء المرشحين، وانتقوا من يريدون من أسماء، وقام
بعدها العمداء برفع الأسماء التي انتقوها وزادوا عليها، ثم أرسلت اللوائح إلى رئيس
الجامعة، دون احترام مجالس الوحدات والأصول القانونية المتبعة.
التحرك الاحتجاجي
هذا المسار عرقل تقدّم الملف بدلاً من أن يسرّع بتّه، ولا سيما أن الشهية لدى أحزاب
السلطة باتت مفتوحة لتحقيق أكبر المكاسب. ردّ الأساتذة المرشحون على العرقلة بإعلان
الإضراب المفتوح ومقاطعة الصفوف ووضع أسئلة الامتحانات النهائية ومراقبتها
وتصحيحها، ما شكّل ضغطاً على مجلس الوزراء، الذي أوكل إلى وزير التربية الياس بو
صعب مهمة متابعة الملف وحلحلته، وأظهرت الجولات التي قادها بو صعب عُقَد الأطراف
السياسية المختلفة،
بعضها برر عرقلته الملف بالحاجة إلى دراسة ملفات المرشحين للتأكد من استيفائها
للشروط، أو الحفاظ على التوازن الطائفي، وغيرها من المسائل، ليتبيّن لاحقاً أن
المطلب كان واحداً، إضافة أسماء على ملف التفرغ، والحصول على حصص إضافية من العمداء
المفترض تعيينهم. ونتيجة المفاوضات مع السياسيين، نجح بو صعب في إرضاء كافة الأحزاب
في ما يتعلق بالعمداء، وأنجز ملحقاً يضم 305 أساتذة ليسوا مرشحين من الجامعة. حصل
كل ذلك بحجة تسهيل إقرار الملف.
برر بو صعب مخالفة قوانين الجامعة اللبنانية وأنظمة الكليات، بأن جميع الأساتذة
المرفقة أسماؤهم في الملحق هم من حملة شهادة الدكتوراه، على الرغم من أن شروط
التفرغ ليست محصورة بهذه المسألة، بل بجملة من الشروط الواجب توافرها لدى المرشح
للتفرغ.
شروط التفرغ
لا شروط موحدة للتفرغ في الجامعة اللبنانية. لكل كلية أو معهد نظام خاص يستند إليه
مجلس الوحدة لقبول الطلبات ودراستها ورفعها لاحقاً إلى رئاسة الجامعة. فقانون
«تنظيم عمل الهيئة التعليمية» ينص في القسم الثاني منه المتعلق بشروط التعيين في
المادة 16 على أنه «يُعين أفراد الهيئة التعليمية وفقاً للشروط المنصوص عليها في
نظام كل كلية أو معهد».
هل حاول وزير التربية الياس بو صعب فرض تطبيق القانون والأنظمة الخاصة بالكليات
والمعاهد؟ طبعاً لا. ترك المكتب التربوي لحركة أمل يعبث باللائحة الأولى الصادرة عن
الكليات والمعاهد، فاستبدل أسماءً بأخرى لمحازبين، وشطب أسماءً لأساتذة لا يريدهم.
كذلك ترك تيار المستقبل يحدد من يريد من الأساتذة المحسوبين على طائفته ومن يسعى
إلى «تطفيشهم»، لينتهي فصل من الفضيحة بلائحة «مخردقة». ويبدأ فصل جديد مع بقية
أحزاب السلطة، ولا سيما التيار الوطني الحر وحزب الكتائب، اللذان تذرّعا بالفصل
السابق كي يستكملا الانقضاض على الملف بإضافة 305 أسماء لأساتذة لا يستوفي معظمهم
الشروط الدنيا للتفرّغ وفق النظام الداخلي لكل كلية وردت أسماؤهم عليها.
تصرُّف وزير التربية سمح بترشيح أساتذة «محسوبين على الأحزاب» من دون أن يكونوا قد
أمّنوا النصاب التعليمي المطلوب! كذلك سمح بتفرّغ أساتذة لم تخضع شهاداتهم لعملية
تصنيف من قبل اللجنة المختصة (بعض الكليات يطلب أن تكون شهادة الدكتوراه من الفئة
الأولى، والبعض الأخر من الفئة الثانية)! كذلك أجاز تفرّغ أساتذة لم يقوموا بمعادلة
شهاداتهم في وزارة التربية للتأكد من أن الدولة اللبنانية تعترف بها! والأهم، أنه
فرض على مديري الكليات ورؤساء الأقسام تفريغ أساتذة من دون أي دراسة للحاجات
الحقيقية ومدى توافقها مع التخصصات، ومن دون أي دراسة للأعباء على الأقسام أو
الفروع، بل إنه فرض على كليات ومعاهد أن توقّع عقوداً مع أساتذة في كليات ومعاهد
أخرى غير التي وردت أسماؤهم على اسمها!
الملف الأسود
هذه المعطيات تضجّ بها أروقة الجامعة اللبنانية، حتى إن البعض بات يُطلق على الملف
اسم «الملف الأسود». وسبق لرئيس الجامعة أن صرّح علناً بـ«أن رئاسة الجامعة لا تعرف
شيئاً عن بعض الأساتذة المدرجة أسماؤهم على اللوائح، وأن وزير التربية هو من تولى
المهمة». وهذا الموقف عبّر عنه العديد من المديرين ورؤساء الأقسام الذين قالوا إن
عدداً من الأسماء ليس أصحابها من المتعاقدين، وعدد منهم لم يعلّم عدد الساعات
الكافي، وبعضهم اختصاصه لا يتوافق مع حاجات الكليات. حتى إن الوزير بو صعب تكتم
طوال الفترة السابقة عن الأسماء الواردة في ملحقه، كذلك تكتم على اللائحة النهائية،
وطلب عدم نشر القرار الصادر عن مجلس الوزراء في الجريدة الرسمية، إلى أن أرسله إلى
رئاسة الجامعة لتقوم الأخيرة بإرسال اللوائح إلى العمداء، وبعدها يقوم كل أستاذ
بمراجعة كليته للتأكد من ورود اسمه. (منذ أيام قليلة سُرِّبت اللائحة ونشرتها جريدة
«السفير» على موقعها).
هذا التكتم على أسماء المشمولين بالتفرغ أثار قلق العديد من الأساتذة الذين انهالوا
بالاتصالات على رؤساء الأقسام والمديرين والعمداء والصحافيين والسياسيين، ولكن أي
من هؤلاء لم يكن يملك اللائحة النهائية بعد. وفور تسلّمها من رئاسة الجامعة، تأكدت
التسريبات التي وصلتهم، والتي تفيد بأن أسماء البعض منهم لم ترد في اللائحة
النهائية، وأنها سُحبت من الملف الأساسي المرفوع من رئيس الجامعة دون أي تبرير. ولم
ترد في الملحق الذي أضافه الوزير.
قبل أن تصل اللائحة إلى رئاسة الجامعة اللبنانية، حصل المكتب التربوي في حركة أمل
عليها، وعمّم رسالة إلى قسم كبير من الأساتذة تقول: «الأخوة الكرام، نعلمكم أن
اللائحة النهائية لأسماء المتفرغين البالغة 1213 باتت لدى المكتب التربوي لمن يرغب
في الاطلاع أو التأكد من اسمه مراجعة الدكتور عباس غدار على الرقم ...». اتصلت
«الأخبار» بغدّار للتأكد من المسألة، ولم ينف حصول المكتب على اللائحة من مجلس
الوزراء قبل أن تصل إلى الجامعة اللبنانية، وسألنا عن الأسماء التي نود الاستفسار
عنها، وعندما طلبنا اللائحة الكاملة، قال غدّار إنه لا يملك تفويضاً من المكتب
التربوي بذلك. أما رئيس المكتب التربوي في حركة أمل وعميد كلية العلوم حسن زين
الدين، فيقول إن «الحكي في تجني»، وإن أي أحد مستوفي الحد الأدنى من الشروط
المطلوبة اسمه موجود في الملف. وعن استبدال أسماء بأسماء أخرى، رأى زين الدين أن
رئاسة الجامعة هي التي أعدت الملفات «ولم نعرف المعايير المعتمدة حتى»، وأضاف أنه
لم يطّلع على الأسماء المرفوعة من الجامعة، تحديداً أسماء الأساتذة في كلية العلوم.
الأساتذة المستثنَون
يقول معظم المستثنَون من ملف التفرغ إنهم استُبدل بهم محازبون. مثلاً، يقول غسان
إبراهيم، رئيس قسم الكيمياء السابق في الفرع الخامس في كلية العلوم، إن الأسماء
الحالية المتفرغة في القسم مختلفة عن التي رفعت في السابق إلى عمادة الكلية: «هناك
أساتذة يدرسون منذ ثماني سنوات استُبعدوا، وهناك أساتذة لم يدرّسوا ولا ساعة وردت
أسماؤهم». يشير إبراهيم إلى «الظلم» الذي يستثني أساتذة يمتلكون في ملفاتهم خمس
سنوات مكتملة أو أكثر من النصاب التعليمي.
عماد رعد، هو أحد الأساتذة المستبعدين، على الرغم من أنه أستاذ في كلية العلوم
نفسها، يعلّم فيها منذ عام 2007 ولديه نصاب تعليمي مكتمل، حائز أربع شهادات ماستر
في اختصاصات مختلفة، وشهادة دكتوراه فئة أولى، ويعمل في مركز الأبحاث في «كيبيك».
مشكلة رعد أنه غير محسوب على أي حزب أو زعيم، لذلك قاموا بتفريغ أستاذ يحاضر في
المواد نفسها التي يدرسها، إلا أن خبرته التعليمية لا تتجاوز السنة الواحدة، وهو
مدعوم حزبياً.
حنان الأخضر، تدرّس في كلية العلوم أيضاً، هي الوحيدة في اختصاصها في فرعها، رغم
ذلك لم يشملها ملف التفرّغ الأسود.
تبيّن حتى الآن أن ما لا يقل عن 25 أستاذاً في كلية العلوم وحدها، ليس لديهم عقود
تدريس مع الكلية، بل أُنزلوا بالمظلة خلافاً لكل قانون أو نظام أو حرص على مصلحة
الجامعة.
قد تكون كلية العلوم شهدت أكبر وأوسع عمليات التلاعب بأسماء أساتذها في سياق خطّة
للسيطرة عليها من قبل أحزاب السلطة المتنافسة، إلا أن كليات أخرى شهدت «فظائع»،
بحسب تعبير أحد الأساتذة (رفض ذكر اسمه). يقول هذا الأستاذ إنه يعلّم في كلية
التربية منذ 15 سنة. لم يحظ بالتفرّغ في دفعة عام 2008، لكنْ حُفظ حقه مع أساتذة
آخرين، بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء حينها. مع ذلك، استُبعد في الدفعة الحالية،
ويغيظه أن يُستبدَل به أحد طلابه من الذين علّمهم في الكلية نفسها.
الحالة نفسها في كليات أخرى، قصص كثيرة تُروى، وتلتقي هذه القصص على أن الأحزاب
المسيطرة تريد معاقبة من لا يدور في فلكها، ولذلك استُثني عدد من الذين حفظ مجلس
الوزراء حقهم عام 2008 ولم يشملهم الملف، كذلك لم يشمل عدداً من المستفيدين من
المنح، الذين يفرض عليهم القانون ونظام المنح أن يتفرّغوا تلقائياً في الهيئة
التعليمية بعد إنهاء دراستهم لمدة خمس سنوات كحد أدنى، كي تستفيد منهم الجامعة
اللبنانية التي تكبّدت على دراستهم أكلافاً كبيرة.
تجدر الإشارة إلى أن اللوائح الصادرة بينت أن عدداً من الأساتذة جرى تفريغهم في غير
كلياتهم، على أن يصار بعد توقيع العقود إلى نقلهم إلى كلياتهم مجدداً، وهذه الطريقة
مخالفة للقوانين. على سبيل المثال، تضخم عدد الأساتذة المرشحين للتفرغ في كلية
الآداب إلى 236 أستاذاً بعد أن أدخل إلى ملاكها أساتذة من معهد العلوم الاجتماعية
ومعهد الفنون الجميلة والتربية، والحال مشابهة بالنسبة إلى كليات العلوم والزراعة
والصحة، وحتى السياحة، حيث توزع الأساتذة الجدد عليها بصرف النظر عن كليتهم
الأساسية، وقد وزّع عليها عشوائياً الأساتذة الذين لا يملكون عقود تدريس مع الجامعة
اللبنانية.
الملاكات والشغور
طلب مجلس الوزراء من الجامعة اللبنانية ما كان يجب على الجامعة أن تفعله قبل البدء
بإعداد ملف التفرغ أو إضافة الملحق: «تحديد ملاكات جميع الكليات ومعاهدها خلال مدة
أقصاها ستة أشهر من تاريخ صدور القرار (قرار التفرّغ الأخير)»، ليصار إلى ربط
التفرغ بالشغور. الأزمة التي ستلحق في الجامعة في ظل التخبط وتفرغ أساتذة في غير
الكليات المفروض ورود أسمائهم فيها، إضافة إلى تفرغ أساتذة لا نصاب تعليمياً لديهم،
هو في كيفية منح النصاب لهم، فالأستاذ المتعاقد الذي يملك نصاباً تعليمياً كاملاً،
ستسحب منه ومن زملاء له ساعات تدريس لمصلحة الأستاذ المتفرغ الجديد الذي لا يملك
نصاباً تعليمياً.
معركة «الأنصبة» ستشتعل في الجامعة، بحسب وصف أحد الأساتذة، فعدا عن كون هؤلاء
الأساتذة المستوفين للشروط مستثنين، سيُعاقَبون عبر «تشليحهم» ساعات تدريس.
لو حددت الجامعة ملاكاتها وربطت التفرغ بملء الشغور فيها، لاستطاعت رئاسة الجامعة
أن تحمي استقلالية الجامعة، فوزير التربية في الدراسة التي أجراها لدراسة الحاجات
استند إلى عدد طلاب الجامعة اللبنانية ككل، دون الالتفات إلى تفاوت الأعداد بين
كلية وأخرى، وإن عدم إجراء أي دراسة للحاجات الفعلية للأقسام والكليات سمح للأحزاب
بالانقضاض على الجامعة وإدخال «مين ما كان» إلى ملاكها، إن كان في ملحق الوزير أو
في ملف رئاسة الجامعة الأساسي.
على موقع «الأخبار»: النص الكامل لقرار مجلس الوزراء رقم 32 الصادر في 24/7/2014،
والمتضمن أسماء عمداء الوحدات الجامعية، وأسماء المشمولين بعقود التفرغ من أساتذة
الجامعة اللبنانية.
رئاسة الجامعة
رئيس الجامعة عدنان السيد حسين، أكّد في اتصال مع «الأخبار» أن الأسماء التي رفعتها
الجامعة لم تتغير ولم تستبدل، وبدا غاضباً «ليش عم تحكو بهل موضوع على الإعلام؟ ليش
بدكن تشوهوا صورة الجامعة؟». لكن الوثائق التي حصلت عليها «الأخبار» وإفادات
الأساتذة وبعض رؤساء الأقسام والمديرين تفيد بعدم احترام الأصول في إضافة أسماء أو
تعديل اللوائح، إذ بحسب القانون 66، يجب ألّا يحصل ذلك إلا من خلال إعادة إمرار
الأسماء من مجالس الفروع إلى مجلس الوحدة ثم العميد فرئيس الجامعة. وكان رئيس
الجامعة عدنان السيد حسين، قد استقبل وفداً من الأساتذة المستثنين، قال لهم إن
العديد من الأساتذة فكّوا ارتباطهم بالجامعات الخاصة، «صار في الكن مطارح هونيك».
حاول تبرير عدم شمولهم بالملف إما بغياب النصاب التعليمي لديهم، أو بعدم الحاجة إلى
اختصاصاتهم، أو بفعل تقويم طلاب اللبنانية لهم. وأبلغهم أنه سيدقق في الملحق الذي
أضافه الوزير، وأعرب أنه «غير راضٍ عنه»، وقد أصرّ السيد حسين على الوفد أن لا يجري
الحديث عن الملف في الإعلام بتاتاً.
الجدير بالذكر أن السيد حسين سبق أن صرّح لـ«الأخبار» بأن الجامعة غير ملزمة
قانوناً بأن تبرم أي عقد مع أي أستاذ مخالف للقوانين والشروط المطلوبة.
دعوة في شورى الدولة
شرح ممثلو الأساتذة المتعاقدين المستثنين من التفرغ «الظلم الحاصل بحقهم» خلال
مؤتمر صحافي عقدوه أمس في مجمع الحدث الجامعي، واعتبر بيان الأساتذة أن المتعاقدين
المستثنين «تفاجأوا بسلبهم حقهم من دون أي وجه حق وتمت إدارة الظهر لهم من قبل
المسؤولين عن هذا الملف»، ودعوا المعنيين إلى تصحيح الخلل الناجم عن تفرغ عدد كبير
من الأساتذة غير المستحقين «لا بالمعيار العلمي ولا بالمعيار الأكاديمي، بل نجحوا
بالمعيار التحاصصي والسياسي». الأساتذة شكلوا لجان عمل بدأت بالاجتماع والإعداد
للخطوات المقبلة، حملوا مسؤولية ما حصل لرئاسة الجامعة ووزير التربية «بالدرجة
الأولى»، إضافة إلى «الأيادي الخفية التي عملت وراء الكواليس». وقرروا رفع القضية
إلى مجلس شورى الدولة.
خلاصة الملف
المحصّلة أن مجلس الوزراء أقرّ ملفاً تشوبه الثُّغَر الآتية:
عدم تفرغ أساتذة كان مجلس الوزراء قد حفظ حقهم في التفرغ بقرار من مجلس الوزراء عام
2008،
تفرغ أساتذة ليس لديهم عقود تدريس في الجامعة اللبنانية،
تفرغ أساتذة ليس لديهم نصاب تدريس قانوني للعام الدراسي 2013- 2014،
تفرغ أساتذة في كليات لا تتلاءم مع اختصاصاتهم،
تفرغ أساتذة يجب التدقيق في مصدر شهاداتهم وقانونيتها وشرعيتها،
تفرغ أساتذة في غير كلياتهم المفترضة وغياب أي دراسة تحدد فيها الحاجات الحقيقية
للكليات.
حسين مهدي
هيئة التنسيق ما لها وما عليها: نقد ذاتي للملمة
القواعد
هيئة التنسيق
النقابية في صدد تقويم تجربتها في خوض معركة سلسلة الرواتب. الناشطون في الهيئة
يتحدثون عن مرحلة صعبة «يجب البحث فيها عن أدوات أخرى لمواجهة السلطة السياسية
التي تجاوزت كل الحدود»، وهم يدعون إلى البناء على واقعة أن الحزبيين في قواعد
الهيئة غلّبوا لأول مرة مصالحهم على تعليمات أحزابهم
وقفة مع الذات هو ما تحتاج إليه هيئة التنسيق
النقابية هذه الأيام. ثمة ضرورة، يقول الناشطون في الهيئة، «لتقويم التحرك
بشفافية وصدق ومعرفة أين أخطأنا وأين أصبنا وما هي الإمكانات الحقيقية
لمكوناتنا وهل هي قادرة فعلاً على تغليب العمل النقابي على الحزبي، ومن ثم ما
هي أسلحتنا الفعلية التي تلملم صفوفنا وتمكننا من البحث عن أدوات مختلفة في
مواجهة السلطة السياسية؟».
لم يمر على الموظفين، لا سيما من عايش منهم أكثر
من محطة نضالية، مسؤولون على هذه الشاكلة، أي بارعين في «الطمطمة» والكذب، بحسب
تعبيرهم. هي سياسة «الصمت» لكسر الحركة العمالية وقمع التحركات، وهذا بحد ذاته
كافٍ لأن يتسلل التململ إلى نفوس الكثيرين ويؤثر في عزيمتهم، كما يؤكد
الناشطون.
«الإحباط طبيعي» بعد ثلاث سنوات، تقول الأستاذة في التعليم الخاص يانا
السمراني؛ فالمعلمون والموظفون بشر، وملف سلسلة الرواتب تحوّل من قضية حقوق إلى
مسألة أخلاق، «ففي تاريخهم النضالي، لم يشعر المعلمون بالإذلال كما يشعرون
اليوم. لم يكذب عليهم المسؤولون إلى هذه الدرجة، بل كانوا في كل مرة يتحركون
فيها يصلون إلى حلول مقبولة. وهنا لم يكن بالإمكان العودة إلى التصحيح، فقرار
الإفادات غير القانونية كان متخذاً سلفاً، لذا يجب أن يصبح وراءنا، ويجب أن
نتواصل في ما بيننا لنقوّم ما حصل ولنعيد بجدية إطلاق التحرك، فالنضال لم ينته
بعد».
ستكون المرحلة المقبلة صعبة، تقول مسؤولة الشؤون التربوية في رابطة أساتذة
التعليم الثانوي الرسمي بهية بعلبكي، «إذ بتنا نتوقع أي شيء من هذه السلطة
السياسية، فقد تؤجل إقرار السلسلة إلى الأبد، وقد تقرّ سلسلة مشوّهة تضرب
الحقوق المكتسبة للقطاعات الوظيفية وتقسّم هيئة التنسيق». برأيها، الحاجة
ضرورية إلى أن يجري كل مكوّن من مكونات هيئة التنسيق نقداً ذاتياً للمرحلة
السابقة، ويجب أن تكون إعادة الاعتبار للشهادة الرسمية في رأس أولويات التحرك
في المرحلة المقبلة. فالشهادة هي الورقة التي توحّد ملامح التلميذ اللبناني في
مواجهة «البكالوريات» الآتية من كل حدب وصوب.
وفي تقويم للتجربة الماضية، تشير بعلبكي إلى أن هيئة التنسيق وجدت كشكل من أشكال
الضرورة الشعبية في ضوء عجز الاتحاد العمالي العام عن محاكاة مصالح الناس، لارتباطه
الوثيق بالمحاصصات السياسية. الهيئة، بحسب بعلبكي، بدأت بالدفاع عن مطالب فئة معينة
لتتحول إلى حالة جماهيرية تمثل تطلعات المواطنين، وقد كبرت رغم محاصرتها من الخارج
بالهجمة على الحقوق، ومن الداخل بالضغط على النقابيين في هيئة التنسيق. إلا أن
بعلبكي تبدو مقتنعة بأن الضغوط جوبهت بوقوف معظم النقابيين ضد أحزابهم، وحدث فصام
بينهم وبينها، وكانت المرة الأولى التي يغلّب فيها هؤلاء مصلحتهم النقابية على
تبعيتهم الحزبية. برأيها، لو خضعت هيئة التنسيق للتجاذبات التي مارستها الأحزاب
والقوى السياسية، ولو لم تدرك القاعدة خطورة الأمر، لما كان هناك وجود لهيئة
التنسيق اليوم. تستدرك: «التمسك بالآليات الديموقراطية والاهتداء برأي القواعد لا
يضيّع البوصلة في معظم الأحيان، فكل شخص من هذه القواعد قادر على أن يوصل صوته إلى
أصحاب القرار وأن يحدث فرقاً».
الموظف في وزارة الزراعة علي برو يصرّ على مراجعة التجربة بموضوعية وبلا مكابرة، مع
«أهمية أن نعرف ما إذا كانت تركيبتنا قادرة على الفصل بين العمل السياسي والنقابي
وضرورة تحديد الفريق الثاني الذي سنواجهه، والابتعاد عن الخطابية الفارغة والبحث عن
أشكال للتحرك لا تشل مصالح المواطنين مثل تنظيم نشاطات خارج الدوام». يتحدث برو عن
«أخطاء حصلت في المرحلة السابقة، إذ لم تكن الوجهة واضحة أمامنا منذ البداية،
فاستهدفنا الهيئات الاقتصادية وحدها (وإن كنا نقرّ بأنها شريكة في هذا النظام)
ورحنا نطلق عليها تسمياتنا من حيتان المال وغيرها، وحيّدنا السياسيين وأرحناهم، بل
كنا نمدحهم في بعض الخطابات».
الخطأ الثاني كان، بحسب برو، تزحلقنا على قشرة الموز التي وضعوها أمامنا، وهي
المرسوم 10415 الخاص بالمواد الضريبية، فغرقنا في الحديث عن الإيرادات والتمويل،
فيما كان يجب أن نطرح مشروعاً لإصلاح النظام الضرائبي المختل. وبالنسبة إلى الهدر،
فقد تحدثنا عن وجهة واحدة منه، وهي سوء جباية المال العام، سواء من المرفأ أو
المطار أو الأملاك البحرية، فيما لم نتطرق إلى سوء الإنفاق ولدينا سلاح المادة 13
من قانون المحاسبة العمومية التي تشترط إجراء دراسات تبرر الإنفاق. أما الضربة
القاسية، بحسب برو، فكانت عدم استدراك تهويل السلطة السياسية بالإفادات، فخسرنا
ورقة مقاطعة التصحيح.
برأي الموظفة في الوزارة نفسها مي مزهر، يحتاج العمل النقابي إلى نفس طويل و«نحن في
الإدارة العامة ما زلنا في أول الطريق، وأكبر انتصار حققناه أننا أحبطنا محاولاتهم
لكسر رأسنا، وقد فشلوا في وضعنا تحت سيطرتهم».
كان يجب عدم تصديق السلطة السياسية والتراجع عن مقاطعة التصحيح في السنوات الماضية.
هذا ما يظنه الأستاذ في التعليم المهني الرسمي سلام حرب، «فاليوم عدنا إلى النقطة
الصفر، وبات علينا أن نعدّ رديّات جديدة مع عامل قوة وحيد هو تمرد النقابيين
الحزبيين على قياداتهم الحزبية، وهذا تجلى بوضوح في المحطة الأخيرة، ويمكن
الاستفادة منه للبحث عن أدوات نضال تصعيدية مختلفة، منها الاعتصام لأيام أمام
الوزارات وتنظيم تحركات أمام منازل رؤساء الكتل السياسية».
لقد تجاوزت السلطة في المواجهة الحدود التي تحترمها الدولة الحديثة عادة في صراعها
مع النقابات، هذا ما يؤكده الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي يوسف كلوت، فقد كسرت
مبدأ التفاوض بضرب سيادة الدولة بشأن الشهادة الرسمية، ما أدى إلى النيل من التعليم
الرسمي عموماً وشل هذه التجربة النقابية الوليدة. بمعنى آخر، وجهت السلطة، بحسب
كلوت، ضربة «غير مسبوقة» للدولة ومبدأ العمل النقابي في آن واحد! وقد أدى ما جرى
(في وجه من أهم وجوهه) إلى تقوية الوجهة التصفوية التي تستهدف تقليص دور الجامعة
اللبنانية وحجمها لمصلحة الجامعات الخاصة. هذه الوجهة سمحت بالمزيد من التلاعب
المزاجي بنظام التقويم والترفيع لطرد الطلاب الناجحين على إيقاع معزوفة رفع المستوى
التي ما فتئت تتردد منذ سنوات، ولم تواجه حتى الآن إلا ببعض الانتفاضات الطالبية
المحدودة. ويرى كلوت أن ما حصل كشف أنّ الصيغة النقابية الراهنة، رغم ما أدت إليه
من فاعلية في مراحلها الأولى، لم تعد كافية لمواجهة الوضع المستجد، وأن تطويرها
لمواجهته لا يمكن أن يتم حصراً بإعطاء الصيغة القائمة شكلاً قانونياً جديداً، أي
تحويل الروابط إلى نقابات.
.................................جريدة
السفير................................
هيئة التنسيق النقابية:
الحصاد المر
لا أحد يجادل في مدى أهمية وأحقية التحرك المطلبي الاجتماعي الكبير الذي خاضته ـ
ولا تزال ـ هيئة التنسيق النقابية منذ ما يقارب الثلاث سنوات، تحت عناوين مطلبية،
أساسها وضع سلسلة رتب ورواتب جديدة للأساتذة والمعلمين في القطاعين الرسمي والخاص
ولموظفي الإدارة العامة ولسائر الأسلاك الأمنية والعسكرية والمتقاعدين، وهي سلسلة
طال انتظارها منذ ما يقارب الثمانية عشر عاماً، فضلاً عن إرساء أسس العدالة وتصحيح
الخلل الناجم عن زيادة رواتب بعض الفئات وتحديداً القضاة وأساتذة الجامعة
اللبنانية.
هذا التحرك شكّل نقطة الضـوء السـاطعة خلال هذه الحقبة التي يشهدها البلد حيث تمكن
من اختراق أعتى أنواع الانقـسامات الطاـئفية والمذهـبية والسياسية، ليحدث استقطاباً
مذهلاً وسط هذا التـفكك المرعـب ويصـوّب البوصـلة نحو توحّد الفئات الاجتماعية حـول
قضـاياها الفـعلية لا سيـما أن الاتحاد العمالي العام بات في موقع الغائب تماماً.
شهدت السنوات الثلاث الماضية وبقيادة هيئة التنسيق النقابية، شتى أنواع النضالات من
تنظيم التظاهرات الحاشدة إلى الاعتصامات المتكررة وعقد اللقاءات الداعمة وصوغ
البيانات الصحـفية والمذكرات الشارحة للمطالب فضلاً عن الإطلالات الإعلامية التي
كانت تؤكد على أحقية المطالب وترفض في الوقت عينه، أن تكون المكتسبات على حساب
الفقراء وذوي الدخل المحدود بل هي حقوق تتوجب على المتسلطين على المال العام وعتاة
الرأسمالية المتوحشة.
ومن المؤكد أن الطابع المطلبي الاجتماعي لهذا التحرك هو الذي مكّن الهيئة من الصمود
عبر استنفار كتلة واسعة التفّت حول مطالبها ـ رغم انتماءاتها السياسية المتنوعة ـ
ولتوفر في آن المنابر الإعلامية والحصانات لقيادة التحرك، بحيث تمكنت معها من فرض
أشكال من التفاوض مع أطراف السلطة والاعتراف بالوزن، وكانت ترجمته في عدد من
المحطات عبر إعداد مشاريع قوانين تتضمن سلاسل رواتب جديدة، وأبواب لتأمين الواردات
لتغطية متطلبات النفقات المفترضة.
ويسجل في سياق هذا التحرك الكبير، مدى أهمية الانخراط الشجاع لموظفي الإدارة العامة
من خلال مشاركتهم الفعّالة في الإضراب والتظاهر والاعتصامات الجوّالة على سائر
مواقع المؤسسات الإدارية، فضلاً عن كسرهم وإلى الأبد عامل الخوف من المشاركة.
تحت مطرقة السلطة
لم يترك أركان السلطة إن في الحكم أو في مواقع قوى الاعتراض، مناسبة إلا وجهدوا
للنيل من هذه المطالب ومن القوى التي تقف وراءها، فتارة يتحدثون عن أحقية السلسلة
لكن يجب أن تكون متوازنة وتارة عن توازن النفقات والواردات أو «التوازن بين اقتصاد
البلد وحقوق الناس»، «باعتبار إذا فقد التوازن فلا سلسلة». والمسألة ليست أرقاماً
بل خراب البلد وإفلاس الخزينة وزيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم، ما يستتبع
زيادة على القيمة المضافة. وقد جندت السلطة أذرعها من المصرفيين إلى «جمعية التجار»
إلى حاكمية مصرف لبنان، فيما استعاد بعض الأقطاب النغمة التاريخية، والسعي لتحجيم
أرقام السلسلة وتجريمها، وزيادة على المحسومات التقاعدية إلى اشتراط أن يواكب
السلسلة تنفيذ معظم بنود مشروع التعاقد الوظيفي المشؤوم الذي ينهي الوظيفة العامة
في البلد ويزيح عن كاهل الدولة معظم التقديمات الاجتماعية التي تعتبر البقية
الباقية من مسؤوليها في الرعاية الاجتماعية.
رغم ذلك لم يفت معظم السياسيين أن يتباروا في إطلاق التصريحات الاستعراضية التي تقر
بحقوق هيئة التنسيق، لكن ذلك لم يكن إلا من مستلزمات «عدة الشغل» فرضته مقتضيات
التجاذبات السياسية من جهة، ولطمأنة جمهور موال مشارك في تحركات هيئة التنسيق من
جهة أخرى.
أما الدقة في حسابات هيئة التنسيق فكانت الحاجة إليها أكثر من ماسة ومطلوبة
فموضوعياً يجب الإقرار أولاً أن هذا التحرك المطلبي لم يكن من بعض زواياه شعبياً.
فالتعليم الرسمي الذي يشهد بعض أوجه التدني في مستواه، دفع بشرائح جديدة إلى
مغادرته نحو مقاعد التعليم الخاص والرزوح تحت أقساطه الفاجرة، والتلويح الدائم من
قبل أصحاب المدارس الخاصة بفرض زيادات على الأقساط حال إقرار سلسلة الرواتب.
لا يجدي هنا التحريض الصائب والقائل «اذهبوا وحصّلوا أموال السلسلة من حيتان المال
وعبر إقفال مزاريب الهدر». ونظرة جمهور واسع إلى بعض العاملين في الإدارة العامة
بأنهم لا يستحقون أي زيادة أو تحسين في المداخيل أما بعض الهنات في مسار هيئة
التنسيق والتي كانت في الختام غير محسوبة النتائج، فقد تجلت بعدم الدقة في اتخاذ
القرارات أحياناً، أو الشعور بالتورم من دون امتلاك القدرة على التعديل في موازين
القوى، إلى عدم اتباع نهج «يمرحل» هذه المعركة المديدة، فليس هناك في تاريخ الحركة
المطلبية معارك مفتوحة من دون خواصر ومحطات، وكان الأجدى لقيادة هذه المعركة
الانطلاق من رؤية ثاقبة لمدى الاستنزاف السياسي لأوضاع البلد وأزمته الكيانية
الكبرى، وهو أمر كان يحول دون تمكن الطبقة الحاكمة من التفرد في حصار المعركة
الاجتماعية لأنها في أضعف حالاتها، وهو أمر كان يتطلب من هيئة التنسيق ضرب الحديد
وهو حام، وتدوير بعض الزوايا، للقبض على محصلة وازنة، وبعدها تلجأ القيادة إلى
تقديم الكشف: هذا ما أنجزناه، وهذا ما لم ننجزه، فلا مسلك، إما كل شيء أو لا شيء.
أما الرهان على تناقضات أطراف السلطة أو بعضها، واستدرار دعمها فكان أمراً مخيباً،
لقد أعطي هؤلاء صكوك البراءة، من دون وجه حق لدى السماح لهم باعتلاء منبر عيد
المعلم في آذار من العام 2013، والمكاتب التربوية التابعة لأطراف السلطة مارست
بدورها اللعبة نفسها، وقدمت كل أشكال الدعم الخالية من أي رصيد، وبدا مثل هذا
التوجه مناقض تماماً لما سيبقى من كلام كبير حول حاجة البلد إلى التغيير الجذري أو
ما شابهه.
وبالرغم مما شهده هذا التحـرك المديـد في أسابيعـه الأخيرة من خفوت في وهجه، إلا أن
الإصرار على اتباع نهج التضخيم ظل قائماً، «فصمود الأساتذة هو الذي أجّل إجراء
الامتحانات لمدة يومين»، في مكتب وزير التربية هو الذي قرر هذه التسوية المجانية
للعودة إلى المراقبة وكانت هذه التسوية من نصيب أحد الأطراف السياسية فيما كان
للهيئة المنبر الإعلامي فقط!
أما أشكال الأداء لبعض قيادات التحـرك فقد اتسـمت أحياناً بتفردها ولا
ديموقراطيتها، من خلال إطلاق بعض التصريحات المقررة للمواقف قبل صدورها عن الهيئات،
وكان مملاً ما شهدناه من تسابق للظهور الإعلامي الذي يكرر المقولات نفسها، مع بث
الأوهام دائماً عن قرب تحقق الإنجاز والمطالبة بالصمود.
وكان فصل الختام في الأداء المر في مسألة تصحيح الامتحانات الرسمية، فقد دارت
سجالات عدة بين الهيئة ووزير التربية وكانت الاتجاهات متعارضة؛ الهيئة تعلن:
التصحيح يلي إقرار السلسلة والوزير ماض نحو إعطاء الإفادات.
وفي خضم ذلك، جولة أخيرة لهيئة التنسيق على الكتل السياسية ـ النيابية واجتماع مع
ممـثلي المكاتب التربوية، حصدت بعضاً من الوعود الخائبة، وانتهى الأمر في السابع
عشر من الجـاري بقـرار لوزير التربية الوطنية يقضي بإعطاء الإفادات وبتفويض من مجلس
الوزراء وإجماع من لجنة التربية النيابية على ذلك واعتبار القوننة للإفادات تأتي
لاحقاً. كان على هيئة التنـسيق أن تعي وتقرأ جيداً وضع البلد ومآل مؤسساته، فلا
يُساءل وزير التربية عن تعهد، لأن تعهده لا يفضي إلى ضمان الحقوق، التعهد والإقرار
في مجلس النواب الذي بات معطلاً...
كان بإمكان هيئة التنسيق وهي لا تزال في كمال رشاقتها أن تتخذ مطواعة قرار العودة
عن مقاطعة التصحيح وتصدر بياناً تؤكد فيه ما قالته في الأمس «إننا نخوض معركة بناء
حركة نقابية ديموقراطية مستقلة في لبنان بمواجهة تحالف مالي ـ سياسي يريد ضربها
وإفشالها... وتكمل بأن مطالبنا محقة وسنستمر في النضال من أجلها وإذا كان السياسيون
يعطلون البلد ويهدرون الحقوق فإننا لا نرغب في استمرار المعركة تدور بين الضحايا،
بين الأساتذة من جهة وبين الأهالي والطلاب من جهة أخرى فنحن أم الولد، ونحن
الحريصون على التربية وعلى المستوى. مثل هذا الخطاب، كان مقدراً أن تكون له مفاعيله
الوازنة، ونكهته النقابية في لحظته المناسبة، وليس بعد فوات الأوان.
إننا بقدر ما نمجد هذه الحركة المطلبية ونعتز بها، فإننا نخشى عليها، والخوف في أن
تتحول هذه الخشية إلى أمر واقع.
محمود قميحة
منحة متميزة
مرة جديدة،
تتوالى أخبار الطلاب اللبنانيين المتفوقين، إذ فازت مايا نصر بمنحة لدراسة هندسة
علم الفضاء، بعد التحاقها بجامعة «ماساتشوستس» الأميركية للتكنولوجيا (MIT)، علماً
أنه من المرات النادرة التي يستقبل فيها هذا القسم طلاباً من المنطقة العربية، إلا
إذا كانوا يحملون الجنسية الأميركية، فيما نصر لا تحمل إلا الجنسية اللبنانية.
وأصدرت «منظمة الشباب التقدمي» بياناً هنأت فيه نصر.
الإفادات تسرق من الطلاب
ساعات حميمة
لا
يكفي قلق الأهل على البنت والولد غربتهما الآتية تحصيلاً للعلم، حتى يصبح القلق
ألماً وقرفاً بسبب مهزلة الشهادة الرسمية التي خُفضت إلى إفادة. وكأن شقاء ثمانية
عشر عاما بانتظار الانتساب الى الجامعة لا يكفي بذاته، ليختتم بورقة - إفادة لا أب
لها ولا أم، ولا إدارة تعرف شكلها بعد، أو تعرف من سيوقعها ويختمها ويصادق عليها.
وتصبح فرحة العبور إلى عمر الشباب وحرم الجامعة، غصة الدوران في متاهات الإدارات
وتصاريح المسؤولين التربويين بحثا عن خريطة طريق، لمستقبل كان ليضيع خلال ساعات.
جيل الإفادة عانى في الأسابيع الماضية معاناة عمر كامل. ليست المسألة سلسلة رتب
ورواتب محقة، ولا مجلس نواب معطّلا، ولا هيئة تنسيق «أكلت الضرب».
هناك صبية تكد ليل نهار مثلها مثل عشرات آلاف التلامذة، من أجل امتحان لم تعرف
موعده إلا بعد منتصف ليل، كأنه جريمة، وعار. وبعد مخاض الامتحانات، دخلت في هوة
التصحيح، يتم أم لا يتم. بداية كان المسار المتقلب مقبولاً. مع اقتراب مواعيد السفر
ودخول الجامعات، بات الأمر لا يطاق. وإلى توتر الافتراق عن الأهل واضطرابات ما قبل
الوداع، هناك حجوزات الطيران والفنادق التي يستحيل تقريباً تبديل مواعيدها، في موسم
الازدحام والعودة إلى بلاد الاغتراب.
وزارة التربية حسمت أمرها بالإفادات. السفارات تتبع اجراءات واضحة، لا تحتمل مزاجية
وزير أو أي قرار غير معلل وموثق رسمياً وبحسب الاصول. الطلاب يتصلون بالسفارت وهي
تحولهم من انتظار إلى انتظار، إلى أن تقضي الدولة أمرها وتفرج عن الآلية المتبعة
لاصدار الإفادة واعتمادها. وأخيراً ضاق الملحقون التربويون الأجانب بالاستفسارات،
فأخذوا على عاتقهم ارسال لوائح بالطلاب المغتربين المنتسبين إلى جامعاتهم إلى وزارة
التربية للمصادقة بعد التدقيق باسماء الطلاب الذين تقدموا إلى الامتحانات، وذلك
تحسباً لنفاد المهل الجامعية وتأشيرات السفر والإقامة. اللوائح نامت في الأدراج.
وخلال الأيام المنصرمة عجت أروقة الوزارة بطبقاتها الخمس عشرة بتلامذة تائهين في
المبنى الكئيب بضخامته بحثاً عن مصير القبول إلى الجامعة. قبول قد يطير إذا سقطت
ورقة تحمل أسماءهم سهوا أو كسلا.
طبعاً حل الامر على الطريقة اللبنانية، وفي اللحظة الأخيرة. وأفرج عن اللوائح موقعة
ظهر أمس، بعد مساع متواصلة، واتصالات لم تنقطع مع الوزير والمدير العام. لكن ذلك لم
يمنع أن المماطلة وعدم وضوح الرؤية سرقا من الطلاب ومن ذويهم ساعات حميمة كان من
المفترض أن تنقضي بوداع الأحبة وتبادل التوصيات والامنيات. ما جرى لجيل الإفادات،
لن يحفز أياً من الطلاب، على التفكير بالعودة إلى لبنان، مع شهادته التي استحقها
بعد امتحان.
.................................جريدة
النهار................................
المستثنون من التفرّغ: لإنصاف المستحقين ورفع الظلم عنهم ولتصحيح خلل تفرّغ عدد
كبير من غير الأكاديميين
طالب الأساتذة المستثنون من التفرّغ في الجامعة اللبنانية، الحكومة بانصافهم وتصحيح
الخلل في الملف.
وعقد المتعاقدون المستثنون من التفرغ الاكاديميين مؤتمراً في كلية العلوم، تلا
خلاله عضو اللجنة الإعلامية في لجنة المتعاقدين المستثنين الدكتور عادل عبد الساتر
بياناً حمل عنوان "رسالة من المتعاقدين المستثنين من التفرغ"، وجاء فيه:
"فوجئ المتعاقدون المستثنون بسلبهم حقهم من دون أي وجه حق، ومع إدارة الظهر من
المسؤولين عن هذا الملف الذي يعادل هذا الاستخفاف بأذاه حجم الأذى الذي لحق بهم من
عدم تفرغهم، وشعروا بأن كل ما كان يرفع من شعارات ما كان إلا خطابات رنانة عن أهمية
الأستاذ الجامعي ودوره وقيمته".
وأضاف: "أين العدالة حين يتحول المعيار في الانتماء إلى طائفة من الطوائف شاءت
الأقدار أن تكون ولادة للمفكرين وللمبدعين، وبدل أن تكافأ على تطورها وتقدمها الذي
يستفيد منه الوطن والمجتمع تقمع بإقصاء مبدعيها تحت عناوين طائفية تحذر من خرق
التوازنات؟ أين العدالة حين يكون المعيار شطارة من هنا ورقصاً على الحبال من هناك،
بدل أن يكون جهداً يبذل في إنتاج المعرفة، فتفوز مجموعة بالتفرغ منتشية على حساب
آهات المستحقين وجراحات مشاعرهم وأحاسيسهم؟".
وتابع: "ندعو كل مسؤول إلى أن يضع نفسه في قاعة من قاعات المحاضرات في الجامعة
اللبنانية، وهو محبط من الظلم وفي القاعة الأخرى أستاذ جامعي آخر أعانته نعمة
الحظوظ السياسية والطائفية. هل يدرك المسؤولون أن بعض الأساتذة أصيبوا بانهيارات
عصبية؟ وهل يدركون أن إحدى الزميلات أجهضت عند تلقيها الخبر المشؤوم؟ ومن لم يعرف
أن أحد الزملاء أصيب بنوبة قلبية منذ أكثر من عامين لشعوره الشديد بالظلم وبالقهر
وقضى فيها؟ من المسؤول عن قتل أرواح الأساتذة قبل قتلهم جسدياً؟ ثم يقتلون جسدياً،
فيتحول الأساتذة إلى فئتين: فئة محظوظة وفئة مغبونة، فهذا ضرب لوحدة الجامعة
النفسية قبل وحدتها الهيكلية والتنظيمية".
ودعا إلى "تصحيح الخلل الذي تم فيه تفرغ عدد كبير من الأساتذة غير المستحقين، لا
بالمعيار العلمي ولا الأكاديمي، بل نجحوا بالمعيار التحاصصي والسياسي، ويستطيع أي
متدبر للملف أن يكشف حجم الشوائب، إن من حيث مخالفة معيار النصاب كشرط للتفرغ، وإن
من حيث بعض الأسماء التي هبطت على الجامعة كالقدر الذي لا يقوى أحد على رده".
وختم: "لا يمكن لأي مسؤول أن يدعي البراءة من الجرم، فالكل شريك فيه، ومن وافق على
تفرغ من لا يستحق عليه أن يبادر إلى إنصاف المستحقين، والرغبة في إنصاف المستحقين
يجب أن تكون بالقدر نفسه، إن لم نقل أكثر من الرغبة في الاعتداء على حقوقهم بأسماء
من هنا وتبريرات من هناك. فالأمر يحتاج إلى جرأة من المسؤولين، وإن كان قد وقع
الخطأ عن عمد، فإن تصحيح الخطأ يمكن أن يكون عن إصرار وعن عمد أيضاً".
مخترعان لبنانيان
وضعت مجلة MIT Technology Review الصادرة عن "معهد مساتشوستس للتكنولوجيا" قائمة
بـ35 شخصاً قالت إنهم يقومون بعمل لافت قد يطبع ميادينهم لعقود طويلة. وصنّفتهم بين
مخترعين ينكبّون على ابتكار تكنولوجيات جديدة؛ ورؤيويين يكشفون كيف يمكن استخدام
التكنولوجيات بطرق جديدة أو محسّنة؛ وإنسانيين يستخدمون التكنولوجيا لتوسيع الفرص
أو إلهام السياسات العامة؛ وروّاد يقومون بعمل أساسي سوف يولّد ابتكارات جديدة في
المستقبل.
والأشخاص الواردة أسماؤهم في اللائحة اختارهم الجمهور أو المحررون في MIT
Technology Review. وبينهم لبنانيان هما آية بدير، 31 عاماً، وفاضل أديب، 25 عاماً.
آية بدير: القوالب الإلكترونية تربط أيضاً بين الفن
والهندسة
نشأت آية (31 سنة) في بيروت حيث تعلّمت أن الفن والهندسة يحتلان مساحتَين منفصلتين.
تروي: "في لبنان، كما في معظم أنحاء العالم، ثمة حدود فاصلة بين المهن: فكل من
الطبيب والمعلم والعالِم والمصمم يتواجد في حيّز خاص به منفصل عن الآخرين". لكن
الشركة التي أسّستها عام 2011، LittleBits Electronics، تسير عكس التيار في هذا
المجال عبر جعل التكنولوجيا متاحة في مختلف الاختصاصات ولجميع الأعمار. تبيع الشركة
أدوات إلكترونية يمكن الربط بينها بسهولة في مشاريع متنوّعة مثل آلة صوت، أو ضوء
ليلي، أو يد روبوتية تشبه اليد الحقيقية.
تصنّع الشركة نحو 50 وحدة مختلفة يصل سعر كل واحدة منها إلى 40 دولاراً، أو تأتي في
علب يبدأ سعر الواحدة منها بـ99 دولاراً. كل وحدة عبارة عن مستطيل رفيع يتراوح طوله
من إنش واحد إلى 4 إنشات ويحتوي على دوائر كهربائية معقّدة ومخفية. تؤمّن الوحدات
الزرقاء الطاقة الكهربائية. أما الوحدات الزهرية فمخصصة للمدخلات، على غرار مفاتيح
التحويل، والميكروفونات، وأجهزة استشعار الحركة. والوحدات الخضراء مخصصة للمخرجات
مثل الأضواء، والمحركات، ومكبرات الصوت. تؤمّن الوحدات البرتقالية الأسلاك أو
الوظائف المنطقية. صمّمت بدير كل الوحدات بحيث تلتصق معاً مغنطيسياً، وهكذا يتمكّن
المستخدمون من جمع الدوائر الكهربائية بطريقة صحيحة.
باعت شركتها التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، مئات آلاف الوحدات في نحو 80 بلداً،
وتعتزّ بدير بأن المنتج يُعجب الفتيات والفتيان، والأولاد والراشدين، والمصممين
والمهندسين على السواء. تقول: "مفك البراغي هو مفك براغٍ بالنسبة إلى الجميع. لا
يهم من أنت أو كيف تستخدمه. كل شخص يجد ما يريده".
فاضل أديب: استخدام الـ"واي فاي" لتقفّي تحركات
الأشخاص
يروي أديب (25 سنة): "ولدتُ في طرابلس عام 1989. في ذلك الوقت، كان العنف السياسي
مستشرياً. انتهت الحرب الأهلية اللبنانية بعد عام. لسوء الحظ، لم يدم الاستقرار
طويلاً. عندما دخلت الجامعة الأميركية في بيروت، أتذكر أنه كانت تقع اغتيالات أو
تفجيرات كل أسبوع تقريباً. عندما قدمت إلى معهد مساتشوستس للتكنولوجيا لمتابعة
تحصيلي العلمي بهدف نيل شهادة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر ومختبر الذكاء
الاصطناعي، أول ما صدمني كان أنني استطعت التركيز طيلة الوقت على البحوث".
يضيف: "في أحد مشاريعنا، عملنا على زيادة سرعة الواي فاي عبر رفع الإنتاجية بين
العُقد إلى أقصى حد. من حين لآخر، تصاب المنظومة بالخلل، ولا نعود نحصل على نتائج
جيّدة. وقد أدركنا أن السبب هو أن أحدهم يمر في الرواق فيحدث تغييراً في القناة".
يشرح أديب: "إذا وجّهت إشارة لاسلكية إلى الجدار، تنعكس كمية كبيرة من تلك الإشارة
عن الجدار. ويخترق جزء صغير جداً من الإشارة الجدار، وينعكس على أي شيء يقع خلف
الجدار، ثم يرتد. أدركنا إذاً أنه يمكننا تحسّس الحركة عبر استخدام هذه الإشارات
اللاسلكية، وهكذا بدأنا العمل على الرؤية عبر الجدران".
يتابع: "يمكن تقفّي حركة الأشخاص خلال تنقّلهم. ويمكن مراقبة النبض والتنفّس لدى
عدد كبير من الأشخاص. بإمكان المتاجر التي تريد تقفّي حركة الزبائن أن تحدّد متى
يأخذ الشخص منتجاً ما بيده أو ينظر إليه أو يعيده إلى مكانه. تستطيع الشرطة أن
تحدّد إذا كان هناك شخص يقف خلف الجدار. من التطبيقات التي نفكّر في تطويرها: هل
يمكن مراقبة نبض الجنين في رحم الوالدة من دون لمس الجسم بأي طريقة من الطرق؟".
يختم أديب: "عندما زرت لبنان وأخبرت جدّتي عن المشروع، سألتني: "إذاً هل يمكنني
وضعه هنا في غرفة الجلوس، وإذا وقعت في غرفة النوم أو في الحمام، سيلتقط إشارات عن
سقوطي ويبعث برسالة SMS إلى أحد أولادي؟ أرجوك، اصنع هذا المنتج وضعْه هنا".
سيناريو الافادات شبح السنة الدراسية الجديدة
"ما بدنا نتبهدل"، بهذه الكلمات علّق طلاب شهادة الثانوية العامة في السنة الدراسية
الجديدة، فلا شك في أن ما شهدناه أخيراً من مدّ وجزر بين هيئة التنسيق النقابية
ووزير التربية، وعدم الأخذ بمصلحة الطلاب وخصوصاً طلاب شهادتي المتوسط والثانوية
العامة وتحديداً بعد "اصرار" في موقفها بعدم وضع أسس التصحيح والتصحيح، مما دفع
وزير التربية الياس بو صعب على اتخاذ قرار باصدار الافادات للطلاب، وولّد حالاً من
البلبلة والقلق بين التلامذة.
أزمة حقيقية
يترقب الطلاب بحذر ما سيؤول اليه الوضع خصوصاً مع اهتزاز الوضع التربوي بعدم ايجاد
مخرج أو حلّ للأزمة. تراجعت هيئة التنسيق "متأخرة" بعد قرار بو صعب، ومع اقتراب بدء
السنة الدراسية، يستعيد الطلاب ذكريات سيئة لما مرّ به زملائهم. الأزمة الحقيقية
كانت لطلاب الشهادة الثانوية، اذ كانوا في حال من الانتظار والمراوحة حتى اصدر وزير
التربية افادات "النجاح".
يقرع جرس المدرسة منتصف أيلول ايذاناً بالعودة، الطلاب على مقاعدهم مصممين على
تحصيل العلم، رغم امكانية ان يعاد سيناريو "سلسلة الرتب والرواتب" السنة المقبلة.
لارا تلميذة في إحدى المدارس الكاثوليكية في منطقة زوق مصبح، أصرّت على الاستمتاع
بعطلتها الصيفية لأنها تعلم مسبقاً أن ما ينتظرها صعب، ان من ناحية كثرة الدرس أو
من الناحية النفسية التي ستسوء مع اقتراب موعد الامتحانات الرسمية، ولمجرد التفكير
من اليوم ان تعمد هيئة التنسيق على تكرار فعلتها وعدم وضع أسس التصحيح والتصحيح.
معارضة شديدة
علامات القلق بادية على لارا رغم ضحكتها الدائمة، وبصوتها الواثق تؤكد: "ما بدي
ادرس عالفاضي وبالآخر ينجح اللي دارس واللي مش دارس". هكذا علّقت الطالبة المجتهدة
التي لن تتوانى عن المثابرة على دراستها، رغم كل الظروف التي قد تطرأ.
وترى أن قرار اعطاء الافادات جاء في التوقيت الصحيح، رغم معارضتها الشديدة لهذا
المبدأ، "التصحيح اكثر من مهم لطلاب الشهادة الثانوية العامة، فنحن على اعتاب مرحلة
اكاديمية جديدة ستحدد مستقبلنا المهني".
أما السياسيون وهيئة التنسيق ووزير التربية، فتوجهت اليهم بالقول: "حلوها بقا، خذوا
قرار وما بقا تعذبو التلاميذ واهلهم في عالم بدها تكمل علمها... من غير شي البلد ع
كف عفريت". وتشير لارا الى انها كانت تفضل اعتماد علامات المدرسة بدل اعطاء افادات
النجاح للجميع.
وهذا أيضاً ما أكدته صديقتها ايليسا التي وصفت ما مرّ به طلاب الشهادات الرسمية
بـ"المسخرة ولعبة ما الها عازة". وشددت ايليسا بكل حزم على ضرورة ان لا تتكرر
المشكلة العام التالي، وتقول انه كان على السياسيين ووزير التربية وهيئة التنسيق
النقابية ايجاد الحلول قبل أن يصلوا الى حائط مسدود واتخاذ قرار اعطاء الافادات.
حل جذري
وفي حال تكرار المشاكل والتظاهرات والاعتصامات والامتناع عن التصحيح، تؤكد اليسا
انها ستدرس وكأن شيئاً لم يكن، ففي نهاية المطاف: "أنا المستفيدة". وتوجهت الى هيئة
التنسيق قائلة بغضب ممزوج بالقليل من الاستهزاء: "أوقفوا ما تفعلونه، فالاضرابات لن
توصلكم الى أي مكان فأنتم وحتى اليوم لم تحققوا أي شيء!".
"ما عندي مشكل اذا رجعو عطوني افادة"، تقول غاييل ممازحة، لكن الطالبة تشدد على
ضرورة معالجة موضوع سلسلة الرتب والرواتب، وايجاد حل جذري لها.
من جهته، يشعر شربل بالخوف من أن تستمر الأزمة وأن تضيع جهودهم خلال السنة الدراسية
سدى، مبدياً رضوخه للأمر الواقع "شو بدنا نعمل..."، في حال تكرر السيناريو. أما
ماريز فتتمنى أن لا يتكرر الأمر، آملة في حل مشكلة سلسلة الرتب والرواتب قبل انتهاء
السنة الدراسية المقبلة.
رغم تطمينات هيئة التنسيق ببدء العام الدراسي في موعده، لكن يبقى الوضع متوتراً حتى
اعلان حل مشكلة سلسلة الرتب والرواتب، فـ"مبروك" للطلاب، و"والله يعين" طلاب السنة
الدراسية المقبلة!
.................................جريدة
اللواء................................
وفد من المتعاقدين الثانويين سلّم عميد
التربية في الحزب «القومي» مذكّرة بمطالبهم
استقبل عميد التربية والشباب في الحزب السوري القومي الاجتماعي عبد الباسط عباس
وفدا من اللجنة المركزية للمتعاقدين الثانويين برئاسة حمزة منصور، حيث تم خلال
اللقاء التشاور في مطالب الأساتذة المتعاقدين.
وسلّم الوفد إلى عباس مذكّرة تشرح «معاناة المتعاقدين الثانويين والغبن اللاحق بهم،
على مدى سني عطائهم»، وأكدت المذكرة ضرورة «العمل على إجراء مباراة واحدة لجميع
المتعاقدين من دون استثناء، تأخذ بعين الاعتبار أوضاع المتعاقدين وظروفهم والخدمات
التي قدموها والعمر الذي قضوه في التعليم والخبرة، خصوصا أن فئة كبيرة منهم لم
تتقدم لأي امتحان لأسباب عديدة، وأن قسما منهم امتحن بمواد هي غير المواد التي
تعلمها او علمها».
وشدّدت المذكرة على «أهمية دور القومي وسائر الأحزاب والقوى في دعم قضية المتعاقدين
الثانويين وإنصافهم، لأنها قضية عادلة ومحقة».
من جهته، أكد عباس أنّ «الحزب القومي يقف بقوة إلى جانب كل قضية محقة، ويرى ضرورة
تحقيق مطالب المتعاقدين الثانويين وإنصافهم، لأنهم على مدى سنوات طويلة بذلوا الوقت
والجهد في مجال التربية التعليم، لذلك فإن التثبيت هو حق من حقوقهم، ولا يجوز تحت
أي عنوان أو اعتبار إهمال قضيتهم».
وشدّد على «ضرورة إيجاد الحلول اللازمة لكل القضايا التي تحتاج الى حلول، وإعطاء كل
ذي حق حقه، فهناك مصير عائلات كثيرة مرتبط بكل قضية عالقة، والمطلوب أن تتحمل
الدولة مسؤولياتها وتبادر الى حسم كل الملفات، والشروع في إعداد صيغ ومعايير
للوظيفة العامة بحسب حاجة مؤسسات الدولة وإلغاء وضعية التعاقد التي تصطدم دائما
بالعقبات»، مؤكداً «وقوف الحزب إلى جانب مطالبهم، حتى الوصول الى حلول مرضية تقضي
بتثبيتهم وحفظ حقوقهم».
سلسلة الرواتب: لعبة الأرقام الرسمية
المضللة
فيما أعلن وزير المالية الحالي علي حسن خليل ان كلفة سلسلة الرتب والرواتب هو 2765
مليار ليرة لبنانية، قال عضو جبهة النضال الوطني النائب علاء ترو في اجتماعه مع
هيئة التنسيق النقابية، ان الكلفة هي 2860 مليار ليرة.
وفيما نقلت صحيفة «النهار» ان اللجان النيابية المشتركة رفعت تقريرها للهيئة
العامة للمجلس النيابي بكلفة 2450 مليار ليرة للسلسلة، أوضح مقرر اللجان النيابية
المشتركة ان نفقات المشروع المقدّم للسلسلة من الحكومة الميقاتية بلغ 1669 مليار
ليرة موزعة على قسمين: الأول غلاء معيشة ويبلغ 851 مليار ليرة والثاني تحويل رواتب
ويبلغ 818 مليار ليرة. وأضاف النائب كنعان ان الحكومة الميقاتية كانت قد أغفلت ما
قيمته 434 مليار ليرة لتصبح الكلفة 2103 مليار ليرة، وقد أضافت اللجان المشتركة على
هذه القيمة 138 مليار ليرة لتصبح القيمة النهائية التي حوّلت من اللجان المشتركة
الى الهيئة العامة 2241 مليار ليرة. فمن أين أتت جريدة «النهار» برقم 2450 مليار
ليرة؟ ولماذا التباين في الأرقام مع وزير المالية بما قيمته 524 مليار ليرة؟
هل الهدف تضليل الرأي العام وتكبير حجم النفقات ليتملصوا من حق المعلمين والموظفين
في الحفاظ على الحد الأدنى من القيمة الشرائية لرواتبهم، بعدما تدنت هذه القيمة
بفعل التضخم الذي بلغ باعتراف اللجنة النيابية الفرعية 121%. أم ان الهدف يكمن في
تحميل المواطن ضرائب إضافية تحت حجة تمويل السلسلة وهي في الأساس لتمويل عجز
الموازنة؟
ان إقرار غلاء المعيشة تحصيل حاصل وقيمته تبلغ 851 مليار ليرة، وعليه فالكلفة
الحقيقية لسلسلة الرواتب بما فيها المؤسسات العامة لا تزيد على 1400 مليار ليرة
سنويا، أي أقل من مليار دولار.
ولو راجعنا قيمة الإيرادات التي أقرّتها اللجان النيابية المشتركة في اجتماعاتها
الاسبوع ما قبل الماضي، والتي ذكرها النائب إبراهيم كنعان لوسائل الإعلام، لوجدنا
فائضا مقداره 800 مليار ليرة زيادة على كلفة السلسلة دون احتساب ما سوف تقرره
الهيئة العامة. لقد أكد النائب كنعان ان اللجان المشتركة أمّنت واردات دائمة بقيمة
2156 مليار ليرة و80 مليار ايرادات مؤقتة، وقدّمت للمجلس النيابي مشاريع تتراوح
قيمتها بين 470 مليار ليرة و550 مليار ليرة، يضاف الى كل ذلك إيرادات البناء
المستدام بقيمة 1120 مليار ليرة، هذا دون احتساب واردات لم تحتسبها اللجان على
أنواعها ومنها قيمة المحسومات التقاعدية أي 6% من قيمة الرواتب الفعلية.
ان ما تقدّم يوضح ان المعضلة ليست في الأرقام إنما في الخيارات السياسية، حيث تسعى
غالبية الطبقة السياسية الى تقديم أوراق الاعتماد للبنك الدولي الذي كان السبب في
ضرب اقتصاد بلدان العالم الثالث مما أدى الى زعزعة الاستقرار الاجتماعي في هذه
البلدان.
ان قيمة الرواتب الحالية هي أقل من 25% من الموازنة العامة، والنتيجة ركود اقتصادي
ووقوع أكثر من 200 ألف عائلة تحت خط الفقر المدقع. فيما كانت قيمة الرواتب قبل
العام 1975 تبلغ نسبتها 55٪ من قيمة الموازنة وكان لبنان ينعم بنمو اقتصادي وكانت
الطبقة الوسطى هي الطبقة الأكثر انتشارا بين اللبنانيين.
لقد جرّب اللبنانيون الصيغة الاقتصادية الحالية طيلة عشرين عاما ونيف، فكانت
النتيجة التالية: ارتفاع الودائع المصرفية من 4 مليارات دولار الى 140 مليار دولار،
وارتفاع موجودات المصرف المركزي الى 65 مليار دولار، بالمقابل تزايد عدد الفقراء
حيث 200 ألف عائلة تحت خط الفقر المدقع ، وحيث البطالة في صفوف الخريجين تزيد على
37% دون ذكر البطالة المقنعة، فالدولة تعتبر مثلا ان المتعاقد في التعليم بحصتين أو
ثلاثة اسبوعيا هو عامل وليس عاطلا عن العمل، والكل يعرف ان عدد المتعاقدين بالساعة
في التعليم الرسمي يقارب 17000 متعاقد ومتوسط دخل الفرد السنوي دون 4 ملايين ليرة،
ناهيك بالمتعاقدين في الجامعة اللبنانية ووزارة المالية ومختلف وزارات الدولة
ومؤسساتها العامة والمحرومين بغالبيتهم من أبسط الحقوق الطبيعية، عنيت حق الضمان
الصحي.
لقد آن الأوان لأن تستمع الطبقة السياسية الحاكمة الى رجال الاقتصاد الذين يخالفون
نظرة «المايسترو» الذي لم تثبت الأيام صحة مقولاته الاقتصادية، وأن تجرب نهجا
اقتصاديا آخر. فهل بإمكان هذه الطبقة مثلا أن تفرض على المصارف توظيف 5% من
مدخراتها في مشاريع انتاجية في محافظات لبنان كافة؟ هل بامكان هذه الطبقة أن تفرض
على حاكم مصرف لبنان، الذي هوّل بالثبور وعظائم الأمور فيما لو أقرّت السلسلة، بأن
يعمد الى اعطاء قروض لمشاريع انتاجية زراعية وصناعية للمواطنين مباشرة، بدل أن يعطي
للمصارف 2200 مليار ليرة بفائدة 1٪ ثم تعمد هذه المصارف الى اقراضها للمواطنين
بفائدة تصل الى 8%.
ان المعضلة الحقيقية ليست في الأرقام الاقتصادية إنما في الخيارات السياسية، وللأسف
فان الطبقة السياسية الحالية أثبتت مرارا انها لا تتفق الا على الخيار الذي أثبت
فشله اقتصاديا فتوقف النمو وغابت التنمية وعمّ القهر الاجتماعي الذي هو المقدمة
الطبيعية لعدم الاستقرار الاجتماعي وبالتالي عدم الاستقرار الأمني..
عدنان برجي
مدير المركز الوطني للدراسات.
عضو هيئة التنسيق النقابية.
الموضوعات
المدرجة ضمن هذه الصفحة تعرض للقارئ أبرز التقارير التربوية في الصحف المحلية،
وموقع التعبئة التربوية لا يتبنى مضمونها