"النهار" ــ غسان حجار ــ يحتار ال#لبنانيّون على ماذا يختلفون. لكن الأمر في حقيقته أنهم تباعدوا كثيراً، وأن حجم الخلاف والاختلاف في ما بينهم زاد على حدّه، بعدما تبدلت هوية البلد، ولم يجد بعد هوية بديلة يستقر عليها، بل صار أسير "هويات قاتلة"، وفق أمين معلوف.
مناسبة هذا الكلام المناهج الجديدة التي تعدّها وزارة التربية، عبر المركز التربوي للبحوث والانماء (شكلاً)، والتي بدأت تُثير نقاشاً غير صحّي، على عكس ما يجب أن يكون، في قضية وطنيّة حساسة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمستقبل، لأنّ النظام التربوي هو المستقبل في عينه، مستقبل الأجيال، من خلال الفكر، والانفتاح، والعلوم على انواعها، والتربية بتشعباتها، وصولاً إلى الهوية والكيان، والدور اللبناني.
لست دكتوراً في التربية، ولا في المناهج، بل متابع من موقعي الصحافي، مطّلع على بعض ما يدور في الكواليس، وعلى المسار التربوي مذ تسلّمت المهمة في جريدتي قبل أعوام كثيرة، وقبل أن أتركها إلى مهمّة أخرى.
أقرأ اليوم عن مناهج جديدة، يستعجل القيّمون على إعدادها، إتمام العمل قبل منتصف الشهر الجاري لاشتراط الجهة المموِّلة إنهاء العقد القديم الممدَّد أو يسقط التمويل، ما يعني أنّ التمويل صار جزءاً أساسيّاً أو عاملاً محركاً لهدف مستعجل، ما يقتضي، غالباً، "سلق" العمل كما حصل في المناهج السابقة، المعتمَدة الى اليوم، العام 1997، عندما أراد الرئيس الياس الهراوي الاحتفاء بها قبل نهاية عهده، فسرّع إنجازها قبل ان تختمر في النفوس والنصوص.
اليوم يدور جدل جديد حول المناهج، قديمها وجديدها، وعمّا إذا كان لبنان أجرى مراجعة علميّة دقيقة وتقويماً معمّقاً للمناهج القديمة لينطلق إلى مشروع جديد، أو إذا كان أفاد من عملية تقويم اشرف عليها الدكتور عدنان الأمين، على ما أذكر، وبرعاية مكتب اليونسكو، أم أنه يريد أن يسجّل إنجازاً، ولو شكليّاً، يحاكي الواقع من قرب، ولا يدخل إلى أعماقه، أو ربّما يستعجل لبنان الافادة من القرض بالعملة الصعبة لتحقيق منافع لبعض القيّمين على المشروع ليس أكثر؟
الأسئلة كلّها مشروعة، بل واجبة، لأنّ كل نقاش في هذه الملفّات، مفيد في تحقيق مصلحة وطنيّة عليا، إذ إن إصدار مناهج جديدة ليس بالأمر السهل، ولا هو ممكن كل سنة، أو كل فترة زمنية، في بلد معقّد مثل لبنان، لم يتمكّن من إصدار كتاب للتاريخ منذ نحو ربع قرن، علماً أن لا حاجة الى كتاب تاريخ موحّد، ما دام تاريخ اللبنانيين غير موحّد، والنظرة إلى الأحداث غير متقاربة، ولن يكون ممكناً توحيدها أو تقريبها في كتاب.
العاملون على إصدار المناهج الجديدة ربما يكونون على حق في الدفاع عن عملهم، لأنّهم يبذلون جهوداً لتحقيق ما يعتبرونه الأفضل، ولهم الحق في عرض وجهات نظرهم وأفكارهم وطروحاتهم، والدفاع عنها، ولهم حق على الإعلام لنشر هذه الآراء، كما فعلنا في "النهار"، لإثارة النقاش العلمي، الرصين، والذي يؤدّي في أحيان كثيرة إلى إدخال تعديلات جوهريّة على الخطط الموضوعة وعلى مسارات العمل، بعد الكشف عن أخطاء ربّما تكون جوهريّة. وكل ذلك قبل اتخاذ موقف مرحِّب أو عدائي منها. ويحتاج الامر الى تدقيق وتحقيق في ما يقوله هؤلاء القيّمون لأنهم أصحاب مصالح في عملهم.
والمنتقدون للمشروع ربّما يكونون على حق، ولو أن بعضهم خسر باكراً جولة في عدم القدرة على قبول الرأي الآخر، أو حتّى سماعه، أو الصبر عليه، قبل إصدار الأحكام المُسبقة كما حصل مع الدكتورين عدنان الأمين ونمر فريحة اللذين لم ينتظرا تأجيل نشر مقالتين نقديّتين للمناهج، أيّاماً قليلة، ريثما يتم عرض كل وجهات النظر. وإذا كانا محقّين في بعض ما أورداه في مقالتيهما، اللتين عادا فنشراهما في صحف اخرى (ولنا عودة الى المضامين)، فإنّ مُنطلق كل واحد على حِدة يضعف الحجة، وخصوصاً الثاني الذي تحكم علاقته بمن سبقه في رئاسة المركز التربوي الدكتور منير أبو عسلي، والذي يعود إلى المناهج مستشاراً في التربية، "عداوة" تؤثّر في الحكم على الأمور. لعلّ الاثنين خبيران مهمان في المناهج، لكن استباقهما الامور يعبّر عن ضعف مقابل في مضامين المناهج التي تعتمد على تقنيات الحياة، ومنها الاصغاء والاطّلاع والبحث قبل إصدار الأحكام. علماً اننا لن نتوقف عند الشكليات بل سندفع الى النقاش الجدّي في ما توقفا عنده.
لن أدخل في عناوين مخرجات التعليم، وفي المناهج والبرامج، وغيرها من أمور يجب أن تقتصر على أهل الاختصاص، لكن بعض العناوين عن الهوية الوطنية، والرسائل والدروس المرتبطة بالواقع المجتمعي المحيط، أي البيئة الحاضنة، وغيرها، والتي باتت في صلب النقاش، تخلط بين التربية والسياسة، السياسة بمعناها اللبناني الضيّق، وليس كعِلم قائم في ذاته، أو كالتزام الشأن العام.
يمكن مشاركة عدنان الأمين في سؤاله عن الاسقاطات الخارجية، أي استيراد مناهج أجنبيّة، وترجمتها، أو لبننتها بطريقة سطحية، من دون بذل أي جهد في احترام الخصوصية اللبنانية. لكن سؤال الخصوصية يتعلّق أيضاً بالهويّة، والهوية غير موحّدة، والخصوصيّة ليست لبنانية بقدر ما هي مناطقيّة وحزبيّة وطائفيّة، أي انها خصوصيات عدة داخل "الخصوصيّة اللبنانيّة".
ويمكن، في المقابل، رد السؤال باعتبار أن زمن العولمة يتطلّب مناهج عالمية مدروسة، تتعلّق بـ"القرية الكونية" لبناء "الانسان العالمي" الذي يُسقط الحواجز، خصوصاً للبناني الذي يعتمد الهجرة الدائمة، ويطمح باستمرار، أو تحكمه ظروفه بالدراسة في جامعات العالم، والعمل في بلاد الانتشار، والاستقرار في بقاع العالم غالباً، وهو ما يستدعي عقلاً منفتحاً على كل الافكار والثقافات والحضارات، من دون حصره في قالب ضيّق، محدود الأفق والتفكير، كما بات يحصل في كثير من المؤسسات التربوية اللبنانية التي تنشئ التلميذ والطالب على فكر توتاليتاري، إلغائي.
ويمكن أيضاً أن تُعرض للنقاش الاتهامات المبطّنة للمناهج بأنّها تخدم الغرب وأميركا، واسرائيل ضمناً، بدعوتها إلى السلام، وكأن التربية على السلام باتت تهمة أو عيباً، وأن إعداد المجتمع للحروب الدائمة هو الأصل، والعيش الهانئ هو الاستسلام، وهو الاستثناء.
الأكيد أن الموضوع برمّته يحتاج إلى ورشة وطنيّة تتجاوز محاولات وزير التربية والمركز التربوي وعدد من المستشارين تسجيل إنجاز، وتتجاوز ضغوط المنظّمات الدوليّة والجهات المموّلة للاسراع في العمل، وتتجاوز مصالح المنتقدين وأصحاب الأحكام المسبقة، لأن تجربة المناهج القديمة للعام 1997، على رغم كبر حجم العمل، وقعت في أخطاء عدة يجب تدارك عدم الوقوع فيها مجدداً، ومن هذه الأخطاء نذكر الآتي:
- إن ورشة عمل المناهج ضمّت مندوبين لكل الأطياف والأطراف والأحزاب السياسية لضمان عدم عرقلتها لاحقاً في مجلس الوزراء ومجلس النواب، ولكسب الرأي العام الذي يحركه ممثلو تلك المجموعات. ومن شأن هذا الجمع ان ينقص من قيمة العمل، كل عمل، ولو كان ناجحاً الى حد كبير، اذ لا يحتاج العمل الجيد الى تغطية سياسية تضمن إمراره. لكن للبنان خصوصية في هذا المجال، خصوصية التوافق ربما.
- إن الكتب التي تم تأليفها لم تكن منسجمة مع تطلعات المناهج، بل جاءت دون المأمول وفق خبراء تربويّين اطّلعوا عليها لاحقاً. وافاد عدد من هؤلاء بأن عددا من واضعي الكتب لم يرقوا الى مستوى المناهج.
- إن جعل الوقت عامل حسم في إقرار المناهج أو في تأليف الكتب زاد عدد الشوائب في كل مراحل العمل، وهو ما يمكن أن يتكرر حاليّاً.
- إن تأثير الأحزاب السياسية كان واضحاً في كل مراحل العمل، وأدى إلى تسويات كثيرة، استمرت لاحقاً في التقويم الداخلي وادخال بعض التعديلات عليها.
يذكر ان وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عباس الحلبي ترأس الجمعة، الإجتماع الموسع للهيئة العليا لتطوير منهاج التعليم العام ما قبل الجامعي، في مكتبه في الوزارة، في حضور أعضاء الهيئة: رئيسة لجنة التربية النائبة بهية الحريري، رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي شارل عربيد، رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران، المفتشة العامة التربوية فاتن جمعة، رئيس رابطة جامعات لبنان الأب الدكتور سليم دكاش، رئيس المركز التربوي للبحوث والإنماء جورج نهرا، المدير العام للتربية بالانابة عماد الأشقر، المديرة العامة للتعليم المهني والتقني الدكتورة هنادي بري، المدير العام للتعليم العالي الدكتور مازن الخطيب، المنسق العام لاتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الأب يوسف نصر، مستشار الوزير للسياسات التربوية البروفسور منير أبو عسلي، الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية البروفسورة تمارا الزين، أمين السر العام للمنسقية العامة لتطوير المناهج أكرم سابق، المنسق العام للمناهج في لبنان الدكتور جهاد صليبا، مديرة مكتب الوزير رمزه جابر والمستشار الإعلامي ألبير شمعون.
واذ عرض الحلبي المسودة الثانية "وهي تنتظر ملاحظاتكم"، أكد أن "لكل فريق في لبنان الحق في إبداء الملاحظات، لأننا في مرحلة المسودات وتطويرها ضمن سقف الدستور واتفاق الطائف"، وشدد على أن "مصلحة الجميع هي التوافق، لأننا نقوم بوضع عقد تربوي جديد يحتاج إلى وفاق وطني".
ولفت البروفسور أبو عسلي إلى "الأسس والمنطلقات التي بنيت على أساسها المناهج التربوية الراهنة في العام 1997 وكانت منطلقات بالغة الأهمية، لكن التدخلات السياسية أفقدت المناهج فرصتها في التطبيق وتهيئة الموارد البشرية والوسائل التقنية والتكنولوجية لكي تحظى بالتطبيق السليم، وبالتالي تجديدها كل 4 سنوات بحسب مرسوم إنشائها".
هي التدخلات السياسية التي سهلت ولادتها، عرقلت تطبيقها، وربما تتكرر التجربة اليوم وغداً، لكن المجال يبقى مفتوحاً لنقاش علمي واضح وشفاف ومن دون خلفيات، وهو ضروري وملحّ، لتصويب الأمر إن احتاج الى ذلك. وهي دعوة من "النهار" الى فتح باب النقاش عبر صفحاتها في الجريدة وعبر موقعها وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها، لجعلها ورشة وطنية انقاذية حقيقية.
نفذ الأساتذة المتعاقدون والمدربون والطلاب في الجامعة اللبنانية اعتصاما أمام منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الميناء- طرابلس، للمطالبة ب"إقرار ملف التفرغ وإنصاف الأساتذة المتعاقدين اسوة بباقي أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة، وتسوية اوضاع المدربين، واعادة النظر بصورة عاجلة ونهائية بموازنة الجامعة التي ان اقرت بالوضع الحالي لا تكفي لتشغيل الجامعة لمدة شهرين".
وكانت كلمات لكل من رئيس رابطة متفرغي الجامعة اللبنانية الدكتور عامر حلواني والدكتورة نبراس نجا وحسان ذكريا والطالبة ريم حسن، وشدد الجميع على "ضرورة اقرار الملفات المصيرية لاستمرارية الجامعة اللبنانية ووقف المحاصصة"، رافضين "ان تتحول الجامعة الوطنية الى جامعة رمزية". كما طالبوا ب"إقرار أبسط حقوق الاساتذة والمدربين والموظفين لاسيما النقل والضمان والطبابة والمنح المدرسية".
ورفع المعتصمون لافتات طالبوا فيها ب"إنهاء عقود المصالحة التي باتت تشكل خطرا على حياتهم الاجتماعية، وبضرورة إعادة التوازن إلى كل مكونات الجامعة اللبنانية".
فاتن الحاج ــ الاخبار ــ على طريق بعبدا قبل أيام، لم يتحمّل علي فارس، الأستاذ المتعاقد بالساعة في الجامعة اللبنانية، أن يصرخ العسكري في وجهه أو «يدفش» إحدى زميلاته. في لحظة المواجهة تلك، عزّت عليه الدنيا وودّ لو يطلق النار في صدره. «انجرحت» من المشهد، يقول: «وبالأخصّ من الاستغلال السياسي لوجع الأساتذة. وقفتنا هناك لم تكن ضدّ عمر أو زيد، إنّما كانت لحماية جامعة الفقراء، وكرامة طلابها، وأنا منهم، إذ لولا الجامعة اللبنانية لما تعلّمت ولما نلتُ الدكتوراه ولما كنت هنا أطالب بحقوقها ربما».
لا يتردّد فارس في الكشف عن ظروف حياتية صعبة كوّنت وعيه في رفض الظلم «نشأت في بيت فقير. أبي وأمي فلاحان لا يجيدان القراءة والكتابة، لكنّ فضلهما في تعليمي كان كبيراً، ومنذ صغري، أخذت على عاتقي مساعدتهما وتربّيت على مقولة: ما في خير بأهلو ما في خير ببلدو. لم أترك مصلحة لم أعمل فيها، زراعة التبغ، ومختلف أشكال التجارة الخفيفة».
تلقّى فارس علومه في مدارس وثانويات رسمية والجامعة اللبنانية قبل أن يسافر إلى الخارج حيث نال الدكتوراه في الرياضيات البحتة. مع الدراسة، عمل في مطاعم ودرّس في «ليسيهات» فرنسيّة لتحصيل «خرجيّته»، ثم عاد إلى بلده ليدرّس في جامعات خاصة.
«كرمال أهلي ما بدي كون برا»، كان هذا خيار أستاذ الرياضيات الذي نال جنسية أوروبية عام 2008. أحد زملائه الأساتذة نصحه قبل 7 سنوات أن يترك البلد، فهو يحمل جنسية أجنبية ويمكن أن يجد بسهولة عملاً يوفّر له مستقبلاً مستقراً وآمناً، لكنه رفض، إذ لديه مسؤوليات تجاه أهله «أبي ثمانيني ومريض وحضوري معه ضروري».
كانت الجامعة خياره الأول والأخير منذ أن تعاقد مع كلية العلوم عامَي 2009 ـ 2010 «فليُراجعوا ملفّاتي ونصابي الذي لم ينحفض عن 500 ساعة في السنة».
يوم أُقرّ ملّف التفرّغ عام 2014، كانت مرّت 5 سنوات على تعاقد فارس مع كلية العلوم، وكان اسمه مدرجاً على لائحة المرشّحين، إلّا أنه شُطب عنوة في اللّحظة الأخيرة. بقي في لبنان ورفض السفر، لكنه ثار على الظلم مع مجموعة من زملائه الـ70 المستثنين من القرار، ورفعوا دعوى أمام مجلس شورى الدولة، بواسطة المحامي زياد بارود، علّ القضاء ينصفهم، وهكذا كان، إذ ربحوا الدعوى، لكنّ الحكم بقي قيد التنفيذ! يؤلم فارس أن يُستبعد مستحقّون ويتفرّغ أساتذة لم يكونوا قد حصلوا على دكتوراه، وأخذوا فترة استيداع قبل أن يلتحقوا بصفوفهم بعد نيل الشهادة.
يلفت فارس إلى أنّ الدفاع عن الجامعة بات إحدى «عباداته»، هو درس الرياضيات لأنه يعشق المنطق، لكنه لا يرى في كلّ ما يحصل شيئاً من المنطق. بعد كل هذا الظلم، يقول: «استويت، تبهدلت لدرجة بتّ أخسر صحتي، انفجاري في ساحة الاعتصام لم يأتِ من عبث، كنت هناك لحفظ حق ابن الفقير وابن العسكري اللذين لن يجدا ملجأ لهما غير هذه الجامعة، والآن لا أعرف إن كان اسمي موجوداً في قرار التفرّغ الجديد، الله بيعرف».
بوابة التربية: أعلن رئيس قسم اللغة العربية المستقيل، في كلية الآداب الفرع الخامس د. انور الموسى مقاطعته للامتحانات التزاما “بقرار ضميري قبل قرار الرابطة”، وقال في بيان:
«قبل كتابة البيان نظرت إلى أولادي الذين بت أخجل منهم فعلا كوني لن أستطيع تلبية كل مطالبهم، ونظرت إلى حقيبة الدواء التي بت عاجزا عن شرائها، ولوائح الطلاب غير القادرين على دفع مواصلات لإجراء امتحانات».
فمع إصرار المعنيين على إجراء الامتحانات، وبعد استمرار إرسال اللوم والتنديد لي شخصيا من مئات الطلاب وذويهم… وبعد تعرض تنظيم القسم في التشعيب للخطر والفوضى، وبعد أن أعلنت استقالتي التي وضعتها بتصرف الزملاء أساتذة القسم ومجلس القسم، أود توضيح الآتي:
*أولا: أقول للائمين الذين يتهمونني بالموافقة على إجراء الامتحان: إنني استقلت قبل نشر البرنامج، وإن الامتحانات بقسم العربي ستجرى رغما عني وعن غالبية أساتذة القسم الرافضين أساسا إجراءها قبل تحقيق المطالب المحقة أولها كرامة الأستاذ، تماشيا مع دعوة الهيئة التنفيذية إلى التوقف القسري، وتوصيات مجلس المندوبين.
*ثانيا: قبل الاستقالة دعوت مجلس القسم إلى الاجتماع كوني أدير القسم بشكل ديموقراطي مع ممثلي الأساتذة؛ أي مجلس القسم، وكان القرار برفض كسر قرار الرابطة وعدم إجراء الامتحانات حاليا قبل تحقيق الكرامة والحقوق.
*ثالثا: إجراء الامتحانات حاليا سيخلق فوضى وإرباكا عند الطلاب والقسم، فمثلا من سيتابع التزام الطلاب بالتشعيب والشعب؟ وبدأت بوادر الفوضى تردني من خلال اتصالات الطلاب… فالتشعيب استغرق مني وقتا مرهقا لتنظيم القسم، واجراء الامتحانات من دون متابعتي ووجودي سيخرب كل ما بنيته.
ثم إن هناك قضية الامتحانات الشفهية لبعض المواد، حيث من المقرر أن تجرى خلال الامتحانات، فمن سيجريها في ظل التزام غالبية اساتذة القسم بالتوقف القسري؟ هذا يعني أننا سنعد برنامجا آخر للشفهي في حال عدنا إلى التدربس.
*ثالثا: هناك شبه إجماع من الأساتذة في القسم على عدم استلام الامتحانات او تصحيحها، فلمصلحة من الإصرار على كسر إرادتهم؟
رابعا: هل حلت ميزانية الجامعة لنعود؟ وهل حلت مشكلة الأوراق والحبر والمازوت و….؟ وهل يستطيع الطلاب إجراء الامتحانات الآن نفسيا واقتصاديا؟
باختصار شديد، أعلن مقاطعتي الامتحانات التزاما بقرار ضميري قبل قرار الرابطة!
كارين عبد النور ــ نداء الوطن ـ ات يوم من شهر حزيران 2020، تعهّدت الجامعات الخاصة أمام وزير التربية والتعليم العالي بعدم رفع أقساطها. وذات يوم آخر من شهر كانون الأول من العام نفسه، رفع مجلس التعليم العالي توصية باعتماد الجامعات سعر الصرف الرسمي (1507.5 ليرات لبنانية) - وكان المقصود حينها الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) والجامعة اللبنانية الأميركية (LAU). لا التعهّد صمد ولا التوصية فعلت فعلها. فقد بادرت جامعات إلى رفع أقساط فصل الربيع للعام 2021، بداية على سعر صرف 3900 ومن ثم على سعر صرف 8000، ما دفع بكثير من الطلاب للتوجه إلى القضاء. وبين الجامعات من جهة والطلاب من جهة أخرى، بقيت وزارة التربية والتعليم العالي الغائب الأكبر. منذ أيام، خرجت الجامعة اللبنانية الأميركية على طلابها بقرار حول تقاضي الأقساط بالدولار الطازج ابتداء من فصل الخريف 2022. أي، ببساطة وعلى سبيل المثال، الطالب الذي كان مقدار قسطه السنوي 30 مليون ليرة، سيترتب عليه في العام الدراسي المقبل دفعه بواقع 500 مليون ليرة.
بالعادة، تلجأ الجامعات الخاصة إلى تصرفات منسّقة وممنهجة. فهل نحن أمام مشهد «جسّ نبض» سيُعاد النظر فيه إن استمرّت المعارضة الطلابية الشرسة للقرار، أم أننا إزاء واقع جديد تكرّ فيه السبحة لتحذو باقي الجامعات الخاصة حذو الجامعة اللبنانية الأميركية؟
إما دعاوى أو فصل دراسي...
ومن هنا نبدأ. ففي خضم «المعمعة» الحاصلة، وبما أن المرجعية القضائية كما التربوية ليستا على ما يبدو على نفس الموجة، تواصلت «نداء الوطن» مع منسّق اللجنة القانونية في المرصد الشعبي، المحامي جاد طعمة، الذي أكّد على وجوب احترام القانون الذي يرعى العلاقة بين الطالب والجامعة ألا وهو «قانون التعليم العالي في لبنان». فالقانون يفرض على الجامعات الخاصة، في حال أرادت رفع الأقساط، التشاور في ذلك مع المجالس الطلابية. وفي وقت أشار إلى أن رأي المجلس الطلابي غير ملزم لإدارة الجامعة، إلا أنه من واجب الأخيرة التشاور مع هؤلاء وهذا ما لم يحصل قطعاً. وأضاف: «لم تقتصر مخالفات الجامعات الخاصة على ذلك. فمن خلال التوصية التي رفعها مجلس التعليم العالي لناحية ضرورة تطبيق الجامعات للقانون أعلاه وإلزامها بتقديم موازناتها إلى وزارة التربية، استشفينا حينها أن الجامعات لا تقوم أيضاً بتقديم موازناتها إلى الوزارة، وهذه مخالفة أخرى».
فماذا حصل بالتحديد؟ بعد أن استمرت كل من الجامعة اللبنانية الأميركية والجامعة الأميركية في بيروت باعتماد سياسة الترهيب سعياً منهما لتطبيق قرار دولرة الأقساط، قام عدد من الطلاب بتقديم دعاوى يطالبون فيها بدفع أقساط فصل ربيع 2021 على سعر الصرف الرسمي الذي قُدّر حينها بـ 1520 ليرة. أما الدعاوى، فكانت عبارة عن إثبات العرض والإيداع الفعلي إذ بعد ان استلم الطلاب بيانات الأقساط بالدولار، توجهوا إلى دائرة كاتب العدل حيث أودعوا قيمة القسط على سعر الصرف الرسمي. وكان من شأن ذلك أن أدى إلى نزاع قضائي حادّ مع الجامعات. «المفارقة»، بحسب طعمة، أنه «ابتداء من فصل خريف 2021 وربيع 2022، تعمّدت الجامعة اللبنانية الأميركية إصدار بيانات أقساطها بالليرة اللبنانية حصراً، حارمة بذلك الطلاب من إكمال دراستهم ما لم يُبرموا معها اتفاقاً ينص على سحب الدعاوى الموجهة ضدّها».
الجامعة الأميركية في بيروت، كما يشير طعمة، كان تعاطيها أكثر «سلاسة» من الجامعة اللبنانية الأميركية. لكن هذا لا يعني أنها لم تقم بمضايقة طلابها أيضاً خلافاً للقانون. ويقول: «طلاب الجامعة الأميركية لم يُحرموا من التسجيل لا سيما في فصل خريف 2021 في وقت «فظّعت» الجامعة اللبنانية الأميركية بطلابها، ما اضطر العديد منهم إلى سحب الدعاوى بعد أن وُضعوا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التراجع عن الدعوى أو خسارة الفصل الدراسي لخريف 2021».
لا شك أن الانهيار الاقتصادي وفقدان العملة الوطنية قيمتها أثّرا بشكل مباشر على الجامعات كما على الأهالي والطلاب. لكن، من وجهة نظر طعمة، «على الإناء الكبير أن يستوعب الإناء الصغير» لا سيما وأن الجامعات، بحسب قانون التعليم العالي، هي مؤسسات تربوية لا تبغي الربح. كما لا يخفى على أحد ما حققته جامعات عديدة من أرباح خيالية خلال الأعوام الماضية تظهّرت مشاريع توسّعية وعمراناً وشراء أراضٍ. فـ»مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وحجز أموال الطلاب والأهالي في المصارف، كان من باب أولى أن تتحمل الجامعات طلابها بدلاً من أن ترهق كاهل الأهل، خصوصاً أنها تمكنت من الحصول على مساعدات من الخارج بالدولار الطازج».
الجامعتان آنفتا الذكر، وبإقرار واضح وصريح منهما، وصلتهما تبرّعات بملايين الدولارات. وقد يكون ذلك حال جامعات خاصة أخرى أيضاً. لكن من أين لأهالي الطلاب الذين حُجزت أموالهم داخل المصارف أين يأتوا بالمبالغ المطلوبة؟ كذلك ثمة تساؤل آخر: في حين تحاول الجامعات «تغطية» قراراتها بشأن الأقساط برفع نسبة المساعدات الطلابية، أليس عجزها عن تسديد مصاريفها تزامناً مع قدرتها على زيادة نسبة المساعدات متناقضاً بعض الشيء؟
هناك إجماع أن ثمة تبعات خطيرة لِما يحصل. فمنذ بدء تقديم الدعاوى، جرى التحذير بأن الأمن التربوي سيكون على المحك حيث إن جامعات أخرى تترقب التطورات للتصرف على أساسها. والمدارس الخاصة، بالمناسبة، ليست بدورها بمنأى عما يجري. والطامة الكبرى أن المماطلة الحاصلة في القضاء والتأخر في البت بالدعاوى المقدّمة، كما عدم اتخاذ قرارات حازمة في هذا الشأن، جميعها عوامل ساهمت في عدم قطع الطريق أمام تجدّد الإشكالية الحالية.
فعلى ضوء القرارات التي صدرت عن قضاء العجلة في ما يتعلق بالجامعتين الأميركية واللبنانية الأميركية، يقول طعمة: «نصحنا الطلاب بالتفاوض مع جامعات أخرى- على غرار جامعة القديس يوسف والجامعة العربية، وقد فرضت الأولى والثانية زيادة على الأقساط بمقدار 250 و600 دولار فريش توالياً- وعدم اللجوء إلى القانون لأن القضاء المتواطئ يشبه القضاء غير العادل». والجامعة الأنطونية حذت حذو الجامعتين المشار إليهما.
تجدر الإشارة إلى أن جامعات عدة راحت تتذرع بأن النظام الداخلي للجامعة هو الفيصل لفرض قراراتها بمنأى عن تدخل القانون والقضاء في عملها. وقد فتح ذلك الباب أمام الشروع في مساومة الطلاب: «زيادة في قيمة المساعدات مقابل ألا يأتي القرار فرضاً من القضاء». والنتيجة كانت تراجع عدد الدعاوى المقدمة من طلاب الجامعة اللبنانية الأميركية من أكثر من 70 دعوى إلى دعويين فقط، في حين تراجع عدد الدعاوى المرفوعة في وجه الجامعة الأميركية في بيروت من أكثر من 80 إلى 35 دعوى. يلفت طعمة في هذا السياق إلى أن «التراجع ليس نتيجة التسليم بصوابية وجهة نظر الجامعة، إنما بسبب التأخر في البت بالقضايا، ما جعل بعض الطلاب يتعرضون لشتى أنواع الضغوط من الجامعات والأهالي أضف إليها الضغط النفسي أيضاً».
الحلول موجودة ولكن...
على وقع تزايد وتيرة غضب الطلاب، يصبح البحث عن حلول ما متاحة أمراً ملحاً. ففي حديث مع الخبير الاقتصادي، البروفسور جاسم عجاقة، سألنا عن مدى فاعلية إيجاد مخرج من عنق الزجاجة عن طريق حل محوره الدولار الطالبي. يجيب عجاقة أن اللجوء إلى حل مماثل سيكون بغاية السوء. فالدولار غير متوفر أصلاً، وفي حال تم الاتجاه لطبع ما يوازي قيمته الحقيقية بالليرة اللبنانية ستشهد الليرة تراجعاً أكبر. ثم هناك من يطالب بتخفيض رواتب الطواقم الإدارية للجامعات تماشياً مع السياسات التقشفية التي يجب اتباعها. لكن ذلك لا يلقى صدى ذا أثر حيث أن عالم الأعمال عادة ما ينظر إلى الرواتب المرتفعة على قاعدة أنها تتماشى حكماً مع مستوى المسؤولية الملقاة على عاتق الأفراد كل في موقعه.
ما الحل إذاً؟ «أن تلزِم الحكومة بتسديد الأقساط من الحسابات المصرفية لأصحاب العلاقة إن بواسطة الشيكات أو وسائل الدفع الأخرى»، يقول عجاقة. فإذا كانت الجامعات تعاني من أزمة سيولة، يتوجّب عليها معالجتها مع المصارف وليس مع الأهالي. ويتابع أن المفتاح هو أولا وأخيراً بيد الحكومة، وأي خطوات أخرى يجب أن تبدأ من هناك. فبالإضافة إلى فرض دفع الأقساط في الحسابات المصرفية الموجودة، يتعين على وزارة التربية والتعليم العالي أن تتحرك، إذ هي لا تقوم بالخطوات اللازمة. لنأخذ مثلاً طالب الطب: وَضعُه خاص لأنه يخضع لمنهج يستوجب تأمين عدد معيّن من المواد له. فكيف يمكن منعه من متابعة تلك المواد إذا لم يسدّد القسط بالدولار؟ وفي حين يتوجب على الدولة أن تبتكر حلولاً لمساعدة الجامعات في تسديد المصاريف التشغيلية بالدولار الطازج، كالمازوت ومعدات المختبرات وغيرها، يضيف عجاقة: «يجب أن يكون لوزارة الخارجية دور فاعل أيضاً في التوجه إلى حكومات الدول التي تقوم الجامعات اللبنانية بتسديد اشتراكات خارجية لها، لا سيما المكتبية منها. كذلك بإمكان الحكومة من خلال القنوات الدبلوماسية والعلاقات الخارجية توفير مصاريف البعثات أو الأفراد الأجانب الذين يزورون الجامعات بهدف إعطاء المحاضرات».
بالمحصّلة، المسألة ليست بالأمر العابر الذي قد يشغل الشاشات لأيام قبل أن يطويه النسيان. إذ يختم عجاقة أن عدم إيجاد المخارج الناجعة سيؤدي بالكثير من الطلاب إلى الانتقال إلى الجامعة اللبنانية- التي تعاني بدورها ما تعانيه- أو إلى جامعات أخرى أقل تكلفة. والخطر الأكبر هو مغادرة كثير من الطلاب للبنان: «البعض سيُفضّل الانتقال إلى الخارج بحثاً عن فرص تعليمية أقل كلفة، لكن هذا يعني أن حوالى 70% منهم قد يعدلوا نهائياً عن العودة».
حاولنا مراراً التواصل مع وزير التربية لاستيضاح رأيه لكن من دون جدوى. وفي المرة الوحيدة التي تمكنّا من التواصل مع مستشاره الإعلامي، سارع إلى إنهاء المكالمة بمجرّد سماعه السؤال. عسى أن نكون مخطئين، لكن في ذلك أبلغ إجابة عما قد تؤول إليه الأمور.
وطنية - وقعت جامعة العلوم والآداب اللبنانية USAl وكلية الكوت الجامعة (العراق ) "إتفاقية تفاهم وتعاون" بينهما، في حضور عمداء الجامعة ووفد من جمعية المبرات الخيرية وعضو مجلس التعليم العالي الدكتور هاني حيدورة.
أبرم الإتفاقية عن جامعة العلوم والآداب اللبنانية رئيس الجامعة الدكتور محمد رضا فضل الله، وعن كلية الكوت الجامعة رئيس مجلس الإدارة الدكتور طالب الموسوي. ونصت على بنود تعاونية بين الطرفين، أبرزها: إجراء بحوث مشتركة، تبادل خبرات، تعزيز التعاون مع المؤسسات البحثية والإنتاجية للتدريب والتخطيط، وتبادل الوفود الطلابية في زيارات علمية وثقافية، بالإضافة إلى استفادة الطرفين المتعاقدين من تبادل الكتب والمطبوعات والدوريات العلمية ونتائج البحوث في المجالات العلمية، وعقد المؤتمرات والندوات المشتركة وزمالات الأساتذة.
وختاما، رحب ممثلا الجامعتين بهذه الإتفاقية، مؤكدين "انها خطوة إيجابية وفعالة على صعيد التعاون الأكاديمي والثقافي بين الجامعتين".
أشار طلاب في الجامعة اللبنانية إلى أن "للأسبوع الرابع على التوالي، يتابع الأساتذة توقفهم القسري عن الحضور إلى كلياتهم، دون أن يرف جفن للسلطة السياسية وكأن صوت الأساتذة غير مسموع أو أن الجامعة الوطنية لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد".
وطالبوا في بيان "بإلحاح شديد كل وزير وكل مسؤول وكل مهتم بالتعليم العالي في لبنان وكل من يعنيه مستقبل شباب لبنان الضغط لإقرار جميع ملفات الجامعة اللبنانية وتأمين مستلزماتها الأساسية لإستمراريتها"، مؤكّدين وقوفهم إلى جانب أساتذتهم (المتعاقدين والمتفرغين) وبجانب العاملين في الجامعة من أجل تحصيل حقوقهم.
كما طالبوا عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية البروفيسور أحمد محمد ربّاح "إعادة النظر في موعد إجراء الامتحانات في شهر رمضان المبارك آخذين بعين الإعتبار كل أوضاع الطلاب في ظل الأزمات التي نعيشها".
وبناءً على ذلك، دعا الطلاب إلى المشاركة الواسعة بإعتصام الطلاب والأساتذة والعاملين نهار الإثنين في 11 نيسان 2022 في تمام الساعة 12 ظهراً والوقوف إلى "جانب جامعتنا وقفة مشرّفة لسماع صوتنا، وذلك في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية الفرع الأول (مقابل مبنى الإدارة وقسم التاريخ)".
فؤاد بزي ــ الاخبار ــ يتقاضى أساتذة التعليم الرسمي، بمختلف فئاتهم وتسمياتهم، رواتب ثابتة نعم، ولكنها عبارة عن ورق مطبوع على سعر الصرف الرسمي، بينما يعيشون تفاصيل حياتهم اليومية على سعر صرف السوق السوداء. تسحقهم الأزمة مع مرور الأيام وهم ليسوا كباقي موظفي الإدارة العامة يلتحقون بالدوام ليوم أو اثنين أسبوعياً، لا، بل عليهم التواجد يومياً في مراكز عملهم (أربعة أيام أسبوعياً خلال العام الدراسي الجاري)، كلّما ارتفع صوتهم بالمطالبة وُضعوا بين مطرقة العيش الكريم وسندان حقوق التلامذة في المدارس الرسمية، والدليل الأبرز على ذلك إضرابهم قبل بداية العام الدراسي حيث صوّتت جمعيّاتهم العمومية إلكترونيّاً للمرة الأولى ضد العودة، وأعادوا التأكيد على النتيجة التي لم تُعجب قيادة الرابطة السّابقة ومن خلفها، في جمعيات عمومية حضورية أنّهم لا زالوا غير مقتنعين بالعودة ففُتحت الثانويات بعصا الأحزاب (كلّ الأحزاب) السّحرية وحُمّلوا مسؤولية هجرة التلامذة من المدارس وإنهاء التعليم الرسمي إذا استمرّ الإضراب، ومنذ ذلك الحين يعيشون على الفتات والوعود والبيانات.
كانت الوزارة قد أعلنت عن قدرتها على صرف منح اجتماعية استثنائية لكلّ موظفيها (إداريين ومعلمين) قيمتها 90$، لا أحد يعرف السّر خلف هذا الرقم، فبدأ الأخذ والرد حول طريقة الدفع والعملة التي ستُصرف على أساسها المبالغ، فكانت الليرة اللبنانية على سعر منصة صيرفة وهنا بدأت عجلات البيروقراطية اللبنانية المعروفة بالدوران فأعادت الوزارة الطلب من الأساتذة إرسال أرقام هوياتهم البنكية iban وكأنّهم دخلوا الوظيفة العامة اليوم، وأُعيد التدقيق بها مراراً وتكراراً وصولاً إلى اليوم المنشود، يوم صرف المنحة، ففوجئ الأساتذة بصفوف لا تنتهي أمام الصرّافات الآلية تارةً وسقوف للسحوبات تارةً أخرى، وحتّى من جرّب أن ينزل بها إلى السوبرماركت لم يستطع الاستفادة مع وضع الأخيرة شرط الدفع 50% عبر البطاقة المصرفية و50% كاش، وحتى اليوم هناك أساتذة لم تحصل على أيّ دفعة من هذه المنحة بالإضافة لعدم انتظام في الصرف. أما أنصاف الرواتب العامة لكلّ الموظفين فصُرفت عن شهرَيْ تشرين الثاني وكانون الأول من عام 2021 خلال شهر آذار الحالي، بعدما استعمل المرسوم الخاص بها كورقة ضغط بيد رئيس الجمهورية كي يعود مجلس الوزراء إلى الانعقاد.
هناك في مخيّلة البعض صورة وردية عن الأساتذة ومجتمعهم الضيّق، ترسمهم على أنّهم نخبة المجتمع المؤثّرة والقادرة على فرض التغيير وحتى يتخيّل البعض أنّهم قادرون على قلب الطاولة في أيّ انتخابات قادمة نسبة إلى المعاناة التي يمرّون بها اليوم، ولكن ما لا يعرفونه أنّهم، بحسب سارة الأستاذة في التعليم الثانوي، يحاولون البقاء على قيد الحياة فقط. فهي تتقاضى اليوم مبلغاً لا يتجاوز الثلاثة ملايين ليرة ويتوجّب عليها دفع فواتير شهرية أساسية مثل بدل الاشتراك الكهربائي بمولّد الحي الذي وصلت قيمته هذا الشهر إلى مليونين وستماية ألف ليرة «لقد نفِد الراتب، لم يعد يكفيني للوصول إلى مكان عملي».
راتب أستاذ الكيمياء في السوبرماركت يساوي ثلاث مرات راتبه في التعليم
معاناة التنقّل هذه تتضاعف في المناطق (الجنوب أو البقاع) حيث المسافات الفاصلة بين منازل الأساتذة ومراكز العمل أكبر بكثير، ولا مواصلات عامة فعّالة يمكن الاتّكال عليها، ولحلّ هذه المشكلة قامت وزارة التربية هذا العام بفتح المجال أمام الأساتذة للانتقال إلى مدارس وثانويات أقرب إلى منازلهم مع ترك المعيّنين أخيراً بالمرسومَين 6006 و4342 معلّقين في ثانوياتهم البعيدة ليوم واحد أو اثنين كون القانون لا يسمح لهم بالانتقال الكلّي قبل مرور خمسة سنوات على الالحاق.
أما حسين، أستاذ الكيمياء في إحدى ثانويات الضاحية فيسخر من فكرة صورة الأستاذ التي درس طويلاً عنها في كليّة التربية وهو يعمل اليوم بعد الدوام التعليمي في إحدى التعاونيات بصفة محاسب على الصندوق. يعترف بأنه حاول الحفاظ على هذه الصورة: «ففتّشت عن فرصة عمل ثانية بعيداً عن منزلي ومحيط سكن التلامذة كي لا يراني أحد رغم أنّ المنقصة لا تكمن في نوعية العمل بل في عدم قدرتي على تأمين الحليب لابني الذي لم يتجاوز عمره الأشهر الستة»، لافتاً إلى أنّ راتبه في التعاونية يساوي ثلاث مرات راتبه في التعليم.
أما الكابوس الذي يقضّ مضاجع الأساتذة اليوم فهو الحاجة إلى دواء أو استشفاء أو حتى زيارة عيادة طبيب، سابقاً كانت الجهات الضامنة قادرة على تغطيتهم بشكل جيّد أما اليوم فهذه الجهات حالها كحال الدولة في انهيار تام. تروي لنا أستاذة رفضت الكشف عن اسمها أنّها تعرّضت في بداية العام الدراسي لعدوى كورونا أجبرتها على دخول المستشفى وكانت تكاليف العلاج عن كلّ يوم تساوي راتبها الشهري فطلبت الخروج قبل التعافي النهائي كي لا تضطر للاستدانة أكثر.
اليوم يقوم الأساتذة بالصّرف من لحمهم الحي، وهم لا يأخذون بدل أتعاب أبداً بل يصرفون على الوظيفة العامة فحتى الموازنات التشغيلية للثانويات إما محتجزة في المصارف أو لا تكفي، ففي إحدى ثانويات منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت كان التعليم يتوقّف خلال الأيام الماطرة عند انقطاع الكهرباء بسبب الغياب الكلّي للإنارة فيما يقوم الأساتذة بشراء حاجتهم من الأقلام والقرطاسية، وأكثر ما يفاجئ هو طلب وزارة التربية المستمرّ إمدادها بعلامات الامتحانات رغم عدم وجود أوراق أو حبر للتصوير. يبدو أنّ الهدف من التعليم لم يعُد بناء الجيل الصاعد المفكّر الناقد المبدع أو المشاركة الفاعلة في الشأن العام، بل تمرير الأيام وانتظار شيء ما، أين هي جودة التعليم والمعلّم يفكّر في وسيلة للوصول إلى نهاية الشهر وليس في وسيلة تعليم ناجحة؟
بتوقيت بيروت