*اسعد الله صباحكم بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته*
التقرير الصحفي اليومي الاربعاء 30/10/2019
هل أطاح الحريري التسوية الرئاسية وانضم الى المعارضة؟
ميسم رزق ــ الاخبار ــ دخلَ لبنان مرحلة شديدة الخطورة مع إعلان سعد الحريري استقالته. أزمة سياسية ومالية غير مسبوقة تواجهها البلاد بعد انصياع رئيس الحكومة للضغوطات الخارجية والمشاركة في الإنقلاب على العهد في ظل ضبابية المشهد في الشارع
هل أطاح سعد الحريري بالتسوية السياسية الناظمة لاداء فريق السلطة منذ العام 2016؟ استقال هذه المرة من بيته وأرضه، لكن البعض تذكر معالم وجهه التي ظهرت عليه يومَ أُجبِر في الرياض على التنحي. خطوته ذكرت بخطوة الرئيس الراحل عمر كرامي حين استقال في أصعب أزمة سياسية ومالية مرت بها البلاد عام 2005. خطوة فاجأت وأربكت شركه في التسوية الرئيس ميشال عون (والوزير جبران باسيل ضمناً). اما حزب الله، فعلم بقرار الاستقالة، من الحريري، في الليلة السابقة لإعلانها. وأبلغ الحزب الرئيس نبيه بري بقرار الحريري، قبل أن يبلغ رئيس الحكومة رئيس المجلس بنيته الاستقالة أمس. أما حليفا الحريري، أي «القوات اللبنانية» والحزب الإشتراكي، فتصرفا على ان الاستقالة تصب في مصلحة مشروعهما السياسي.
منذُ ساعات الصباح الأولى ليوم أمس، كانت بيروت على وقع سجال بين مؤيد ومعارض لاستمرار قطع الطرقات، وسط انكفاء الجيش والقوى الامنية عن القيام بدورها، لكن النقاش السياسي كان يجري في وقت سابق، قبل ان تنتشر المعلومات عن نية الحريري بالاستقالة. ولم يتأخر الوقت حتى اعلن الحريري نفسه الإستقالة عصراً، ومن ثم سلّمها خطياً إلى عون في لقاء بينهما لم يستمرّ أكثر من عشر دقائق، خرج بعده الحريري والتوتر واضحاً عليه.
المحتجون الذين كانت قلة منهم لا تزال متواجدة في الساحات تصرفوا انهم امام انتصار. لكن الرعب ظل مخيما على الجميع، إذ لا احد يملك الجواب عن مآلات الايام المقبلة، في ظل استمرار صراعات اهل الحكم على كيفية التعامل مع الوضع، وتعثّر تشكيل حكومة جديدة.
وبحسب معلومات مصادر معنية، فإن ملف التغيير الحكومي صار بحكم الامر الواقع، مع خطاب الرئيس عون الخميس الماضي. وهو قرار تم التفاهم عليه بين القوى الرئيسية. وكان النقاش حول الشكل والتوقيت والاهم حول المضمون. وبقي الخلاف قائما حول حصول تعديل وزاري كبير او تغيير شامل للحكومة. وتفاوتت الطروحات بين خروج الممثلين السياسيين للقوى من الحكومة واستبدالهم بشخصيات اقرب الى التكنوقراط، مع اضافة وجوه يعتقد انها تلقى قبول الناس، وبين تغيير شامل يخرج الممثلين المباشرين للقوى السياسية من الحكومة التي يفترض ان تكون مصغرة. وكان الحريري يضغط مع الوقت لانجاز الامر. لكن الوزير جبران باسيل رفض الخروج من الحكومة، وهو الموقف الذي غطاه الرئيس عون ولم يعترض عليه حزب الله.
رئيس الحكومة لم يكُن يعمل على خط واحد، بل اعتمد سياسة اللعب على الحبال. ففي وقت واصلَ فيه عقد لجان وزارية، رافضاً كل تمنيات القوى السياسية عقد جلسة للحكومة، أقله لإظهار جدية في تنفيذ بنود الورقة المالية - «الإصلاحية» بهدف تنفيس الإحتقان في الشارع، كانَ يعقُد اجتماعات سرّية يومية مع مجموعات في الحراك للبحث في خيار حكومة التكنوقراط والطلب اليها وضع أسماء مقبولة في الشارع. ويتهم خصوم الحريري رئيس الحكومة بأنه كان يسعى الى مد جسور مع الناشطين على الارض، بقصد الظهور انه الى جانبهم وانه يؤيّد مطالبهم تمهيداً لاستقالة تجعله خارج شعار «كلن يعني كلن». لكن الاخطر، اعتبار قوى التسوية ان الحريري عمل على تلبية رغبة خارجية باستكمال الإنقلاب الهادف الى تغيير موازين القوى في السلطة.
وقالت أوساط بارزة في 8 آذار إن «الحريري كان يتذاكى في موضوع الورقة الإصلاحية التي وقعها كل أهل السلطة على بياض، فيما كان هو يستثمر في الحراك مانعاً التعرض للمتظاهرين وفتح الطرقات، كما اصر على استبعاد باسيل واخراجه من الحكومة». وهو اكد أمام المعنيين أنه «لم يعُد قادراً على تحمّل باسيل والتعايش معه وأن شرطه الوحيد للبقاء داخل الحكومة إجراء تعديل يطال بالدرجة الأولى وزير الخارجية قبلَ أي وزير آخر».
وفيما كان النائب السابق وليد جنبلاط موافقاً على طرح الحريري، وويؤيده الرئيس نبيه بري في حال ساعد حصراً على تهدئة الشارع، كان موقف حزب الله واضحاً وجازماً أن «لا تعديل ولا تغيير الا ضمن سلة شاملة وضمن ظروف خاصة»، وهاجس الحزب، هنا، ليس منع كسر باسيل او التيار الوطني الحر، بل منع الخصوم المحليين والخارجيين من الفوز ولو بنقطة، لان الحزب عبر عن خشيته من ان طلب الاستقالة يهدف الى التمهيد لجولة ضغوط اضافية تكون على شكل مطالبات باستقالة الرئيس عون ثم حل المجلس النيابي وترك البلاد امام الفراغ.
وحين حاول الحريري ابتزاز القوى السياسية بالإستقالة سمع كلاماً واضحاً «بأنك حين كنت مع باسيل على انسجام تام في إدارة أمور البلاد كانت الأمور ماشية، والآن حين لم تعُد راضياً عنه تريد خراب البلد. هذه الإستقالة تعني الدخول في الفراغ المجهول، وانت بذلك تخرب كل شيء». وعلمت «الأخبار» أن لقاءً عُقِد ليل أول من أمس بين الحريري (في منزله) والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله، الحاج حسين الخليل، الذي تمنى على رئيس الحكومة عدم الإستقالة منعاً للفراغ. لكن الحريري أصر على تعديل وزاري يُخرج باسيل ووزراء آخرين من الحكومة، أو الاستقالة. وبعد طرح عدة خيارات، أكّد الحريري لضيفه انه سيستقيل. كذلك حاول الرئيس بري أكثر من مرة ثني الحريري عن قراره، لكن رئيس الحكومة «بقي مُصراً على إصراره» كما قال بري أمام زواره أمس معتبراً أن «المرحلة حساسة جداً وتتطلب تعقلاً وحواراً بين جميع المعنيين للخروج من الأزمة».
وتنظر الأوساط السياسية الى خطوة الحريري بوصفها «انقلاباً وتماهياً مع الضغوطات الخارجية التي تعرض لها»، وأكدت الأوساط أن «الاستقالة جاءت بعد ضغوطات أميركية وفرنسية عليه، علماً أن المسؤولين الفرنسيين الذي تواصلوا مع عدد من الشخصيات اللبنانية أكدوا أنهم نصحوه بعدم الإستقالة». وأضافت الأوساط أنه منذ اليوم الأول للتحركات الشعبية كان الحريري يلتزم بكل ما هو مطلوب منه حرفياً، إن على صعيد منع انعقاد جلسة للحكومة، أو في الشارع بعدم اتخاذ اي قرار يلزم الجيش والقوى الأمنية بفتح الطرقات ومحاسبة الذين يسبّبون الفوضى بحجة عدم وضع الجيش في مواجهة المتظاهرين». واعتبرت أن «الحريري كان يلعب من تحت الطاولة من تحديد مهلة 72 ساعة لشركائه في الحكومة، ثم اصرار مقربين منه على إعطاء ثمن سياسي للمتظاهرين، وصولا الى سعيه الى تغيير حكومي وفق تصوره، بالاضافة الى أوامر عمليات كانت تأتي للأجهزة الأمنية بعدم فتح الطرقات أو الضغط على المُحتجين».
بقي ان النتيجة الاولى لهذه الخطوة، طرح السؤال في وجه الجميع: ماذا سيحدث في الشارع، وهل ستذهب البلاد الى مواجهة كبرى، وهل هناك إمكانية لتشكيل حكومة جديدة؟ وزاد من القلق انضمام مجموعات من انصار المستقبل الى التحركات في الشارع والاقدام على قطع طرقات في بيروت لساعات بعد إصدار تيار المستقبل بياناً يطلب فيه الحريري من مناصريه الخروج من الشارع. وتقول المصادر أن «خطأ الحريري هو اقتناعه بأن لا بديل عنه، وأن من سمّوه سابقاً سيكلفونه من جديد، علماً أنه لم يأخذ أي ضمانة في هذا الصدد، وهو خير العارفين بأن موقف أركان التسوية منه قبل الإستقالة هو غيره ما بعدها. مع ذلك ظلّ يكابر وعلى قناعة هو والقوات اللبنانية وبعض التيارات والاحزاب التي ركبت موجة الحراك بأن الإستقالة ستفتح باباً للحلّ والحوار».
الحريري قال في خطابه «إنني وصلتُ إلى طريق مسدود»، مناشداً «اللبنانيين تقديم مصلحة لبنان وحماية السلم الأهلي». لكن كلامه عن أن «مسؤوليتنا اليوم كيف ننهض بالاقتصاد، وتوجد فرصة جدية لا يجب أن تضيع»، لا يتناسب مع يومياته بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية، التي لم تتغير حسب عارفيه، إذ إنه لم يتصرف كما لو انه على راس ورشة عمل لوضع الورقة الاصلاحية موضع التنفيذ.
اليوم تدخل البلاد في باب الخطوات الدستورية التي ستلي الإستقالة ومنها تحديد موعد الإستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية لتكليف رئيس جديد للحكومة. وقد انعقدت ليل امس، سلسلة اجتماعات لحزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر، وبقيت القنوات ناشطة بين الرئيسين عون وبري والسيد حسن نصرالله والوزير السابق سليمان فرنجية من اجل الاتفاق على تصور للمرحلة المقبلة.
هلأ لوين؟ [2/2]
ابراهيم الأمين ـ الاخبار ـ في أدبيات المقاومة التي تسكن نفوس المجاهدين شعار تعبوي لا يفارقهم، له بعده الإنساني غير القابل للتأويل، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بكرامة الإنسان وحقه، وهو شعار «هيهات منا الذلة». ومن يرفع هذا الشعار، سواء كان ثائراً عارفاً طريقه أو محتجّاً ولو مضلّلاً، هو إنسان حقيقي. يمتلك كل عناصر الإنسانية غير القابلة للطعن. وعندما يسكن شعار رفض الذل قلب إنسان ونفسه، فإن السردية الدينية تقول إن الله ينتزع من قلبه مهابة خصومه وأعدائه، ويزرع مهابته في قلوبهم. حتى إذا مضى حتى النهاية في الدفاع عن حقه، فاز بإحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر!
هذا ما يعرفه الناس من البيئة اللصيقة بالمقاومة، أو البيئة الأوسع التي تعرفت عن قرب الى المقاومة، او حتى البيئة المعادية التي تحاول فهم دوافع المقاومين. حتى من رفع نفسه فوق قامة البشر والناس، يسعى إلى فهم الأمر ولو من زاوية سعيه الى هزم هذا المقاوم.
وظيفة هذه المقدمة ليست شرحاً في درس لسنا من أساتذته، لكنها دليل الى قياس البعد الإنساني في مقاربة خصوم المقاومة السياسيين، الحقيقيون منهم أو المضلّلون. ومناسبة الحديث كيفية تعامل بعض أفراد المقاومة وبعض بيئتها مع أشخاص طبيعيين قرّروا، عن وعي، ولو مع نقص في معرفة المعطيات المحيطة ببلدهم، أن يرفعوا سقف اعتراضهم على الظلم اللاحق بهم، إلى حدّ الصراخ احتجاجاً. ووجدوا في آليات الاعتراض المتعارف عليها طريقتهم لقول ما يريدون قوله، في حق سلطة وسلطات فاسدة. سلطات عامة تخص البلاد كافة، وسلطات مناطقية تخص مكان عيشهم، وسلطات محلية تخص إدارة أمورهم اليومية. وهذا ما حصل خلال الأسبوعين الماضيين، عندما خرج مواطنون، كلهم على هيئة بشر، ليعربوا عن غضبهم من هذه السلطات. بعضهم وجد في مناطق بيروت والجنوب والبقاع، حيث لبيئة المقاومة حضورها الكثيف. وهنا بيت القصيد.
ما حصل أن من في السلطة، من رجال مخفر وحرس بلدي ومخاتير وأعضاء مجالس بلدية ومفاتيح انتخابية ونواب وسياسيين وحزبيين نافذين، ومتسلطين على مؤسسات الدولة، وحتى على الحياة الخاصة، كل هؤلاء، هالهم أن يخرج من خرجوا احتجاجاً. ولم يكن الأمر يقتصر على عدم فهم أسباب الاعتراض، بل الكارثة تكمن في كون ممثلي السلطات كافة، فوجئوا بأن هؤلاء المواطنين يتجاوزون حدود التعامل السياسي مع السلطات، وخالفوا قواعد العلاقة القائمة بين هذه السلطات والناس منذ عقود طويلة. وهال رجال السلطة أن هؤلاء الناس قرروا، بوضوح، التعبير عن تعبهم ونفاد صبرهم، ورغبتهم بالسؤال قبل المحاسبة وطلب التغيير.
الناس صرخوا جهاراً نهاراً. والبلطجة حصلت جهاراً نهاراً. هذا الوضوح لم يكن ممكناً لولا الكارثة المتراكمة على مدى ربع قرن من عمر هذه السلطة، بعد ربع قرن من القهر والحروب الدامية، وهو أتى بدوره بعد ربع قرن من استقلال وهمي اخترعه لنا استعمار تناوب على مدى قرون من الاحتلال والاستعباد. هذه الكارثة، في نسختها الأخيرة، أصابت الناس المقهورين توالياً ومن دون توقف. ولولا ثورة الفقراء التي تجلّت في نضال مدني وعسكري سقط خلاله عشرات الألوف من الشهداء، لم يكن ممكناً تبدل الأحوال. وهنا أيضاً بيت القصيد.
ما يجب الحديث عنه مع أهل المقاومة في هذا الصدد هو ما يتعلق بالمقهورين الذين تحوّل احتلالهم مواقع السلطة والنفوذ الى مصدر حرمان للآخرين. وهذا هو أصل النقاش. والغالبية الساحقة من الناس الذين خرجوا معترضين، في بيروت والجنوب والبقاع، ليسوا سوى أبناء المقاومة التي قامت ولا تزال ولو مع تبدل الرايات. وهم، في غالبيتهم، أشخاص عانوا الأمرّين حتى تحقق ما يفترض أنه تحرّرهم من احتلال قوى خارجية، ومن استبداد سلطات محلية. وهؤلاء، في غالبيتهم، ممن لم يخرجوا يوماً في وجه المقاومة القائمة الآن. ودلّت التجارب على أنهم وقفوا، وبدون تردد، الى جانب المقاومة، ليس بالخطاب أو البيان، بل بالتضحيات والدماء والدموع والإمكانات على ندرتها. وهؤلاء، مهما تعرّضوا لتضليل أو استثمار أو محاولة استثمار، ليسوا أبداً في موقع يحق لأحد، أياً كان، أن يهين الإنسان في داخلهم ويهين كرامتهم ويقوم بإذلالهم.
ما حصل في النبطية وصور ووسط بيروت ليس له سوى وصف واحد: البلطجة بأقرف صورها. وما حصل في النبطية وصور ووسط بيروت، ليس له سوى عنوان واحد: تمسك القاهر بقهره وسيلة للتعامل مع الناس. وما حصل في النبطية وصور وبيروت، ليس له سوى معنى واحد: فوقية إقصائية لا تعرف لحقدها حدوداً، ولا تعرف لطمعها حدوداً، ولا تعرف لوحشيتها حدوداً. وهذا ما يجب الحديث عنه.
من خرجوا في غالبيتهم ممن لم يخرجوا يوما في وجه المقاومة ودلت التجارب انهم وقفوا من دون تردد الى جانبها
لم يكتف المجرمون والزعران بفعلتهم في المسارح والمطارح. بل هم يواصلون أبشع عملية إذلال للناس. وليس من عاقل يقبل أن يبادر محتج انتفض غير آبه بجراحه وموته، لكنه يعود في لحظة الى موقع التائب والمعتذر المتخلي عن كرامته. وهذا الإذلال لا يحصل إلا عندما تكون خلفه قوة ظالمة، قوة متنفذة، قادرة على تهديد الناس بقوت يومها، وبوظائفها، وبأمنها الشخصي، وبسلامة عائلاتها، وبالحرم الاجتماعي وحتى الديني. وهنا أيضاً، بيت القصيد.
أعرف شخصياً السيد حسن نصر الله، وأعرفه منذ زمن بعيد، وأعرف الكثير عن عقله وقلبه، وأعرف متى يقسو على نفسه وعلى أهله من أجل القضية المحقة. وأعرف كم حمل وصمت عن كبائر ترتكب، فقط لحماية المقاومة. وأذكر أنه قال لي يوماً إنه لن يسأل عن ماء وجهه وهو يقود شباباً يخسرون حياتهم من أجل المقاومة، ولن يسعى الى بقاء صورته مرفوعة في بقاع الدنيا بينما تخسر المقاومة، ولن يقبل إغراءات الدنيا مقابل قناعاته الإلهية. لكنني أعرف ما هو أهم، أعرف إدراكه لمعنى الرجولة والشهامة واحترام الذات الإنسانية، وأعرف حجم حرقته على ظلم يلحق بطفل أو فتى أو صبية أو شاب أو أم أو أب. ولذلك، أسأله: هل يعقل أن لا تبادر الى منع هذا الظلم المستمر بحق إخوة لك في الخلق، لمجرد أنهم أعربوا عن رأي مخالف لرأي الزعيم ومحاسبيه؟
بهذا المعنى، سيكون الحديث واضحاً وصريحاً، حول المسؤولية المباشرة، والكاملة، لحركة «أمل»، من رئيسها الى قياداتها السياسية، الى وزراء ونواب ومجالس بلدية، الى ضباط ورجال أمن، الى رجال دين ونافذين وفتوة، الى جيش من المرافقين الذين يتولون مهمة إذلال الناس، ومعاقبتهم على رفع صوتهم اعتراضاً على أداء سلطة، تتولى «أمل» حصة كبيرة منها.
السؤال هنا، ليس عن العقل العفن الذي لا يزال يتحكّم بمن يلاحق الناس لإذلالهم. وإنما عن الثمن الذي يجب أن يدفعه الناس حتى يتغير هؤلاء، أم أنهم يريدون من الغاضبين اقتناص أول فرصة جديدة، والتصرف هذه المرة، بدرجة من العنف الذي يلجأ إليه المقهورون دفاعاً عن الحق، في ليلة صالحة أو كالحة...
إن تعرّض أيّ مواطن في بيروت والجنوب والبقاع لضغط أو إذلال لمنعه من التعبير عن رأيه، أو للعودة عن رأيه، أو لمنعه من الخروج من المنزل، هو عملية وحشية سيتم التشهير بالقائمين عليها، ومحاسبة الزعران، ومن يقف خلف بلطجتهم، هي مطلب لا يقل أهمية عن مطالب الناس الفقراء بدولة عادلة!!
الخارجية الأميركية تدعو لتشكيل حكومة جديدة وحماية المتظاهرين من العنف
دعت وزارة الخارجية الأميركية، كافة الأطراف في لبنان لتسهيل تشكيل حكومة جديدة، وحث وزير الخارجية مايك بومبيو الزعماء السياسيين على المساعدة في ذلك لتلبية احتياجات الشعب اللبناني. وأكد بيان للخارجية الأميركية، أن الحكومة الجديدة يمكن أن تبني أسس قوية للبنان مزدهر و توفر الأمن لكل مواطنيه. وأوضحت أن التظاهر السلمي و الوحدة الوطنية منذ ١٣ يوماً في لبنان كان بمثابه رسالة أن اللبنانيين طالبوا بحكومة فعالة وباصلاح اقتصادي ووقف الفساد المزمن. وأكدت الخارجية الأميركية أن أي عنف أو تحريض يجب أن يتوقف، مطالبة الجيش اللبناني والقوى الأمنية بحمايه المتظاهرين.
المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان: لحكومة جديدة تلبّي تطلعات الناس
أخذ المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش علماً بإعلان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري تقديم استقالته، وحضَّ في بيان، السلطات على العمل بحزم وبسرعة، وفق المعايير الدستورية، لتشكيل حكومة جديدة تلبي تطلعات الناس وقادرة على كسب ثقتهم، لتوفير الأمن والنظام واحترام القانون والسهر على الإصلاحات والتغييرات العميقة وتنفيذها ووقف التدهور الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الانتعاش والتنمية المستدامة والنمو الذي يشمل الجميع والاستقرار ووحدة لبنان وشعبه.
وفي الوقت عينه، حضّ السلطات على الحفاظ على استقرار الدولة ومؤسساتها وضمان سلاسة ادائها لوظائفها، داعياً جميع القادة والقوى السياسية الى الامتناع عن التصريحات والأفعال التي يمكن أن تشعل التوترات وتحرض على المواجهة والعنف ويدعو جميع اللبنانيين الى الحفاظ على الهدوء وضبط النفس.
ويحضّ المنسق الخاص القوى الامنية الشرعية على الحفاظ على النظام والأمن واحترام القانون واتخاذ إجراءات ضد من يحرضون على العنف، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي وحماية المتظاهرين المدنيين الذين عليهم الالتزام بالطابع السلمي لمظاهراتهم. كما يذكر الأحزاب السياسية انها تتحمل كامل المسؤولية عن سلوك وأفعال مناصريها والسيطرة عليهم، خاصةً إذا افتعلوا الاشتباكات مع المتظاهرين السلميين أو القوى الأمنية.
تبقى الأمم المتحدة ملتزمة بدعم لبنان واستقلاله السياسي واستقراره وامنه ووحدته وسلامة أراضيه، وفق بيانها.
صندوق النقد: حاجة عاجلة لإصلاحات أساسية في لبنان
المدن ــ أعلن صندوق النقد الدولي إنه يقيّم حزمة إصلاحات طارئة أعلنتها الحكومة اللبنانية الأسبوع الفائت. وأكد ضرورة تنفيذ الإصلاحات بشكل عاجل، في ضوء مستويات الدين والعجز المالي المرتفعة في البلد.
ولفت مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق، جهاد أزعور، إلى أن الصندوق يعتزم درس الحزمة، ويحتاج أن يرى ليس فقط ما تتضمنه بل أيضاً الجدول الزمني للحزمة، في بلد مثل لبنان الذي يعاني من مثل هذه المستويات المرتفعة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ومستويات مرتفعة لعجز مزدوج.
وإذ قال أزعور أن ثمة حاجة عاجلة لإصلاحات أساسية في لبنان، من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي، والثقة وتحفيز النمو وتقديم بعض الحلول للقضايا التي يثيرها الشارع، رأى أنه من أجل استعادة الثقة في الاقتصاد، يجب تنفيذ بعض الإصلاحات التي طال انتظارها بقطاعي الطاقة والاتصالات، وفقاً لجدول زمني مفصل جداً.
وصرح أزعور أن الصندوق يجري مناقشات دورية مع السلطات اللبنانية. لكنها لم تطلب من الصندوق التقدم ببرنامج تمويل.
يُذكر أن لبنان يعاني من واحد من أعلى مستويات الدين الحكومي في العالم، كحصة من الناتج الاقتصادي، وقد توقع الصندوق عجزاً مالياً بنسبة 9.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، و11.5 في المئة من العام المقبل.
السنيورة: استقالة الحكومة بلا توافق ستدخلنا في نفق كبير
اكد الرئيس فؤاد السنيورة ان "استقالة الحكومة من دون التوصل الى توافق مسبق على حجم الحكومة الجديدة وتركيبتها ستدخل البلاد في نفق كبير". وقال في دردشة امس مع مجموعة من الإعلاميين سبقت اعلان الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته: "ان الرئيس الحريري كان يسعى للخروج من المأزق، والتوافق على تشكيل حكومة جديدة مع الرئيسين عون وبري، ومع القوى الاساسية الاخرى، بحيث يكون هناك اتفاق على حجم الحكومة الجديدة ومكوناتها من اجل تسهيل عملية التأليف وتسريعها". ورأى ان "لبنان لم يعد لديه ترف الانتظار ولا ترف الاختيار"، وان "التسوية جرت بين الحريري وعون، وليس بين الحريري وباسيل. وهذا خلط للأمور واضافة عقد جديدة ستؤدي الى مشاكل، ما يعني انه لا يمكن تشكيل حكومة جميع اعضائها من خارج الطقم السياسي، فهي بحاجة الى قبطان. وهذا الكلام يعكس عدم تبصّر واستهتار بالناس".
وقال: "لا اعرف ما الذي حصل في هذه التسوية، وهي جرت على اساس الاقرار بموقع لبنان في المنطقة، وضمن التوازنات الخارجية، لا ان تجعله اسيراً ومنقاداً الى معادلة التوازنات المستجدة. لبنان على مدى تاريخه كان دائماً ينجح في أن يحقق التوازن الداخلي بقوة التوازن الخارجي وليس استناداً الى تغير موازين القوى، لأن تغير هذه الموازين وفي وجود هذه الفسيفساء التي تتعاظم وتتفاوت بين مرحلة واخرى، تجعل كل فريق يستعرض عضلاته تمهيدا لإعادة النظر في التسويات"، مشيرا الى ان "هذا الامر يجعل البلد في مهب التقلبات للتوازنات الخارجية، وفي حالة من عدم الاستقرار. الآن ما نراه هو ان هناك طرفا يقول: "نحن في محور الممانعة نريد فرض التغيير بموازين القوى"، بينما اعتقد ان المعارك لم تحسم بعد، وهناك من يتجاهل ما يجري في المنطقة، كما في العراق مثلاً وحالة انكار ما يجري هناك وانكار ما يجري هنا".
ولفت الى ان "لبنان خلال هذه الفترة، ولا سيما منذ حصول التسوية الرئاسية، يتعرض لعملية شحن يومي لتخريب عقول اللبنانيين، وقد زادت حدتها بشعارات كالرئيس القوي واستعادة الحقوق، ما ادى الى ازياد كبير في تخريب العقول".
وكشف ان "حجم الثروات بدأ يتراجع منذ العام 2011 الى الآن، وكذلك النمو الاقتصادي، وقد خرج الناس بسبب الضيق، وكان هناك من يتلاعب بأساسات البلد، وبوضعه في إشكالات مع الدول العربية، وهذا الامر انعكس على لبنان سلباً، ولم يعد بإمكانه الحصول على اموال خارجية. هذه الازمة التي لم يكن لها مخارج، دفعت الشباب الى الخروج باحتجاجاتهم، وكانت المفاجأة بوصل الساحات في ما بينها على همّ واحد، وكان ذلك منعطفاً اساسياً في تاريخ لبنان. وهذه الفورة اطاحت التسوية بين حزب الله ورئيس الجمهورية وأفقدتها شرعيتها الشعبية، واطاحت تسويات اخرى". ورأى ان "تسوية الحريري وعون كان يجب ادارتها بشكل جيد"، وقال: "أنا مع حكومة من غير السياسيين. ورئيس الجمهورية يجب ان يكون مقابل الرئيس الحريري وليس وزير الخارجية جبران باسيل مقابل رئيس الحكومة. ويجب الاتفاق على الحكومة الجديدة. فالمتظاهرون لن يخرجوا من الشارع ولن يكون من السهل فتح أبواب المصارف. لقد اراد الحاكم رياض سلامة ان يوصل رسالة، وحاول تصحيحها بعد تأثيرها السلبي. الوضع المالي صعب ودقيق، واعتقد انه بإمكاننا الخروج من المأزق اذا تحمّل المسؤولون مسؤوليتهم، والمسؤولية تقع على رئيس الجمهورية ليتصرف وفق ما يقتضيه موقعه لا التصرف كرئيس بلدية". وخلص السنيورة الى القول ان "استقالة الرئيس الحريري من دون توافق ستدخلنا في نفق كبير".
الرؤساء الثلاثة : الحريري تحلى بالشجاعة والحكمة
"لقد استجاب دولة الرئيس سعد الحريري للنداء الذي أطلقه معظم اللبنانيين من شتّى مناطق لبنان وأطيافه، معبّرين عن إيمانهم بلبنان الوطن، ودولته السيدة الحرة المستقلة، وبسلطتها الكاملة وغير المنقوصة على جميع مرافقها وأراضيها مطالبينها بالتصدّي الحازم لكل أشكال الفساد والإفساد تحت سلطة القانون والقضاء العادل والمستقل والنزيه، وكذلك الالتزام الثابت لأحكام الدستور والقانون وأصول وقواعد الحوكمة والحكم الرشيد.
لقد تحلّى الرئيس سعد الحريري عندما قدّم استقالته بإرث والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبحكمته، وبشجاعته، وكذلك بحكم مسؤولياته الوطنية.
لقد حانت اللحظة لكي يتحمّل الجميع مسؤولياتهم في اتجاه حركةٍ إنقاذيةٍ وطنية، تتجاوب مع مطالب الناس، وتحافظ على السلم الأهلي، وتقي لبنان من الانهيارات السياسية والاقتصادية والوطنية".
جنبلاط لـ"النهار": لن نشارك في حكومة لا يترأسها الحريري
رأى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ان: "الاستقالة أتت نتيجة تعنّت تيّار سياسيّ معيّن بعدم الاستجابة لطلب الرئيس الحريري تغيير بعض الوجوه في الحكومة لتلبية الحد الأدنى من متطلّبات الحراك".
وقال في اتصال عبر "فايسبوك النهار": "الحلّ يكون بحكومة تكنوقراط مطعَّمة سياسياً، لكن ليس ببعض الوجوه التي رفضها الشعب".
وأكد اننا: "لن نشارك في حكومة لا يترأسها الحريري، ونحن في الحزب الاشتراكي نحتاج إلى فترة هدوء"، مشدداً على ان "ما جرى اليوم في الساحة مرفوض، كذلك إقفال الطرق مرفوض، ومن غير المنطقي أن نُقفل الطرق على بعضنا البعض".
تغريدة لجنبلاط بعد كلمة الحريري
جنبلاط: بارقة أمل كبرى للمستقبل
المصدر: "تويتر" ـ غرّد رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد #جنبلاط عبر حسابه في "تويتر" قائلاً: "لا شكّ أنّ النداء المشترك والتحرك المشترك للجامعة الأميركية والجامعة الياسوعية في تحرّكهما لدعم الحراك ومطالبة الحكم بضرورة الاستجابة هو بارقة أمل كبرى للمستقبل وعلامة مميزة إضافية لأقدم جامعتين ساهمتا في نشر العلم والمعرفة والانفتاح منذ عصر النهضة إلى اليوم".
هكذا علّق جعجع على استقالة الحريري
من جهة ثانية أدعو المؤسسات الأمنية المعنية إلى الحفاظ على سلامة المتظاهرين حيثما وجدوا في لبنان بعد الاعتداءات الشنيعة التي تعرضوا لها اليوم في وسط بيروت".
المكاتب التربوية لـ"أمل" و"حزب الله" في البقاع: لاستئناف الدروس
النهار ـ أفادت المكاتب التربوية لحركة أمل و"حزب الله" في البقاع، أنّه "استجابة لمناشدات الاهالي والهيئات البلدية والاختيارية، وبعد فتح المدارس الخاصة ومزاولتها لدواماتها لليوم الثاني بشكل اعتيادي، ونتيجة لجولة اتصالات وزيارات لمسنا خلالها حجم الدعم من فاعليات البقاع واجماعهم على ضرورة فتح المدارس الرسمية لما فيه مصلحة طلابنا، تداعينا في المكتب التربوي لحركة امل والتعبئة التربوية في حزب الله الى اجتماع تخلله تقييم دقيق للوضع الميداني، تبين لنا خلاله غياب العذر الامني الذي قضى باقفال المدارس".
وتابع البيان: "نتيجة لما تقدم وبعد تذليل كل المعوقات التي تحول دون ذلك، نتوجه الى الاخوة مدراء المدارس والثانويات والمهنيات بالدعوة إلى استئناف الدروس في كل المؤسسات التربوية وبكل مراحلها".
المكاتب التربوية لأمل وحزب الله في الجنوب: لاستئناف الدروس في كل المؤسسات وبكل مراحلها
وطنية - صدر عن المكاتب التربوية لحركة "أمل" و"حزب الله" في الجنوب بيان مشترك جاء فيه: "استجابة لمناشدات الاهالي والبلديات، وبعد فتح المدارس الخاصة ومزاولتها لدواماتها لليوم الثاني بشكل اعتيادي، ونتيجة لجولة اتصالات وزيارات لمسنا خلالها حجم الدعم من فاعليات المنطقة واجماعهم على ضرورة فتح المدارس الرسمية، تداعينا في المكتب التربوي لحركة امل والتعبئة التربوية في حزب الله الى اجتماع تخلله تقييم دقيق للوضع الميداني، تبين لنا خلاله غياب العذر الامني الذي قضى باقفال المدارس.
ونتيجة لما تقدم وبعد تذليل كل المعوقات التي تحول دون ذلك، نتوجه الى الاخوة مدراء المدارس والثانويات والمهنيات بالدعوة إلى استئناف الدروس في كل المؤسسات التربوية وبكل مراحلها".
مؤسسات المجتمع المدني أمام تحدّيات الانتفاضة التشرينية
شكلت انتفاضة تشرين ثورة سياسية-اجتماعية-ثقافية انطلقت من ألم الفقراء ومن وضع اقتصادي اجتماعي ادخل البلاد في أزمة عميقة. لقد تجاوزت الإنتفاضة الحواجز الطائفية والمذهبية للدفاع عن كرامة المواطن وطموحه للعيش الكريم. كما شكلت دعوة لإعادة بناء الوطن على أسس جديدة تنطلق من تحقيق العدالة الاجتماعية وتأسيس دولة مدنية لا طائفية جامعة تؤمن المساواة بين المواطنين والمواطنات وترسم أفق تحول جذري نحو نظام اقتصادي-اجتماعي بديل، في وطن يلعب دوراً ريادياً في العالم العربي ويواجه الأطماع الصهيونية والغطرسة الاسرائيلية بوحدة ابنائه حول فكرة الحرية ورفض التقوقع ضمن سجون الولاءات الطائفية والمذهبية التي لا أفق لها سوى الحرب الأهلية الدائمة.
ان الأزمة الخانقة التي يعاني منها اللبنانيون قد طالت المجتمع الهندسي بشكل واسع مع تراجع حاد في مجالات العمل المحلية والعربية وتفشي البطالة بين المهندسين وتدني ظروفهم المعيشية وانعدام الأفق امام الشباب منهم بشكل خاص. وليس في وسع المذكرة "الإصلاحية" التي اقرتها الحكومة أخيرا تحت ضغط الانتفاضة ان توجد حلولاً فعلية لهذه الأزمة الخانقة، اذ انها تنطلق من النموذج الاقتصادي نفسه الذي أوصل البلد الى الكارثة.
ففي عصر التحول البيئي الشامل لم يعد بالإمكان معالجة المعضلات الاقتصادية والإنمائية من دون ادراج الكفاءة البيئية كمقياس أساسي لكل مشروع. واذا اردنا ان يستعيد لبنان دوره المميز في المنطقة فينبغي ان يترافق التحول من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج مع تحول آخر في نمط الإنتاج يرتكز على الاستعمال المستدام للمواد وتطوير الطاقات المتجددة واستثمار الطاقات البشرية الثقافية والعلمية التي نمتلكها للاستفادة من الآفاق الواسعة التي تفتحها الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي لاحتلال مواقع متقدمة في محيط عربي تزداد فيه وتيرة التنافس الاقتصادي
لكن يبدو ان من صاغوا الورقة "الإصلاحية" لم يدركوا أهمية هذا التحول اذ بقيت التدابير التي اقرتها الحكومة تنطلق من نموذج اقتصادي قديم قائم على اعتماد وصفات نيو ليبيرالية تقليدية كخصخصة القطاعات العامة المربحة التي من الأرجح ان تقتصر على توزيع المغانم بين اركان السلطة، او اعادة احياء مشاريع تطوير عقاري كان قد تم التخلي عنها بسبب انعدام جدواها الاقتصادية والاجتماعية كمشروعي "لينور" و"اليسار"، او الاستمرار في تنفيذ مشاريع السدود من دون اجراء محاسبة تقييمية لفائدتها مقارنة مع كلفتها وأثرها البيئي، والإصرار على إطلاق محارق النفايات بدلاً من التركيز أولاً على تطوير عملية الفرز وتوعية المواطنين على ضرورة اعتماد الفرز من المصدر. ويبقى هذا النموذج ايضاً اسير مفهوم الارتكاز على السيارات الخاصة لتأمين تنقل المواطنين وذلك عبر إطلاق مشاريع كبرى لتوسيع شبكات الطرق وفتح مسارات سريعة جديدة للسيارات الخاصة بدلاً من تطوير النقل العام الذي يشكل الحل الوحيد لمشاكل التنقل بين المدن وفي داخلها.
ان ما تتضمنه المذكرة "الإصلاحية" لا يعدو كونه تجميعاً لسلة تدابير قديمة لا ترسم أي آفاق إنمائية مستقبلية ولا يمكنها في احسن الأحوال الا ان تؤجل انفجار الأزمة لبعض الوقت. لكن يبدو ان الطبقة الحاكمة عاجزة عن الانتقال من نموذج اقتصادي يؤمن لها جني أرباح طائلة على حساب الإنسان والبيئة الى نموذج اخر يرتكز على التنمية المستدامة حتى لو ادى هذا العجز الى الانهيار الشامل. كما يبدو ان هذا الانتقال قد يتطلب المرور عبر مرحلة انتقالية لإيجاد حلول سياسية تمكّن البلاد من مجابهة تحديات المرحلة المقبلة كتشكيل حكومة مدنية من نساء ورجال يتميزون بالكفاءة والنزاهة، مستقلة عن الطبقة السياسية الحاكمة، مهمتها معالجة الوضع الاقتصادي الاجتماعي لتفادي الانهيار وتأمين استقلالية القضاء والشروع في استعادة الأموال المنهوبة والتحضير لانتخابات نيابية وفق قانون جديد خارج القيد الطائفي.
لكن الولوج الى المرحلة الانتقالية هذه يتطلب اعتماد الحذر الشديد ورفض العنف بجميع اشكاله وحماية الانتفاضة الشعبية من التدخلات الخارجية التي من شأنها ان تحاصرها وتدخلها في مستنقعات الصراعات الإقليمية والدولية. كما ان المرحلة الانتقالية هذه تضع مؤسسات المجتمع المدني امام مسؤوليات تاريخية وتتطلب استعادة الدور التاريخي التي كانت تلعبه النقابات العمالية والمهنية في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي، هذا الدور التي بدأت تفقده تدريجياً بعد انتهاء الحرب اللبنانية بسبب طغيان روحية الزبائنية الطائفية والحزبية على الحياة السياسية العامة وتدجين مؤسسات المجتمع المدني عبر إخضاعها لسيطرة القوى السياسية الحاكمة.
واذا كانت انتفاضة تشرين قد أنتجت أشكال تعبير عفوية أعطتها حيويتها وبرهنت عن قدرتها على ابتكار اطر تنظيمية جديدة تتميز بمرونتها وقدرتها على التوجه إلى جماهير مختلفة، فإن المرحلة المقبلة ستتطلب إعطاء دور اكبر لمؤسسات المجتمع المدني واستعادة استقلاليتها كي تتمكن من ان تتحمل المسؤوليات الكبرى التي تنتظرها في نقد ومراقبة اداء الاطر السياسية والضغط من اجل حماية مكتسبات تشرين.
ولنا في تجربتي الثورة التونسية والثورة السودانية مثال حي للدور الذي يمكن ان تلعبه مؤسسات المجتمع المدني، بما في ذلك النقابات العمالية والمهنية، لإيجاد أشكال عمل تؤمن استمرارية روح الثورة بعد هدوء العاصفة.
حرّاس الانتفاضة الأكاديميون...
ابراهيم حيدر ــ جريدة النهار
كان من الطبيعي أن تعلن الجامعتين اليسوعية والاميركية دعم المتظاهرين اللبنانيين ضد السلطة الفاسدة، وتتقدمان لاحتضان الروح الجديدة للتغيير. ليس غريباً على الجامعتين التاريخيتين اللتين ساهمتا في تأسيس الكيان اللبناني، وواكبتا تحولاته ومختلف محطاته الدقيقة والمفصلية أن تكونا مع انتفاضة الشعب اللبناني من أجل حقوقه، فإذا بهما تتعرضان لأبشع أنواع الحملات من أبواق السلطة، فقط لأنهما دعيا السلطات اللبنانية للاستجابة إلى أمنيات الناس باتخاذ الإجراءات المؤسساتية الضرورية للخروج من الأزمة الحالية، وكأن تضامنهما صدر بأمر عمليات خارجي لقلب النظام والهيمنة السياسية والطائفية في البلد. تناسى مطلقو الاتهامات أن هاتين الجامعتين وكانت معهما الجامعة اللبنانية في عصر مضى من اشد المدافعين عن حق اللبنانيين في العيش بدولة مدنية تتجاوز الطائفية والمحاصصة، فإذا بقيم الحرية والمساواة والعدالة واحترام الحقوق تصبح شعارات لأدوات خارجية بالنسبة إلى البعض الذي يتولى مهمة التصويب على الإنتفاضة لمنع تبلورها بمساحات تنويرية.
الأساس الذي انطلق منه سليم دكاش اليسوعي وفضلو خوري، يتعلق بالمعنى التاريخي لتأسيس الجامعتين. فطلابهما المتخرجون على مدى عقود ساهموا في نقل المعرفة ونهضة البلد، لا بل أن قسماً منهم أسسوا للبنان الاستقلالي ولمعنى العروبة الديموقراطية، على الرغم من الصراعات الإيديولوجية وامتداداتها وتلك المسلحة العنفية التي مرت على لبنان، خصوصاً إبان الحرب الأهلية. وبالفعل ساهم طلاب اليسوعية خلال التسعينات من القرن الماضي في رفع راية الاستقلال الثاني، ولم تكن إدارة الجامعة بعيدة عن هذا الخيار، فكانت الأب الاستقلالي للمعركة من أجل لبنان، فيما أعلى طلاب الأميركية قضية فلسطين، وبقوا امينين لها. ولم يتراجع طلاب الجامعتين عن دعم نضالات طلاب الجامعة اللبنانية في بداية السبعينات من القرن الماضي، والذين شكلوا طليعة المدافعين عن الحقوق الاجتماعية والمعيشية للبنانيين ونضالاتهم المجيدة.
كان الرهان أن تكون الجامعة اللبنانية إلى جانب الجامعتين اليسوعية والأميركية في الانتفاضة، وإن كان موقف الاخيرتين ينطلق من أساس أكاديمي. لكن اللبنانية كانت غائبة رسمياً عن الساحات وكأن الامر لا يعنيها وهي التي تضم 80 ألف طالب وطالبة، فتولى عدد من أساتذتها وطلابها التعويض عن تقدمها المشهد، وشاركوا بفاعلية في الانتفاضة التي تعنيهم على مستوى جامعتهم وللبلد، علماً أن تأثير بيان الجامعتين التاريخيتين كان كبيراً مع انطلاق اساتذتها وطلابها الى ساحات الحراك وعقد الندوات والنقاشات والحوارات في القلب وقدموا أنفسهم حرّاس الإنتفاضة الاكاديميون.
الكلام ليس للدفاع عن الجامعتين في وجه الحملات المفتعلة، وليس دفاعاً أيضاً عنهما في وجه قوى أخرى، فتاريخهما قادر على دحض كل الشائعات وكل محاولات البعض تسخيف المعنى الأكاديمي لوجود جامعات بدور تنويري. وطالما كان هناك بجرأة الذين صاغوا بيان التضامن الوطني مع انتفاضة اللبنانيين، فلا خوف أن تصبح الجامعات تحت رهبة النظام المركب طائفياً، وهي قادرة على أن تكون في الطليعة دفاعاً عن حقوق اللبنانيين.
بتوقيت بيروت