جريدة الأخبار
الحلقة المفقودة في قرار وزير التربية بشأن مادة الفلسفة
يعقد اليوم لقاء لأساتذة الفلسفة في قصر الأونيسكو حول مادة الفلسفة برعاية معالي وزير التربية الياس أبو صعب، وارتأيت أن أنشر هذا المقال لإغناء هذا اللقاء وتزويده بمعلومات وأفكار وأسئلة يمكن أن تساعد على اصدار توصيات ملائمة.
إن قرار وزير التربية بإلغاء بعض المحاور في مادة الفلسفة وقبل يومين من الامتحان وتبريره بنقمة التلاميذ على المادة والارباك الحاصل بالنسبة للمحاور... قد أثار نقمة الأساتذة وخلق بلبلة لديهم ومخاوف عديدة ما استدعى إقامة هذا اللقاء، ربما للتوضيح أو ربما لإمتصاص هذه النقمة أو ربما لتبرير ما حصل وسيحصل.
يحق لنا التساؤل لماذا طاول التقليص منهج مادة الفلسفة فقط وتبرير ذلك بصعوبة المادة وتململ التلاميذ. فهل هذا التبرير كاف لإقناعنا؟ أليس هناك مواد أخرى أكثر صعوبة؟ ولِمَ أتى هذا التقليص قبل يومين من الامتحان؟ هل المقصود تقليص المادة أم تشويهها كأن نقلص من غائية تعليمها وأهمية كفاياتها، في تمكين التلاميذ من تنمية واكتساب التفكير الشخصي، النقدي، الحر والمستقل ومن مساحة التساؤل حول وضعه وكيانه وكل ابعاد وجوده، أم هنالك مقاصد أخرى من خلال هذا القرار، ما يثير فينا المخاوف والتساؤلات؟
نعم، الفلسفة كما هو منهجها الآن وكتابها، تفتقر الى كل ما يمتُّ الى غائية تعليمها، وتعديلها أمر ملحّ. ولكن أيّ تعديل، وأي منهج جديد؟ من حق الأساتذة الاطلاع على ما يجري في هذا المجال ليستطيعوا ان يقدّموا توصيات ايجابية وناجعة.
نعرف جميعاً ان المناهج الجديدة الحالية التي صدرت بمرسوم 10227 تاريخ 8/5/1997 ألحقت بقرار من المركز التربوي يعتمد المقاربة والتقييم بالكفايات، وصدر حينها كتيّب التقييم لمادة الفلسفة مربكاً ومشوهاً لمفهوم الكفايات...
لكن ما لا يعرفه الأساتذة ومنذ ذلك الحين، هو المتابعة من قبل المركز التربوي، لعملية البحث حول ايجاد صيغة موحّدة وواضحة لما يسمى «التعلّم بالكفايات». فكان نتاج نظام مرجعي يوضّح المفاهيم سنة 2003، وحينها وضعت كفايات الفلسفة وتصاميم تطبيقية وفق هذا النظام... وأُهمل.
استبعاد الجمعيات من موقع القرار في صياغة المناهج وتحديد ملامح المتخرج
وفي 2005 قامت ورشة عمل مع مكتب BIEF، ووضع تصوّر موحّد آخر لما تسمى الكفايات والوضعيات والتربية الاندماجية، وانتج ما لا يقل عن 800 وضعية تعلميّة ووضعيات تقييم مع تحديد معايير تصحيح موحّدة وفق هذا النظام... طاولت كل المواد وكل حلقات التدريس ومنها الفلسفة ووضعت حينها الكفايات في مادة الفلسفة وما يتلاءم من مضامين مع هذه الكفايات... وقد صرفت اموال طائلة لهذا المشروع مع BIEF. نسأل لماذا لم ينشر ما جرى إنجازه منذ اكثر من عشر سنوات ليطّلع عليه الأساتذة ويستثمر بطريقة أو بأخرى؟
ومنذ عامين أتى تمويل آخر، من أجل تعديل مواد الفلسفة والتربية وعلم الاجتماع تحديداً، وبهدف ادخال مفهوم «المواطنة الحاضنة للتنوع الديني». وهنا، يحق لنا التساؤل عن هذه المسألة وعن الالتباسات بالمفاهيم: ان ادخال مفهوم المواطنة في المناهج شيء مهم جداً. انما ادخالها من باب التنوّع الديني مثير للريبة وكأنه حق يراد به باطل. أليس منطقياً أكثر ادخالها من باب المواطنة في دولة؟ إن المفهوم الأشمل هو الدولة الحاضنة اساساً لكل انواع التنوع... فهل نحن طوائف وقبائل، ام دولة لها دستورها وقوانينها؟ فعلاقات التضامن في المواطنة هي علاقات حرّة قابلة لكل انواع التنوّع ومبنية على تبادل المصالح والخيارات الحرة. إذاً هي في الأساس تحتضن التنوع ولا يمكن بتره وحصره فقط في التنوع الديني.
المواطن لا يكون مواطناً إلا في ظل دولة للجميع، وانتمائه الاوّلي لها لا للاديان والطوائف المكوَّنة للنسيج المجتمعي. الولاء يكون أولاً وآخراً للدولة الجامعة، وهكذا فقط نحمي الوحدة والهوية الوطنية. وعندها تصبح المواطنة بالفعل حاضنة لكل اشكال التنوع.
وهذه هي مهمة الفلسفة في مقاربة موضوع المواطنة.
وما يقوم به المركز التربوي حالياً بغية تعديل المناهج وفتح ورش جديدة تشارك فيها كل الفعاليات التربوية شيء جيد، وقد طاولت هذه الورش منطلقات المنهج وملامح المتخرج (ما يجب ان يكون عليه الطالب عند انهاء تعلمه) ومقاربات وضع المنهج (بالكفايات).
لكن السؤال الأولي والمشروع لدينا: هل سيظل المنهج الرديف «للمواطنة الحاضنة للتنوع الديني» بمعزل عن تقييمنا له، معتمداً خلال بناء المنهج الجديد؟ وهل سيكون بمثابة «منهج خفي» يظل قائماً عند هذا التحّول «الديداكتي» في ابقاء قيم وانماط سلوك ومواقف... تكون مقدمة لقبول أنصاف الحقائق وأنصاف الحقوق؟ ونخشى ان تصبح تنشئةً لأجيالنا الصاعدة تمهيداً لما يُرسم للبنان ولدوره في المنطقة بما في ذلك التطبيع؟!
ومن منطلق مبدأ بناء دولة المواطنة، والحرص على غنى وتنوع المجتمع اللبناني واحترامه، والتمسك بطبيعة الفلسفة وغاية تعليمها ومن منطلق الحفاظ على الدستور اللبناني، نوصي بما يلي:
ــ استبعاد الجمعيات من موقع القرار في صياغة المناهج وتحديد ملامح المتخرج.
يجب ان يتولى بناء المنهج اختصاصيون في الفلسفة وديداكتيك الفلسفة، كذلك في صياغة الكتب والادوات الملحقة بها. وان يكون تقييم المنهج والكتب وكل ما ينتج، على يد اختصاصيين في الفلسفة، لانه من باب البديهيات ألا يُجري تقويم الانتاج الفلسفي التربوي اشخاص من خارج اختصاص الفلسفة.
ــ إن انتاج منهج مادة الفلسفة اعتماداً على الكفايات، وعلى يد خبراء هو المدخل الوحيد الذي ينهي ربما معاناة الاساتذة والطلاب في هذه المادة.
سامية معكرون
جامعة المدينة المنورة: قوة سعودية ناعمة
سنحاول بهذه السطور تسليط الضوء على الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة والتي تعتبر واحدة من أهم أدوات القوة الناعمة السعودية تأثيراً ونجاعة وقابلية للاستخدام لما يمكن أن تحققه للمملكة في النزاع الجاري بشراسة في منطقة الشرق الأوسط.
أولاً: تعريف القوة الناعمة
بداية ماذا نعني بمفهوم القوة الناعمة؟ القوّة الناعمة مصطلح شاع استعماله خاصة في مجال السياسة الخارجية للدول الكبرى، وانتشر الاهتمام في تطبيقاته بين مختلف دوائر صناعة القرار فيها، كأحد أهم أذرعتها فعّالية في ادارة سياستها الخارجية، لخدمة مصالحها الاستراتيجية طويلة المدى.
ويصف هذا المصطلح قدرة أي دولة، على التأثير غير المباشر والمستمر في سلوك الدول والمجتمعات الأخرى وسياساتها ومصالحها، وكذلك التأثير على توجّهات نخبها وشعوبها، عبر توظيف جملة من الوسائل: مثل الأدوات الثقافية والدينية والايديولوجية، وغيرها من الوسائل التي تشكّل في مجموعها منظومة مؤثرة بطرق ناعمة، بعيداً عن وسائل القوّة والضغط.
وأوّل من ابتدع واستخدم هذا المصطلح هو البروفسور جوزيف ناي المساعد السابق لوزير الدفاع الاميركي في كتابه «القوة الناعمة»، وصدرت ترجمته العربية عام 2007. الذي ميّز فيه بين التأثير غير المباشر والمستتر للعوامل الثقافية والايديولوجية والدعاوية والدبلوماسية ومنظومة القيم، على سلوك الدول الأخرى وتوجّهات شعوبها، وبين وسائل «القوّة الخشنة» التي تشمل القوة العسكرية، والضغوط السياسية، والعقوبات الاقتصادية.
ويأتي على رأس الوسائل، التي تُترجم القوّة الناعمة لأية دولة، الأدوات الثقافية والسياسية والاقتصادية، والمؤثرات الايديولوجية كالأديان، والوسائل الإعلاميّة، والصحف والمطبوعات ومعاهد نشر الثقافة، والمنتجات الفنية، والروابط الشعبية.
ثانياً: بعض ملامح القوة السعودية الناعمة
لا يخفى على أحد أن الانسحاب الاميركي المذل من العراق نهاية عام 2010 على يد القوى الحليفة لإيران والذي تلاه سريعاً تحول بنيوي كبير في محيط المملكة العربية السعودية الاستراتيجي تمثل بـ:
1ـ تحولات كبيرة في الوزن النوعي والاستراتيجي لأكثر من دولة إقليمية مهمة.
2ــ تأثر منطقة الشرق الأوسط في عام 2011 بمجموعة من الأزمات
والتغييرات التي عصفت بأكثر من دولة عربية بعضها مؤثر بشكل مباشر على المدى الحيوي للرياض وبعضها الآخر محوري في المنطقة.
وقد تعاملت المملكة بتوجس وقلق كبيرين مع التغيرات والأزمات التي هددت البحرين واليمن الجارين الأقربين، وأطاحت بشريكين كبيرين للرياض (الرئيسين المصري والتونسي). كل هذا دفع السعودية إلى الخروج من هدوئها المعهود والتصرف بانفعال شديد مما أثر بشكل كبير على المسار الذي اتبعته الرياض منذ خمسينيات القرن الماضي وعلى المنهج الذي تتصف فيه كقوة ناعمة تعتمد العمل غير المباشر في صيانة وفرض مصالحها.
وثمة من ينظر بجدية إلى اعتبار العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين توقيتاً لبداية تحولات كبيرة في السياسة السعودية تحاول فيها المؤسسة الحاكمة دمج قوتيها الناعمة والخشنة من خلال:
1ــ التورط غير المباشر بالنزاعات الإقليمية كسوريا والعراق ومصر ولبنان.
2ـ التدخّل المباشر بأكثر من ساحة اقليمية كاليمن والبحرين.
إلّا أن هذه الفرضية تحتاج إلى مسار طويل لتأكيد حجم ومستوى التحوّلات، وهذا يلزمه زمن من رصد الظاهرات وغيرها.
فالمملكة بما تمتلكه من قدرة اقتصادية كبيرة استطاعت تجييرها واستخدامها في مجالات متعددة كالسياسة الخارجية والاعلام والعمل الامني الخارجي فضلاً عن القوة الدعوية الكبيرة، استطاعت على مدى 60 عاماً تجاوز الكثير من المنعطفات والعواصف التي ضربت الشرق الأوسط، وأخطرها مراحل ما بعد احتلال الكويت عام 1990 وتداعيات 11 ايلول 2001 واحتلال العراق عام 2003.
وثمة من يعتبر بأن المملكة تمتلك مخزوناً هائلاً من القوّة الناعمة التي لم تُستثمر بعد، ويسعى صانع القرار السعودي منذ عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى تثبيت وإقرار استراتيجيّة شاملة لهذا الغرض، في مجالات شتى (السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة والدين) لتُشكّل في مجموعها منظومة سياسات وأهداف ووسائل لتفعيل هذه القوّة الناعمة، لتعكس القوّة الحقيقيّة للمملكة خدمة للمصالح الحيويّة الاستراتيجيّة السعوديّة، على المدى المتوسط والبعيد. ففي الفضاء الإسلامي (السني) مثلاً، لا يمكن أن ينافس المملكة أحد، ويُعدّ موقعها وما تحتويه من آثار اسلامية أقوى أداة ناعمة في يدها كونها حاضنة لقبلة المسلمين، وفيها الحرمان الشريفان، مكة والمدينة، ويحج إليها ويعتمر ملايين المسلمين سنويّاً، وهي مركز قوة الأغلبيّة السُنيّة في العالم الإسلامي وهذه المميزات تمثل فرصة سياسية، اقتصاديّة، وقيمة ثقافيّة مُضافة، وبعداً أيديولوجّياً عميقاً للقوة السعوديّة الناعمة، لا يمكن أن ينافسها عليها أحد - سواء حاضراً أم مستقبلاً.
ثالثاً: الجامعة الاسلامية
تسعى المملكة إلى تطوير مشروع طموح تأسّس عام 1961، وهو الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة لاستخدامه كذراع قوية لقوتها الناعمة من خلال ما تمتلكه هذه الجامعة من برامج أكاديمية وإمكانات للسيطرة غير المباشرة وبعيدة المدى على مجتمعات إسلامية... أو تصدير هذه البرامج من خلال توفير بُنية تحتيّة معرفيّة تستقطب من خلالها الكوادر والعلماء البارزين في العالم الإسلامي والاستفادة من هذه الإمكانات البشرية للتأثير بسهولة والنفاذ بسلاسة إلى معظم دول العالم الاسلامي (السني) حصراً.
ونظرة واحدة إلى نوعية خريجي هذه الجامعة الحكومية، التي تتبنى العقيدة السلفية كايديولوجيا، تبيّن أهميتها كأداة ذهبية للقوة الناعمة، نذكر منهم على سبيل العلم لا الحصر الأسماء التالية:
1ــ مقبل بن هادي الوداعي (متوفٍ)، مؤسس معهد «دار الحديث» في دماج في اليمن.
2ــ داعي الاسلام الشهال، مؤسس التيار السلفي في لبنان.
3ــ جهيمان العتيبي، الذي احتل الحرم المكي عام 1980.
4ــ زهران علوش (قتل العام الماضي)، مؤسس «جيش الاسلام» في سوريا.
5ــ الشيخ ربيع المدخلي، مؤسس التيار السلفي (المدخلي)، والذي له تأثير كبير على سلفيي فلسطين.
6ــ فارس أحمد جمعان آل شويل الزهراني، الملقب بـ«أبو جندل الأزدي»، منظِّر تنظيم «القاعدة» في السعودية. لمع نجمه مع التنظيم، وتولى المسؤولية التنظيرية وإصدار الأبحاث والدراسات الداعمة للقاعدة وعملياتها، وإكسابها الغطاء الشرعي.
7ــ سعيد أبو بكر زكريا، رئيس المعهد الشرعي العنبري السلفي في غانا، والذي تتهمه السلطات الكندية بالتأثير على الشباب السلفي في كندا. وكان قد انتدب من قبل الجامعة لمدة عشر سنوات إلى كندا فأسّس فيها قاعدة مهمة للسلفية من خلال خطبه ودروسه.
8ــ سالم عبد السلام الشيخي، أول وزير أوقاف بعد الثورة الليبية على القذافي والذي ضبط مع الشيخ علي الصلابي لإشراف الشيخ يوسف القرضاوي دستور ليبيا الانتقالي.
9ــ حامد بن عبد الله أحمد العلي، الأمين العام للحركة السلفية بالكويت.
أنشأت الحكومة السعودية الجامعة الاسلامية عام 1961، وأقامت لها مباني ضخمة في المدينة المنورة وترأس الملك أو من ينوب عنه لجنة الجامعة العليا منذ البداية. وجرى العرف أن يتولى أحد أحفاد محمد ابن عبد الوهاب من «آل الشيخ» إدارة الجامعة وكان من أول رؤسائها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، إلا أنّ هذه القاعدة تغيّرت لاحقاً فرئيس الجامعة الحالي الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله السند (رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحالي)، والرئيسين اللذين سبقاه ليسا من آل الشيخ. وبقيت الجامعة الإسلامية مقتصرة على تخصصها الديني وعلى كلياتها الخمس الشرعية إلى تمام نصف قرن على تأسيسها.
وقد حدد نظام الجامعة أهدافها فيما يلي:
1ــ تبليغ العالم رسالة الإسلام الخالدة عن طريق الدعوة، والتعليم الجامعي، والدراسات العليا.
2ــ غرس الروح الإسلامية وتنميتها، وتعميق التدين العملي في حياة الفرد والمجتمع المبني على إخلاص العبادة لله وحده، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
3ــ إعداد البحوث العلمية وترجمتها ونشرها، وتشجيعها في مجالات العلوم الإسلامية والعربية خاصة، وسائر العلوم، وفروع المعرفة الإنسانية التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي عامة.
4ــ تثقيف من يلتحق بها من طلاب العلم من المسلمين من شتى الأنحاء، وتكوين علماء متخصصين في العلوم الإسلامية والعربية وفقهاء في الدين مزوّدين بالعلوم والمعارف بما يؤهلهم للدعوة للإسلام وحل ما يعرض للمسلمين من مشكلات في شؤون دينهم ودنياهم على هدي الكتاب والسنة، وعمل السالف الصالح.
5ــ تجميع التراث الإسلامي والعناية بحفظه وتحقيقه ونشره.
6ــ إقامة الروابط العلمية والثقافية في الجامعات والهيئات والمؤسسات العلمية في العالم، وتوثيقها لخدمة الإسلام وتحقيق أهدافه.
نوعية متخرجي هذه الجامعة تبيّن أهميتها كأداة ذهبية للقوة الناعمة
انبثقت أهداف الجامعة الإسلامية من سياسة التعليم العالي في المملكة السعودية ورغبة المؤسسة الدينية بتحويل الجامعة إلى محور التعليم الديني الوهابي، وكان بارزاً على نحو واضح أنها تعكس اتفاق المؤسستين الرئيسيتين في السعودية (المؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية) باستثمار طاقات هائلة مالية وبشرية وثقافية لإنجاز صرح تعليمي ذي أبعاد عالمية للمنهج الوهابي، رغم أن المؤسستين حرصتا على تغطية ذلك بمحاولة ربط الأهداف بمنظومة التعليم العالي السعودية وربطتا الأهداف بالمادة السابعة من نظام التعليم العالي السعودي، وذلك في المواد التالية:
ــ تنشأ جامعة إسلامية كبرى لإعداد علماء متخصصين في العلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية إحياءً للتراث الإسلامي وعملاً على ازدهاره وقياماً بواجب الدعوة إلى الإسلام.
ــ تحظى الجامعة الإسلامية برعاية خاصة لتكون مركز الإشعاع في العالم الإسلامي وغيره، ويكون لها شخصية مستقلة ترتبط مباشرة بالملك.
ــ تعني هذه الجامعة بالبحوث الإسلامية وتقوم بترجمتها ونشرها وتنظم العلاقة بينها، وبين جامعات العالم لسدّ فراغ الدراسات الإسلامية والعربية.
ــ تتكوّن الجامعة من الكليات ومعاهد التعليم الديني القائمة في المملكة المتخصصة في دراسة علوم الشريعة الإسلامية وعلوم اللغة العربية، وما ينشأ من الكليات لخدمة الشريعة واللغة العربية وشؤون الأمة الإسلامية.
ــ تعنى كلية الشريعة في هذه الجامعة بالدراسات الحقوقية لتخريج متخصصين شرعيين حقوقيين لسد حاجة البلاد.
ــ تفتح الجامعة أبوابها لعدد مناسب من طلاب البلاد الإسلامية كي يعودوا إلى بلادهم بعد تخرجهم، لنشر الإسلام والقيام بواجب دعوته.
ــ تقبل الجامعة الطلاب الذين تتوافر فيهم شروطها من حملة الشهادة الثانوية للمعاهد العلمية ودار التوحيد أو ما يعادلها.
ــ تطوير الجامعة الإسلامية لتصبح مركزاً دولياً للدراسات الإسلامية يستقطب الطلاب المسلمين من كافة أرجاء العالم الإسلامي.
ــ تخطيط المباني الملائمة لكليات الجامعة، ومعاهدها، ومباني الإدارة، وسائر المرافق العامة، وتصميمها، وإنشائها، وتجهيزها بحيث تقوم برسالتها على خير وجه.
ــ زيادة عدد الطلاب المقبولين من البلدان الإسلامية من خلال زيادة المخصصات والاعتمادات للمنح الدراسية.
ــ تزويد الطلاب المسلمين بالعلوم الدينية (السليمة) المستندة إلى القرآن الكريم، والحديث الشريف، والفكر الإسلامي.
ــ تشجيع تقدّم العلوم الإسلامية من خلال البحوث الاجتماعية والدينية والثقافية.
ــ إعداد برامج خدمات عامة تتركز حول نشر معلومات، وبحوث عن مواضيع إسلامية.
ــ استضافة المؤتمرات التي تعنى بالمصالح الدينية المحلية والدولية.
ــ تحديد المشكلات التي يواجهها العالم الإسلامي ووضع المقترحات لحلها.
ومن خلال العناية الخاصة التي أولاها آل سعود للجامعة لأهميتها الاستراتيجية وضعت الخطة الخمسية الثانية تصوراً لتطور الجامعة التعليمي، ورصدت لها المبالغ الطائلة؛ وقامت على إثر ذلك مشاريع كبيرة لم تعرفها الجامعة من قبل ومن الأهداف والسياسات التي لحظتها خطة التنمية الخمسية الثانية ما يلي:
* إنشاء كلية للحديث الشريف.
* إنشاء كلية للغة العربية وآدابها.
* إنشاء معهد لتعليم اللغة العربية للطلاب غير العرب.
* افتتاح قسم للدراسات العليا لمرحلة الماجستير.
* إنشاء برنامج للدراسات العليا لمنح شهادة الدكتوراه.
* إنشاء إدارة لمتابعة طلاب الجامعة بعد تخرجهم.
* إنشاء قاعة للمحاضرات العامة.
* إنشاء مطبعة للجامعة.
* إنشاء دار للطلبة وتوزيع الكتب في جدة.
* إنشاء إدارة للإشراف والتوجيه الاجتماعي.
* إنشاء إدارة للتخطيط والميزانية والمتابعة.
* إنشاء مركز لشؤون الدعوة الإسلامية ليقوم بالتالي:
ــ إعداد دراسات حول وجهة نظر الإسلام في العديد من الأمور وإعداد الردود على البدع والدعوات المضللة.
ــ جمع البيانات والمعلومات عن الأوضاع الاجتماعية والدينية للمسلمين في شتى أنحاء العالم وتحليلها.
ــ القيام بالبحوث والدراسات ونشرها.
ويلاحظ من سياسات خطة التنمية الخمسية الثانية، وبرامجها أن الاهتمام الكبير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، يؤكد حجم الآمال التي كانت - وما زالت - تعلقها الدولة والمؤسسة الدينية على هذه الجامعة لتقوم بمهمة الدعوة الإسلامية على أكمل وجه حسب خطط آل سعود.
واستمرت الجامعة على هذا المنوال حتى تاريخ 15 أيار 2010 عندما انطلقت المرحلة الثالثة من تطوير الجامعة بنشر الموافقة الملكية على قرارات مجلس التعليم العالي، بافتتاح ثلاث كليات فنية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي: كلية العلوم، وكلية الحاسب الآلي ونظم المعلومات، وكلية الهندسة. وأتبعت هذه الموافقة بعد ثلاث أعوام بتعيين الأكاديمي خبير الحاسب الآلي الدكتور عبد الرحمن السند رئيساً للجامعة الذي استطاع تحصيل الموافقة على إنشاء كليتين جديدتين هما كلية العلوم (المرحلة التحضيرية) وكلية العلوم الكيميائية (قيد الانشاء وتنطلق العام القادم).
وقد اعترض عدد من العلماء والمسؤولين السابقين في الجامعة على هذا التحديث لأنه سيخل بالاهداف التي انشأت لأجلها الجامعة ومنهم الشيخ عبد المحسن البدر أول أستاذ شريعة فيها، والذي درس فيها 50 عاماً وشغل منصب نائب رئيسها السابق عبد العزيز بن باز، حيث قال تعليقاً على التطوير وبعد إرساله رسالة للملك السعودي الراحل عبدالله: «...
ولا يزال الأمل عظيماً في خادم الحرمين حفظه الله بالتوجيه بإبقاء الجامعة على تخصصها وصرف النظر عن كل ما من شأنه إضعافها وخروجها عن مسارها، ومما لا شك فيه أن فائدة الحاسب الآلي في الوصول إلى المعلومات الشرعية عظيمة، ويمكن تحقيق هذه الفائدة بإيجاد دورات في الحاسب الآلي يتمكن بها طلاب الجامعة من الوصول إلى بغيتهم في مجال اختصاصهم، وأما دراسة العلوم والهندسة فإن ذلك وإن كان فيه فائدة دنيوية فإنه لا يتفق مع الأهداف التي أُنشئت من أجلها الجامعة، وهي: تفقيه أبناء المسلمين في الدين ليعودوا إلى بلادهم دعاة إلى الحق والهدى، يبصرون غيرهم في أمور دينهم، وهذه الكليات تعلِّم المهن والحرف التي لا تتفق مع ما أُسست الجامعة من أجله، وهذا النوع من الدراسة موجود في بلاد كثيرة، ويغني عن افتتاح هذه الكليات في الجامعة أن يوجَّه الطلاب السعوديون إلى جامعات المملكة التي تشتمل على مثل هذه الكليات، وقد زاد عددها على عشرين جامعة، وأما غير السعوديين الذين يُرغَب تدريسهم في هذه التخصصات فإن المناسب تخصيص منح دراسية لهم في تلك الجامعات الكثيرة في المملكة». ولكن هذه الصرخات لم تلق آذاناً صاغية لدى المؤسسة الحاكمة ولا عند المؤسسة الدينية التي تم تطويعها وترويضها بشكل كبير بعد حقبة التسعينيات التي شهدت حراكاً قوياً تجاه التعديلات البنيوية في النظام السياسي والتي أطلقها الملك الراحل فهد وأدت إلى الحد من نفوذ المؤسسة الدينية. ولاحقاً بعد أحداث 11 ايلول 2001 والضغط الأميركي شجّع الحكم السعودي اتجاهاً جديداً في صفوف المؤسسة الدينية مما أسموه باتجاه الوسطية، وعملوا على دعم طائفة من العلماء الذين يتصفون بصفتين: التعليم العصري والطاعة العمياء (لولي الأمر). ومن هؤلاء مجموعة كبيرة ممن احتلوا مناصب هامة في عدد من المفاصل الرئيسية بالدولة (كالسند رئيس الجامعة ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – والعبيكان مستشار الملك – وغيرهم).
بعد مجيء سلمان بن عبد العزيز ملكاً تم دعم الجامعة بعدد كبير من المساعدين المناسبين للسند كفريق للتطوير وفق الرؤية الملكية، وعلى رأسهم مدير الجامعة المكلف الأستاذ الدكتور إبراهيم بن علي العبيد الذي يعتبر حالياً الرئيس الفعلي للجامعة بعد انشغال السند بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومما يؤشر على بقاء الإهتمام الملكي السعودي بالجامعة هو قيام الجامعة بإعداد كامل الخطة الاستراتيجية للمملكة للعام 2030 والتي أطلقها وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان. ومما يشير إلى الاتجاه الذي ستسلكه الجامعة مستقبلاً هو التطور الكبير في اربع وكالات وعمادات تابعة للجامعة وهي عمادة الجودة والتطوير - وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي – عمادة تقنية المعلومات – عمادة خدمة المجتمع والتعليم المستمر. لتصبح مؤسسات ذات وظيفة تخطيطية واستشارية بتشعبات خارجية وارتباطات عضوية بمؤسسات استرتيجية سعودية (كالمجلس الاعلى الاقتصادي والمجلس الأعلى للأمن ومنظمة العالم الاسلامي والمجلس الاعلى للتخطيط). ويبدو من خلال مجموعة من التحديثات والمشاريع أن دور الجامعة مستمر في التصاعد ليس على المستوى المحلي بل على المستوى العالمي من خلال الكم الهائل من الكادرات التي درست في الجامعة من 150 دولة، فيما يبدو أنه بداية لاستثمار هذه الطاقات في بلادها أو في بلدان أخرى لنشر السياسات السعودية وتأسيس كيانات ترتبط بمؤسسات القوة الناعمة السعودية.
يوسف الشيخ