نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية مقالًا لكاتب عمود في المجلة الأميركية ستيفن كوك وهو زميل أول معهد إيني إنريكو ماتي الإيطالي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، حول حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، موضحًا أن علاقة أميركا بهؤلاء الحلفاء والأصدقاء باتت في النَزْع الأخير.
ويشير الكاتب إلى أنه قبل 50 عامًا تقريبًا، استطاعت الولايات المتحدة تغيير الموقف السياسي في مصر. لقد كان فوزًا كبيرًا في دبلوماسية المحصلة الصفرية للحرب الباردة (بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهما)، حيث بدأت القوتان العظميان في كَسْب العملاء الإقليميين إلى صفوفهما، وانضم المصريون إلى نادٍ ضمَّ السعوديين والأردنيين والإسرائيليين ودول الخليج العربي الصغيرة، التي كانت تبحث عن الحماية بعد أن ترك البريطانيون مواقعهم شرق قناة السويس في عام 1971.
ما الذي حدث؟
ولفت الكاتب إلى أنه في العقود التي أعقبت ذلك، وبعدما أصبحت الولايات المتحدة أكثر انخراطًا في الشرق الأوسط على نحو مباشر، كانت تلك الدول تعد القلب لمجموعة من الدول الصديقة للولايات المتحدة، والتي عبَّدت الطريق أمام واشنطن للسعي وراء تحقيق أهدافها في المنطقة، ومنها حماية التدفق الحر للنفط من المنطقة، مما يساعد على ضمان الأمن الإسرائيلي، ومكافحة المتطرفين، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى سلسلة من السياسات الأخرى عالية الطموح، مثل غزو العراق.
يقول الكاتب: لطالما فكَّرتُ في هذه العلاقات منذ أن بدأت المقالات الصحفية توضِّح بالتفصيل الأزمات التي ضربت علاقات واشنطن بشركائها في الشرق الأوسط، وبخاصة السعودية والإمارات. إن هناك شيئًا ما وراء هذه الأزمات لا محالة. إن السعوديين والإماراتيين رفضوا طلب إدارة بايدن بضخ مزيدٍ من النفط في ظل ارتفاع الأسعار العالمية بعد غزو روسيا لأوكرانيا. وعقب تحرك القوات الروسية غربًا، امتنعت الحكومة الإماراتية عن التصويت على قرار يدين الغزو الروسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وفي الوقت الذي سعى فيه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى توحيد صف العالم ضد روسيا، نجد أن السعودية والإمارات لا تدعمان العقوبات المفروضة على روسيا؛ شريكهما في منظمة أوبك بلس. وفي منتصف مارس (آذار)، استضاف الإماراتيون رئيس النظام السوري بشار الأسد في دبي. وقد يصعب تخيُّل طبيعة الرسالة التي كان ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان يريد إرسالها من زيارة شخص كهذا مسؤول عن جرائم لا تُعد ولا تُحصى ضد الإنسانية، لكن الرسالة عكست بوضوح انقسامًا في علاقات الإمارات مع الولايات المتحدة.
فَقْد الثقة في الولايات المتحدة
وشدد الكاتب على أن المشكلات التي أصابت علاقات الولايات المتحدة مع السعوديين كانت تتطور ببطء، لكن مجموعة من العوامل الإقليمية والعالمية والسياسية تضافرت خلال الأشهر الثمانية الماضية، مما أسهم في التدهور العلني لهذه العلاقات. ويتساءل كوك: متى كانت آخر مرة سمعنا فيها أن زعيمًا شرقَ أوسطيًّا رفض الرد على اتصال هاتفي من رئيس الولايات المتحدة؟ لدينا الآن أمثلة حديثة من زعيمين (محمد بن سلمان ومحمد بن زايد). ومع ذلك، فالأمر يعدو كونه كبرياءً شخصيًّا جريحًا، ويبدو أنه لم يعد لدى السعوديين والإماراتيين أي ثقة في التصريحات الأميركية بأن واشنطن ملتزمة بحمايتهم وأمنهم.
وبالعودة إلى إدارة ترامب، عندما هاجم الإيرانيون منشآت النفط السعودية في مدينتي بقيق وخريص بالسعودية في سبتمبر (أيلول) 2019، جنَحَ الرئيس الأميركي – مدعومًا من مجتمع السياسة الخارجية – إلى عدم الرد على تلك الهجمات. وأدَّى هذا الأمر إلى قلب أربعة عقود من السياسة الأميركية رأسًا على عقب، بعد أن كانت تلك السياسة موجَّهة نحو الدفاع عن حقول النفط في الخليج العربي من التهديدات التي تنشأ من داخل المنطقة أو من خارجها.
وفي الآونة الأخيرة، كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان مخزيًا، بحسب كوك، إلى جانب تصميم إدارة بايدن على التفاوض بشأن اتفاق نووي جديد مع إيران. وتدعم دول الخليج بالفعل التوصُّل إلى اتفاقية مع إيران، لكنها تخشى أن تتفاوض الإدارة الأميركية على صفقة تزوِّد بموجبها طهران بمليارات الدولارات التي يمكن أن تستخدِمها لزيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة.
أضف إلى ذلك أن المسؤولين الأميركيين يفكِّرون في الوقت نفسه في رفع التصنيف الإرهابي عن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني (IRGC)، فضلًا عن عدم رغبة واشنطن في تصنيف الحوثيين اليمنيين جماعةً إرهابية، وهذا هو المؤشر الأكثر دلالة، من وجهة نظر أن السعوديين والإماراتيين، على عدم جدوى التزام الولايات المتحدة بأمنهم.
اميركا ليست ضمن الاجماع
واستدرك الكاتب قائلًا: لكن الأمر لا يقف عند حد السعوديين والإماراتيين وحدهم، إذ على الرغم من أن إسرائيل كانت أهدأ في انتقادِها للولايات المتحدة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أوضح بينيت ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أن الإسرائيليين لن يكونوا ملزمين بأي اتفاق نووي جديد مع إيران. ومارسَ الإسرائيليون أيضًا ضغوطًا على الإدارة الأميركية لإعادة إدراج الحوثيين على قائمة الجماعات الإرهابية وشاركوا الإماراتيين والسعوديين في مخاوفهم بشأن الحرس الثوري الإيراني.
ومن جانبهم، حصلَ المصريون على أسلحة روسية متطورة في السنوات الأخيرة ويواصلون التحوُّط مع الصين، رافضين الاختيار بين واشنطن وبكين. لقد كانت الابتسامات مرسومة على جميع الأوجه في قمة النقب الأخيرة التي جمعت وزراء خارجية إسرائيل ومصر والبحرين والإمارات والمغرب بوزير الخارجية الأميركية، ولكن كان هناك أيضًا واقع جديد يشير إلى أنه بعد سنوات العمل التي قضاها المسؤولون الأميركيون من أجل الوصول إلى إجماع إقليمي، أصبح هذا الإجماع متحققًا الآن، لكنه لا يضم الولايات المتحدة.
وحول كل هذه القضايا مجتمعة، هناك أشخاص في واشنطن يتساءلون: هل شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط شركاءٌ بالفعل؟ وفي الوقت نفسه، يتساءل المسؤولون في عواصم الشرق الأوسط عن الولايات المتحدة وهل هي شريك بالفعل؟ وهو الوضع الذي تفاقم بسبب اللغط حول مدى أهمية «مغادرة» المنطقة أو «الانسحاب منها».
ليست علاقات بل مفارقات تاريخية
ويؤكد الكاتب أنه بطبيعة الحال، يمكن تفهُّم المشاعر المُتبلِّدة من جميع الأطراف، بيد أن رفع الأيدي والتصريح بأن شركاء الولايات المتحدة سيئون؛ لا يقدم أي نظرة ثاقبة عن سبب هذا التدهور في العلاقات، وهل هناك أي شيء يمكن فعله حيال ذلك. إن إلقاء اللوم على الشخصيات المختلفة المتورطة حاليًا فكرة مُغرية، لكن عملية التفكك في العلاقات هذه استمرت في حقيقة الأمر لمدة طويلة تكفي لأن تمتد لتشمل فترات رئاسية لثلاثة رؤساء أميركيين (13 عامًا وأكثر).
وذلك لأن هذه العلاقات تمثِّل مفارقات تاريخية؛ إذ تأسست هذه العلاقات وطُوِّرت وبُنيَت منذ زمن طويل. وقد وضع كل من رئيس الولايات المتحدة الأسبق فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز، المعروف بابن سعود، الأساس للعلاقات الأميركية السعودية قبل 77 عامًا. ومضى وقت طويل مُذْ قال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر إن مصر يمكن أن تكون حصنًا ضد الاتحاد السوفيتي. كما توفَّرت الرعاية لعلاقة واشنطن بالإمارات خلال تسعينيات القرن الماضي بعدما اصطبغ وجود الولايات المتحدة في الخليج العربي بصبغة الاستمرارية. ونمَت هذه العلاقات وتوطَّدت مع الحرب العالمية على الإرهاب، بحسب كوك، لكن الأميركيين يتقبَّلون الآن عواقب إضفاء الطابع الأمني على سياستهم الخارجية على مدى العقدين الماضيين ويريدون إجراء تغيير.
تبدلت الأحوال
ويوضح الكاتب أنه بوجهٍ عام، لم تعد المصالح الأساسية التي دفعت الولايات المتحدة إلى الانخراط في الشرق الأوسط – التدفق الحر للنفط والمساعدة في ضمان الأمن الإسرائيلي – تبدو مُلِحَّة للغاية. وصحيحٌ أن الغزو الروسي لأوكرانيا أكَّد مدى أهمية نفط الشرق الأوسط في الوقت الحالي، لكن انتقال الطاقة لن يكون سلسًا كما يتصور بعض الناس.
ولكن مع بدء تسريع عملية تكييف بدائل للنفط (يقدِّر مجتمع الاستخبارات الأميركية أن هذا سيبدأ بعد عام 2030)، ستكون حقول النفط في المنطقة أقل أهمية للولايات المتحدة. وأشار صانعو السياسة في الولايات المتحدة بالفعل إلى أنهم لم يعد لديهم رغبة في الدفاع عن أمن الطاقة في الشرق الأوسط والتضحية من أجله. وأحد الأشياء الأقل إثارة للجدل التي قام بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما كان في منصبه هو عدم الرد على هجوم 2019 على السعودية.
علاوة على ذلك، تعد إسرائيل، بحسب كوك، دولة صناعية بالكامل وتتمتع بناتج محلي إجمالي مساوٍ للناتج الذي يحققه حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وسجلٍ حافلٍ بالدفاع عن نفسها، كما يجري دمجها ببطء في دول الجوار. ويتمتع الإسرائيليون بعلاقات ممتازة مع الخصمَيْن السابقَيْن؛ اليونان وقبرص، وتسعى الحكومة التركية إلى إقامة علاقة جديدة مع تل أبيب. وبالطبع، هناك شركاؤها الجدد في العالم العربي – البحرين والإمارات والمغرب – لينضموا إلى الأردن ومصر.
ويبدو أن الولايات المتحدة وأصدقاءَها في المنطقة قد وصلوا إلى منعطف لم تعد فيه مصالحهم متوافقة أو متلاقية. ويمكن للمسؤولين في واشنطن والمسؤولين عبر عواصم الشرق الأوسط إعادة تشكيل تلك العلاقات التي أصبحت قديمة بناءً على مجموعة جديدة من الأهداف، لكن الأهداف التي قد تفكر فيها الولايات المتحدة – مواجهة الصين وروسيا أو ربما دمج إيران في المنطقة لتحقيق الاستقرار فيها – قد لا تجد مَن يوافق عليها.
وفي غمار ذلك، توجد تطورات غريبة مثل دعم شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لروسيا دعمًا سلبيًّا، وتعميق علاقاتهم مع الصين. وربما يكون المصطلح الأدق لهذه التطورات هو «الأعراض المرضية» التي تشير إلى وفاة النظام الأميركي الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية وعدم اليقين بشأن ما سيأتي في قادم الأيام، بحسب ما يختم الكاتب.
بتوقيت بيروت