يربض الاحتلال الاسرائيلي على ارض فلسطين منذ العام 1948 محتلا ارضها وسالبا خيراتها ومستبيحا حقوق شعبها، وهو على مرأى من دول العالم اجمع، ومعهم المنظمات المسماة دولية من الامم المتحدة الى سائر مؤسساتها بدءا بمجلس الامن الى اخرها وبينها ما يدعى مجلس حقوق الانسان. كل هذه المنظمات والمؤسسات تنظر الى هذا الواقع، رغم انه مؤقت، بعين العمى تارة وأخرى تجانب فيه الحقيقة الكاملة، ولا تخرج كل مواقفها عن كلام يبقى منثورا في الهواء او حبرا على ورق لا ينصف مظلوما ولا يعيد حقا..
ففي اواخر اذار الماضي، بعد اكثر من 74 عاما على احتلاله لفلسطين، اصدر مقرر خاص للأمم المتحدة تقريرا اعتبر فيه إن واقع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية يفي بالتعريف القانوني للفصل العنصري المنصوص عليه في القانون الدولي". وهو ما نفاه الكيان الصهيوني.
غير أن مؤدى هذا التقرير اعلنه "العسكري الإسرائيلي" السابق رافائيل سيلفر في مقال نشره موقع «موندوايس» الإخباري المتخصص في تغطية السياسة الخارجية الأميركية بالشرق الأوسط، والذي يصف نفسه بأنه معادٍ للصهيونية، مقالًا لـ ، تحدث فيه عن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يعامل الشعب الفلسطيني بإجحاف، مقدمًا شهادته العيان على ما حدث ولم يزل مستمرًا.
واقع لا تخطئه عين
في بداية مقاله يقول الكاتب: «إنني يهودي، ومواطن إسرائيلي، ومحارب قديم، في وحدة قتالية تابعة للجيش الإسرائيلي. غادرتُ “إسرائيل” عام 2001 مهاجرًا إلى كندا؛ حيث أصبحتُ مواطنًا كنديًّا؛ لأنني شعرتُ أنه لم يعد بإمكاني أن أكون جزءًا من نظامٍ يمارس الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني. وأنا هنا لا أستخدم كلمة «نظام الفصل العنصري» مُستخِفًّا بها، بل أستخدمها وأنا كاره لها. واخترت استخدام هذه الكلمة لوصف الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني على مدار أجيال؛ لأنني رأيتُ الفصل العنصري يُطَبَّق في أرض الواقع بأمِّ عيني، بل طبَّقته أثناء خدمتي العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ودعَمْته حين دفعتُ الضرائب كوني مواطنًا إسرائيليًّا.
الفصل العنصري في “اسرائيل”
يسرد الكاتب بعض مظاهر الظلم، ومنها: الطرق المنفصلة المخصصة لليهود، والتي لا يُسمح للفلسطينيين في الضفة الغربية بالسير فيها، بالإضافة إلى سلسلة كاملة من القوانين والحماية التي توفرها دولة “إسرائيل” للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية، في مقابل حرمان الفلسطينيين منها حرمانًا تامًّا، على الرغم من أنهم يعيشون في الجوار، ناهيك عن العيش في الضفة الغربية تحت نظام عسكري يُطبِق على خناق الفلسطينيين وحدهم؛ كل هذا يعني قيودًا مفروضة على السفر، ومحدودية الوصول إلى المياه، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين للمدنيين، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وتطبيق عقاب جماعي على الفلسطينيين وحدهم، وليس على اليهود. أما استخدام قوات الأمن الإسرائيلية للقوة المميتة ضد المدنيين الفلسطينيين على نحو متكرر فهو حدث معتاد. وحتى حق لمِّ شَمْل الأسرة، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان معترف به في جميع أنحاء العالم، ممنوع على الفلسطينيين وحدهم.
يتابع: حتى داخل “إسرائيل” نفسها يتغلغل نظام الفصل العنصري في هيكل الدولة، في كل جانب من جوانب الحياة تقريبًا. وأعرف ذلك لأنني استفدتُ من نظام الفصل العنصري داخل “إسرائيل” بصفتي مواطنًا يهوديًّا يتمتع بحقوق لم تُمنح للمواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في الدولة ذاتها. وبصفتي يهوديًّا وُلِدتُ خارج “إسرائيل”، مُنِحتُ الجنسية يوم وصولي إلى البلاد بموجب قانون العودة الذي ينطبق على اليهود دون غيرهم. بينما يُحرَم الفلسطينيون الذين طُردوا من أراضيهم أثناء (حربي 1948 و1967) من مثل هذا الحق في العودة. حتى المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل” لا يستطيعون العودة إلى قراهم التي دُمِّرت نتيجة تلك الحروب، ولكن يجب عليهم بدلًا عن ذلك العثور على سكن في مكان آخر.
ويضيف: بصفتي يهوديًّا، حتى لو لم أكن مواطنًا إسرائيليًّا، يحقُّ لي شراء مسكن في أي مكان داخل الدولة؛ ومع ذلك لا يُسمح للمواطن الفلسطيني بشراء عقارات إذا كانت تقع على أرض خاضعة لسيطرة الصندوق القومي اليهودي. وبصفتي مواطنًا يهوديًّا في “إسرائيل” أتمتع بالحماية من التمييز بموجب القانون – سواء كان ذلك في الإسكان، أو العمل، أو الفرص التعليمية – بينما لا يتمتع المواطنون الفلسطينيون بمثل هذه الحماية. وبصفتي واحدًا من أبناء الشعب اليهودي، لدي كامل الحق القانوني الذي تكفله لي الدولة في التعبير عن حقوقي الوطنية الجماعية، وإبداء آرائي وتوقعاتي. والمواطنون الفلسطينيون ليس لديهم مثل هذا الحق على الصعيد الوطني أو الجماعي. حتى لغة أجدادي، العبرية، معترف بها باعتبارها اللغة الرسمية الوحيدة في “إسرائيل”، أما العربية، لغة الشعب الفلسطيني، فليست كذلك.
“إسرائيل” ليست استثناءً من القاعدة
يشدد على أن النظام الذي يطبِّق قوانين وممارسات انتقائية على مجموعة من البشر، ومع ذلك ينكرها على مجموعة أخرى، على أساس العِرق فقط، هو نظام فصل عنصري من حيث التعريف. كان هذا هو الحال في جنوب أفريقيا في الماضي، وهذا هو الحال في “إسرائيل” اليوم. والخطوة الأولى لتصحيح خطأ تاريخي هي الاعتراف بالواقع الذي نراه أمامنا. ولا يمكن لأي مجتمع أو دولة أن تطالب بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان العالمية، بينما هي تنكر العدالة على بعض الناس بينما تمنحها غيرهم. و“إسرائيل” ليست استثناءً من هذه القاعدة.
لقد أطلقت منظمة «أصوات يهودية مستقلة – كندا» مؤخرًا حملة توعية عامة تسمى «معًا ضد الفصل العنصري» لإعلام الجمهور الكندي وتثقيفه حول الواقع الذي يواجه ملايين الفلسطينيين. ومن خلال زيادة الوعي والمعرفة الأشمل حول مظاهر عدم الإنصاف والظلم الذي يواجِهه الفلسطينيون، يمكن للكنديين البدء في التأثير على سياسات حكومتنا وإجراءاتها.
ويختم الكاتب بالقول: إنني أُحثِّكم على الانضمام إلى هذه الحملة كما فعلتُ، كلٌ بحسب إمكاناته وموقعه. أما الصمت فهو تواطؤ؛ إذ يسمح باستمرار التمييز، والقمع، والظلم. ارفع صوتك وغَيِّر الواقع.
المصدر: ساسة بوست
بتوقيت بيروت