في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 استضاف برنامج «60 دقيقة» الشهير على قناة «سي بي إس» الأميركية المسؤول السابق في المخابرات السعودية سعد الجبري لمحاورته حول أسباب خلافه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو الخلاف الذي أجبره على مغادرة السعودية إلى منفاه في كندا، فضلًا عن اعتقال اثنين من أبنائه على خلفية ذلك، بالإضافة إلى اتهامات الفساد الموجّهة إليه من طرف نظام ابن سلمان. وتعدّ المقابلة التلفزيونية مع «60 دقيقة» هي الأولى لسعد الجبري منذ خروجه من السعودية.
وحمل اللقاء التلفزيوني تصريحات مثيرة للجدل، من بينها اتهام سعد الجبري لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالتخطيط لاغتيال الملك السابق عبد الله، في لقاء جمع ابن سلمان مع وزير الداخلية وولي العهد المعزول محمد بن نايف عام 2014، حسب تصريح سعد الجبري.
وحذّر سعد الجبري من خطورة بقاء محمد ابن سلمان في السلطة، ووصفه بـ«الدموي»، و«المصاب باضطراب نفسي»؛ إذ قال: «أنا هنا لأدق ناقوس الخطر حول سايكوباتي قاتل في الشرق الأوسط، يملك موارد غير محدودة، يشكل تهديدًا لشعبه ولأميركا، وللعالم». وأضاف الجبري في البرنامج التلفزيوني: «إنه سايكوباتي، لا يشعر بأي تعاطف أو مشاعر، لا يتعلم من تجاربه، لقد شهدنا على جرائم وفظائع ارتكبها هذا القاتل»، حسب وصفه.
انتبه.. قتلوا خاشقجي وقطَّعوا جثته..
المسؤول السابق في المخابرات السعودية، والذراع الأيمن لولي العهد المعزول محمد بن نايف، كان قد أقيل من منصبه سنة 2015، في خطوة كان هدفها تقليص نفوذ بن نايف، منافس ابن سلمان الأول على الملك حينها، وكان سعد الجبري قد غادر البلاد سنة 2017 إلى كندا، وبقي بعيدًا عن الأضواء، لكنه يؤكد أن تهديدات بالقتل لحقته هناك، ويقول عن ذلك: «لقد تلقيت تحذيرًا: إياك أن تقترب من أية قنصلية، أو سفارة سعودية، لقد قتلوا خاشقجي وقطّعوا جثّته، أنت على رأس قائمة المستهدفين».
وأثناء اللقاء عاد سعد الجبري إلى فترة منتصف أكتوبر 2018، وهي الفترة التي جرى فيها اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية في إسطنبول، وقال: إن ابن سلمان أرسل مجموعة إلى كندا لاغتياله، تسمّى «كتيبة النمور»، ومعهم أشياء مريبة، ليُكتشف أمرهم من طرف السلطات الكندية، ويجري ترحيلهم بسبب الشبهات المحيطة بهم.
وأكد الجبري بأنّه تعرّض لابتزاز من أجل تسليم نفسه إلى سلطات بلاده والعودة إلى السعودية، وعندما اقتنعوا بعدم عودته الطوعية، جرى اعتقال اثنين من أبنائه، وذلك في أوّل يوم من اعتلاء محمد بن سلمان لولاية العهد: «لقد بدأ بإغرائي بالعودة، ثم ابتزازي بأطفالي، وبعد اقتناعه بعدم عودتي أبدًا، أرسل (كتيبة النمور) إلى كندا من أجل اغتيالي».
اريد قتل الملك عبد الله
قال الجبري إن محمد بن سلمان توجّه إليه في سنة 2015 حين كان مسؤولًا في جهاز المخابرات، وأخبره بأنه ينبغي جلب الأمراء المعارضين في الخارج إلى السعودية من خلال الاختطاف، وأوضح الجبري أنه اعترض على هذا الأسلوب الذي قد يضرّ بسمعة المملكة، حسب قوله، وعند هذه اللحظة اتجه ابن سلمان إلى تكوين «كتيبة النمور»، أو فرقة الموت التي جرى إنشاؤها من أجل إسكات المعارضين.
وأدلى سعد الجبري في اللقاء التلفزيوني بتصريح صادم، متعلّق بلقاء جرى سنة 2014 بين محمد بن سلمان وغريمه محمد بن نايف أخبره فيه بأنّه «يستطيع اغتيال الملك عبد الله» لكي يخلفه والده سلمان، الملك الحالي؛ ولعلّه اللقاء الذي يفسّر سبب منعه من الاقتراب من وزارة الدفاع في عهد الملك عبد الله كما كان قد صرّح لصحيفة بلومبرج سنة 2016.
«أريد اغتيال الملك عبد الله، سأحصلُ على خاتم مسموم من روسيا، ويكفيني فقط أن أصافح يده وسينتهي أمره» يقول سعد الجبري: «لم نكن نعلم إن كان كلامه جادًا أم مجرّد تبجّح، لكنّنا في المخابرات أخذنا كلامه على محمل الجدّ». وأضاف بأن «القضية جرت معالجتها داخل العائلة الحاكمة».
لدي الدليل..
وأضاف الجبري بأنه شاهد هذا اللقاء الذي دار بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف في فيديو مسجّل، مؤكدًا أن هذا التسجيل لم يزل موجودًا، وأن هناك نسختين من التسجيل يعلم أين توجدان، وفي موازاة ذلك يُرجع السفير الأميركي السابق في اليمن جيرالد فيرستين في تصريح لـ«بي بي سي»، رغبة محمد بن سلمان في القبض على سعد الجبري إلى خوفه من امتلاك جهاز المخابرات، الذي كان الجبري أحد أهم عناصره، لمعلومات أو ملفات حوله لا يريدها أن تصل إلى العامة.
ومن جانبه استجوب مذيع حصّة «60 دقيقة» سعد الجبري حول الاتهامات التي يوجّهها نظام بن سلمان إليه باختلاس أموال من الميزانية الموجّهة لجهاز مكافحة الارهاب، والتي تقدّر بنصف مليار دولار، لكن البرنامج لمح بأن ابن سلمان غالبًا ما يوجّه اتهامات الفساد إلى معارضيه ومنافسيه في السلطة، وفي ردّه على هذه الاتهامات قال الجبري: «لقد خدمت نظامًا ملكيًا لعقديْن من الزمن، ثلاثة ملوك، أربعة ولاة عهود، لقد كانوا طيبين وكرماء تجاهي، إنها عادة العائلة السعودية الحاكمة، إنهم يعتنون بحاشيتهم».
ابتزاز بالأبناء.. وأحلام "الإسكندر الأعظم"
من جهتها ردت السفارة السعودية على استضافة برنامج «60 دقيقة» لسعد الجبري، ببيان جاء فيه: «سعد الجبري هو مسؤول حكومي سابق، فاقد للمصداقية، وله تاريخ طويل من اختلاق الأكاذيب من أجل تشتيت الانتباه عن جرائمه المالية التي ارتكبها، والتي تصل إلى مليارات من الدولارات؛ لتمويل نمط حياة باذخ له ولعائلته. إنه لم ينكر هذه الجرائم، بل إنه يلمّح بأن السرقة كانت مقبولة آنذاك. لكن السرقة تبقى غير مقبولة وغير قانونية، سواء حينها أو الآن».
ومن ناحية أخرى نشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرًا حقوقيًا يفيد باعتقال اثنين من أبناء سعد الجبري، هما عمر 23 سنة، وسارة 21 سنة، بتهم غسيل أموال ومحاولة الهروب من السعودية، وتقول المنظمة: إن السبب الحقيقي هو ابتزاز والدهما للعودة، وتسليم نفسه للسلطات، وأضافت المنظمة الحقوقية أن السلطات اعتقلت حوالي 40 شخصًا على صلة بسعد الجبري.
وبدوره صرّح سعد الجبري في لقائه مع برنامج «60 دقيقة» بأنّه يفكّر في أبنائه المعتقلين فقط، وأنه يطالب الحكومة والشعب الأميركيين بمساعدته على إطلاق سراح أبنائه، واستعادة حريّتهما، وأخبر سعد الجبري معدّي البرنامج بأنّه قام بتسجيل فيديو يحمل أسرارًا حول العائلة الحاكمة وحتى الولايات المتحدة، وسيجري نشره في حال مقتله، لافتًا إلى أن به وصايا لأبنائه بعد الموت.
وأعطى سعد الجبري انطباعه الشخصي حول شخصية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وطموحاته وأهدافه النهائية بعد لقاء جمع بينهما في السابق، قائلًا: «عندما تلتقيه لأول مرة سيعطيك محاضرة حول خططه ورؤيته، وقد يثير إعجابك، لكن مع الوقت ستنتقل من الواقع إلى الأوهام». ويضيف الجبري: «لقد سألته بصورة عفوية: ما الذي تطمح إليه؟ فأجاب: هل تعرف الإسكندر الأعظم؟ إنه يريد السلطة! يريد أن يصبح أقوى رجل في العالم».
بتوقيت بيروت