عاما بعد آخر ترتفع وتيرة الاعتداءات العنصرية على الملونين في الولايات المتحدة الاميركية، بحيث يكاد لا يمر يوم الا وتتحدث وسائل الاعلام عن مثل هذه الاعتداءات، ورغم جهود الادارات المتعاقبة في تقديم صورة مختلفة تتناسب مع شعاراتها كنموذج حضاري عالمي، الا ان الوقائع المستمرة تعكس حقيقة المجتمع الاميركي. ويعيد المتخصصون ذلك الى جملة عوامل منها المناهج الدراسية التي لا تزال تتربى عليها الاجيال..
فقد نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا استعرضت فيه نتائج تحقيق أجرته حول حقيقة وجود كتب ذات طابع يميني عنصري، معتمدة ضمن المناهج التعليمية بعدد من المدارس الخاصة والمدارس المسيحية في الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة؛ إن كتاب "بوب جونز" المدرسي عن تاريخ العالم، يصف الدين الإسلامي باعتباره دينا عنيفًا، ويضم قسما كاملًا بعنوان "الإسلام والقتل".
فيما يتحدث كتاب "أبيكا"، وهو كتاب التاريخ لطلاب الصف الحادي عشر، عن العبودية في الولايات المتحدة من منظور اقتصادي بحت، متجاهلًا التكلفة البشرية والمآسي التي عاشها العبيد، وقد جاء في الكتاب أن "العبيد يعتبرون استثمارات أفضل من الخدم المأجورين".
ويتضمن كتاب أبيكا في قسم التاريخ الحديث، انتقادات للرئيس باراك أوباما لـ"إضراره بالتوازن العرقي في البلاد".
وحسب آدم لاتس، الأستاذ بجامعة بينغامتون، فإن هذه الكتب التي تدرس التاريخ من منظور إنجيلي في مدارس الولايات المتحدة منذ عدة عقود، تثير المخاوف بشأن علمانية المجتمع.
ويشير أحد كتب التاريخ المدرسية إلى المهاجرين باعتبارهم "أجانب"، ويلقي كتاب آخر باللوم على حركة "حياة السود مهمة" في اندلاع المواجهات بين المتظاهرين وقوات الشرطة الأميركية، بينما يناقش كتاب ثالث انتشار المنظمات التي تؤمن بـ"تفوق العرق الأسود" خلال حركة الحقوق المدنية، واصفا مالكولم إكس بأنه أبرز دعاة تفوق السود في تلك الحقبة.
وحسب الصحيفة، فإن الهيئات التشريعية ومجالس التعليم في مختلف أنحاء الولايات المتحدة تخوض معارك ضارية حول كيفية تدريس قضايا العرق والعدل في الفصول الدراسية العامة، بدءا من رياض الأطفال وصولا إلى الصف الثاني عشر.
نظرة متحيزة وعنصرية
وتشير الغارديان إلى أن تحقيقاتها توصلت إلى أن المدارس الخاصة، وتحديدا المدارس المسيحية، تستخدم كتبًا مدرسية تسرد روايات متحيزة عنصرية عن تاريخ الولايات المتحدة.
وتُستخدم هذه الكتب في آلاف المدارس الخاصة، وتعمل على طمس إرث العبودية، وتهمّش دور السكان الأصليين في تاريخ البلاد، وتوجه لحركة "حياة السود مهمة" اتهامات بإثارة النعرات العرقية.
يأتي ذلك -وفقا للغارديان- في الوقت الذي انتشر فيه استخدام مصطلح "النظرية العرقية النقدية"، وهو مبحث أكاديمي يُعنى بالكشف عن مدى تغلغل العنصرية في قوانين الولايات المتحدة وداخل المجتمع. ويقول المحافظون في الولايات المتحدة؛ إن النظرية مصممة عمليًا لجعل الطلاب البيض يشعرون بالذنب بسبب خطايا الآخرين، وهو تشويه جذري للمفهوم الأكاديمي.
وتضيف الصحيفة أن المدارس الخاصة في الولايات المتحدة، على عكس المدارس العامة، لا يُفرض عليها قدر كبير من الرقابة أو القيود فيما يتعلق بالمناهج الدراسية، وهو ما يتيح للآلاف منها تدريس التاريخ من منظور متحيز وعنصري.
جزء من نسيج المجتمع
وتقول دوريندا كارتر، رئيسة قسم تعليم المعلمين في جامعة ولاية ميشيغان، وأستاذة العرق والثقافة والعدالة؛ إن هذه الكتب المدرسية "تدعم في الواقع ما تحاول النظرية العرقية النقدية مناقشته، وهو أن العنصرية جزء من نسيج المجتمع الأميركي. تنشر هذه الكتب المدرسية في الواقع المزيد من الأفكار العنصرية، التي تدعم فكرة أن مجموعة واحدة متفوقة على أخرى، وأن مجموعة أكثر إنسانية من الأخرى".
تزوير مصطلحات
وقد اطلعت "الغارديان" على العشرات من تلك الكتب، ومن بينها الكتب التي تصدرها دور النشر "أبيكا" و"بوب جونز" و"التعليم المسيحي المختصر"، التي تمثل أشهر ثلاثة مصادر للكتب المدرسية المستخدمة في المدارس الخاصة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وتصف هذه الكتب المدرسية العبودية باعتبارها "هجرة السود"، وتقول إن نيلسون مانديلا ساهم في نقل جنوب أفريقيا إلى نظام حكم "راديكالي".
ومن غير الواضح -حسب الصحيفة- عدد الطلاب الذين يتلقون هذا النوع من المناهج الدراسية، لكن موقع "أبيكا" يفتخر بأن كتبه وصلت إلى أكثر من مليون طالب مسيحي سنة 2017.
ويزعم موقع "التعليم المسيحي المختصر" على الويب، أن مواده تُستخدم في "عشرات الآلاف من المدارس، وعدد لا يُحصى من المدارس المنزلية في أكثر من 140 دولة".
طمس مآسي العبودية
يشير أحد هذه الكتب المدرسية إلى الحرب الأهلية باعتبارها "حربا بين الولايات"، ويقول إن "إنهاء العبودية في هذا البلد كان هدفا مشروعا، لكن الكثير مما حدث في سبيل ذلك الهدف كان أفظع من العبودية ذاتها".
ويحتوي الكتاب قسما بعنوان "هجرة السود"، جاء فيه أن "المهاجرين لم يأتوا جميعا إلى الولايات المتحدة بمحض إرادتهم".
وبدلا من التركيز على مآسي العبودية، يتعاطف كتاب "التعليم المسيحي المختصر" مع أصحاب الأراضي في الجنوب الذين اضطروا إلى تعلم أساليب جديدة في الحياة بعد الحرب.
ويسلط الناشران الآخران "أبيكا" و"بوب جونز"، بعض الضوء على مآسي العبودية، لكنهما يتجنبان الغوص في تأثيرات الفصل العرقي والعنصرية على تاريخ الولايات المتحدة.
المصدر: عرب 21
بتوقيت بيروت