مع كل ولاية جديدة لحاكم جديد على رأس الادارة الاميركية تتأكد حقيقة ان الوعود التي تطلق خلال الحملات الانتخابية، لا تعدو كونها كلمات لن تخرج عن منظومة قيم ـ شعارات الرأسمالية والديموقراطية، وهذا ما ظهر في وعد جو بايدن بخصوص العلاقة مع ولي عهد سلمان بن عبد العزيز في ضوء قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وتقطيعه واخفاء جثته، وكان المعولون على موقف بايدن ينتظرون منه موقفا حاسما الا ان التقرير، الذي عدلته المخابرات الاميركية في عهده ليتناسب مع سياساته المعتمده جاء هزيلا، ومحملا بالتكهنات والتحليلات والاستنتاجات، ولم يضف جديداً عما يعرفه الناس وشكل قناعة لدى الرأي العام، وخلاصته ان هذه السلطة الاميركية الامنية تعامت عن حقائق الامور.
وقد عكس تقرير المخابرات الاميركية عن جريمة خاشقجي الكثير من الاخذ والرد وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" ان كبار مستشاري بايدن بدأوا وحتى قبل تنصيبه بفحص الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق ما وعد به وتعهده بجعل السعودية "منبوذة" أثناء حملته الانتخابية. واعتبرت ان ما تم الإعلان عنه لم يكن كافيا.
ونُشر سيل من التعليقات والنقد كتبها معلقون بارزون في صحف عدة منها الـ "واشنطن بوست" وقالت إن بايدن منح "ما يصل للبراءة لحاكم زرع عدم الاستقرار حول الشرق الأوسط".
وشكلت الإدارة الجديدة فريقا قبل أسابيع وضم مسؤولين بارزين من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والخزانة والدفاع لمناقشة ما يجب اتخاذه من تحركات. وكان الجزء الأول وهو الأسهل، أي الإعلان عن "إعادة ضبط" في العلاقات مع السعوديين. ومن أجل ملء الفراغات في السياسة المنشودة قام الفريق بالتواصل مع المملكة.
ولكن ما الذي يجب عمله مع ولي العهد؟ أثارت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي النقد عندما قالت إن الولايات المتحدة لا تصدر عقوبات على رؤساء الدول الذين تقيم علاقات دبلوماسية معهم. وقال المسؤولون إنهم فكروا جديا وبعمق بشأن الموضوع ووجدوا أن أمريكا لم تقم أبدا بفرض عقوبات على حكام دول علاوة على كونهم شركاء لها. ورغم تأكيد المسؤولين أن محمد بن سلمان لا يحمل تأشيرة دخول للولايات المتحدة ولن تمنح له واحدة في القريب العاجل، لكن المسألة ستفتح وتثير المشاكل عندما يصبح ملكا بعد رحيل والده البالغ حاليا 85 عاما.
كما أن وضعية ولي العهد استثنائية، ومنع حفيد مؤسس المملكة العربية السعودية من دخول الولايات المتحدة يعني علاقة عدائية مع مملكة تعتبر نفسها حارسة للأماكن المقدسة للمسلمين في العالم.
وحتى لو كان هذا ممكنا، ففي منطقة خطيرة لا يمكن الفصل بين أرصدة ابن سلمان لتجميدها وأموال المملكة. وقال مسؤول اشترط عدم ذكر اسمه وشرح النقاشات السرية: "بعد النظر لهذا الوضع عن كثب، وعلى مدى الخمسة أسابيع الماضية، فقد كانت النتيجة المجمع عليها هي أن هناك طرقا أكثر فعالية للتعامل مع القضايا المستقبلية".
وقال إن "الهدف هو إعادة ضبط وليس تمزيقا (...) كنا واضحين مع السعوديين أن هذه علاقة تاريخية امتدت 75 عاما، نريد إعادة ضبط أساس الشراكة".
فشل بايدن في أول وعوده
وفي السياق نفسه نشر موقع "ذا هيل" مقالا لجوي كونتشا، بدأ فيه بتذكير بايدن بما قاله في 2019: "جمال خاشقجي قتل وقطعت جثته حسبما أعتقد بأمر من ولي العهد. وسأقوم بوقف بيع السلاح لهم. وفي الحقيقة سنجعلهم يدفعون الثمن ونجعلهم منبوذين كما هم ويجب محاسبتهم".
ولكن كما أبدت إدارة بايدن في أسابيعها الأولى من الحكم، فالمرشح بايدن والرئيس بايدن الآن، قد يكونا شقيقين متحاربين، فكلام المرشح ينتاقض مع أفعال الرئيس.
وبحسب تقرير "نيويورك تايمز" ، فقد قرر بايدن عندما حان الأمر، أنه لن يكون هناك ثمن يدفعه السعوديون، "كما وعد بايدن ولا محاسبة".
ولم يرض ناشر "واشنطن بوست" فريد رايان عن موقف إدارة بايدن الذي مزق وعد الرئيس، وسخر من تعليقات ساكي "إعادة ضبط" العلاقة. وقال: "الرجل الذي وصفه بايدن بالمنبوذ سينجو من المحاسبة الشخصية عن الجريمة التي أمر بها في وقت نقدم فيه حديثا دبلوماسيا عن إعادة ضبط العلاقة بدلا من التأكيد على المحاسبة".
وأضاف: "في ظل بايدن، فإنه على ما يبدو يعطى الطغاة الذين يقدمون قيمة استراتيجية وقتية تذكرة براءة من القتل".
ويعتبر الكاتب، ان هذا الرد الأعرج من فريق بايدن وعدم دعم عضو في الإعلام تعرض للقتل، هو أمر متوقع.
وقال رايان، ناشر "واشنطن بوست"، إن "الرئيس بايدن يواجه أول امتحان لوعوده الانتخابية، ويبدو أنه في الطريق للرسوب فيه".
وفي الخلاصة فان رد السلطات الحاكمة في السعودية اوحي بـ"عدم معرفة حاكمها محمد بن سلمان بعملية خارج اراضيها بمستوى قتل صحافي سعودي معارض داخل قنصلية دبلوماسية يرتب تداعيات بأن ما يجري في البلاد هو خارج السيطرة وان شعب هذه البلاد يخضع لسياسة شريعة الغاب وهو ما يطرح علامات استفهام عما ستؤول اليه اوضاع هذا الشعب في حياته ومستقبله..
بتوقيت بيروت