إطلاق الجمهورية الاسلامية في ايران صاروخًا قادرًا على حمل الأقمار الصناعية اعتبرته جهات صهيونية بمثابة إشارة من طهران على أن برنامجها الصاروخي غير مطروح على طاولة مباحثات الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران.
فقد نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية تقريرًا لسيث جي. فرانتزمان، محلل شؤون الشرق الأوسط، رصد فيه ما قالت انه حقيقة لما تُمثله التجربة الإيرانية لإطلاق صاروخ حامل للأقمار الصناعية، سواء بالنسبة للاتفاق النووي، أو لـ"إسرائيل"، مستشهدًا برأي أحد خبراء تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية.
ما مدلول توقيت إطلاق صاروخ «ذو الجناح»؟
في مستهل تقريره أشار الكاتب إلى ما ذكرته بعض التقارير المنشورة يوم 3 فبراير (شباط) أن إيران أطلقت مؤخرًا صاروخًا جديدًا حاملًا للأقمار الصناعية. وأفادت مجلة «فوربس» أن هذا الصاروخ قادر على حمل قذيفة حربية نووية، بينما أشارت وسائل إعلام أخرى إلى أن إطلاق الصاروخ تزامن مع شروع الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس جود بايدن في مناقشة الاتفاق النووي مع إيران.
ويقول الكاتب: إن أهمية تجربة إيران لإطلاق هذا الصاروخ تتمثل في عدة جوانب، إذ إنها توضِّح للولايات المتحدة مدى قوة البرنامج الصاروخي الإيراني، كما تمثِّل تهديدًا محتملًا لإسرائيل.
وفي هذا الصدد استعان الكاتب بخبير الصواريخ تال إنبار، رئيس قسم أبحاث الفضاء والمركبات الجوية المُوجَّهة عن بعد في معهد فيشر للدراسات الجوية والفضائية الإستراتيجية في إسرائيل حتى عام 2019، وهو محلل مستقل في مجال الصواريخ والفضاء، وكثيرًا ما يهتم بالتكنولوجيا الجديدة للصواريخ الإيرانية. والذي صرَّح في مقابلة أجرتها معه صحيفة «جيروزاليم بوست» قائلًا: «إن هذا الأمر يُعد تطورًا مهمًا».
البرنامج الإيراني للصواريخ غير قابل للنقاش
وأضاف إنبار أن إيران استخدمت في إطلاق الصاروخ مركبة إطلاق حديثة تمامًا. (...) وقد أُطلِق الصاروخ من دون أن يحمل قمرًا صناعيًّا باعتبار عملية الإطلاق رحلة تجريبية، وهي مركبة إطلاق تتكون من ثلاث مراحل». وتُطلق إيران على الصاروخ اسم «ذو الجناح» (اسم حصان الحسين بن علي بن أبي طالب، وسُمِّي بهذا الاسم لسرعته).
وما يُثير الاهتمام – بحسب الكاتب – أن المرحلتين الأولى والثانية من الصاروخ الحامل للأقمار الصناعية تستخدمان الوقود الصلب. ويبلغ قُطْر هاتين المرحلتين من الصاروخ 1.5 متر، ولذلك يُعد «ذو الجناح» أكبر صاروخ من الوقود الصلب في ترسانة إيران. ويصف إنبار الصاروخ أو مركبة إطلاق الأقمار الصناعية بأنها كشْف جديد.
ونوَّه الكاتب إلى أن إطلاق إيران للصاروخ العملاق يتزامن مع التغطية الصحافية للتهديدات الإيرانية، ومن بينها التهديدات الموجَّهة إلى إسرائيل، والمباحثات الجارية بشأن عودة واشنطن للانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني. وتدل المؤشرات على أن واشنطن مترددة قبل أن ترضخ لمطالب إيران. وكانت إسرائيل قد حذَّرت إيران من سعْيِها المستمر لامتلاك أسلحة نووية. وبدورها حذَّرت إيران إسرائيل من أي هجومٍ ضدها.
وفي السياق ذاته يرى إنبار أن إطلاق الصاروخ «ليس مجرد رحلة تجريبية فعلية لمركبة صواريخ تحمل أقمارًا صناعية، ولكنها إشارة من طهران إلى الولايات المتحدة، وأوروبا، وإسرائيل، بأن تكنولوجيا الصواريخ الخاصة بها غير مطروحة على طاولة مباحثات الاتفاق النووي».
السؤال الأهم
وإذا كانت إيران تمتلك إمكانات مثل مركبة إطلاق قمر صناعي، فالسؤال الأهم – كما طرحه إنبار – هو ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لإمكاناتِها بشأن إطلاق الصواريخ الباليستية البعيدة المدى؟ ويجيب خبير الصواريخ قائلًا: صحيحٌ أنه ليس صاروخًا باليستيًّا عابرًا للقارات، لكن يمكنه إطلاق متفجرات شديدة الانفجار يصل مداها إلى آلاف الكيلومترات. وتكمن أهمية عمل الصاروخ بالوقود الصلب كذلك في أن الوقت اللازم للكشف عنه وتجهيزه للإطلاق ضئيل جدًّا.
ويُضيف الكاتب أن هناك أسئلة أخرى مطروحة بشأن نوع القاذفة الناصبة الناقلة (وهي مركبة صاروخية مزودة بمحرك جرَّار رئيس متكامل يمكنها حمل صاروخ أو أكثر والارتقاء به إلى موقع الإطلاق ومن ثم إطلاقه) التي يمكن أن تنقل الصاروخ الإيراني. وكانت إيران قد عرضت في السابق ما تمتلكه من القاذفات الناصبات الناقلات بأحجام مختلفة. وتمتلك إيران برنامجًا صاروخيًّا واسع النطاق بالإضافة إلى ترسانة صواريخ بعيدة المدى والصواريخ الدقيقة مثل: شهاب-3، وسجِّيل، وقادر، وفتح-110، وقيام-1.
وبالإضافة إلى ذلك عرضت إيران لأول مرة بعض العروض التصورية الرسمية لمركبات الإطلاق في المستقبل، والتي ستكون أكبر من التي تمتلكها حاليًا وأثقل وزنًا بكثير. وذكر إنبار أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لديها خطة لإنتاج مركبة إطلاق قمر صناعي يصل وزنها إلى 2.5 طن. وفي العام الماضي أطلقت إيران قمرًا صناعيًّا عسكريًّا، وقد تحاول في المستقبل وضع قمر صناعي آخر في مدار أرضي تزامني.
واستشهد الكاتب بما قاله إنبار «يتعين علينا الانتظار ومراقبة الاتجاهات المستقبلية؛ لأن إيران أصبحت أكثر تقدمًا في مجال الوقود الصلب، مثل الفوهات القابلة للتوجيه، والمتحركة، والمواد المركبة». وأوضح إنبار أن الولايات المتحدة لم تتناول أو تُشِر إلى تجربة إيران الأخيرة لإطلاق الصواريخ، ولم تعترض عليها بالأسلوب نفسه الذي تستخدمه الولايات المتحدة في كثير من الأحيان لانتقاد تجارب الصواريخ في كوريا الشمالية. وتتردد شائعات مفادها أن كوريا الشمالية تعمل مع إيران في مجال تكنولوجيا الصواريخ، وقد كشفت مؤخرًا عن صواريخها العملاقة.
ويرصد الكاتب مسألة أخرى بالغة الأهمية، وهي الانتباه إلى الجهة التي تنفِّذ هذه التجارب في إيران. وقد أدَّى الحرس الثوري الإيراني في الماضي دورًا أساسيًّا في هذا الشأن، لكن وكالة الفضاء الإيرانية شاركت في التجربة التي أُجرِيت مؤخرًا. وفي العام الماضي شملت تجربة صاروخية كبيرة صاروخًا يعمل بوقود صلب ووقود سائل. وقبل عدة أسابيع أجرت إيران أيضًا مناورات عسكرية يُطلق عليها «الرسول الأعظم»؛ حيث أطلقت عددًا من الصواريخ.
ما أهمية الوقود السائل أو الصلب؟
وفي ختام تقريره يتطرق الكاتب إلى مدى أهمية الوقود السائل أو الصلب، إذ لاحظ إنبار أن عددًا من الصواريخ الروسية والكورية الشمالية تعمل بالوقود السائل، وتعمل الصواريخ الموجَّهة نحو الفضاء بالوقود السائل. وقد أصبح الوقود السائل أكثر كفاءة في السنوات الأخيرة. وتمتلك دول أخرى مثل أوكرانيا والصين أيضًا خبرة في هذه الأنواع من محركات الصواريخ.
وتابع إنبار موضحًا: «في الوقت الراهن، نجد أن كوريا الشمالية انتقلت من الوقود السائل إلى الوقود الصلب لإطلاق صواريخها ذات المدى المتوسط بسبب المزايا التشغيلية للوقود الصلب؛ إذ يمكن إطلاق الصواريخ من دون تحضير، بالإضافة إلى إطلاق وابل من القذائف والصواريخ، ولذلك هناك توجُّه عام نحو استخدام كلا الوقودين السائل والصلب، وذلك اعتمادًا على الهدف من إطلاق الصاروخ».
أما بالنسبة للجيل الجديد من الصواريخ في الصين، فإنها تعمل بوقود دفعي صلب. ولم يتبقَ سوى أن ننتظر ما الذي ستكشفه لنا قادم الأيام بشأن برنامج الصواريخ الإيراني.
بتوقيت بيروت