الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة بلغ مستويات مقلقة هذا ما دفع الكاتب بول راتنر الى تسليط الضوء على هذا الواقع من خلال تقرير مستخلص من دراسة جديدة نشره موقع "بيغ ثينك" ويقول في التقرير: "ان الدراسة المثيرة للقلق حددت ثلاثة مكونات أساسية وهي:
واوضح الكاتب ان القول ان الانتخابات عصيبة ومثيرة للانقسام تبسيط مخل، فقد بلغ التوتر في الولايات المتحدة مبلغه، وباتت مستعدة للانفجار بصرف النظر عمن سيفوز بالرئاسة.
وتظهر دراسة جديدة مدى السوء الذي وصلت اليه الاوضاع، إذ يبلغ الحنق على الحزب المعارض الآن درجة تفوق الحب الذي قد يكنه مؤيد لحزبه الذي ينتمي اليه، أو بعبارة أخرى: اصبح الناس يكرهون الأشخاص على الجانب المعاكس من الطيف السياسي أكثر من اكتراثهم لحزبهم.
ويتساءل الكاتب: هل هذه وصفة لكارثة؟ تصف الدراسة المواقف السياسية الحالية في البلاد بأنها «طائفية سياسية»، وتربطها بالحماسة الدينية. وتُظهِر الدراسة أيضًا أن الهوية السياسية بالنسبة لكثيرين أصبحت هويتهم الأساسية.
مخاطر الوضع الراهن
وأشار الكاتب الى أن المؤلف الرئيس للدراسة إيلي فينكل، استاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة نورث وسترن، وصف مخاطر الموقف قائلا: "إن الوضع الحالي للطائفية السياسية ينتج عنه تحيز وتمييز وتشويه معرفي، مما يقوَّض قدرة الحكومة على أداء وظائفها الأساسية المتمثلة في تمثيل الشعب وحل مشاكل الأمة"، مضيفا أن هذا الوضع "يجعل الناس أكثر استعدادًا لدعم المرشحين الذين يقوضون الديموقراطية وتفضيل العنف لدعم أهدافهم السياسية".
وتستند استنتاجات فينكل الى النظر والبحث في عشرات الدراسات البحثية المنشورة، والتي ترجع الى سبعينات القرن الماضي، واعتمدت الدراسة على خبرة مؤلفين مشاركين من ستة تخصصات هي: العلوم السياسية، وعلم النفس، والاقتصاد، وعلم الاجتماع، والادارة، فضلا عن علم الاجتماع الحاسوبي.
وحدد المؤلفون ثلاثة أسباب سلوكية محددة أدت الى الطائفية السياسية:
وقد وجد العلماء أنه في حين احتفظ الناس بمشاعرهم الايجابية والدافئة تجاه انصارهم الحزبيين، تحولت المشاعر السائدة تجاه الحزب الآخر الى كراهية صريحة. ويعتقد المؤلف المشارك للدراسة جيمس دروكمان، استاذ العلوم السياسية في نورث ويسترن، أن الأمور أصبحت أسوأ كثيرا في العقد الماضي، إلا أنه "لا توجد إشارة على أننا وصلنا إلى الحضيض".
وأوضح دروكمان أنه "بقدر اختلاف الأحزاب بعضها عن بعض، فإن أنصار الأحزاب يتصورون وجود اختلافات أكبر، معتقدين على سبيل المثال أن الحزب الآخر عدائي ومتطرف أيديولوجيٍّا"، مضيفًا أن "تصحيح هذه الأنماط من المفاهيم الخاطئة قد يُبطل الطائفية جزئيًّا".
ويلفت الكاتب إلى أن هذا الاستنتاج ليس مفاجئا لمن يتابعون حالة الانتخابات في الولايات المتحدة، فقد اصبح من الشائع ان يسارع انصار الاحزاب الى توجيه الانتقادات اللاذعة الى الذين يختلفون معهم، ويطلقون الاهامات التي لا اساس لها والاساءات الشخصية، ويلغون صداقتهم على وسائل التاصل الاجتماعي، وينهرونهم في الشوارع. ويتساءل الكاتب: "ألم نتخطى حقبة العنف واسع الانتشار منذ زمن بعيد؟".
أسباب تنامي الطائفية السياسية:
ونوَّه الكاتب إلى أن مؤلفي الدراسة حدَّدوا أسبابًا لتنامي الطائفية السياسية:
يتساءل الكاتب: كيف نوقف انتشار المرار الذي في الحُلوق والغضب المتًّقد بين الضلوع، اللذين يعرضان ديموقراطيتنا وبقاء الولايات المتحدة للخطر؟ ولعل من غير المستغرب ان يشجع الباحثون الحوار مع الجانب الآخر، إلى جانب العمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الناس عن اولئك الموجودين على الجانب الآخر من الطيف السياسي.
يقول فينكل: "اذا كانت الخلافات بين الديموقراطيين والجمهوريين بالقدر نفسه من التطرف كما يعتقد الاميركيون، فان ذلك يمكن ان يساعد في تفسير الازدراء الحاصل بينهما، ولكن هذه الاختلافات موجودة في أذهان الناس أكثر مما هي عليه في الواقع. وهناك كثير من الارضية المشتركة بينهما، لكن الأميركيين يرونها بصعوبة".
ويقترح الباحثون أيضًا تدابير أخرى، مثل تعديل خوارزميات وسائل الاعلام الاجتماعية لمنع انتشار المعلومات الزائفة أو المفرطة في الحزبية، وتحفيز الساسة على التواصل مع مجموعة أوسع من الاميركيين، وتأسيس إصلاحات مالية للحملات الانتخابية، ومنع تقسيم المناطق الانتخابية لمصالح حزبية.
ويختتم الكاتب مقاله: "اذا كنت تتساءل عن أوجه الشبه بين الولايات المتحدة وبلدان أخرى، فقد وجد بحث من جامعة براون صدر في يناير (كانون الثاني) 2020 ان الاستقطاب في الولايات المتحدة قد ازداد كثيرًا منذ أواخر سبعينات القرن العشرين مقارنةً بالبلدان الثمانية الأخرى التي درسها العلماء، وهي المملكة المتحدة، وكندا، واوستراليا، ونيوزيلندا، وألمانيا، وسويسرا، والنرويج، والسويد".
بتوقيت بيروت