ربما هي من المرات القليلة التي يواجه الكيان الصهيوني اخطار، اعلن مسؤولون فيه، انها وجودية رغم الاحتضان الدولي لهذا الكيان الغاصب، وتبحث النخب السياسية والامنية والعسكرية في الاسباب التي اوصلت هذا الكيان الى ما وصل اليه، واغلب التقاطعات تقف عند الادارة السياسية بشخص بنيامين نتنياهو، الذي كان كغيره ممن سبقوه، فاسداً يتلقى الرشاوى من الداخل والخارج، وغير جدير بادارة الكيان كفشله في المعالجات السياسية مع "شركائه" الاحزاب الصهيونية، وداخل الليكود ذاته، وفي مواجهة كورونا وتراجع موقع الكيان وقوته في مواجهة المشروع المقاوم اذ يبدو الكيان في موقع من يريد حمايته من نفسه ومن غيره فلم يعد تلك القوة التي يركن اليها المشروع الاستكباري الغربي، كقوة بطش يهدد بها ويخضع بها منطقة غرب آسيا، اذا لا تزال قوته الحربية، "على اجر ونص"، منذ اكثر من 90 يوماً بسبب تهديد وجهه لها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله..
ازاء هذه الصورة خرجت الى السطح، مفردات، لم تكن تطرح على مسرح السياسة الداخلية الاسرائيلية فقد حذر خبير أمني إسرائيلي بارز، من خطر حقيقي داخلي يهدد استمرار وجود "إسرائيل" كدولة يهودية في المنطقة، في ظل تفكك "النسيج المشترك" الإسرائيلي الداخلي وتآكله.
نبتة غريبة
وأوضح يوسي ميلمان، المعلق الإسرائيلي الخبير بالشؤون الأمنية والاستخباراتية، في مقال بصحيفة "هآرتس"، أن "إسرائيل" والصهاينة بالنسبة للعرب، مثل "نبتة غريبة، نهايتهم الاختفاء مثل الصليبيين".
ونبه أن "الخوف الإسرائيلي كان من هشاشة الوجود في الدولة الصغيرة، المحاطة بعالم إسلامي"، منوها أن المقارنة بين الصليبين والاحتلال الإسرائيلي "لافتة وقوية".
وأضاف "الصليبيون كانوا غزاة من أوروبا، مفعمون بالأيديولوجيا، احتلوا البلاد بقوة السلاح، وأقاموا ممالك مسلحة، ومثلوا ثقافة غربية في قلب الشرق الإسلامي، وحاولوا، لكنهم وجدوا صعوبة في الاندماج في محيطهم، وأنهكوا مرة تلو الأخرى في معارك، وأضعفوا في أعقاب انقسامات وصراعات داخلية فيما بينهم، لدرجة أن خارت قواهم وانتهى حكمهم".
وتابع "حتى لو كانت هناك أوجه شبه، كل مقارنة تاريخية هي مبسطة تقريبا، بين المشروع الصهيوني والممالك الصليبية، أولا: يجب علينا أن نذكر بأنه في زمن الحملات الصليبية، منذ نهاية القرن الحادي عشر وحتى منتصف القرن الثالث عشر، لم تكن هناك رؤية قومية التي على أساسها ومنها نمت الحركة الصهيونية".
ورأى ميلمان، أنه بسبب "العلاقة التاريخية" المزعومة بين اليهود وأرض فلسطين ومدينة القدس المحتلة، فإن "المقارنة بين الصليبيين والصهاينة، هي مقارنة لا اساس لها".
وزعم أن "إسرائيل قوية، ومتقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا، وهي دولة عظمى عسكريا، الأقوى في المنطقة الممتدة من شرق البحر المتوسط وحتى المحيط الهندي، وعملية التسليم من قبل الدول العربية بوجودها؛ بطيئة حقا، لكنها مستمرة، وهذا تسليم ليس فقط بحكم الأمر الواقع، بل بحكم القانون؛ عن اتفاقيات سلام مع 4 دول عربية (مصر، الأردن، الإمارات والبحرين)".
وتابع: "يمكن الافتراض بمعقولية عالية أن إسرائيل لن تُهزم في ساحة الحرب، وبحسب مصادر أجنبية، يوجد لديها سلاح نووي، ليس عبثا أن أطلق الصحافي المعروف سيمور هيرش، على أحد كتبه الذي يتناول السلاح النووي الإسرائيلي "خيار شمشون".
قلق حقيقي
ورأى الخبير، أنه "لا يوجد أي تهديد خارجي حقيقي على إسرائيل، وإذا كان من خطر على استمرار وجودها كدولة يهودية، وفي الحقيقة على مستقبل الصهيونية كحركة قومية لمعظم اليهود، فهو خطر داخلي و ليس خارجي".
وأكد أن "إسرائيل تتفكك كدولة وكمجتمع؛ الشروخ، الانقسام، الكراهية، الاشمئزاز المتزايد من قيم ليبرالية والانقسامات السياسية وغيرها بين اليمين وبين الوسط–يسار، بين العلمانيين والمتدينين، بين الشرقيين والأشكناز، كل ذلك يهدد النسيج الدقيق للوجود هنا".
وقال: "يجب أن نضيف إلى ذلك، الاحتلال وقمع الشعب الفلسطيني، وتداعياته الخطيرة على الديمقراطية والمجتمع"، موضحا أن "هذه الظواهر لم تبدأ في سنوات حكم بنيامين نتنياهو، لكن في عهده تم تسريعها، بدرجة غير قليلة وبمبادرته المتعمدة".
ونبه ميلمان، أنه "في معظم سنوات وجودها، كان للجمهور في إسرائيل روح مشتركة، تبنتها الأغلبية وتكتلت حولها؛ إقامة الدولة، الاستيطان، الأمن، الديمقراطية، ومن أجلها الجمهور كان على استعداد للقتال"، مؤكدا أن "هذا النسيج المشترك الذي وحد إسرائيل، آخذ في التآكل".
وأشار إلى أن "أعدادا متزايدة من الإسرائيليين، يعبرون عن الخوف والذعر على وجودها، وهذا ليس حنينا مصحوبا بالشفقة على الذات، بل قلق أصيل وحقيقي، وصرخة تنطلق من القلب".
بتوقيت بيروت