لن تغير بعض المظاهر الصهيونية من طبيعته العدوانية تجاه الغير، فكيف اذا كان هذا الغير، هو الشعب الفلسطيني، فهو منذ اغتصابه لفلسطين يسعى الى تقويض كل عناصر القوة الكامنة في هذا الشعب عبر الترحيل وتدمير البيوت ومواصلة ممارسة الاعتداءات والتي تشمل كافة السلطات العسكرية والاختصاصية في الماء والكهرباء والتربية...
ولأن الاحتلال يعتبر العلم سلاحاً مواجها يعمد مع بدء كل مطلع عام دراسي الى اقفال مدارس او هدمها او اعتراض طلابها من الوصول اليها..
هنا قصة مدرسة "رأس التين" في الضفة الغربية تحتضن طلابا في المستوى الاساسي لم تنفع رحلتهم التعليمية في سنواتهم الماضية في القرى والبلدات البعيدة في تحصيل حاجاتهم العلمية فقرر الاهالي مع بعض الجهات الدولية بناء مدرسة تستوعب اولادهم وتؤمن لهم ابسط حقوقهم في العلم والمعرفة..
أمسك محمد حقيبته الصغيرة، ووضع فيها كتبه المدرسية، وتوجه مع شقيقه وابن عمه إلى مدرستهم الجديدة، التي استقت اسمها من التجمع البدوي الذي يقطنون فيه، فمدرسة "رأس التين" باتت ملاذهم ومبنى طموحاتهم بعد افتتاحها في العام الدراسي الحالي، في وقت يتربص بها الاحتلال لهدمها.
ويسير الطفل محمد إرشيدات، الطالب في الصف الثاني الأساسي، وغيره من الطلبة، لمسافة لا تقل عن كيلومتر واحد للوصول إلى المدرسة، التي شيدت لتكون بديلا عن مدارس القرى المجاورة لتجمعهم البدوي الواقع شرق مدينة رام الله، حيث كان الطلبة يعانون خلال السنوات الماضية أثناء دراستهم في تلك القرى جراء المسافة البعيدة.
ويقول إرشيدات " إنه سعيد الآن بالدراسة في هذه المدرسة، التي أصبح يفهم فيها دروسه ويتعلم الكثير؛ ففي الصف الأول لم يفقه معظم الدروس التي كان يتلقاها في مدرسة قرية المغيّر بسبب كثرة تغيبه، وهو ما انطبق على معظم الطلبة من أبناء تجمع رأس التين البدوي.
ويوضح الطالب أن كثرة الغياب كانت بسبب صعوبة الوصول إلى مدرسة قرية المغير المجاورة؛ حيث كانوا يُجبرون على السير لمسافة لا تقل عن ٧ كيلومترات صيفا وشتاء، وفوق ذلك كان المستوطنون يتعرضون لهم بالاعتداء والضرب.
وبعد جهد جهيد، تمكن أهالي التجمع من بناء مدرسة صغيرة مكونة من سبع غرف فقط بالقرب من التجمع، وأصبحت ملاذ أكثر من ٥٠ طالبا وطالبة للدراسة فيها من أبناء رأس التين، بدلا من مكابدة الطريق الصعبة كل يوم، الأمر الذي أدخل السعادة الغامرة على قلوب الطلبة وأهاليهم.
تهديد مستمر
ولكن الاحتلال كان لهذه الفرحة بالمرصاد؛ فمنذ أن تم افتتاح العام الدراسي الجديد، قام بإخطار البناء بالهدم؛ بحجة عدم الترخيص، لكن الأهالي تمكنوا من إصدار أمر احترازي بتجميد الهدم لمدة ٣٠ يوما.
وتقول نورا الأزهري مديرة المدرسة، إن البناء بات الآن يكابد قرار الهدم، والهمّ الرئيسي أصبح أن تبقى صامدة وألّا يتم هدمها.
وتوضح أن المدرسة منذ افتتاحها تعاني من العديد من المشاكل، أبرزها وأولها تهديد الاحتلال لها؛ حيث إن الطلبة حين بدأوا عامهم الدراسي فيها كانت تفتقر لوجود سقف، وكانت مجرد بناء من حجارة بدائية، ثم أصبح العمال يضيفون لها بقية المرافق.
مصرون على رسالتنا التعليمية
وبحسب الأزهري، لم تعجب الاحتلال هذه الإضافات، فقام بإخطارها بالهدم، رغم أنها صغيرة بالنسبة للمدارس، وتفتقر للكثير، مبينة أنه على الفور أصدر قرار الهدم، ثم أصبح يرسل قواته يوميا إليها لتصوير البناء، حتى يتأكد أنه لم يتم إضافة أي بناء جديد إليه أو تطويره.
وتؤكد المديرة أن المدرسة ما زالت تحتاج للكثير من المقومات على أبواب فصل الشتاء؛ حيث إنها بلا نوافذ حتى الآن، وليس لها شبكة مياه، أو أبراج اتصالات، أو حتى ساحة صغيرة للعب الأطفال والطابور الصباحي.
وتضيف: "المدرسة تخدم أكثر من ٥٠ طالبا وطالبة، ونضطر لوضع كل صفين في غرفة واحدة بسبب المساحة، ولدينا خمس معلمات، وتفتقر المدرسة للكثير، خاصة أنها بعيدة نسبيا عن منازل التجمع، لكن الاحتلال هو أكبر عائق للعملية التعليمية، ورغم مضايقاته لنا، إلا أننا مصرون على إكمال رسالتنا التعليمية".
الطلاب: حتى ولو في بيت من قماش
وتؤكد الأزهري أن الدراسة ستستمر في التجمع البدوي، رغم تهديدات الاحتلال، حتى لو تم هدمها؛ حيث يصر الطلبة قبل المعلمين على إكمال دراستهم حتى لو كانت في بيت من قماش.
أما عن ظروف العمل فيها، فتقول المديرة، التي تتوجه للمدرسة يوميا من مدينة رام الله، إنها اعتادت على العمل في مدارس التحدي منذ أكثر من عام، وهي مدارس تدعم الطلبة في المناطق البدوية التي يسعى الاحتلال لتهجيرها.
لن نرحل
ويقول مختار عشيرة إرشيدات الحاج أبو سلامة، إن المدرسة، جاءت تحقيقا لحلم الطلبة بالدراسة في مكان قريب، حيث كانوا يعانون من بُعد المدرسة السابقة في قرية المغير، ويتعرضون لاعتداءات المستوطنين.
ويضيف: "اتفقنا مع حافلة تقل الطلبة إلى مدرسة المغير، ولكن بسبب وعورة الطريق لم تلتزم بالحضور، فكان الطلاب يسيرون مسافات طويلة وعرة، ويتعرضون خلال ذلك للاعتداءات، كما كان يتغيب الكثير منهم عن المدرسة بسبب صعوبة الوصول إليها، ما جعلهم لا يفهمون دروسهم بشكل جيد، ولكن ما تعلموه منذ شهر في المدرسة الجديدة هنا يعادل كل سنوات دراستهم في المغير".
ورغم وجود المدرسة، إلا أن استمرار الاحتلال بالتهديد بهدمها، وإرسال المستوطنين إليها لمضايقة الطلبة، يجعل الشغل الشاغل لدى أبو سلامة هو البقاء فيها مع الطلبة؛ للمساهمة في صد أي هجوم، والاستعداد للتصدي لعملية الهدم إن حدثت.
ويتابع القول: "لا ندري ما الذي يريدونه من مدرسة متواضعة تفتقر لكل شيء؟ لا يريدون للطلبة التعلم، ويسعون لإخراجنا من أرضنا، لكنها أرضنا، فأين نذهب؟ وكيف نرحل منها؟!".
المصدر: عربي 21
بتوقيت بيروت