جريدة الاخبار
لم تحمل المناظرة الأولى التي جمعت بين دونالد ترامب وجو بايدن أيّ طروحات مهمّة، كما لم يقدّم أيّ من المرشّحَين معالجة جدّية لأيّ من المسائل الحسّاسة التي تواجه الولايات المتحدة. 90 دقيقة كانت عبارة عن انتقادات، واتهامات، وهجمات شخصيّة متبادلة
تحوّلت المناظرة الأولى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمرشّح الديموقراطي جو بايدن، مساء أول من أمس، إلى حلبة صراع كلامي، طغت عليها الإهانات والهجمات الشخصية، حتّى باتت أشبه بـ«اشتباك» متواصل. فمِن تبادل الاتهامات في شأن انتشار فيروس «كورونا»، إلى وصف أحدهما الآخر بـ«الدمية»، إلى نعت بعضهما البعض بنعوت شخصية... بدت المناظرة عبارة عن عرضٍ قبيح للازدراء المتبادل بين المرشّحَين.
غالبية القضايا العامّة التي تهمّ الناخب الأميركي تبخّرت وراء كمٍّ هائل من الانتقادات التي تقاذفها المرشّحان، على مدى 90 دقيقة من الوقت. ساعة ونصف ساعة شهدت مقاطعة ترامب المتواصلة لحديث بايدن، إلى حدّ أن مدير الندوة، الصحافي في شبكة «فوكس نيوز» كريس والاس، طلب منه مراراً وتكراراً أن يفسح المجال لخصمه للكلام. أخيراً، بلغ الأمر ببايدن حدّ مخاطبة الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتّحدة، بالقول: «هلا تخرس يا رجل!»، قبل أن يضيف: «من الصعب أن يحظى المرء بفرصة لقول كلمة واحدة بوجود هذا المهرّج، عفواً هذا الشخص». ليعقّب بعدها بالقول: «أنت أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة». توصيفٌ ردّ عليه ترامب، مؤكداً أنه «فعل في 47 شهراً أكثر ممّا فعل بايدن خلال 47 عاماً»، وهي لائحة اتهام تتعلّق بالعمل الطويل لنائب الرئيس السابق في واشنطن.
ليس هذا فحسب؛ إذ وصف بايدن ترامب بالـ«دمية» بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليردّ عليه ترامب بالقول: «أنت لا تمتّ للذكاء بصلة»، وليصفه في المقابل بأنه «دمية في يد اليسار الراديكالي»، سواء في شأن قضايا الصحّة أو الأمن أو المناخ. اليسار واليمين حضرا، بقوة، كعنصرَين للتجاذب بين المرشّحين. وفي مبادلة حادّة، سأل الرئيس الأميركي، بايدن: «هل أنت مع القانون والنظام؟»، متّهماً منافسه بأنه يستند إلى داعميه من «اليسار الراديكالي». فردّ الأخير بالقول: «القانون والنظام مع العدالة»، متجنّباً ارتكاب هفوات كان يتخوّف منها بعض المراقبين في معسكره. ولكن حتّى عندما حاول ترامب تثبيت بايدن أرضاً، فقد وقع هو أيضاً عندما رفض إدانة القومية البيضاء، والالتزام بانتقال سلمي للسلطة. ثمّ تعرّض ترامب لانتقادات شديدة من المعسكر الديموقراطي، بسبب جوابه المبهم، عندما سأله الصحافي إن كان مستعداً للتنديد بالمنادين بتفوّق البيض مثل «براود بويز» Proud Boys. وبعد إلحاح من والاس، دعا الرئيس الأميركي، «براود بويز»، إلى «التراجع والبقاء جاهزين» (ستاند باك أند ستاند باي)، وهو الشعار الذي يبدو أن هذه المجموعة سارعت إلى اعتماده، عبر بثّه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحدّ، إذ اتّهم ترامب خصمه، الذي يعدّ من معتدلي الحزب الديموقراطي، بأنه يريد نظاماً صحّياً «اشتراكياً». وفي المقابل، ندّد بايدن بعزم الرئيس الأميركي على تعيين قاضية محافظة في المحكمة العليا قبيل الانتخابات، ليتمكّن برأيه «من التخلّص» من نظام «أوباما كير» للتأمين الصحّي، الذي أُقرّ عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما. أمّا في ما يتعلّق بانتقال السلطة، فقد تعهّد بايدن بقبول نتائج الانتخابات، فيما اكتفى ترامب بالتأكيد، مرّة جديدة ومن دون تقديم أدلّة، أنّ التصويت بالمراسلة، الذي يبدو أنه سيستخدم بكثرة بسبب وباء «كوفيد ـــــ 19»، سيشجّع على «التزوير».
المرشّحان السبعينيّان تبادلا، أيضاً، الانتقادات حول حصيلة وباء «كوفيد ـــــ 19» في الولايات المتحدة. قال ترامب: «لم تكن لتقوم بالعمل الذي أنجزناه»، ليردّ بايدن بالقول: «أنا أعلم ما يجب القيام به، في حين أن الرئيس ليس لديه أيّ خطة». ولم يتوانَ جو بايدن عن التذكير بحصيلة «كوفيد ــــــ 19» البالغة 200 ألف وفاة، قائلاً: «نشكّل 4% من سكّان العالم، ولدينا 20% من الوفيات».
في الشكل وفي المضمون، يختلف المرشّحان في كلّ شيء. وإذا كان يمكن اختصار الدقائق التسعين بعبارة، فيكفي القول إن مقاربة ترامب تمحورت حول مقاطعة بايدن لاستعادة زمام المبادرة، بينما كان همّ نائب الرئيس السابق تأكيد أهليّته الانتخابية والظهور بمظهر اليقِظ، وذلك ردّاً على نعت الرئيس المتكرّر له بـ«جو الناعس». وبالفعل، تمكّن نائب الرئيس الأميركي السابق ــــ الذي كانت تثير قدرته على المواجهة تساؤلات ــــ من الصمود. وهو ما آثر إظهاره عبر تركيز نظره أكثر من مرّة على الكاميرا، ليطلب من الأميركيين أن يتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع لتجنّب «أربع سنوات إضافية من الأكاذيب». وبين هذا وذاك، هناك من لحظ تحكّماً أكبر من قِبَل بايدن، عبّرت عنه صحيفة «ذا غارديان» البريطانية بالقول إنه «خاطب الأميركيين»، بينما «خاطب ترامب قاعدته».
كلّ ذلك لا ينفي أن المناظرة الأولى كانت عبارة عن عرضٍ فوضوي، إلى حدّ أن بعض المراقبين وصفوها بـ«واحدة من أسوأ المناظرات في التاريخ»، ومِن هؤلاء الأستاذ في جامعة ميشيغن، آرون كال، المتخصّص في المناظرات الرئاسية، التي استُحدثت في عام 1960. أمّا زميله الأستاذ في جامعة ميزوري، ميتشل ماكيني، فقد قال إنها «أكثر المناظرات الرئاسية فوضى وعدائية في تاريخنا»، معتبراً أن «الصورة التي عكسها دونالد ترامب هي صورة رئيس سريع الغضب، أما جو بادين فتجنّب الهفوات والتعثّر، الأمر الذي كان من شأنه تعزيز الفكرة التي يروّج لها ترامب بأنه طاعن في السن أو لا يملك اللياقة البدنية الكافية ليكون رئيساً».
وفي انتظار المناظرتَين المتبقّيتَين في 15 و22 تشرين الأول/ أكتوبر، أظهر استطلاع لمحطة «سي بي إس» أن جو بايدن تقدّم، بشكل طفيف، على ترامب، بينما أعرب 69% من المشاهدين عن «امتعاضهم» من أجواء المناظرة. مع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن المرشحة الديموقراطية، هيلاري كلينتون، فازت، في عام 2016، بالمناظرات الثلاث أمام دونالد ترامب، الأمر الذي يخفّف من أهميّة هذه المواجهات. الفرق الآن، هو أن المرشّح الديموقراطي، وخلافاً لكلينتون، تمكّن من الاستناد إلى السنوات الأربع لولاية ترامب.
بتوقيت بيروت