كانت مملكة سلمان تطمح لأن تصبح قوة إقليمية مهيمنة في العالم العربي، لكن هذا الحلم توقف بعد أن أفسحت الدبلوماسية الاسترضائية الطريق تدريجيًا للمغامرات العسكرية سيئة التخطيط والمؤامرات واستعراض العضلات أمام الدول المجاورة.
لم تحقق أي من سياسات المملكة الإقليمية الانتصارات التي كان يتوقعها الملك وابنه وبالتحديد تتويج المملكة كوسيط بلا منازع للشؤون العربية، خلال الخمس سنوات الأخيرة أثبتت الحرائق الإقليمية أنها أكثر تدميرًا وأصعب في إخمادها عما كان متوقعًا.
لأول مرة منذ اندلاع حرب الخليج عام 1990 تشهد المملكة تدهورًا في أمنها الخاص، تسبب فيه سوء تقدير الملك للهزيمة السهلة المتوقعة للأعداء التاريخيين والجدد، أثبت الإنفاق غير المسبوق على الأسلحة أنه ليس فقط إهدارًا لعائدات النفط المتناقصة، بل إنه ضعف يكشف هشاشة القدرات الأمنية للمملكة.
لقد شهدت مقاطعات المملكة الشاسعة وحقول النفط ومدنها الكبيرة سقوط الصواريخ والطائرات دون طيار عليها دون إمكانية وقف هذا الإذلال، هذه الحوادث غير المتوقعة كانت نتيجة مباشرة لفشل المملكة في الوصول إلى مصالحة مع إيران وإنهاء حرب اليمن التي بدأها الملك سلمان وابنه في 2015.
من الناحية العسكرية، هذه الهجمات المتفرقة على المملكة لم تسفر عن أضرار شاملة، لكنها ألحقت الضرر بمؤهلات القيادة وقدراتها، لقد تعرضت قوة الهيمنة الطموحة للمملكة للهجوم انتقامًا لحربها على أفقر الدول العربية "اليمن"، فمع كل الأسلحة الغربية والطائرات المقاتلة والتكنولوجيا العسكرية التي تمتلكها، فشلت مملكة سلمان في تأمين حدودها ومجالها الجوي.
وبدلًا من بدء مفاوضات جادة مع إيران للوصول إلى اتفاق مؤقت وإنهاء عقود من العداء، اختارت القيادة مواصلة الصراع، اختار سلمان مواجهة غير مباشرة مع إيران ليس فقط في اليمن لكن أيضًا في لبنان وسوريا، فتحت قيادة سلمان انتشر نفوذ إيران بدلًا من تقلصه في الأراضي العربية القديمة التي كان منتشرًا فيها بالفعل ومن بينها العراق.
استهداف قطر وتركيا
في دول الخليج تسبب سلمان في انقسام مجلس التعاون الخليجي عندما قاطع قطر ونبذها وشجع بقية دول الخليج على اتباعه آملًا أن تتسبب تلك العقوبات في سقوط تلك الدولة الصغيرة سريعًا، لكن خططه في الإطاحة بأمير قطر وتعيين حاكم آخر يكون دمية في يده عبر الحدود باءت بالفشل.
نجح سلمان أيضًا في خلق عداوات جديدة عندما عادى تركيا، حيث ارتكب عملاء ابنه ما يمكن وصفه بجريمة القرن: اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية بإسطنبول.
صورت وسائل الإعلام التركية الساعات الأخيرة المروعة لمعاناة خاشقجي للبقاء على قيد الحياة تحت سكاكين القتلة، أصبحت مملكة سلمان دولة شريرة تسعى لارتكاب جرائم وحشية قاسية على نطاق غير مسبوق.
دُمرت سمعة المملكة السعودية كدولة تحب الخير بسبب عمل واحد وحذر المجتمع الدولي من شكل جديد لسلوكيات النظام الوحشي تحت حكم الملك وابنه.
وفي كل مكان في المنطقة العربية سعى الملك نحو دعم حلفائه القدامى في دول مثل البحرين ومصر والأردن والمغرب، لكن هذه الجهود لم تضمن الأمان، فهذه الدول رفضت دعم الجهود العسكرية السعودية في اليمن وفضلت اتباع سياسات إقليمية مستقلة.
مع قلة الموارد المتاحة لشراء ولاء الحلفاء القدامى، عانت مملكة سلمان للحفاظ على مكانتها حتى بين أكثر حلفائها العرب ولاءً.
التخلي عن الفلسطينيين
انتهكت مملكة سلمان محظورًا قديمًا عندما أطلقت قنوات دبلوماسية قديمة مع "إسرائيل" سعيًا وراء خبرات عسكرية وتكنولوجية لمواجهة انعدام الأمان والضعف المتزايد، هذه المعضلة تكشف إلى اي مدى كانت الرياض مستعدة للانهيار تحت الضغط الإقليمي.
سيسجل التاريخ أن مملكة سلمان كانت واحدة من الدول التي تعهدت بدعم الفلسطينيين لكنها تراجعت عن سياستها سريعًا لصالح علاقات نفعية من أجل مصلحتها الخاصة مع القوة التي تسببت في نزوحهم ومعاناتهم (الكيان الصهيوني)، ورغم زعمها أنها وسيط للسلام، أثبتت السعودية أنها لا تهتم حقًا بالفلسطينيين ومعاناتهم.
اختار سلمان أن يسلك طريقًا خطرًا لا يجلب السلام ولا يحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولم تفقد المملكة فقط قدرتها على لعب دور أساسي في إنهاء الصراع، بل فقدت أيضًا مصداقيتها وحيادها كوسيط سلام نزيه.
تعثرت السياسات الإقليمية لمملكة سلمان وساهمت في خلق هوة في العالم العربي، هذا العالم أصبح الآن أكثر تفتتًا وضياعًا عن ذي قبل، ولن تُتوج الرياض مرة أخرى كعاصمة عربية تُتخذ فيها القرارت الكبرى وتظهر لها الدول العربية الأخرى احترامها، إنها تقف وحدها حيث تعاني لتقود هذه المنطقة المضطربة.
لم تتعرض المملكة قط لمثل هذا التراجع القاسي في نفوذها بالعالم العربي مثلما يحدث تحت قيادة سلمان، فتعد مملكته الآن قوة كاسرة تكافح لتعزيز سمعتها ومؤهلاتها القيادية مع اكتسابها المزيد من الأعداء.
المصدر: ميدل إيست آي ـ مضاوي رشيد ـ ترجمة نون بوست
بتوقيت بيروت