رغم مرور اكثر من ثمانية أسابيع على جريمة الشرطة في حق المواطن الاميركي الاسود جورج فلويد، تتواصل الاحتجاجات في انحاء متفرقة من الولايات المتحدة الاميركية، ورغم اختلاف حدتها من ولاية عن اخرى الا انها لا تزال على وتيرتها المرتفعة، لا بل تصاعدها في الآونة الاخيرة، في ولاية بورتلاند بولاية أوريجون ولمعرفة اسباب ذلك كتبت جويليا ماكدونيل نيتو ديل ريو ومجموعة من محرري «نيويورك تايمز» تقريرًا حول هذه الاسباب يشير إلى أن ذلك يعود إلى نشر قوات فيدرالية من وكالات إنفاذ القانون الأميركية في المدينة، فيما اعتبره سكانها وحتى السلطات المحلية سوء استخدام للسلطة.
وتستهل الكاتبة تقريرها بالقول: عندما انتشر مقطع فيديو يظهر مقتل جورج فلويد أثناء توقيف الشرطة له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، انتفضت المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد بعدها مباشرة في احتجاجات ضد العنصرية النظامية ووحشية الشرطة. لكن بينما خمدت الاحتجاجات في العديد من الأماكن بعد بضعة أسابيع، ظلت مدينة بورتلاند بولاية أوريجون، تنظم مظاهرات كل ليلة منذ 29 مايو (أيار).
أدى وصول القوات الفيدرالية إلى المدينة هذا الشهر – والمخاوف من أنهم يتجاوزون سلطتهم وينتهكون حقوق المحتجين – إلى إثارة غضب المسؤولين المحليين وأعاد تنشيط المظاهرات الليلية.
وبقوة متجددة، شرع المتظاهرون في الرسم بالطلاء على جدران مبنى المحكمة الجزئية الأميركية، مطالبين بعودة العملاء الفيدراليين من حيث أتوا. وتجمعت مجموعات من الأمهات سويًا وأمسكن بأذرع بعضهن البعض في دائرة وهتفن: «على القوات الفيدرالية أن تذهب. الأمهات هنا».
في وقت مبكر من الاحتجاجات، اقتحم المتظاهرون مركز مقاطعة مولتنوماه للعدالة وأضرموا النار في بعض المكاتب، وأبلغت شرطة بورتلاند عن حالات نهب. وفي الآونة الأخيرة، رشق المتظاهرون الضباط الفيدراليين بالحجارة والزجاجات. لكن العديد احتجوا بسلام، ووصفت الحاكمة كيت براون وجود العملاء الفيدراليين بأنه "إساءة استخدام للسلطة".
ووصف الرئيس ترامب المتظاهرين «بالفوضوييين» الذين «يكرهون» البلاد، وألقى تشاد وولف القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي باللوم على مسؤولي ولاية أوريجون في الاضطرابات.
ما الذي يطالب به المحتجون؟
تحولت الاحتجاجات التي بدأت بوصفها حركة للمطالبة بمساءلة الشرطة وتحقيق العدالة العرقية إلى تعبئة معقدة. إذ باتت أهداف المحتجين الآن تشمل التوقف عن تمويل الشرطة ومعالجة التفاوت في الدخل وطرد العملاء الفيدراليين خارج المدينة.
وفي بورتلاند، وهي واحدة من أكثر المدن الأميركية التي يقطنها البيض ولها تاريخ عنصري، استمر المتظاهرون في مطالباتهم العامة من أجل التغيير، مع أن جذوة الاحتجاجات خفتت في بقية أنحاء البلاد.
ويقول الخبراء: إن الاحتجاجات جمعت ائتلافًا من أنصار العدالة العرقية والمناوئين للفاشية الذين كانوا نشطين منذ فترة طويلة في بورتلاند. وتشترك الجماعات في بعض المظالم المتداخلة والأهداف المشتركة، مثل خفض ميزانيات الشرطة وفرض المزيد من الرقابة المدنية على الشرطة.
وتنتشر على نطاق واسع لافتات تحمل عبارات مثل: «الصمت الأبيض = العنف» و«حياة السود مهمة»، وتستمر المظاهرات في الدعوة لمعالجة عدم المساواة العرقية. ورفعت إحدى السيدات لافتة كُتب عليها: «طفلتي السوداء تراقب! حياة السود مهمة. سوف تعرف أن حياتها لها أهميتها». وأعرب المتظاهرون أيضًا عن إحباط متزايد من الوجود الفيدرالي وإدارة ترامب.
وقال مفوض المدينة جو آن هارديستي في مؤتمر صحفي: «الأمر الذي يجعل المزيد من الناس يخرجون إلى الشارع كل ليلة الآن هو الاحتجاج على الوحشية التي تتعامل بها شرطة بورتلاند وهؤلاء العملاء الفيدراليين مع أفراد المجتمع العاديين».
كيف استجابت المدينة؟
يمضي الكاتب بالإشارة إلى أن الاحتجاجات بدأت في الشوارع بعد أربعة أيام من مقتل فلويد في مينيابوليس. ومع استمرار المظاهرات واستخدام الضباط الغاز المسيل للدموع في تفريق الحشود، ازداد الغضب العام ضد تكتيكات الشرطة العدوانية كما تصاعدت الدعوات للتوقف عن تمويل الشرطة.
في 8 يونيو (حزيران)، بعد أكثر من أسبوع من المظاهرات الحاشدة التي شارك فيها الآلاف من المتظاهرين، استقال رئيس مكتب شرطة بورتلاند، قائلًا إن هناك حاجة إلى قيادة جديدة لإعادة بناء الثقة لدى الجمهور.
بعد ذلك بفترة قصيرة، أيد قاض اتحادي القيود المفروضة على استخدام الغاز المسيل للدموع، وهي القيود التي أصدرها العمدة تيد ويلر، وتمنع استخدام العنصر الكيميائي إلا عندما تكون الحياة أو السلامة عرضة لمخاطر. كذلك أقر مجلس المدينة تخفيض 15 مليون دولار من ميزانية الشرطة في السنة المالية المقبلة، وهو مطلب سعى إليه المحتجون.
لماذا استمرت الاحتجاجات هذه الفترة الطويلة؟
بحلول نهاية يونيو (حزيران)، انخفض عدد الاحتجاجات إلى حد كبير. وأعلنت جماعة «روز سيتي جاستس»، التي تعمل بنشاط على تعبئة الاحتجاجات في بورتلاند، عن خطط للتراجع عن الجهود التنظيمية. وأصبحت الاحتجاجات الليلية، التي يبلغ عددها مئات، أكثر لا مركزية.
ولكن بعد أن وصل العملاء الفيدراليون، بمن فيهم البعض من وزارة الأمن الداخلي، في يوليو (تموز)، سرعان ما برزت تقارير مفادها أنهم قاموا بجر الأشخاص بالقوة إلى مركبات لا تحمل أي علامات، وأحدثوا إصابات في المتظاهرين وأطلقوا الغاز المسيل للدموع. حتى أطلق الغاز المسيل للدموع على العمدة ويلر – الذي وصف الوضع بأنه «هجوم على ديمقراطيتنا» – مع مجموعة من المتظاهرين خارج مقر المحكمة الفيدرالية.
وبحلول الوقت الذي وصل فيه العملاء الفيدراليون، كان قادة المدينة يقولون: إن الوضع في الشوارع قد خفت درجة تصعيده. لكن الغضب من نشر إدارة ترامب القوات أعاد تنشيط المسيرات اليومية.
ما هي وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية الضالعة في الأمر؟
يشمل العملاء الفيدراليون الموجودون في بورتلاند أفرادًا من «يو أس مارشالز» وهي وكالة لإنفاذ القانون وعملاء تكتيكيين من هيئة الجمارك وحماية الحدود ووكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، بالإضافة إلى خدمة الحماية الفيدرالية، التي كانت متمركزة بالفعل لحماية المنشآت الفيدرالية في بورتلاند.
وهناك بعض العملاء من مجموعة تعرف باسم الوحدة التكتيكية لحرس الحدود BORTAC، وهو ما يعادل فريق الأسلحة والتكتيكات الخاصة، أو ما يطلق عليه أحيانًا فريق التدخل السريع SWAT، الذي يحقق عادة في الأمور المتعلقة بمنظمات تهريب المخدرات.
ما الذي يحفز الحركة في بورتلاند؟
تُعرف ولاية أوريجون بتاريخ من تفوق العرق الأبيض. ونص قانون صدر في عام 1844 على أن أي شخص أسود يتعين أن «يُجلد مرتين في السنة إلى أن يغادر أو تغادر المنطقة»، كما منع قادة المنطقة المواطنين السود في وقت لاحق من الدخول إليها.
يقول بعض المتظاهرين إن تاريخ الولاية العنصري الشديد ما زال ينعكس في هياكل بورتلاند. وقال أحد المتظاهرين السود، واسمه ريجنالد ليجينز، لصحيفة نيويورك تايمز إنه بدأ التنقل بالحافلة بعد أن سحلته شرطة بورتلاند عدة مرات بدون سبب. وقالت ليزا لوبيترون وهي ممرضة بيطرية بيضاء انضمت إلى احتجاجات جدار الأمهات هذا الأسبوع، إنها أرادت تسليط الضوء على إرث تفوق العرق الأبيض في الولاية.
لم يتحرك الآخرون للمشاركة في الاحتجاجات إلى أن دخل العملاء الفيدراليون إلى المدينة. ولم يشارك كريستوفر جيه ديفيد، وهو من قدامى محاربي البحرية، الذي التقط فيديو لضباط فيدراليين يضربونه بهراوة، في الاحتجاجات حتى نشر العملاء الفيدراليين. جاء إلى الاحتجاجات ليسأل الضباط عن سبب استخدامهم تكتيكات عنيفة ضد المتظاهرين، والتي قال إنها تتعارض مع قسمهم بدعم الدستور.
بتوقيت بيروت