(لم يكن جورج فلويد مجرماً او قاتلاً ولم يكن ممتشقاً سلاحا في وجه الشرطة وحتى لم يعلن تحقيق الشرطة انه خارج على النظام في أي من تعابيره.. او مرتكبا ما يستدعي من العاملين على انفاذ القانون اجراء مقتضى عملية الاعتقال والادعاء عليه ومثوله امام القضاء..
هذه اجراءات ربما وجب، على منفذي تطبيق القانون، القيام بها حتى لا تسود قوانين الغاب.. وهي الحاكمة على ادارة الدول ومجتمعاتها بقصد توفير النظام واحقاق الحقوق وصوى الى العدالة.. الا ان ما تقوم به اميركا منذ انشائها او تكوينها يخالف تماما هذه المبادئ.. وقصتها منذ النشأة والآباء المؤسسين وحتى الآن تعبر عن عنصريتها التي لم تعمل فعلياً على اخراج اجيالها المتعاقبة منها..
ورغم الجهود التي بذلتها الادارات الاميركية المتعاقبة لتسويق صورة ايجابية عن "الدولة العظمى" ـ اميركا ـ لدى شعوب العالم.. فان ما اداء حاكم هذه "الدولة" دونالد ترامب داخلا، في السلطة وخارجها، او تجاه من لا ينصاع لمشيئته اطاح بهذه الجهود واكد على سوداوية العقلية الاميركية وعزز مواقع من يتماشون مع عقليته في سائر دول العالم.. بعدما وفر لهم الدعم المادي والمعنوي..)
فقد نشر موقع شبكة "سي أن أن" الأميركية مقالا لكل من "سارة سيرجاني" و"غول توسوز"، اعتبرا فيه أن الرئيس دونالد ترامب اتبع خطى "مستبدي الشرق الأوسط" في تعامله مع المتظاهرين الأميركيين.(**)
وأضاف الكاتبان، أن ذلك التعامل "يشي بأنه قرأ كتاب الإرشادات الذي يحتوي على طرق القمع"، لا سيما مشهد وصف المتظاهرين بجماعات النهب والإرهابيين.
وبالإضافة للشرطة العسكرية وقوات الأمن التي تم نشرها في الشوارع لقمع المتظاهرين، بحسب المقال، فقد شاهدنا قادة "منفصمين عن واقعهم يستخدمون الدين للسيطرة وإعادة فرض النظام والقانون".
وتابع المقال أن تعامل ترامب مع المتظاهرين الذين خرجوا في أعقاب مقتل "جورج فلويد" يمنح "الطغاة في العالم" صكا أبيضا لممارسة ما يحلو لهم.
كما اعتبر أن خطاب ترامب "مثير للانقسام"، لا سيما وصفه عددا من ناشطي اليمين المتطرف بـ"الطيبين"، مقللا في المقابل من أهمية المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجا ضد الظلم ووصفهم باليساريين والإرهابيين وجماعات النهب،(...)
وعلى خلاف عواصم الشرق الأوسط هذه فنحن لا نحصي الجثث في نهاية يوم من التظاهرات. ولكن السود الأميركيين هم ضحايا التفوق الأبيض الأميركي، فقد مات الكثير منهم نتيجة العنصرية المنظمة، بحسب "سيرجاني" و"توسوز".
وبدلا من تقديم المثل التي تقول الولايات المتحدة إنها تقف معها وتشجب دول العالم التي تخترقها، يضيف الكاتبان، فإن ترامب قام باستخدام نفس الأساليب التي شجب أعداءه لأنهم استخدموها. وبهذه الطريقة حول رئاسته إلى آلة دعائية لكل طغاة العالم.
وظهرت صورة قتل فلويد الفظيعة على شاشات التلفزة التابعة لـ"حكومات الطغاة" في العالم فيما انتشرت صور المدن الأميركية المغطاة بالدخان ورد الشرطة القاسي على المتظاهرين في كل شاشات التلفزة العالمية مرارا وتكرارا.
وذلك يعني، بحسب الكاتبين، أنه عندما ستحاول الولايات المتحدة شجب انتهاكات حقوق الإنسان وعنف الدول الأخرى فستكون هذه الصور أداة ومبررا على حرمان أميركا من الحق في تذكير العالم بماهية حقوق الإنسان واحترامها.
كما أن وحشية الشرطة في تعاملها مع محتجين سلميين وعدم احترامها للمصالحة هي مبرر آخر للمستبدين وأبواقهم. بل وباتت الحكومات التي تعاملت بعنف مع المتظاهرين في بلادها تشجب القمع الأميركي ودعت إلى ضبط النفس.
وليس لدى الشرق الأوسط أدنى ذرة شك حول تخلي الولايات المتحدة عن مثلها من أجل مصالحها القومية. فالعالم مليء بالناشطين الذين تخلت عنهم واشنطن وحنثت بوعدها لدعم طموحاتهم الديمقراطية.
واشار الكاتبان الناشطات السعوديات اللاتي طالبن بحقوقهن الأساسية وسجنّ في وقت واصلت إدارة ترامب فيه وصف السجان، محمد بن سلمان، بالحليف القوي. (ولكنهما لم يشيرا الى العدوان الصهيوني المستمر على الشعوب العربية ولا الى الحروب الاميركية المتنقلة على دول العالم البعيدة والقريبة جغرافيا عن اميركا ولا حرب آل سعود، المدعومة اميركيا وغربيا على الشعب اليمني والمستمرة منذ اكثر من 5 سنوات).
ومظاهر الخيبة بالمثال الأميركي ليست جديدة، بحسبهما، إذ فقد الملايين الثقة بقدرة أميركا على الدفاع عن حقوق الإنسان منذ زمن. وصور تعذيب سجن أبو غريب في العراق مثال واضح، وكذا معتقل غوانتامامو الذي سجن فيه من اشتبه بعلاقتهم بتنظيم القاعدة بدون تهم.
ورغم مظاهر القصور هذه والخيبة من أميركا كان الناشطون قادرين على الاستفادة من ضغوطها على حكومات بلادهم وتلويحها بورقة الدعم المالي أو الدبلوماسي حتى جاء ترامب الذي لم يعد يهتم بهذه المظاهر في الخارج، فضلا عن الداخل.
ومن هنا كان تعامله مع الأزمة الأخيرة في بلاده صورة واضحة عن القوة الفظة التي لجأت إليها دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا الجنوبية، وأكدت المعايير المزدوجة لأميركا. ومن هنا، يختم المقال، باتت سلامة ذوي الأصول الأفريقية وغيرها أمرا مهما وواجبا على الجميع، لأن سلامتهم لا تعني نجاتهم وحسب بل نجاتنا جميعا.
(ستبقى عبارة "اريد ان اتنفس" التي اطلقها جورج فلويد عنواناً لهذه المرحلة الى ان يحل محلها عبارة أخرى تعبر عن حق الحياة للمظلوم في وجه الظالم.. حيث ظلم الطبقة الحاكمة في اميركا باق ما بقيت هذه العقلية متحكمة او حاكمة..)
*(العبارات الواقعة بين هلالين هي من فعل المحرر)
(**) كأن اميركا كانت قبلا موئلا وحافظا لحقوق الافراد والشعوب..
بتوقيت بيروت