مع تصاعد التوتر بين السود والبيض في الولايات المتحدة الاميركية تروج لها دوائر الدولة العميقة في هذه الدولة لاجواء عنصرية يعبر عنها دونالد ترامب، ومقتضاها ان السود يشكلون خطرا على البيض وان هؤلاء يعتدون وان البيض يخافون منهم.. هذا الخطاب يوحي ان السود يعتدون ابتداء ـ هذا ليس تبريراً ـ ولا يير الى ان ما يقومون به انما هو ردود افعال على اعتداءات تشهد الوقائع المنقولة ان من يقوم بها في الغالب رجال شرطة..
ومع اندلاع الاحداث الاخيرة في ولاية مينابوليس نشرت شبكة "سي أن أن" الأميركية مقالا للكاتب "جونب ليك"، اعتبر فيه أن الولايات المتحدة تواجه وباء قد لا يتم العثور على لقاح له، يتمثل بالخوف من المواطنين السود في الفضاء العام، مع استمرار تعرضهم لانتهاكات، تمثل أحدثها بمقتل أحدهم على يد رجال الشرطة بطريقة استفزت الكثيرين.
وقال بليك في مقال له": "تجاهل ملايين الأميركيين مخاوفهم من فيروس كورونا في عطلة نهاية الأسبوع عندما بدأوا بالتوافد على الشواطئ والبحيرات والمطاعم المزدحمة. ولكنْ، هناك نوع آخر من الأوبئة الذي لا يزال يجعل أميركا البيضاء مشلولة: الخوف من الرجال السود".
وأضاف: "شهدت عطلة نهاية الأسبوع مقطعي فيديو مزعجين... الحادثة الأولى أظهرت ضابط شرطة أبيض من مينيابوليس، يضع ركبته على عنق رجل أسود كان يلهث ويستنجد بكلمات "لا أستطيع التنفس"، وقد توفي فيما بعد.
وفي الحادثة الثانية، حدث شجار بين امرأة بيضاء تقوم بتمشية كلبها في "سنترال بارك" بنيويورك ورجل أسود طلب منها أن تقيد كلبها. ويظهر مقطع الفيديو المرأة وهي تهدد الرجل بالاتصال بالشرطة قائلة: "سأخبرهم أن هناك رجلا أميركيا من أصل أفريقي يهدد حياتي".
وتابع الكاتب أن "هاتين الحادثتين جاءتا بعد وقت قصير من نشر مقطع فيديو لرجل أسود يدعى أحمد أربيري غير مسلح يبلغ من العمر 25 عاما، قتل بالرصاص بعد مواجهة رجلين مسلحين من البيض في أثناء ممارسة رياضة الركض في جورجيا".
وأوضح: "لم أعد أستطيع النظر إلى هذه المقاطع لأنها تحطم قلبي، كل هذه الحوادث تهدد الكثير من الرجال السود وتعرضهم للاكتئاب، إنها جزء من العنصرية المحيطة بحياتهم اليومية".
ويقول شاين لي، أستاذ علم اجتماع في جامعة هيوستن: "بصفتي رجلا أسود يبلغ طولي ستة أقدام، لا يوجد مكان لم أذهب إليه خلال السنوات العشر الماضية دون أن يظهر شخص ما الخوف من وجودي".
ورأى الكاتب أن الرجل الأسود، لطالما كان ينظر إليه كـ"بعبع" في "أميركا البيضاء"، ما يدفع إلى طرح أسئلة كثيرة.
لماذا لا يزال الأميركيون يخشون الرجال السود في عام 2020؟ وما الذي يتطلبه الأمر حتى يتوقف هذا الخوف؟ من أين يتأتى هذا الخوف؟ هناك إجابة سهلة.
وتابع: "لطالما ربطت أميركا البيضاء الرجال السود بالعمليات الإجرامية والجنس المفرط، وهذا السبب هو الذي جعل بعض تجارب العلوم الاجتماعية تظهر أنه حتى ضباط الشرطة المدربين يتحيزون لرؤية الرجل الأسود على أنه تهديد. هذا الخوف من السود لا ينبع من العنصرية وحدها، إن الأمر نفسي".
كيف لمتغير لم يفعله رئيس؟
وأضاف: "ثم هناك إجابة صعبة... إن الصورة النمطية للرجل الأسود الخطير محفورة بعمق في مخيلتنا الجماعية، لدرجة أن العديد من الأميركيين السود يرون الرجال السود على أنهم تهديد بشكل تلقائي.
ويقول الأستاذ لي؛ "إنه تعلَّم كيف يتعايش مع ما يسميه +نظرة الخوف+".
ويضيف أن "هذا الخوف من السود يصيب حتى السود لأنهم جزء من كونهم بشر. إن أدمغتنا تتفاعل تلقائيا مع التهديدات المتصورة قبل أن يطلب منا عقلنا الواعي التروي في التفكير. هذا النوع من المعرفة الفكرية هي ما يمكن أن تكون تعزية لك عندما يوجه لك شرطي أبيض المسدس على وجهك".
ويتابع أنه بدأ مؤخرا المشي إلى عمله عبر منطقة يسكنها الأغنياء من البيض في هيوستن. في إحدى المرات أوقفه ضابط شرطة وأخبره أنه وردته ثلاث مكالمات من سكان قلقين يتساءلون عما إذا كان هناك شيء أنوي القيام به.
أشار الكاتب في هذا السياق إلى اعتقاده سابقا بأنه "إذا شاهدت أميركا البيضاء المزيد من الأمثلة الناجحة من الرجال السود فإن الأشياء ستتغير. حتى اعتقدت أن وجود رئيس مثل باراك أوباما سيغير شيئا في أميركا. ربما تغير البعض ولكن كان من المدهش حقا رؤية أن النظرة المخيفة لأميركا البيضاء حولت حتى أوباما إلى تهديد آخر من الذكور السود. إذا لم يستطع أوباما تغيير هذه النظرة فأنا لا أعلم ما الذي يتطلبه الأمر".
يبقى العزل!!
قال بليك: "لدينا بعض السلوكيات العامة التي نفعلها دون وعي: لا تسِر بالقرب من شخص أبيض في الأماكن العامة، في الليل لا تقترب من شخص أبيض بل اقطع الشارع للجهة المقابلة، إن كنت في مكان عمل الشركة، لا تغضب ولا ترفع صوتك أبدا. يشير البعض إلى "التعليم" كحل، تدريب الناس على التحيز العنصري. أعتقد أيضا أن طريقة التعايش بين السود والبيض يمكن أن يقلل من هذا الخوف".
وختم بالقول: "حتى يتغير شيء ما، يجب علينا نحن الرجال السود أن نتعلم العيش مع النظرة البيضاء المخيفة، نخفض من أصواتنا، نمشي على رؤؤس أصابعنا في الأماكن العامة، ونخنق خوفنا. ونبذل كل ما في وسعنا ألا نكون الضحية الجديدة للرجل الأبيض في مقطع الفيديو القادم".
بتوقيت بيروت