اطاحت جائحة الكورونا بالكثير من الاعتبارات السياسية، على المستوى السياسي العالمي عموما وعلى المستويات الدنيا على وجه الخصوص، وفرضت معادلات جديدة على القوى السياسية المكونة لهذه الانظمة والكيانات، ومن هذه الكيان الصهيوني حيث فرضت على المعسكرين المتحاربين، بنيامين نتنياهو من جهة وبيني غانتس في الجهة المقابلة، وبحسب المراقبين فانه لولا كورونا فان الانقسام السياسي والاجتماعي العامودي داخل الكيان الصهيوني، لكان من غير المقدر ما هي العواقب الآتية اليه بعد اجراء 3 دورات انتخابية خلال عام واحد.. من غير ان تحسن نتائجها اي من الفريقين يمكنه تشكيل كابينة سلطة حاكمة..
ورغم فرضها هذه المعادلة فان المتابعين لشأن الكيان الصهيوني يرون ان هذه المعادلة ـ الاتفاق بين جناحي نتنياهو وغانتس لن يصل الى الخواتيم التي اتفق مبدئيا عليها وهي التناوب على تسنم رئاسة السلطة، ذلك ان سمات الغدر والنكث بالعهود ستكون الميزة الغالبة بعد انتهاء فترة حكم نتنياهو وبالتالي فان الانقلاب وعدم الوفاء بالاتفاق سيكون هو الغالب بما يعني ان غانتس لن تكون له السلطة في نهاية المطاف..
ولأهمية هذا الموضوع تناوله العديد من الكتبة والاعلاميين في وسائل الاعلام الصهيونية والعالمية فقد نشر موقع «ميدل إيست آي» تقريرا حول هذا الموضوع وصف فيه موقف غانتس بانه "تحول غريب للأحداث، حينما قرر رئيس تحالف أزرق أبيض، الذي كان مفوضًا بتشكيل حكومة والإطاحة بنتنياهو –الانضمام إلى منافسه اللدود في حكومة وحدة والعمل وزيرًا للدفاع تحت قيادته.
في غضون ذلك، يمكنك التدرب على لقب مؤقت – «بيني غانتس، رئيس الكنيست»، وهو المنصب الذي يشغله غانتس الآن لعدة أيام حتى ينهي السياسيان الاتفاق الذي لم يوقع بينهما بعد. يفترض أن تستند الاتفاقية على التناوب والتكافؤ: إذا ظل متمسكا بكلمته – ونادرًا ما يفعلها – سيتنحى نتنياهو في سبتمبر (أيلول) ويفسح المجال لغانتس رئيسًا للوزراء.
ما يعنيه هذا حقًّا هو أن نتنياهو، المتهم بالفساد، سيبقى في منصبه ويحاكم في نفس الوقت. هذه هي الصفقة الحقيقية بين غانتس، الذي وصفه نتنياهو بـ«فاقد الخبرة» و«المجنون» خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، ونتنياهو، الذي وصفه غانتس بأنه «ديكتاتور فاسد» و«أردوغان الإسرائيلي»، وهو مصطلح مهين بحق في سياستنا.
تمتلك السياسة الإسرائيلية تاريخًا طويلًا من التقلبات والتحركات المفاجئة. لكن هذا يتصدرها جميعًا، وأزمة الفيروس التاجي في إسرائيل هي العذر الواضح. ما ينفك غانتس يردد: «هذا ما تحتاجه البلاد، وإسرائيل أولاً»، وكأنها حقيقة معروفة طبيًّا أن الفيروس يخشى حكومات الوحدة!
إذا كان هناك أي ضحية، فإن الحزب الذي أنشأه غانتس قبل عام ونصف فقط هو الذي ظهر ضحيةً للفيروس التاجي، يافع ولكن يعاني من حالة طبية خطيرة. وقد مات الحزب عندما رفض الفصيلان الآخران في التحالف – حزب هناك مستقبل برئاسة يائير لابيد وحزب حركة التجديد القومي برئاسة موشيه يعلون – اللذان خدما في عهد نتنياهو سابقًا ويعرفانه بشكل أفضل – الانضمام إلى الحكومة الجديدة التي فرضها غانتس عليهم.
انهار تحالف أزرق أبيض في غضون ساعة. سيحتفظ لابيد ويالون بالاسم، وسيعود إلى حزب «الصمود الإسرائيلي» الذي يضم 17 عضوًا في الكنيست. وسيعمل لابيد رئيسًا للمعارضة ضد السياسي الذي كان أقرب حليف سياسي له.
في مؤتمره الصحفي، لم ينتقِ لبيد الكلمات عندما قال: «لقد سرق غانتس أصوات الأشخاص الذين صوتوا لصالحه عندما تعهد بعدم الخدمة تحت قيادة نتنياهو. لقد استسلم لبيبي بدون قتال». وهو على حق.
ومع ذلك، وللأمانة، ليس كل الإسرائيليين يشعرون بالشعور نفسه، ولا حتى جميع الذين صوتوا لصالحه. كان تحالف أزرق أبيض مخلوقًا غريبًا من اليمين واليسار والوسط.
أشاد معظم ناخبيه من يمين الوسط بخطوته باعتبارها خطوة «من أجل إسرائيل». أما أنصار اليمين المتطرف فهم غير سعداء للغاية. إذ ستتأجل جميع خطط ضم الضفة الغربية المحتلة، والتي عارضها أزرق أبيض على نطاق واسع عندما تم الإعلان عن صفقة القرن بواسطة ترامب.
من ناحية أخرى، فإن ناخبي الليكود سعداء لأنهم سيحتفظون برئيس وزرائهم العزيز نتنياهو. لكن أعضاء الكنيست ووزراء حزب الليكود أقل حماسة. إذ سيفقدون بعض الحقائب الرئيسية المعروضة الآن على غانتس. لا تتمثل الخسارة الرئيسية لنتنياهو في منح حقيبة الشؤون الخارجية إلى غابي أشكنازي، حليف غانتس والمروج لحكومة الوحدة هذه. فطالما أن ترامب يدعم نتنياهو، فمن يهتم ببقية الكون؟
الدليل على مدى أهمية صفقة حكومة الوحدة هذه لنتنياهو هو أنه تخلى عن حقيبتيه اللتين كان يعتز بهما، العدل والاتصالات. إن نتنياهو مهووس بالتغطية الإعلامية، ووزير العدل المطيع سيكون بالتأكيد مصدر قوة أثناء محاكمته. إن البقاء في منصبه والمثول أمام المحكمة رئيسًا للوزراء كما هو مقرر له الآن في مايو من شأنه أن يجعل الوزير المطيع أكثر قيمة.
إن هذا يفسر سلوك نتنياهو. لكن لماذا فعل غانتس فجأة ما كان بإمكانه القيام به قبل جولتين من الانتخابات وست مليارات شيكل (1.6 مليار دولار)؟ هناك العديد من الإجابات عن هذا السؤال، وربما تكون الإجابة الحقيقية مزيجًا منها كلها. أحد الأسباب التي لم تقل بعد، هو إنه لم يرغب في تحمل المسؤولية في خضم أزمة فيروس كورونا الضخمة والأزمة المالية الكبرى التي ستتبعها. فهو يفتقر إلى الثقة بالنفس اللازمة.
التفسير الأكثر عملية يكمن في استطلاعات الرأي الأخيرة التي أمر بها الحزب، وجاءت نتائجها مخيبة. كان تحالف أزرق أبيض يفقد الدعم، في حين كان الليكود يكتسبه. لم تكن الجولة الرابعة من الانتخابات خيارًا ممكنًا، ليس فقط بسبب فيروس كورونا ولكن أيضًا خوفًا من النتائج. يدعي المطلعون على شؤون التحالف المنهار، وعلى عكس استطلاعات الرأي الأخرى، أن ناخبيهم عارضوا بشدة حكومة أقلية مدعومة من القائمة المشتركة.
كان نتنياهو أول من اكتشف هذا المزاج. عندما عُرضت لجنة الرفاهية البرلمانية على القائمة المشتركة، أعاد نشر تغريدة مشينة تقول إن «مؤيدي الإرهاب» سيكونون الآن مسؤولين عن العائلات الثكلى، وهي رسالة استحوذت على روح أجزاء كبيرة من المجتمع الإسرائيلي. هناك فرق شاسع بين الإجابات التي يقدمها الليبراليون على استطلاعات الرأي التي تؤكد دعم القائمة المشتركة وقبولهم لها بالفعل.
لسوء الحظ، ليست هذه روح العصر في "إسرائيل"، التي لا تزال مجتمعًا عنصريًا إلى حد كبير، وكان من السذاجة التفكير بصورة مختلفة عن غانتس، رئيس الأركان العسكري السابق الذي أطلق حملته السياسية بنشر عدد القتلى الفلسطينيين الذين أوقعهم في غزة أثناء عملية الجرف الصامد.
معظم الإسرائيليين يؤيدون حكومة الوحدة. بعد أن خاضوا ثلاث جولات من الانتخابات في عام واحد، وباتوا مرهقين بسبب وحشية الحملات والسياسيين الذين لا يرحمون، وهم خائفون الآن من جائحة كورونا، يختارون راحة البال.
يمكن تعليق الديمقراطية. يمكن لعضو الكنيست يولي إدلشتاين، رئيس البرلمان السابق الذي تحدى قرار المحكمة العليا مثلما لم يفعل أحد قبله، أن يبقى في منصبه الرفيع بأمان. ويمكن للمتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع رغم مخاطر الفيروس التاجي طي أعلامهم السوداء.
ولكن إذا جرى إضفاء الطابع الرسمي على حكومة الوحدة، يبقى السؤال الكبير: هل سيتنحى نتنياهو حقًا في سبتمبر 2021؟
في حديث مع ميدل إيست آي، بدا وزير التعاون الإقليمي وعضو الليكود تساحي هنغبي متفائلاً. قال: «على عكس صورته العامة باعتباره الشخص الذي يتجنب القرارات والصراعات الصعبة، ويقبل دعوة نتنياهو بتشكيل حكومة وحدة، أظهر غانتس القيادة والمسؤولية. رغم الثمن الشخصي الذي كان عليه دفعه، يمكن لتحالف غانتس-نتنياهو أن يولد الثقة والتعاون التوافقي للسنوات الثلاث المقبلة».
لكن الجنرال المتقاعد عمرام متسناع، الذي قاد حزب العمل ويعرف نتنياهو جيدًا، كان أقل حماسةً بكثير. قال لميدل إيست آي واصفًا مشاعره بشأن ما حدث: «ثمة إحساس بالخيانة والصدمة». وأضاف: «واجه غانتس بعض الظروف الصعبة ولم يكن لديه خيار حقيقي لتشكيل الحكومة. مع ذلك، أجد صعوبة في تصديق أن نتنياهو سيحترم الاتفاق مع غانتس. آمل فقط أن يغرق بشدة في محاكمته».
وفي مقال آخر على موقع "زمن إسرائيل"، اعتبر كاتب إسرائيلي إن غانتس، خان ناخبيه؛ من خلال انضمامه إلى نتنياهو ورغم ذلك فإن نتنياهو عازم على الانتقام منه".
وأضاف أن "نتنياهو قضى على عدد من الجنرالات؛ بإقصائهم عن الحلبة السياسية، وهم إيهود باراك وشاؤول موفاز وموشيه يعلون، واليوم يأتي الدور على بيني غانتس وغابي أشكنازي، اللذين سيحولهما نتنياهو إلى أضحوكة بين الإسرائيليين، حتى يقرر إلقاءهما من محطة القطار التي يستقلها، قبل أن يأتي موعد التناوب على رئاسة الحكومة في أيلول/ سبتمبر 2021".
الاستنزاف:
وأكد أن "غانتس دمر كل ما بناه خلال العام المنصرم بقراره الانضمام إلى نتنياهو، فحين نصل إلى أيلول/ سبتمبر 2021، وهو موعد بدء التناوب على رئاسة الحكومة مع نتنياهو، سيصل غانتس واشكنازي لهذا الموعد، وقد تم استنزافهما، بعد أن منحهما نتنياهو وزارتي الحرب والخارجية في حكومة اليمين التي سيقودها".
جحيم
وأشار إلى أن "نتنياهو من الآن فصاعدا سيحول وجود هذين الجنرالين في هاتين الوزارتين إلى جحيم لا يطاق، وسيقوم بذلك بطريقة مدمرة، وغايته من ذلك هي القضاء على سيرتهما الذاتية العسكرية، التي من خلالها استطاعا الوصول لهذا المكان، وسيكون حريصا على القيام بذلك قبل موعد الانتخابات القادمة، وربما قبل حلول موعد التناوب على رئاسة الحكومة".
وأوضح أن "نتنياهو فعل الأمر ذاته مع باراك وموفاز ويعلون واسحق مردخاي، لكن الجنرال الوحيد الذي لم ينجح معه نتنياهو هو أريئيل شارون، لكنه سيكون حريصا في ساعة استحقاق قادمة أن يظهر للجمهور الإسرائيلي "صفر" إنجازات شريكيه الجديدين، غانتس وأشكنازي، والدعاية المهينة التي قام بها أبناء نتنياهو ضدهما لن تتوقف، حتى وهما في ظل شراكتهما لوالدهما".
غانتس والبيرو وفيجي
وأضاف أن "غانتس سيدير وزارة الخارجية باستمرار علاقاته بالجاليات اليهودية حول العالم، والاتصالات مع دولتي بيرو وجزيرة فيجي الصغيرتين. أما الاتصال بالرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، فستكون حصرية مع نتنياهو، واشكنازي بوزارة الحرب، فسيكون من وجهة نظر نتنياهو التوأم الجديد لنفتالي بينيت الوزير المنصرف، مع أن أشكنازي قد ينجح أكثر لاطلاعه على الواقع الأمني العسكري، لكن نتنياهو سيكون له بالمرصاد".
وختم بالقول إن "نتنياهو لا يريد حكومة وحدة، وإنما حكومة انتقالية، يكون فيها غانتس واشكنازي تحت إدارته، ولذلك يصعب تصور فقدان الروح القيادية التي أحاطت بغانتس حين قرر الانضمام لنتنياهو، مع أنه دخل الحلبة السياسية لاستبداله، لكنه الآن يجلس تحت إبطه، وحين ألقى غانتس خطابه المؤثر في كانون الثاني/ يناير 2019 عن الحاجة لزعامة أخرى تقود إسرائيل، فقد آن الأوان لأن ألقي خطابه هذا في أقرب حاوية قمامة".
بتوقيت بيروت