نشر مركز كلوب فالداي الروسي تقريرا تحدث فيه عن فيروس كورونا المستجد وتأثيره على العديد من دول العالم، ومن بينها الدول الأوروبية التي أغلقت حدودها حتى بين بعضها البعض، مما يطرح العديد من التساؤلات حول حجم الوحدة بين دول الاتحاد الأوروبي وتأثير ذلك على النظام الليبرالي العالمي.
وقال المركز، في تقريره، إنه في خضم الإجراءات التي تتخذها مختلف الدول الأوروبية، والتي من أبرزها إغلاق حدودها بشكل تام وحتى بين بعضها البعض، تتجلى نماذج الأنانية الوطنية. وهو ما يثير أسئلة من قبيل، ما مدى قدرة "اللعبة الأخيرة" - المتمثلة في هذه الجائحة العالمية "كورونا"- على هدم التكامل الأوروبي؟
وأشار مركز كلوب فالداي الروسي إلى أن التدابير الضخمة المتخذة لمقاومة فيروس كورونا تكشف أنه من الضروري الاعتراف بأن "النظام الليبرالي العالمي" قد تفكك بالكامل. وهي مسألة لطالما أثارت حيرة الغرب في المنتديات العالمية التي يهيمن عليها.
ومن الممكن القول إن الأزمات التي تعرض لها العالم خلال 15 سنة الماضية هي مجرد تمرين بسيط أمام هذه الجائحة.
وأوضح المركز الروسي أن الولايات المتحدة انتهكت مرارا وتكرارا هذا النظام لتكشف بذلك عجزها على إدارته.
ويقول التقرير انه "في الواقع، كان مقررا إصلاح مجلس الأمن الدولي في التسعينات، عندما لم تكن الصين وروسيا تمثلان لاعبين دوليين مهمين آنذاك، وبطبيعة الحال كان ذلك ليؤثر على النظام العالمي بشكل عام"، ولكن ضعف بعض الدول لا يستمر إلى الأبد، إذ أن روسيا والصين نجحتا في التحول إلى قوى عالمية مهمة.
ويرى التقرير ان "من بين جميع اللاعبين العالميين، لا تعد أوروبا قوة عسكرية بالغة الأهمية مقارنة بالولايات المتحدة، لكن وصلت رفاهية شعوبها إلى مستويات غير مسبوقة من حيث التطور والازدهار. الا انها تشهد في الوقت الراهن، ظروفا صادمة أجبرتها على غلق جميع حدودها، وذلك دليل على "الأنانية الوطنية".
وتساءل التقرير: "هل ستكون جائحة كورونا "اللعبة الأخيرة" التي ستدمر التكامل الأوروبي الذي لم يعد قادرا على الاستمرار؟
ولفت المركز الروسي الى أن القادة الأوروبيين لم يتوقعوا احتمال وقوع وباء من هذا النوع عندما أجبروا سلطات إيطاليا وإسبانيا واليونان على خفض تكاليف الرعاية الصحية بشكل كبير من أجل التغلب على أزمة سنة 2013.
كما ان هذا الامر ينطبق على العديد من القضايا الأخرى، على غرار الصراع مع روسيا فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية.
ويعزى السبب الرئيسي لهذا النهج السياسي غير الناجع إلى الفجوة بين العمل السياسي وعدم القدرة على تقدير العواقب.
فبعد الحرب العالمية الثانية، عانت أوروبا من خسائر كبيرة، وسعيا لاستعادة النمو الاقتصادي خسرت سياستها المستقلة، وأصبحت متورطة بشكل أو بآخر في خضم الصراع الثنائي بين الولايات المتحدة وروسيا، الذي انخرطت فيه الصين في وقت لاحق.
والجدير بالذكر أن أوروبا لا تبالي بمصير الإنسانية من حولها في سبيل تحقيق مبتغاها. وفي الوقت الراهن، تثبت الصين العكس وذلك من خلال تقديم المساعدة للأوروبيين (إيطاليا)، مؤكدة من خلال ذلك أن النهج الذي تتبعه سواء في مواجهتها لوباء كورونا أو بشكل عام هو نهج صائب. في المقابل، تثبت أوروبا أن النهج السياسي الذي تتبعه غير ناجح.
وأكد المركز أن أوروبا خلال تطورها بعد الحرب كان في مقدورها إلى حد كبير التغلب على مشكلة تفاوت الإمكانيات بين الدول الأوروبية.
ولكن حل هذه المشكلة لا يتطلب فقط مؤسسات رسمية وإنما يتطلب أيضا ثقافة سياسية خاصة في العلاقات بين الشعوب.
ومن الضروري أن يعمل الاتحاد الأوروبي على إيجاد أعلى أشكال التنظيم الاجتماعي لضمان حقوق الضعفاء الأساسية بغض النظر عن مساهمتهم في التنمية العامة. ولكن، على مدى العقود الأخيرة، لم تتمكن أوروبا من التغلب على هذا العائق.
وأفاد مركز كلوب فالداي الروسي بأن سلوك الدول الأوروبية الأناني، في ظل الظروف الطارئة التي تستوجب على كل دولة ضمان أمن مواطنيها، لن يؤدي إلى التدمير الفوري للسبب الرئيسي لإنشاء الاتحاد الأوروبي ألا وهو السوق الأوروبية المشتركة.
لكن أثبت التاريخ مرارا وتكرارا أن الاعتبارات السياسية هي التي تهيمن على المكاسب الاقتصادية على أرض الواقع.
من الممكن القول إن "النظام الليبرالي العالمي" يعيش أيامه الأخيرة، وهو أمر جيد إذا لم يكن انهياره رهين اندلاع حرب عالمية جديدة.
ولكن من غير المحتمل أن يظهر أي نظام عالمي قوي وعادل بشكل مثالي، ذلك أن المشاكل التي قد تواجهها الدول القوية التي تقود هذا النظام ستمنعها من إيجاد حيّز من الوقت لرعاية حقوق ومشاعر الضعفاء.
وفي الختام، أشار مركز كلوب فالداي الروسي إلى أن النظام الليبرالي ليس الوحيد الذي يواجه أيامه الأخيرة، وإنما أوروبا التي كانت يوما ما جنة للإنسان تمر بأيام عصيبة أيضا، وربما شهورها أو سنواتها باتت معدودة. وفي الحقيقة، لم يعد بإمكان الاتحاد الأوروبي محاولة محاكاة سمات يوتوبيا أو المدينة الفاضلة.
بتوقيت بيروت