نشرت مجلة بلومبرج بيزنس ويك الأمريكية مقالًا لبيتر كوي، المحرر الاقتصادي بالمجلة، تناول فيه الركود الاقتصادي الذي يضرب الولايات المتحدة بسبب فيروس كورونا، الذي ظهر ابتداءً في الصين، ومن ثم انتشر إلى ما يزيد على 60 دولة في جميع أنحاء العالم، مؤكدًا أن فيروس كورونا يمكن أن يكون بمثابة الضربة القاضية لأطول توسع اقتصادي في التاريخ.
في بداية مقاله، قال الكاتب: «دعونا نقولها بوضوح: ربما يكون أطول توسع اقتصادي في تاريخ الولايات المتحدة قد لفظ أنفاسه الأخيرة بالفعل على يد فيروس كورونا. ربما يبدو الحديث عن ركود اقتصادي في وقتٍ تكثر فيه الوظائف ضربًا من الجنون؛ إذ أعلن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي انخفاض معدل البطالة في فبراير (شبّاط) إلى 3.5%، وهو أدنى مستوى له منذ 50 عامًا. لكن الركود الاقتصادي لا يضرب المجتمعات عندما تكون أحوالها سيئة فحسب؛ إذ يضربها عندما لا تكون الأحوال جيدة على نحو ما كانت عند ذروتها. (على العكس، يبدأ «التوسع» عندما يصل الاقتصاد إلى القاع ويبدأ في الانتعاش تدريجيًّا).
ويلفت الكاتب إلى أنه: «عندما ينظر المؤرخون الاقتصاديون إلى الماضي، فقد يختارون شهر فبراير بوصفه ذروة التوسع الذي بدأ في يونيو (حزيران) 2009. ومن شأن ذلك أن يمنح ذلك التوسع أمدًا طويلًا يصل إلى 128 شهرًا، وهو الأطول في السجلات التي يحتفظ بها المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية، والتي يعود تاريخها إلى عام 1854.
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تمر فيها الولايات المتحدة بحالة ركود اقتصادي دون أن تعرف ذلك عن نفسها؛ ففي صيف عام 2008، كان صنَّاع السياسة في جهاز الاحتياطي الفيدرالي ما يزالون يتوقعون نموًّا اقتصاديًّا جيدًا لذلك العام والعام الذي يليه – رغم بدء الركود الاقتصادي في ديسمبر (كانون الأول) الذي سبق، كما حددته لاحقًا لجنة المواعدة لدورة الأعمال التابعة للمكتب القومي للأبحاث الاقتصادية.
ركود قبل الكورونا:
ويستند تقرير الوظائف لشهر فبراير الذي صدر للتو إلى استطلاعات الرأي الخاصة بالأسر والأعمال. ولقد تغير الكثير منذ ذلك الحين، ففي 12 فبراير، لم يُبلَّغ عن أي حالات إصابة تقريبًا بفيروس كورونا في الولايات المتحدة. ولكن بحلول 5 مارس(آذار)، كان هناك 99 حالة، من بينها 10 حالات وفاة، أُبلغت بها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.
وتشير الأبحاث الحديثة التي أجرتها وحدة ستيت ستريت أسوشيتس، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن الاقتصاد الأمريكي كان عرضة للركود الاقتصادي حتى قبل انتشار فيروس كورونا. ففي يناير (كانون الثاني)، كانت فرصة الركود الاقتصادي خلال الأشهر الستة المقبلة حوالي 70%، على الرغم من ارتفاع سوق الأسهم بنحو 22% مقارنةً بالعام السابق».
اقتصاد أقل قوة مما يبدو
ويشدد الكاتب على أن «التراجع الحاد في سوق الأسهم منذ يناير يضر بالنمو؛ إذ يُشعِر العائلات بأنها أكثر فقرًا ويُشعِر الشركات بأنها أكثر تشاؤمًا. ووفقًا لويل كينلو، المدير الإداري الأول ورئيس وحدة ستيت ستريت أسوشيتس الواقعة في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس، وهي وحدة الأبحاث التابعة لشركة ستيت ستريت كورب المالية العملاقة، فإن فرصة حدوث ركود اقتصادي عندما تكون أسعار الأسهم عند المستوى الذي وصلت إليه هذا الأسبوع، تبلغ حوالي 75%. ويقول كينلاو: إذا خسرت الأسهم جميع مكاسبها على مدار الـ 12 شهرًا الماضية، فإن احتمال حدوث ركود سيزيد إلى 80%.
وبالإضافة إلى سوق الأسهم، يضع نموذج التنبؤ في ستيت ستريت أسوشيتس في الاعتبار الإنتاج الصناعي، وشكل منحنى عائد سندات الخزينة، والوظائف. ويعتمد على مفهوم إحصائي يُسمى مسافة ماهالانوبيس، والتي طُوِّرت للمقارنة بين أحجام الجماجم البشرية في الهند.
لقد ضرب فيروس كورونا اقتصادًا كان أقل قوة مما قد يبدو. وارتفع التوظيف في القطاع غير الزراعي بنسبة 1.4% في يناير مقارنةً بالعام السابق، وهو أمر جيد. لكن الإنتاج الصناعي انخفض بنسبة 0.8% في يناير مقارنةً بالعام السابق كذلك. وكان منحنى العائد على سندات الخزينة يقترب على نحو خطير من الانعكاس في يناير. (يُعد انعكاس منحنى العائد – تكون فيه أسعار الفائدة طويلة الأجل أقل من أسعار الفائدة قصيرة الأجل – مؤشرًا قويًّا على الركود الاقتصادي).
هكذا تكون البداية
وأوضح الكاتب أن سوق الأسهم كان بمثابة المؤشر القوي الوحيد في شهر يناير، والآن، بفضل فيروس كورونا، فإن هذا المؤشر يومض باللون الأحمر أيضًا. وفي حين قال عدد قليل من الاقتصاديين إن الاقتصاد ربما يكون في حالة ركود بالفعل، فقد بدأ البعض في القول إن هناك احتمالًا وشيكًا على حدوث ذلك.
ويقول مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في شركة موديز أناليتكس (Moody’s Analytics)، إن فرصة حدوث ركود اقتصادي هذا العام تصل إلى 50% على الأقل. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن الحديث عن الركود متفشٍ في الأسواق المالية. وقال جون ماكلين، مدير المحافظ الاستثمارية لدى شركة دياموند هيل كابيتال ماندجمنت، لوكالة بلومبرج الإخبارية إنه: «هكذا تكون بداية الركود الاقتصادي بعد وجود سوق صاعدة لفترة طويلة. وهذا هو اليوم الأول الذي نرى فيه بعض الذعر في السوق.
واختتم الكاتب مقاله قائلًا: «إن تبادل القبلات أمر مستهجن في عصر فيروس كورونا، ولكن قد نرغب في التفكير في وضْع قبلة الوداع على جبين أطول توسع اقتصادي في تاريخ الولايات المتحدة».
المصدر: ساسة بوست
بتوقيت بيروت