لقد تمكن السلوك الجديد والنوعي للتورة التكنولوجية والفورة المعلوماتية من التحكم بداية بشكل جزئي , ومن ثم السيطرة والادماج الفعلي للعقل البشري لصالح التكنولوجيا الذكية , بحيث ان العقل البشري بات منغمسا بشكل شبه مطلق لصالح الهواتف الذكية وبرامجها , كذلك دمجت الهواتف الذكية داخل العقل البشري , حيث اصبح من السهل ان تلتقط صورة لشخص او تسجيل اي تصرف او نشاط لاي شخص وفرد من التقاط الصور الى تسجيل الصوت والفيديو , او حتى متابعة اي نشاط يومي انساني له على مختلف الصعد ( العملية -المهنية –الانسانية ….) , وعلى النقيض تمام اتيح لنا ايضا ان نحجب بعض الافراد والافراد عنا , حيث اننا عندما نقدم على هذا التصرف وهذه الخطوة حتى يتم التفاعل البشري والتقني ليتم التحكم بالادمغة والعقل البشري بين الشخصين والاشخاص المتصلين بالشبكة عموما , ويمنعنا من رؤية صفحته والحديث معه , وكذلك المنع ايضا من ان يتواصل معك , الى ان تتم مقابلته بشكل مباشر وانساني في الشارع او اي مكان عام واقعي مشترك لوجودكما , حتى يسيطر الهاتف على نشاط الدماغ البشري وينظم الادراك المشترك , بحيث تراه بطريقة غير طبيعية وتسمع صوته بطريقة غير متزنة , ترى في جميع تصرفاته وكأنها تصرفات استفزازية لك , وكل ذلك لانه اتخذ اجراءات سلوكية للواقع الافتراضي وكان تحليلها سلبيا لك , وهذا كله انما مرده لحالة الاندماج الكلي للعقل البشري والسلوك الانساني لصالح الاتمتة السلوكية الذكية , فاصبح التصرف الآلي يسيطر على التصرف والسلوك الانساني المجتمعي , وغير في اصول ومبادئ المجتمع وهنا تكمن النواة الحقيقية للفقاعة السلوكية الذكية , من حيث مبالغة الفرد من الاعتماد والانقياد للآلة الذكية واعتبار نفسه انه قاصر وعاجز لا يستطيع مجاراة الحياة والالتزامات من دونها .
ليس علينا اذا , ان نتعجب بل علينا ان نتبصر ونتفحص واقعنا وبطريقة واقعية اكثر , و الى اي مدى اصبحت الالة الذكية والبرمجيات التكنولوجية التطبيقية التخصصية والتخابر مثلا (whatsapp – viber – line –tango – kik … ) وغيرها من جزء من سلوكنا وتصرفنا ومسيطرة على الدماغ والعقل ومتحكمة بالتفكير والنهج ؟
لقد اصبحت ذاكرة الهاتف الجوال الخاصة واحيانا جهاز الكمبيوتر الخاص جزء من الدماغ والعقل , دمج للعالمين المحسوس الواقعي والافتراضي , بسبب هذا التفاعل الدائم والشبه المتناغم , حيث خرقت الحاجز الانساني في السلوك اليومي للشخص وتصرفاته وطرقت باب عاداته وتقاليده , تذكر باعياد الميلاد , وترشدك على البعض الامور والاحداث والوقائع , تعطيك بعض الحلول والاحتماليات لحصول اي منها وغير من القرارات والتي بلا شك يتم الوصول اليها واخذها من خلال بعض البرامج والتطبيقات الترجيحية , وهذا كله يجعل من العقل البشري مندمج بشكل تناغمي وغير ادراكي او بطريقة لا مسيطرة ولكن بكل رغبة وقبول مع هذه الالة والتكنولوجيا , الى ان تحول هو نفسه الى اسير واله لهذه التكنولوجيا , هو بات لا يفكر بل هي التي تفكر عنه وتنظم اموره وسلوكه وارادته وتحدد هدفه والنتيجة له حتى يصبح مرتهن تماما لها ولقدراتها ونظمها ونمطيتها .
تلك هي المبالغة الكبرى في التصرفات والحماسة المتطرفة تحت مظلة الامان والتي سوف تشكل فقاعة خطيرة ينتج عنها زيادة في الاستثمار في مجال التكنولوجيا الذكية الاجتماعية والسلوكية , والتحفيز في مجال الادراكات السلوكية المرتبطة بنسبة كبيرة الى ان تنفجر مخلفة وراءها مطبا مصيريا وذراعا مهما لازمة عالمية بساحات مختلفة , حيث عالم كله خاضع لها .
لقد خلقت الهواتف الذكية وشكلت لنا كمثال على ( فقاعة خاصة ) , من خلال تأثير هذه الهواتف بتطبيقاتها وبرمجياتها على افكارنا وتصرفاتنا عن ردة فعلنا الموصوفة عن العالم من حولنا , لدرجة بدأت تدفع مصممي الاماكن العامة لمراعاة ان مجموعة من الاشخاص والذين يتخذون مكانا جانبيا لمتابعة الهواتف الذكية كجلسة خاصة وبشكل منفصل عن العالم , وكأنهم في المنزل او في اي مكان خاص آخر بحيث لا يشعرون بانهم في مكان جديد ومختلف وذلك على مستوى الانطباع الاول لديهم الهدف الاساسي والحافز المطلق لامنهم ورغباتهم تماما , تشبه الى حد كبير نمطية التفكير السلوكي والتقليدي لتصميم اماكن خاصة بالمدخنين وغير المدخنين , حيث اذا اردنا المقارنة لخصوصية التصرفات بين حاملي الهواتف الذكية والهواتف المحمولة العادية لوجدنا التزاما من اصحاب الهواتف العادية بالبروتوكولات الاجتماعية المعروفة بالحد العادي بالنسبة لاستخدام الهواتف والتي تعتبر من قبيل اصول الاحترام اثناء الحضور في الجلسات كمثال تأجيل المحادثات الخاصة للمساحات الخاصة اضافة للنظر في مدى ملاءمة استخدام الهاتف الخلوي في الاماكن العامة او اثناء وجودهم ضمن جماعات وتناسيه , في حين قام اصحاب مستخدموا الهواتف الذكية بصنع وسبك سلوكيات اجتماعية جديدة خاصة بهم اثناء تواجدهم في الاماكن العامة , فظهر انهم اقل عرضة للانزعاج والازعاج , مرتهنين على دوام بسياقهم , وأقل احتمالا من مستخدمي الهاتف العادي لتصور ان المحادثات الهانفية الخاصة مزعجة لمن حولهم في المكان العام ولكنهم متمردين اكثر وهجوميين اكثر للدفاع عن عالمهم وبرمجياتهم وشبكانهم , بالتالي فقد تغير نوعا ما مفهوم الخصوصية بين اصحاب هذه الهاتف سواء العادية والذكية , اضافة الى حصول الانزعاج من اصحاب الهواتف العادية المجتمعين مع اصحاب الهواتف الذكية في الامكنة العامة لجهة الانشغال الدائم بهواتفهم وتصرفاتهم الممكنة والخاصة .
وظهر نتيجة لذلك ان مستخدموا الهواتف الذكية هم اكثر استعدادا للكشف عن المشكلات الخاصة اثناء المحادثات الهاتفية من اصحاب الهواتف العادية للجرأة الانسانية المتزايدة بالغير مباشر , اي بالحوار الهاتفي المكتوب والتي تؤسس في احيان كثيرا اضطرابا تهديدا للامن الاجتماعي الواقعي , وهنا نطرح اشكالية ايضا عن شكل المجتمع البشري مستقبلا مع تزايد اقترابنا من الهواتف الذكية واندماجنا بالحياة الموصولة on life , من فكرة الشبكة الموصولة online , حياة متصلة تماما ودائما , في كيان متزامن ومتشابك بشكل متزايد حيث يشكل العالم ما يسمى بشبكة الشبكات او الشبكة الكبرى مرتبطة ببعضها ولا مركز لها وتلك هي الثغرة السوداء الغامضة الاضافية والوهمية والتي تشكل او تحضر لفقاعة سلوكية خطيرة نتيجة لمدركات مسيطر عليها وممنهجة بالكامل , والتي اذا انفجرت سوف تعم العالم بأثره وتؤثر على مختلف ميادينه , حيث ان الاغلبية المجتمعية والانسانية بات مرتهنا لها .
لا بد لنا هنا ان نوصف الفرد والذي جرب ما يسمى بحالة ( الرهاب الشخصي NOMOPHOPIA ) , عند فقدان او نسيان الهاتف المحمول الخاص وخاصة الهاتف الذكي والتي تعني بشكل حرفي توتر الشخص حينما لا يكون هانفه الذكي بحوزته او ان تحاربه وتمنعه من استعمال هذه البرمجيات , حيث تخلق عنده شعور في حالة من اللامن ومخالجته لوضع من الاضطراب في الاعصاب والتوتر في التصرفات , حيث قد تسبب في حالات من الادمان لدى بعض الاشخاص , حيث قد كشف استطلاع للرأي في العام 2008 الى ان58% من الناس يميلون للتوتر والتعصيب حينما لا يكون هانفهم الذكي بحوزتهم ومعهم او عند انقطاع شبكة الوايفاي وكأن هناك شيئا قهريا , حينما تدفع الشخص العادي رغبة داخلية ملحة لتفحص الاشعارات الأنية على الهاتف الذكي الخاص به كل حين وحين , بفترات زمنية قصيرة للغاية , بحيث يتحكم بدرجات انتباهنا وقدراتنا الادراكية ما يجعل بالاشخاص الذين يخوضون اي اختبار في اثناء وجود الهاتف الذكي الخاص امامهم يحصلون على نتائج اقل ويمكن الاضافة ايضا ان هناك علاقات لا نعرف بعد القدرة السببية فيها , بين الاستخدام المتزايد للهواتف الذكية او وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد لاعراض القلق واحيانا الوحدة والاكتئاب لدي مستخدميها , في اشارة الى ان مؤشرات السعادة اقل قوة من مؤشرات التعاسة على مواقع التواصل الاجتماعي .
حيث ان تطبيق الخاطئ والانحراف الواضح لما استفاق عليه الفرد والمجتمع الانساني والذي كان قد استبشر خيرا بالنظام العالمي الجديد ومبادئ الحرية المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطيات والتصحيف وعدم الاحترام لما حمل من طياته كل اشكال التعاون الدولي والانساني واللحمة الدولية المسماة بالعولمة , جعلته يكفر ويتمرد على كل هذا الواقع والذي جعل من السلوك الانساني والمدركات الطبيعية للبيئات المشتركة ملاذ حاضنا لكل انواع التطرف والعنصرية والنمو الهمجي للشعبويات الغير المنضبطة واعادة الحياة لروح القوميات القبلية بحجة الحماية والسعي للبقاء الوجودي . فازاء التطور الكبير للتكنولوجيا والثورة المدمجة لانترنت الاشياء المعلوماتية حيث العالم الافتراضي والمظهر للبشرية على انه العالم العادل والشامل والذي يقدم المساوة والذي يعطي كل ذي حق حقه , ما جعل الانسان امام معضلة الحرب السلوكية وبصدد معركة الاستحواذ التام بينه وين التطبيقات الذكية والبرمجيات التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي وبالحقيقة هي ليست بالمعركة ولا حتى انها منافسة , بحيث ان الانسان قد سلم لهذا العالم الافتراضي مفضلا اياه على العالم الحقيقي والذي خدعه وسلب منه الكثير , معولا من هذا العالم الافتراضي ان يعطيه ويعوض عليه كل الفراغات والثغرات والحقوق المسلوبة منه واقعيا ,تماما مثل ما تفعل مادة السيليكون اثناء استعمالها وتناغمها في الفراغات , حيث اصبح من انصار الابواب الافتراضية والمنصات التواصل الاجتماعي التقنية والتي باتت مقصده الدائم والصادق للتعبير والتصرف والممارسة وبث السياسات ووضع الخطط والتأسيس لاي جديد بهروبه من الواقع التي بدورها استحوذت عليه وفرضت عليه قوانينها واحكامها السياسية ومتطلباتها الادارية والاجتماعية , لقد عانى الفرد الانساني من اعمال الاضطهاد والعنف والواقعي , وتحمل القمع الطبيعي وكان الضحية الاساس لكل الصفقات الاستراتيجية من حروب وغيرها , لذلك لم يبقى للفرد الانساني الا هذه البوابة الافتراضية والتي يهرب منها من الواقع ويجد بها ذاته جاعلا من الديمقراطية الرقمية والالكترونية والافتراضية القاعدة الاساس لحريته حيث استحوذت عليه , وتلك هي الخدعة الكبرى والتي وقع بها هربا من الواقع المر والتي بدأت تتحضر للظهور لا بل وظهرت وحلت واقعا فعليا في العديد من البلدان بحيث تحرك المجتمع واغلبية الشعب في لبنان بسبب التجاوز الخطير والتعديات المتمادية على حقوقه , حيث ان ذلك الامر بات يشكل فقاعة الامان للمجتمعات وكنتيجة لاستباحة السلطة والادارة لمقدراته ولمقومات استمراريته من بوابة المس بحريته الالكترونية والافتراضية ومن بوابة العبس بامنه التكنولوجي والمعلوماتي اعتبره المواطن بانه تهديد مباشر لسلوكية الانسان واعتداء على مساحته التحررية الامنة فكانت الاضطرابات دفاعا عن ملاذه الوحيد المتبقي للتعبير عن ذاته وممارسته حريته , من بعد ما عجز عن حماية مقدراته الواقعية والطبيعية , انها ازمة تكنولوجية وذكية حيث انها تظهر على انها احتجاجات لمطلبيات اقتصاديا ومعيشية , ولكنها في الباطن هي غير ذلك هي نتيجة للاستحواذ التام التكنولوجي على الانسان ونتيجة للاندماج السلبي والانغماس الغير موضوعي بالمعلومات وانترنت الاشياء وهي نتيجة اساسية لتسيير المدركات السلوكية للعقل الانساني الباطني والذي اصبح بشكل جزئي غير قادر على التخلي عن هذا العالم لا بل ويعتبره على انه الخلاص وتلك هي البدعة .
بنظرة مختلفة نوعا ما وموضوعية او براغماتية اكثر وليست من حيث المدافعة , لقد جعلت الهواتف الذكية وبرمجياته اكثر قدرة على التواصل والوصول للمعلومات وكثر الحواجز ودمج العالم بشبكة واحدة ضمن ما يسمى شبكة الشبكات , ولكن الثغرة تكمن في الاثر السلوكي لهذا التواصل , والبرمجة الادراكية لما يسمى التصرفات العفوية اي السيطرة حتى على الحدس والفكر الانساني , فالتكنولوجيا تصدر لنا السكاكين , حيث ان السكين يخدمنا بامور ايجابية ويمكننا استعماله ايضا لامور وغايات سلبية , والامر كله يتوقف على الفرد والانسان والعقل البشري , فمن خلال العقل البشري تصبح التكنولوجيا ذاتها عنصر محايد لا علاقة له , الا فقط من خلال استخدامك لها ومن هنا يمكننا البدء باحتواء الفقاعة .
حيث الافراد يواجهون ازمة ادراكية ومشكلة تتمثل في نقص القدرة على الانتباه لكل المحيط الواسع من الاحداث المتراكمة والمتتالية , فتضطر حينها للتحيز ادراكيا ولا اراديا الى الاشياء التي تشعر بالامان والسكون بغض النظر عن موضوعيتها , لذلك علينا ان نتيقن من المخاطرة باشياء قد تكون مهمة , وان لا نراهن على مستقبل شي لا يمكننا التوقع منه , حيث انه افتراضي ووهم ويتغذى وينفلش نتيجة لردات الفعل والحاجة المسيطرة والتي شكلت له البيئة الحاضنة عالميا ومنهجيا وتلك هي ايضا رافد اساسي للفقاعة والازمة السلوكية القادمة .
المصدر: Strategic File
بتوقيت بيروت