يوما بعد يوم تتكشف آفات الكيان الصهيوني وسلطاته وهذه المرة تبتركيبته السكانية وتظهر الشروخ المجتمعية، وبات الانقسام الاشكينازي السفاردي، من اهون الانقسامات مع ما يطرأ عليه من تغييرات وانعكاسات سياسية واقتصادية ومجتمعية.
ويوماً بعد يوم، تتجلى عنصرية وتمييز سلطات هذا الكيان الحاكمة، على العرب الفلسطينيين والتي يعانون منها منذ زرع الاستعمار الغربي لهذه الغدة السرطانية على ارض فلسطين انفاذا لوعد بلفور المشؤوم.
الوجه الجديد لهذه العنصرية والتمييز، يصيب منذ فترة الفلاشا الاثيوبيين، وانفجر مؤخراً في سلسلة من الاعتراضات وكان آخرها ما تشهده بعض المدن الفلسطينية المحتلة احتجاجا على قتل شرطي صهيوني ـ ابيض لشاب من اصول اثيوبية. وهو الجريمة الرابعة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال خلال العامين الماضيين في حق المستوطنين الاثيوبيين الذين يعيشون في حالة من العزلة والغربة.
ويجمع ناشطون ومحللون إسرائيليون على أن العنصرية متفشية في المجتمع الإسرائيلي كالنار في الهشيم، سواء بين المهاجرين الإثيوبيين أو غيرهم من الشرائح الاجتماعية، لكن يؤكدون أن الحالة الإثيوبية استثنائية، خاصة بسبب عامل اللون الذي يمنع الاندماج الكامل في المجتمع الإسرائيلي.
ويعتقدون أن التمييز ضد المهاجرين الإثيوبيين هو نتيجة مباشرة لاختلافاتهم الخارجية ولونهم، وأن مقتل الشاب الإثيوبي سلومون طاقى (18 عاما) هو أحد أعراض المرض الخبيث وهو "العنصرية والتمييز" الذي يهدد بتدمير المجتمع والدولة، مؤكدين أنه لا يمكن إخفاء الوضع الصعب والمعقد للمجتمع الإثيوبي
تشكيك وتحفظ
بدوره، قال رئيس قسم العمليات في المنظمة الصهيونية العالمية درور مورغ إن اليهود الفلاشا البالغ تعدادهم السكاني اليوم نحو 150 ألفا -ورغم استقدامهم إلى إسرائيل منذ سبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي- ما زالوا مطالبين بإثبات أنهم يهود، إذ يتم التشكيك من قبل المجتمع الإسرائيلي إذا ما كانوا من الشعب اليهودي أصلا، وعليه يتم نبذهم ويعيشون في عزلة عن المجتمع الإسرائيلي.
وأوضح مورغ أنه مباشرة وفور وصولهم إلى البلاد حصل يهود الفلاشا على معاملة العمال المهاجرين ولم يتم الاعتراف بهم كيهود إلا بعد عملية تحويل "للديانة اليهودية" لم تكن موجودة في حالة المهاجرين الآخرين.
وقال عضو المنظمة الصهيونية العالمية "نحن لم نبذل جهودنا لمعرفة الجالية الإثيوبية، تجاهلنا تماما عاداتهم والصعوبات الثقافية وصعوبات الهجرة، لم نسمح لهم بدخول المجتمع الإسرائيلي، لون بشرتهم لم يمر فوق أعيننا وكأننا لا نراهم، وبالتالي تم دفع يهود الفلاشا إلى هوامش المجتمع الإسرائيلي".
وكانت احتجاجات الفلاشا اندلعت على خلفية اطلاق سراح ضابط شرطة صهيوني، بعدما قتل اثيوبياً خارج اوقات عمله، باطلاقه النار عليه، وعززت هذه الجريمة هواجس الاثيوبيين الذين يقولون انهم يعيشون في خوف دائم من مضايقات الشرطة لأنهم من ذوي البشرة السوداء.
ودفعت هذه الجريمة الاثيوبيين الى اغلاق طرق رئيسية في الاراضي المحتلة وحرق الاطارات والسيارات مما تسبب في تعطيل الاعمال واختناقات مرورية واسعة.
ورغم الدعوات الى التهدئة وتوسل الحلول فان سلطات الامن الصهيونية قالت انها ستتعاطى مع هذه الاوضاع بمزيد من القوة.
ويبلغ عدد اليهود من أصول إثيوبية في إسرائيل حوالي 140 ألف شخص، وينحدر معظمهم من مجتمعات منعزلة لعدة قرون عن سائر اليهود، وتأخّر الاعتراف بهم كيهود من قبل السلطات الدينية الإسرائيلية.
ونقل إلى فلسطين المحتلة أكثر من مئة ألف من اليهود الإثيوبيين بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بينما يشتكي اليهود الإثيوبيون من أنهم واجهوا باستمرار عنصرية مؤسساتية ممنهجة.
وقال شاب من أصول أثيوبية لموقع "واللا" الإلكتروني، وشارك في تظاهرة احتجاجا على تعامل الشرطة مع أبناء طائفته، إن "العنف ضد أبناء طائفتنا يتصاعد. وشعب إسرائيل يخطط لإجازات ونحن لجنازات. أفراد الشرطة يقتلوننا، ويطلقون الرصاص على الرأس ولكن العنصرية موجودة في كل مكان. لماذا يجب أن يموت ولد في الثامنة عشر؟ بالنسبة لكم هذه بلاد السمن والعسل، لكن بالنسبة لنا هذه بلاد الموت. وإذا اضطررنا أن نقدم ضحايا فسنقدمها. نحن الجيل الجديد، ونحن سنقود الأمور، ولن يطلقوا النار علينا بعد الآن. ويجب أن يتوقفوا عن خداعنا، هذا ليس قتلا غير متعمد وإنما قتل متعمد"، في إشارة إلى إعلان قسم التحقيقات مع أفراد الشرطة أن الشرطي الذي أطلق النار على تاكا مشتبه بالقتل غير المتعمد.
وقال ناشط من أصول أثيوبية، لموقع صحيفة "هآرتس" الإلكتروني، إنه "توجد عملية نزع شرعية يصوروننا فيها كمجرمين وأناس عنيفين، رغم أننا نخضع للعنف.والشرطة لا تريد تكرار أخطاء الاحتجاجات السابقة ولذلك هم يهيئون الظروف لتبرير عنفهم لاحقا. ويتوقع أن تتواصل المظاهرات في الأيام المقبلة".
ونقلت قنوات التلفزيون الإسرائيلية، عن متظاهرة قولها إن "المشكلة أنهم لا ينظرون إلينا على أننا بشر. وهذا يبدأ من الأهالي البيض الذين لا يريدون أن يلعب ابنهم مع ولد أسود في الحديقة العامة، ويستمر ذلك مع الشرطة التي تتعامل معنا وفق اللون أولا. وليس بإمكاننا أن نخفي لوننا". ويقول المتظاهرون إن لجميعهم قريب أو جار أو زميل في العمل تعرض لمعاملة عنصرية.
المصدر: وكالات
بتوقيت بيروت