ستيفين إم. والت ـ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد
من المُحق بين "كاساندرا" و"د.بانغلوس"؟ هل نحن على حافة/شفا التورط بكارثة كما تنبأت أسطورة "كاساندرا الإغريقية" أم أن كل ما يحدث من حولنا يصب في فكرة "أفضل العوالم الممكنة" التي طرحها "د. بانغلوس" المتخيل في رواية "كانديد" الفلسفية لمؤلفها الراوي الفرنسي فولتير؟
لقد ظهرت خلال العقود الأخيرة، تحذيرات من الكارثة المذكورة في أسطورة "كاساندرا"، على شكل مؤلفات مثل "وصول الأناركية" لكاتبها روبرت كابلان، و"اصطدام الحضارات" لمؤلفها صامويل هنتنجتون، وتوقعات بيل مكيبن البيئية والاجتماعية القاتمة، وتوقعات كل من يعتقد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيقضي على الديمقراطية كما نعرفها.
وفي المقابل، تشمل وجهة النظر التفاؤلية المستوحاة من "بانغلوس"، شخصيات مثل ستيفن بينكر، وغوشوا غولدشتاين و(في بعض القضايا) جون مولر، الذين يصرون على أن البشرية حققت تقدمًا غير عادي على مدار الـ500 عام الماضية، ويعتقدون أن خطر العنف أو الاضطرابات الرئيسية في تقلص مستمر.
أعتبر نفسي شخصا متفائلا في معظم الأحيان برغم ميلي إلى الواقعية، وإحباطاتي المتكررة من الحالة المحرجة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. لكنني اليوم سوف أنغمس في "كاساندرا" التي في داخلي، وأستعرض أكثر خمس مصائب تُقلقني اليوم؛ أتمنى أن أكون مخطئا.
التغيير المناخي:
لم يمض سوى فترة وجيزة على اللحظة التي استوعبنا خلالها أن الإنسان يحدث تغييراً مُناخياً، لكن دلائله المخيفة، تشير إلى أن عواقبه السلبية لا تزال في تراكم مستمر. علاوة على ذلك، يبدو أن سرعة انتشار هذا التغيير واتساعه أصبحت أقرب لأكثر السيناريوهات سوداوية.
وبات من المؤكد تقريباً، أن العالم سيشهد ارتفاعًا في درجة حرارة الغلاف الجوي على مدار العقدين القادمين، وعلى سبيل المثال، تتوقع دراسة ضخمة أجرتها الأمم المتحدة حول التغيير المناخي، أن ارتفاعاً بهذه الضخامة سيؤدي إلى دمار قد تبلغ قيمته 54 تريليون دولار.
لكن المشكلة الأساسية تكمن في رد الفعل الفاتر وغير الجدي على هذا الخطر المُحدق. لقد حاول عدد كبير من الأثرياء الذين يرفضون علم المناخ السائد، إقناعنا بأنه ما من مشكلة مناخية على الكوكب، وقد عملوا على عرقلة إجراءات في غاية الأهمية للتصدي لهذه النظرية. وعلى المستوى العالمي، حاول معظم مستخدمي الطاقة المسرفين، التأكد من أن تكاليف الحد من التلوث ستقع على كاهل آخرين. ويُمكننا أن نعلم حجم المشكلة التي نواجهها بمجرد النظر إلى رئيس الولايات المتحدة، الذي أبى أن يسلم بحقيقة أن هناك تغييرًا مناخيًا حقيقيًا في العالم، ويرغب بإعادة إحياء استخدام الفحم، وهو أكثر أنواع الوقود الأحفوري قذارة وتلويثًا. وأرى أن التكيف مع هذه المشكلة سيؤثر على السياسة والمجتمع بطرق بالكاد بدأنا بتخيلها حتى.
لا أدّعي أنه من السهل التعامل مع هذا التحدي الكبير. من الصعب دائما، حث الناس على التضحية في الحاضر من أجل مستقبل الأجيال القادمة، كما أن هناك قضايا مُرتبطة بالموضوع، تتعلق بالعدالة وتتخطى الأجيال والوطن. بل أعتقد أن صياغة رد فعل فعّال وعالمي لأزمة الاحتباس الحراري، هو الاختبار السياسي الوحيد الذي أزعج البشرية على مدار تاريخها. ولكن البشر فشلوا فيه حتى الآن، ما يعني أنهم يعرضون مجتمعات بأكملها للخطر. لكنني، آمل أن أكون مخطئًا.
ليرقد "حل الدولتين" بسلام
لقد كان ما يعرف بـ"حل الدولتين" لتسوية القضية الفلسطينية، على مدار العقود الثلاثة الماضية، الأكثر انتشارا في العالم. وكان بمثابة الهدف الذي أعلن ثلاثة رؤساء أميركيين عن تبنيه، و"معظم" قادة الشعب الفلسطيني، وجميع الوجوه المختلفة (والمتكررة) ممن يُطلق عليهم وصف "معالجي عملية السلام في الشرق الأوسط"، وبعض رؤساء الحكومة في إسرائيل.
لم يكن "حل الدولتين" الحل الأمثل للقضية الفلسطينية بأي حال من الأحوال، لكنه كان بمثابة التسوية "الأفضل" لمطالب الفلسطينيين في ظل الواقع الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي، مع مراعاة العدالة التاريخية، وسعيًا للأمن الدائم.
وقد ساعد هذا "الحل" بإعطاء المسؤولين الأميركيين القدرة على الإجابة بشكل بسيط عن الاستفسارات حول هدف الولايات المتحدة في هذا الملف، فقد استطاعوا أن يتبجحوا بدعم "حل الدولتين"، بينما يرفضون استخدام النفوذ الأميركي الكامل لتحقيقه على أرض الواقع.
لا أدري بالضبط ما الحيلة التي يسعى مستشار الرئيس (ترامب) جاريد كوشنر، إلى تطبيقها في المستقبل القريب (في إشارة إلى خطة الإدارة الأميركية الحالية لتصفية القضية الفلسطينية والمعروفة بـ"صفقة القرن" المزمع الإعلان عنها في وقت لاحق)، لكنها لن تكون على طريق "حل الدولتين" بالتأكيد. وبالنظر إلى الحقائق على أرض الواقع، والإزاحة المتواصلة للسياسات الإسرائيلية الداخلية نحو اليمين، فمن المرجح أن تكون حيلته هي المسمار الأخير في نعش هذا "الحل".
وتخلت إدارة ترامب عن السياسة الأميركية السابقة في إظهار عدم الانحياز الأميركي في هذه القضية، بعد أن عيّنت مؤيدًا قويًا لحركة الاستيطان سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل، وهو رجل أخبر حشودًا من الذين استمعوا إليه، مؤخراً، أن لدى إسرائيل سلاح سري، وهو "أن الله في صفها". لا يوجد موقف دبلوماسي أكثر "تجرداً" و"استقامة" من هذا!!!
وكما حذر عدد لا يُحصى من الناس، فإن إجهاض "حل الدولتين" يُبقي على البدائل الأسوأ فقط. وأحد الخيارات، هو الأبارتهايد الكامل (الفصل العنصري)، الذي ستقوم به إسرائيل بالسيطرة على ما تصفه بـ"إسرائيل الكبرى"، بينما تحرم الفلسطينيين الذين يخضعون لنظامها، من أي حقوق سياسية ذات معنى.
أما الخيار الثاني فهو التطهير العرقي للفلسطينيين، وهو جريمة ضد الإنسانية. والاحتمال الثالث هو نسخة ماكرة من الخيار الثاني، وتتلخص بأنه على مدار الوقت، ستزيد إسرائيل تدريجياً من استحالة بقاء الفلسطينيين في مجتمعاتهم الحالية، كجزء من خطّة إستراتيجية طويلة الأمد لدفعهم للهجرة إلى أماكن أخرى. ولنسميها هنا، التطهير العرقي البطيء.
وفي حال حدثت أي من هذه السيناريوهات التي وصفتها أعلاه، فلا جدال أنها ستكون جريمة تاريخية كبرى، وستكون الولايات المتحدة متواطئة تمامًا فيها. مرة أخرى هنا، ستُفضح مزاعم الولايات المتحدة الفارغة وتفاخرها بأنها مدافعة "مبدئية" عن حقوق الإنسان. ويبدو أننا ذاهبون بهذا الاتجاه. لكنني، مجدداً، آمل أن أكون مخطئًا.
نهاية الاتحاد الأوروبي
قد أكون واقعياً، لكنني أحب الاتحاد الأوروبي، فلقد كان مفهومه الأولي، شجاعاً وإبداعياً، حيث عمل الاتحاد الأوروبي وأسلافه، الجماعة الأوروبية للفحم والصلب والسوق الأوروبية المشتركة، على دفع النمو الاقتصادي على امتداد أوروبا طيلة أعوام طويلة، وساهم بنشر الديمقراطية والتسامح إلى الشرق بعد انتهاء الحرب الباردة، كما وساعد على منع إعادة تأميم السياسيات الأوروبية.
لكن وكما أشرت مُسبقا، من الصعب أن أشعر بتفاؤل بشأن الآفاق طويلة الأمد للاتحاد الأوروبي. فشعبية الشعبويين المناهضين للاتحاد الأوروبي، تزداد بشكل مستمر في عدّة دول أوروبية، بما في ذلك الدول الأعضاء الأكثر قوة مثل ألمانيا وإيطاليا.
ولم تتمكن بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) من كبح جماح القوميين غير الليبراليين مثل فيكتور أوربان، من المجر أو حزب "القانون والعدالة" الحاكم في بولندا. كما لم تتقدم الجهود المتكررة لتأسيس صوت أوروبي حقيقي حول السياسة الخارجية أو إنشاء قوة دفاعية أوروبية مشتركة، مثلما نشهده من ردود أوروبية صوتية ضعيفة تجاه تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات ثانوية على التبادل التجاري مع إيران. ويُضاف إلى ذلك، الضغط المتزايد للانسحاب من الحدود المفتوحة لاتفاقية شنغن، ومن السهل أن نتخيل تراجعًا تدريجيًا عن هدف "الاتحاد الأعمق في التاريخ"، وعودة إلى ما يُشبه السوق المشتركة القديمة في أوروبا.
وبالتأكيد، أثبت الاتحاد الأوروبي حتى الآن أنه أكثر مرونة مما توقع بعض المراقبين، وستكون تبعات التخلي عن اليورو والعودة إلى ترتيبات أقل مركزية، هائلة. ولن أتفاجأ إذا استمر الاتحاد الأوروبي بالتعثر لعقود قادمة دون أن ينهار تمامًا. لكنني بالتأكيد لا أتوقع أن يزدهر. مرة أخرى، آمل أن أكون مخطئًا.
أزمة نووية مع إيران
كان الغرض الأساسي من الاتفاق النووي مع إيران، هو إبقاء طهران على مسافة بعيدة من امتلاك سلاح نووي، وكسب الوقت لمعرفة ما إذا كان من الممكن تخفيف الخلافات الأخرى بين الولايات المتحدة معها. ولقد كان هذا النهج بمثابة لعنة للإسرائيليين الراغبين بالحرب، وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مثل منظمة "متحدون ضد إيران النووية" و"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، والمانحين الجمهوريين الأثرياء مثل رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي، شيلدون إدلسون، ودول مثل السعودية والإمارات.
ولسوء الحظ، استطاعت هذه الجماعات إقناع الرئيس الأميركي الساذج، بأن الاتفاق النووي الإيراني "كارثي"، وضغطوا عليه من أجل استبدال الصفقة بما يُسمى بسياسة الضغط القصوى. وكما أوضحت في مقالي الأخير، فإنه من غير الواضح حتى الآن، ما هي الاستفادة المرجوة للبيت الأبيض من هذا النهج (المعادي لإيران)، أو ما هي الجوانب التي تجعله أفضل مما أنجزه الرئيس السابق، باراك أوباما (بالاتفاق). ويحاول ترامب ومستشاره للأمن القومي، جون بولتون، ووزير الخارجية، مايك بومبيو، وغيرهم، وضع إيران في خانة العقاب، لإبقائها ضعيفة قدر الإمكان ومنعها من إقامة علاقات طبيعية مع الآخرين.
وما يُقلقني هو أن الضغط الشديد على إيران، لن يُسقط النظام، ولن يُقوي الصوت المُعتدل في إيران، ولن يحل أي من الخلافات بين واشنطن وطهران. بل على العكس تماما، قد يُشجع إيران على الاستمرار بالتنمية النووية، وبالتالي، إعادة تفعيل برنامج الأسلحة النووية، والذي لا يجري الآن على أرض الواقع بالتأكيد.
وعند التفكير بذلك، نجد على سبيل المثال، أن الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، قتل أقاربه وخصومه، ويدير دولة بوليسية وحشية، ومع ذلك فقد حظي بلقاءات خاصة مع ترامب الذي يقول إن الاثنين "وقعا في حب بعضهما البعض" (على فرض أن لهذه المقولة أي معنى سياسي). لماذا يُعامل كيم بهذه الطريقة؟ لأن كوريا الشمالية لديها ترسانة أسلحة نووية متنامية.
وعلى النقيض من ذلك، لا تزال إيران مجرد قوة نووية مكتومة، أي يمكنها صنع قنبلة إذا أرادت ذلك ولكنها لم تفعل ذلك بعد. بل أنها تمتثل امتثالًا تامًا للاتفاق النووي عام 2015، وهي من الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وكيف ترد واشنطن على ضبط النفس الإيراني؟
بزيادة العقوبات والهجمات الإلكترونية والتهديدات العسكرية والتصريحات العلنية لكبار المسؤولين بأن هدف الولايات المتحدة الحقيقي هو تغيير النظام الإيراني. لا تزال واشنطن ليس لديها علاقات دبلوماسية مع طهران وليس لديها قناة اتصال منتظمة معها.
وإذا ما قررت إيران أن التعاون مع الولايات المتحدة (وغيرها)، والتخلي عن تطوير السلاح النووي، لم يؤت ثماره، فسنعود على طريق الحرب مجدداً. ولأن السياسيين والنقاد الأميركيين يتحدثون منذ عقود عن حرب "وقائية" ضد إيران، فإن الفكرة أصبحت على مدار الوقت، طبيعية في الثقافة الأميركية (الوعي الأميركي). وعلى سبيل المثال، أشار عنوان في صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً إلى أن ترامب "لم يكن مقتنعاً بأن الوقت مناسب" لشن حرب على إيران، كما لو كان التوقيت هو الشيء الوحيد المهم.
لا أقول إن الحرب مع إيران أمر حتمي، لكن دون إجراء عملية إعادة تفكير بصورة أكثر جوهرية في النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة برمته تجاه الشرق الأوسط، فإنها تظل إمكانية واقعية. ولأن بدء الحروب غير الضرورية في الشرق الأوسط لم يكن "مثمراً" بالنسبة للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. غير أني آمل أن أكون مخطئًا.
الانهيار التدريجي للتحالفات الأميركية الآسيوية
لأسباب متنوعة، واقعية وجيدة وبالية، تود الولايات المتحدة الحفاظ على وجود أمني ضخم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. لماذا؟ لمنع الهيمنة الصينية الإقليمية على آسيا.
إذا كانت الصين ستؤسس لمكانة في آسيا تُشبه مكانة الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي، أي، حيث لا تعود الصين مضطرة للقلق كثيرًا بشأن المعارضة الإقليمية، فستكون حرة في إبراز قوتها الصاعدة في جميع أنحاء العالم، تماما كما تفعل الولايات المتحدة الآن. وقد تشمل تلك الجهود شراكات أمنية كبيرة في أميركا اللاتينية، والتعدي على "مبدأ مونرو"، ما يُجبر الولايات المتحدة على تكريس المزيد من الاهتمام للمسائل القريبة منها.
نظريًا، منع نتيجة مماثلة سهل إلى حد ما. وكما تتنبأ نظرية ميزان القوى (أو بتعبير أدق، نظرية توازن التهديد)، فإن الدول التي تتزايد قوتها وطموحاتها تميل إلى أن تبدو مصدر تهديد للآخرين، مما يدفع الآخرين إلى توحيد جهودهم لردع أو احتواء مبادرات القوة الناشئة. وليس الأمر مستغربا، بأن صعود الصين أثار مخاوف عدد من الدول الآسيوية وجعل معظمها متحمسًا لاستمرار العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة.
لكن إدارة ائتلاف متوازن في آسيا لن يكون بالأمر السهل، وأثبتت إدارة ترامب فشلها في هذه المهمة حتى الآن. ومن المتوقع أن يكون التحالف المناهض للصين غير عملي وهش لعدّة أسباب:
أولا، المسافات الضخمة بين الدول الآسيوية والولايات المتحدة، تُغريها إلى تجاهل مشاكلها مع الصين في بعض الحالات,
ثانياً: لا تريد هذه الدول تعريض علاقاتها الاقتصادية مع الصين للخطر.
ثالثاً: بعض هذه الدول لديها نزاعات كبيرة مع بعضها البعض. يستدعي الموقف وجود قيادة تتسم بالبراعة واليقظة، والتي يمكن أن توفرها الولايات المتحدة إذا فهم قادتها مدى أهميتها.
لسوء الحظ، لقد ارتكب ترامب كل الأخطاء الممكنة تقريبا. فقد غادر الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، والتي كان من شأنها أن تعزز مكانة الولايات المتحدة في آسيا؛ وتنمر على كوريا الجنوبية واليابان بشأن القضايا التجارية، بينما كان ينخرط بمغازلة خاطئة ومُخطط لها سيئاً وغير ناجحة مع كوريا الشمالية؛ وبدأ فترة رئاسته بمكالمة هاتفية مثيرة للخلاف وغير ودية مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تيرنبول، مما أدى إلى توتر العلاقات مع حليف قديم للولايات المتحدة.
لا أظن الصين مهتمة بالتوسع الإقليمي (باستثناء تلك الجزر الاصطناعية التي تبنيها في بحر الصين الجنوبي)، فهي تريد فقط إنشاء مكانة مهيمنة بين الدول المجاورة لها. ومن يستطيع لومها لذلك؟ فما من قوة عظمى عاقلة تريد أن تكون محاطة بمجموعة من الدول المتحالفة رسميًا مع الولايات المتحدة، في ترتيبات تسمح لواشنطن بنشر وتشغيل قوات بحرية وجوية قوية بالقرب من أراضيها.
بالنسبة لبكين، فإن معالجة هذه المشكلة قد تعني دفع الولايات المتحدة خارج آسيا، ليس عن طريق خوض حرب، بل عن طريق إقناع القوى الآسيوية الأخرى بأن الولايات المتحدة ضعيفة للغاية، ومشتتة، ومتقلبة، وغير موثوقة، ولا يمكن الاعتماد عليها. وحتى الآن، فإن ترامب وبومبيو يساعدانها على إثبات ادعاءاتها.
وباستثناء الجهد الجاد لجعل محور حقيقي في آسيا، والذي سيعتمد على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بقدر ما يعتمد على الوجود العسكري المعزز، فإنني أُشكك بمستقبل طويل الأجل للموقع الاستراتيجي الأميركي في آسيا. لكنني آمل أن أكون مخطئًا.
وقد أحجمت عن التطرق لبعض الاحتمالات المقلقة الأخرى: كانتصار طالبان في أفغانستان، وأزمة اللاجئين المتزايدة المدفوعة بمزيج من التركيبة السكانية وتغيير المناخ، وتفاقم الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، فمجرد أن الأمور تبدو قاتمة لا يعني أنها لن تتفاقم. لقد كنت مخطئًا من قبل، وإن لم أكن كذلك في كثير من الأحيان، ويُمكن للمتفائلين أن يثبتوا أني على خطأ، فسأكون ممتنًا بكل تواضع إذا لم تنجح أي من هذه النبوءات المظلمة.
المصدر: عرب 48 (ترجمة خاصة)
بتوقيت بيروت