حلم الوصول إلى القمر؛ ليس حلمًا رومانسيًا، بل حلمًا علميًا وله أبعاد اقتصادية وسياسية، وهُناك ثلاث دول بالفعل استطاعت تحقيق هذا الحلم، أولهم كان الاتحاد السوفيتي عام 1959، وبعده بثلاث سنوات؛ استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية تحقيق الهدف ذاته، وفي عام 2013؛ نفذت الصين خطتها في الهبوط على سطح القمر بسلام، وعلى مدار ما يزيد عن سبع سنوات؛ خططت "اسرائيل" (سلطات الاحتلال الصهيوني) لتنفيذ هذا الهبوط على أمل أن تُصبح الدولة الرابعة التي تنجح في تحقيق هذا الإنجاز؛ لكن بالأمس فقط تأكد فشل هذا الحلم الذي اجتهدت من أجل تنفيذه، واستهلكت أموالًا طائلة حتى تهبط مركبتها بسلام فوق سطح القمر، إذ انتهى الأمر بكارثة تكنولوجية وخسارة فادحة.
فلماذا فشلت "إسرائيل" في الهبوط على سطح القمر؟
المركبة الفضائية «بيرشيت» والتي تعني «التكوين» باللغة العربية؛ أُطلقت من «مركز كينيدي» الفضائي التابع لوكالة«ناسا» في ولاية فلوريدا في الثاني من شهر أبريل (نيسان) الجاري، وأرفق بالمركبة الفضائية كبسولة زمنية تحتوي على ملفات إلكترونية تضمنت الكتاب المقدس، وبعض اللوحات التي رسمها الأطفال، ونسخة من إعلان "استقلال إسرائيل"؛ على أن تبقى تلك الكبسولة على سطح القمر لأجل غير مُسمى.
قاد تمويل هذا المشروع رجل الأعمال موريس خان وهو رئيس شركة «Space IL»، وقد تبرع بمبلغ 40 مليون دولار من تكاليف المشروع، بينما تكلفت المركبة الفضائية ما يقرب من 100 مليون دولار وهي أقل تكلفة صُنع بها مكوك فضائي من قبل.
القلق.. واسباب الفشل:
في غرفة المراقبة، ومن خلال النقل الحي للفريق الذي ينتظر هبوط المركبة على سطح القمر؛ يمكنك أن تلاحظ بسهولة أن الأمر لم يسر كما خطط الفريق، فالقلق كان يسيطر على وجوههم، وبدأ بعضهم في الصلاة والدعاء، ولكن حتى اللحظة الأخيرة، وبعد تحطم المركبة على سطح القمر، وانتشار بقاياها التي تجسد ملايين الدولارات المهدورة أمام أعينهم؛ حاول الفريق أن يكون إيجابيًا رغم هذا الفشل، وبدأ التصفيق الباهت يملأ الغرفة بينما وقف بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ووجه كلامه لموريس خان قائلًا: «في البداية لا تنجح.. ثم تحاول مرة أخرى».
ليست احدث التقنيات:
في تقرير مصور عن فشل مهمة إسرائيل في إرسال مركبة فضائية إلى القمر؛ أوضحت «دويتشه فيله» أن تلك المركبة كانت الأصغر والأقل تكلفة في تاريخ المركبات الفضائية بالعالم، ولذلك فإن معظم أجهزة الطوارئ والمعدات البديلة للتواصل بين المركبة والأرض لم تكن مُدعمة بأحدث التقنيات؛ وهذا ما تسبب في انقطاع الاتصال بين الأرض والمركبة في اللحظات الأخيرة التي سبقت تحطم المركبة على سطح القمر، وكانت تلك النقطة هي السبب الأول في فشل هذا المشروع المستقل الطموح.
ثقة مبالغ فيها:
وأرجحت بعض الآراء أن الثقة المبالغ فيها والطموح غير الحذر وراء تلك المهمة كان لهما يد في فشل تلك المهمة، فحين ذكر أحد متابعي شركة «Space IL» تعليقًا يقول «إذا نجحت إسرائيل في مهمتها للوصول للقمر؛ سيكون أول مشروع مستقل يحقق ذلك»؛ رد الحساب الشخصي للشركة قائلًا: «لا تقول إذا؛ بل قل عندما نصل إلى القمر»، وربما تلك الثقة التي تحطمت مع تحطم المركبة على سطح القمر كانت سبب الدموع التي انهمرت من فريق العمل فور فشل التجربة، ويمكن القول بأنها قد تكون السبب في فشل التجربة من الأساس. لكن هذا لم يمنع المتحدث الرسمي باسم الشركة أن يُصرح في المؤتمر الصحافي أنهم قد نجحوا بالفعل لكونهم اقتربوا لهذا الحد من سطح القمر حتى لو انتهى الأمر بتحطم المركبة.
مهمة سياسية واعلامية:
وهو الأمر الذي فسره الإعلام بأن تلك المهمة لم تكن مُهمة علمية بالنسبة لإسرائيل؛ بل كانت مهمة سياسية في محاولة لفرض سيطرة إسرائيل على الفضاء بجوار الدول التي تغزو الفضاء الآن مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية؛ فكان التركيز – من وجهة نظر العلماء – على الترويج الإعلامي والتلويح بقدرة إسرائيل للوصول إلى القمر، أكثر من الاهتمام بالإجراءات التقنية والعلمية التي تضمن نجاح تلك المهمة، وكل تلك الأسباب هي ما أدت إلى السبب التقني الذي أدى إلى تحطم المركبة على سطح القمر.
الفشل قبل الوصول:
ومثلما روجت إسرائيل لتلك المهمة إعلاميًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛ كان عليها تفسير ما حدث لكل من وقف خلف هذا المشروع مشجعًا، ولذلك صرحت شركة «Space IL» من خلال حسابها الرسمي على موقع التواصل «تويتر» بأن: «المعلومات الأولية التي جمعها فريق المشروع تُظهر أن المشكلة التقنية الأولى حدثت على ارتفاع 14 كم فوق سطح القمر، وقبل وصول المركبة لسطح القمر بـ150 مترًا فقدت القاعدة في الأرض الاتصال والتحرك بالمركبة والتي كانت تتحرك بسرعة 500 كم في الساعة؛ الأمر الذي جعل الاصطدام حتميًا»؛ هذا التصريح الذي يؤكد تحليلات الخبراء بأن التكلفة الرخيصة للمركبة هي أحد أهم الأسباب التي أدت إلى فشل الهبوط؛ فلو كان هُناك معدات طوارئ بديلة كانت هبطت المركبة بسلام فوق سطح القمر.
خلل بنيوي:
وأكملت الشركة خلال حسابها على «تويتر» موضحة: «يعتقد مهندسو الشركة أن خللًا تقنيًا في أحد مكونات المركبة تسبب في توقف المحرك الرئيسي؛ مما أدى إلى استحالة إبطاء هبوط المركبة الفضائية على سطح القمر؛ وبحلول الوقت الذي تم فيه السيطرة على المحرك وتشغيله؛ اصطدمت المركبة بالفعل وتحطمت تمامًا».
وعلى رغم فشل تلك المهمة؛ فهذا لم يكن رأي الملياردير الإسرائيلي موريس خان أحد الرعاة الرئيسيين للمشروع حينما صرح قائلًا: «لقد وصلت إسرائيل إلى القمر، ولم تنته رحلة بريشيت بعد، وأتوقع أن يكمل الجيل القادم من إسرائيل المهمة بالنسبة لنا».
المصدر: ساسة بوست
بتوقيت بيروت