تسعى أي شركة تهدف للتطوير المستمر إلى إيجاد طرق ترفع من كفاءة وفعالية موظفيها، وتطبيق تقنيات تساعدهم على العمل بشكل أسرع وأكثر ذكاءً. ويرى خبراء إدارة الأعمال أن العمل لمدة ثماني ساعات في اليوم نهج غير فعال قد عفا عليه الزمن، وإذا كنت ترغب في زيادة معدل إنتاجيتك في العمل قدر الإمكان، عليك بالتخلي عن هذا النهج العتيق، واتباع طرق أخرى أكثر فعالية.
ولكن لماذا تفرض العديد من الشركات يوم العمل الذي يستمر لمدة ثماني ساعات؟ ولماذا يطبق كثير من رواد الأعمال نفس الشيء؟ وما هي أفضل الطرق التي خرجت بها نتائج أحدث الدراسات حول تنظيم المهام، وتقسيم فترات العمل، لإدارة يوم عمل مثمر دون الحاجة للعمل لساعات أطول؟
الثورة الصناعية.. و8 ساعات للعمل والنوم والاستحمام
يدخل كثير من الموظفين مجال عملهم متوقعين أن يقضوا ثماني ساعات في اليوم يؤدون وظائفهم، في فترات زمنية طويلة ومتواصلة، تتخللها فترات راحة قليلة أو معدومة، بل إن كثير من الأشخاص يواصلون العمل حتى خلال فترات الراحة وساعة الغداء الخاصة بهم.
وقد ظهرت مدة يوم العمل لثماني ساعات خلال الثورة الصناعية، بعد أن أقرته النقابات العمالية الأمريكية في القرن 19؛ محاولةً تقليل عدد ساعات العمل اليدوي، التي كان يضطر العمال لتحملها في المصانع. في ذلك الحين، لم يكن هناك عددا معينا من الساعات التي يطلبها أصحاب العمل من موظفيهم، وكان من الممكن أن يعمل عمال المصانع تحديدا أكثر من 100 ساعة في الأسبوع، بما فيهم الأطفال.
وجرى اقتراح أن تكون مدة يوم العمل ثمان ساعات؛ لخلق نوع ما من التوازن، فيقسم اليوم إلى ثمان ساعات للنوم، وثمان ساعات للعمل، وثماني ساعات للاستجمام. ولدعم هذا النظام، جرى بناء نظام تعليمي يجري فيه تكييف الناس على نظام الثماني ساعات؛ فبعد انتهاء المدرسة في الساعة الثالثة، أضيفت أنشطة خارج المناهج الدراسية؛ حتى يعتاد الأفراد أن يكونوا في مكان واحد من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساء.
ويمكن القول: إن هذا الإقرار كان نهجًا أكثر إنسانية للعمل قبل 200 عام، لكن الثورة الصناعية انتهت وبات هذا النظام لا يملك أهمية تذكر لنا اليوم، بل إن هذا النهج القديم في العمل يعوقنا بدلًا عن مساعدتنا. وعليه؛ إليك ست طرق مثلى لإدارة يومك دون تقسيمه على ثلاثة.
1- قسم يومك إلى فترات عمل لا تتجاوز الساعتين
أفضل الموظفين في جميع المجالات لا يمكنهم الحفاظ على العمل المكثف والتركيز العميق لأكثر من ساعتين؛ وإذا كان هذا أفضل أداء لعلية الموظفين، فما هي المكاسب التي نجنيها حقًا من العمل في نفس المكان لمدة ثماني ساعات في اليوم؟
توجد نقطة معينة تبدأ عندها نواتج جهودنا في الانخفاض من حيث الكم والكيف، ويعرف هذا في علم الاقتصاد بقانون تناقص الأرباح. ويعد هذا أمرًا لا مفر منه في يوم عمل ذي ثماني ساعات؛ لأنه لن يجري استغلال جميع ساعات اليوم بنفس الكفاءة؛ فعلى مدار ثماني ساعات عمل، يعمل الموظف العادي لمدة ساعتين و53 دقيقة فقط. أما عن بقية ساعات العمل، يقضيها الموظفون في قراءة الأخبار، وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وتناول الطعام، والتواصل الاجتماعي فيما بينهم حول موضوعات غير متعلقة بالعمل، وأخذ استراحات، أو البحث عن وظائف جديدة لممارسة العادات نفسها في مكتب مختلف، وذلك وفقًا لاستطلاع أجري في عام 2016 على 1989 من موظفي المكاتب في المملكة المتحدة.
يساعد تقسيم اليوم إلى فترات على مدار الساعة في تبسيط المهام الشاقة، من خلال تقسيمها إلى قطع يمكن إدارتها بسهولة. لذلك؛ بدلًا عن التخطيط للعمل ست أو ثماني أو 10 ساعات في اليوم، قسّم يومك إلى أربع أو خمس فترات عمل، تتراوح مدة كل منها بين 90 و120 دقيقة. وعوضًا عن قول «ما الذي يمكنني فعله خلال ثماني ساعات في اليوم؟» فكر فيما يمكنك القيام به في جلسة مدتها 90 دقيقة. وبهذه الطريقة، سيكون لديك نحو أربع مهام تنجزها بسهولة أكبر.
2- استخدم تقنية الطماطم لتنظيم وقتك
لا يمكن لأيام العمل الطويلة أن تخرج أفضل ما لدى العاملين بأي حال من الأحوال، وبالحديث عن هذا، وجد أحد الأبحاث أنه بإمكان بعض الأشخاص التركيز لمدة 20 دقيقة فقط في المرة الواحدة، أيضًا وجدت إحدى الدراسات أن هناك فئة أخرى من الأشخاص الذين لا يمكنهم التركيز في قضاء مهمة ما لأكثر من 10 ثوان.
في العادة، نلجأ للتخطيط بشكل طبيعي لما نريد إنجازه بحلول نهاية اليوم، أو الأسبوع، أو الشهر، لكننا نصبح أكثر فاعلية عندما نركز على ما يمكننا تحقيقه في الوقت الحالي. والآن بعد أن علمنا أنه يتعين تقسيم أداء كل مهمة على فترات مدتها 90 دقيقة، حان الوقت لاستكمال تقسيم جلسات العمل التي مدتها 90 دقيقة لأبعد من ذلك.
ظهرت في أواخر الثمانينات تقنية تدعى «تقنية الطماطم» أو «البومودورو»، وسميت بهذا الإسم لأن مبتكرها الإيطالي فرانشيسكو سيريلو كان يستخدم مؤقتا على شكل ثمرة طماطم مقطوعة عندما كان طالبًا في الجامعة. وتهدف هذه التقنية إلى إدارة الوقت بطريقة فعالة، والتخلص من الوقت المهدر، والفوضى التي يعاني منها الكثير، إلى جانب الحصول على أوقات جيدة للراحة مع إنجاز أكثر كفاءة للمهام.
تركز هذه الطريقة على تقسيم وقت العمل إلى فترات زمنية مدة الواحدة منها 25 دقيقة، ويفصل فيما بينها فترات راحة قصيرة، تسمى الفترة الواحدة منها «بوموداري» المأخوذة من الكلمة الإيطالية (pomodoro) التي تعني «طماطم». ويستند هذا الأسلوب إلى فكرة التوقف المتكرر عند أداء المهام من أجل الراحة؛ مما يساعد في تحسين سرعة البديهة والتركيز.
ويجري تطبيق هذه الطريقة في خمس خطوات تشمل: كتابة المهام التي تريد القيام بها، ثم ضبط المؤقت على 25 دقيقة، ثم بدء العمل حتى انتهاء المدة المحددة، وبعد الانتهاء تؤخذ فترة راحة قصيرة لمدة ثلاث إلى خمس دقائق يليها العودة مرة أخرى لاستكمال المهمة، أو البدء في مهمة أخرى في حال إنجاز المهمة الحالية. وبعد إنجاز أربع فترات عمل، تؤخذ خذ فترة راحة من 15 إلى 30 دقيقة. وفي حال إنجاز المهمة قبل إنقضاء مدة 25 دقيقة المحددة، يخصص الوقت المتبقي من البوموداري في تنقيح العمل وزيادة جودته. ويجب الالتزام بأخذ فترات الراحة بين كل مهمة والأخرى؛ لزيادة الاستيعاب.
3- احترم ساعات العمل
تؤتي استراتيجية الفواصل الزمنية ثمارها عندما تستخدم ذروة طاقتك؛ للوصول إلى مستوى عالٍ من التركيز لفترة زمنية قصيرة نسبيًا. لكن عندما لا تحترم ساعات عملك المحددة وتخرج عن دائرة التركيز بإرسال الرسائل النصية، أو تفقد رسائل البريد الإلكتروني، أو إلقاء نظرة سريعة على حسابك على «فيسبوك»، فإنك تهدم ما بنيته بالكامل. ومن الطرق التي تساعدك في الحفاظ على قوة إرادتك، أن تقلص عدد العناصر المدونة في قائمة المهام الخاصة بك، وأن تحرص على نوع من الروتين اليومي الذي تتبعه.
من أفضل الأفكار التي يمكن أن تساعدك أيضًا، إغلاق خاصية التنبيهات أو الإشعارات في التطبيقات الموجودة على هاتفك الذكي أو جهاز الكمبيوتر. حاول إيقاف تنبيهات كل عنصر رقمي يمكن أن يرسل لك الإشعارات التي تشتت تركيزك، وسوف يساعدك ذلك كثيرًا في الالتزام بفترات العمل، والحفاظ على طاقتك وزيادة إنتاجيتك.
وقد يكون التغيير الأفضل في جعل مدة يوم العمل لا تزيد عن خمس أو ست ساعات، مثلما حدث في السويد عندما اختارت دراسة حكومية أجريت في الفترة ما بين يناير ( كانون الثاني) عام 2015 والشهر نفسه عام 2017، على ما يقرب من 80 عامل متقاعد في غوتنبرغ يعملون من خمس إلى ست ساعات في اليوم، وأفادوا في نهاية الدراسة أنهم كانوا أكثر سعادة، وأقل توترا، وأكثر استمتاعًا بالعمل.
4- استغل فترة ذروة إنتاجيتك
من الافتراضات الأخرى التي تعيب يوم العمل ذي الثماني ساعات، افتراض أن جميع الأشخاص يعملون على نفس الإيقاع؛ فبعض الناس يمثل لهم الاستيقاظ في الخامسة صباحًا أمرًا هينًا ومحببًا إلى أنفسهم، في حين يراه البعض الآخر أمرًا مستعصيًا. ولا تأخذ أيام العمل التي تبلغ ثماني ساعات هذا في الاعتبار، الأمر الذي يمكن أن يفقد بعض العاملين فترة الذروة التي يصلون فيها لأعلى مستويات إنتاجيتهم، نتيجة الإصرار على عمل ثماني ساعات في اليوم، قد تخرج عن الفترة التي يكون فيها العمال في أفضل حالاتهم في أوقات مختلفة من اليوم.
سواء كان الأمر يتطلب مهام جسدية أو معرفية، يملك معظم الناس فترة معينة من اليوم تصل فيها معدل إنتاجيتهم إلى ذروته، وقد تكون هذا الفترة صباحًا بالنسبة للأشخاص النهاريين، أو مساءً بالنسبة للأشخاص الليليين. وترجع هذه الاختلافات الفردية في أجسامنا إلى امتلاك كل فرد منا إيقاعات بيولوجية فريدة من نوعها، تتحكم فيها الهرمونات المختلفة المرتبطة بالطاقة والتركيز، وأيضًا درجة حرارة الجسم.
لذلك؛ يفضل أن تقضي يومًا في تدوين جميع أنشطتك، وملاحظة أي فترات اليوم وصلت فيها إنتاجيتك وتركيزك إلى ذروتهم، وعند تخطيطك لمهام عملك فيما بعد، احرص على أن تضع المهام التي تحتاج إلى أكبر قدر من التركيز في فترة ذروة أدائك.
5- أدر طاقتك لا وقتك
في الواقع لا يعد عدد الساعات التي نقضيها في العمل كل يوم أمرًا مهما على الإطلاق. يمكنك الجلوس على مكتب لمدة ثمان ساعات متواصلة، مع عدم القيام بأي شيء البتة، بل إن حقيقة أنك فعلت ذلك لمدة ثماني ساعات تجعل الأمر أسوأ. لذلك لا ينبغي أبدًا استخدام الوقت لقياس مدى النجاح في العمل؛ إذ إن الطاقة، وليس الوقت هي العنصر الرئيس الذي يتحكم في الأداء العالي.
تحدد كمية الطاقة التي تضعها في عملك مدى جودته وإتقانه، وبالإضافة إلى ذلك، عند تنفيذ المهام بطاقة أفضل، يمكنك إنجاز الأمور بشكل أسرع. وينتهي بك الأمر لتوفير مزيد من الوقت الذي يمكنك استغلاله في الراحة، أو التمرين، أو قضاء بعض الوقت مع العائلة، أو التمتع بنوم جيد. وسوف يحافظ كل ما سبق على مستويات طاقتك، ويزيد من سعادتك؛ مما يؤدي بدوره إلى زيادة إنتاجيتك وأدائك.
6- خطط مسبقًا لفترات الراحة واستمتع بها جيدًا
في كثير من الأحيان، ننشغل بالتخطيط ليوم العمل، لدرجة تنسينا كيفية أخذ قسط من الراحة. يعد الابتعاد عن جهاز الكمبيوتر، والهاتف، وقائمة المهام، أمرًا ضروريًا لزيادة إنتاجيتك. كذلك تساعدك بعض الأنشطة مثل المشي، والقراءة، والتحدث مع شخص آخر وجهًا لوجه في إعادة شحن طاقتك؛ لأنها تأخذك بعيدًا عن عملك. وفي يوم عمل حافل، قد يكون من المغري التفكير في الرد على رسائل البريد الإلكتروني، أو إجراء مكالمات عمل في فترات الراحة، ولكن ذلك سوف يفسد المغزى من فترات راحتك؛ لذلك لا تستسلم لهذا التفكير.
فضلًا عن ذلك، يتمتع الموظفون الذين يأخذون فترات راحة متكررة أكثر من ساعة الراحة المحددة، بكونهم أكثر إنتاجية من أولئك الذين لا يأخذون فترات راحة على الإطلاق. وبالمثل، يؤدي الموظفون الذين يأخذون فترات راحة متعمدة عملهم أفضل من أولئك الذين لا يستطيعون فصل أنفسهم عن العمل. لذلك احرص على التخطيط مسبقًا لما ستفعله في فترات الراحة، يمكنك أن تقرأ، أو أن تأخذ قيلولة، أو تتناول وجبة خفيفة، أو ممارسة أي نشاط يعيد شحن طاقتك.
المصدر: ساسة بوست
بتوقيت بيروت