في وضح النهار، وفي قلب طهران، اقتحم مسلحون ببنادق كلاشينكوف مبنى مجلس الشورى الإيراني، وبعدها بدقائق، أطلق انتحاريان النار بصورة عشوائية قرب ضريح (الامام) الخميني، قتلت قوات الأمن أحدهما وفجّر الثاني نفسه. كان الهجومان في السابع من يونيو (حزيران)، بعد نحو شهر من تهديد محمد بن سلمان العلني، والذي احتجت عليه إيران رسميًا لدى الأمم المتحدة.
برغم إعلان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عنه، وهو ما أقرته السلطات الإيرانية بعد كشفها عن منفذي العمليتين، وعن انتمائهم للتنظيم، فقد اتهمت إيران المملكة السعودية وحلفاءها بالتورط في الحادث وقالت «إعلان التنظيم مسؤوليته يثبت أنهم (أي السعودية وأمريكا) ضالعون في هذا الهجوم الوحشي»، في بيان الحرس الثوري الذي أعلن وقتها.
زاد من احتمال هذه الفرضية تزامن الحادث مع تصريح عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، قبل الهجوم بساعات، والذي دعا فيه إلى معاقبة إيران، وردّ الجبير على هذا الاتهام بأنه لا يوجد دليل على أن سعوديين ضلعوا في هجومي طهران، مضيفًا أنه لا يعلم من المسؤول.
حلفاء السعودية متهمون أيضًا
الهجوم على هدف عسكري ليس بعمل إرهابي ونقل المعركة إلى العمق الإيراني خيار معلن وسيزداد خلال المرحلة القادمة.
*عبد الخالق عبد الله، أكاديمي إماراتي، بعد هجوم الأحواز
بعد هجوم على عرض عسكري، خلّف عشرات القتلى والجرحى بين مدنيين وعسكريين، نشر المستشار السياسي المقرب من الحكومة الإماراتية تصريحه هذا على موقع «تويتر»، وهو ما استدعى توجيه إيران تحذيرًا رسميًا للإمارات.
هجوم آخر نُفّذ الأربعاء الماضي، فجّر فيه انتحاريٌ حافلة تضم جنودًا من الحرس الثوري. أعلنت جماعة «جيش العدل» مسؤوليتها عنه، لكن إيران اتهمت السعودية وحلفاءها بدعم التنظيم، وقال جواد ظريف، وزير خارجيتها: «ليس من الصدفة أن يضرب الإرهاب إيران في يوم افتتاح مؤتمر وارسو»، وهو المؤتمر الذي تجتمع فيه الولايات المتحدة و30 دولة أخرى -من حلفائها- لمواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
وتعد جماعة «جيش العدل» امتدادًا لتنظيم «جند الله»، الذي بدأ تمردًا ضد الدولة الإيرانية في بداية الألفية، ونفّذ عملياته ضد مدنيين وعسكريين في جنوب شرق إيران،(المنطقة المتاخمة للحدود بين إيران وباكستان)، لمدة 10 سنوات، قبل أن يتلقى التنظيم ضربة قاصمة بإعدام قائده عبد الملك ريغي عام 2010.
وقد كان اعتقال ريغي ملفتًا للأنظار، إذ اعترضت مقاتلات إيرانية رحلة جوية من دبي إلى قرغيزستان، وأجبرتها على الهبوط ومن ثم اعتقله. الحادثة نفسها ذكرها جواد ظريف سابقًا في معرض اتهامه للإمارات أيضًا بتسهيل عمل الإرهابيين.
كما طالبت إيران جارتها باكستان بالتعامل بصرامة مع أعضاء الجماعة على أراضيها، حيث ملاذهم الآمن، بحسب إيران. وبالرغم من أن هذا الطلب لم يكن جديدًا، إلا أن لهجة النظام الإيراني كانت أشد هذه المرة، وهدد علي الجعفري، قائد الحرس الثوري، بتنفيذ عمليات ضد «جيش العدل» في باكستان، إن لم تتخذ الحكومة الإجراءات المناسبة تجاه أعضاء التنظيم.
يتزامن هذا التصريح مع زيارة ولي العهد السعودي التي تحظى باهتمام كبير في باكستان، فهي تَعتبر السعودية من أكبر حلفائها، وتتطلع لاستثمارات ضخمة يطلقها ولي العهد خلال الزيارة.
المملكة تدعم المعارضة.. علنًا
"وأنا أريد إسقاط النظام" هذا الكلام للامير السعودي تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية رد فيه على الآلاف من "منظمة خلق" الذين كانوا يشاركون في مؤتمر لهم وكانوا يهتفون "الشعب يريد اسقاط النظام"، وقد حضر الفيصل المؤتمر نفسه عامي 2016 و2017، إذ يعد أحد رؤوس الحربة السعودية في هجومها على إيران، ويظهر عادة في المحافل الدولية التي تناهضها، وكان آخرها في مؤتمر وارسو.
ما قاله الفيصل أثار غضب الإيرانيين بالطبع، فكلامه يعد بمثابة تصريح رسمي من المملكة، حتى وإن لم يكن كذلك بالفعل، فهو أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، واحتمال مشاركته دون تنسيق مع الحكومة يعد أمرًا بعيدًا؛ كما أبرزت الصحف والقنوات المناصرة للسعودية المؤتمر وأولته اهتمامًا جليًّا. ودعمت الحكومة السعودية التنظيم ومولته سابقًا في السر، بحسب أحد أعضائه السابقين.
ويذكر أن منظمة «خلق» -التي نظمت هذا المؤتمر- هي ألد أعداء النظام منذ قيام الجمهورية الإيرانية عام 1979، وحاربت مع صدام ضد القوات الإيرانية في الثمانينيات، ما أفقدها شعبيتها في إيران، واعتبرت أيضًا من بين المنظمات الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة لنحو ثلاثة عقود.
ورطة جديدة؟
لكن على جانب آخر؛ لم يثبت حتى الآن ضلوع السعودية في دعم الإرهاب ضد إيران بشكل قاطع، ورغم كل ما سبق، لم تقدم إيران دليلًا يحرج السعودية دوليًا ويثبت ادعاءاتها، رغم زعمها أن الأدلة موجودة في مرات سابقة.
ولا يعني هذا أن السعودية لا تدعم بعض هذه الجماعات، بل يعني فقط أنها لم تورط نفسها بشكل واضح حتى الآن. لكن تهور ولي العهد السعودي الحالي، ينبئ باحتمالية حدوث هذا الأمر في وقت قريب، فالدولة التي تورطت في قتل صحفي عالمي واحتجاز رئيس وزراء دولة أخرى وشن حرب خلقت أكبر أزمة إنسانية في العالم، لن تكون بعيدة عن التورط في أمر مشابه.
كما أن الضوء الأخضر الذي منحته أمريكا للمملكة في الحوادث سابقة الذكر، سيستمر على الأغلب، بل ربما تخطط أمريكا بجانب السعودية لإجهاض عدوهما المشترك عبر دعم هذه الجماعات، في وقت زادت فيه الدولتان من الضغوط المفروضة على إيران منذ وصول ترامب ومحمد بن سلمان لرأس السلطة في بلديهما.
المصدر: ساسة بوست