ياسر مناع – مركز القدس لدراسات الشأن "الإسرائيلي" والفلسطيني
ترك رئيس هيئة اركان جيش العدو الاسرائيلي” غادي آيزنكوت ” المغربي الأصل دفة قيادة الهيئة، مخلفاً للاقلام أن تكتب وللصحف أن تعرض عن "انجازاته"!! التي لا تذكر اذا ما قارناها بجملة من التحديات التي سترسم مستقبل قائد الجيش الجديد “أفيف كوخافي”، الذي من المفترض ان يحرك تلك الأوراق الراكدة التي تحمل في طياتها تحديات جسام، ومشكلات تتصاعد ابتداء بالجيش بحد ذاته وليس انتهاء بمعضلة الأمن المفقود في طرق الضفة الغربية.
اليوم وجد المحللون السياسيون مساحة واسعة للحديث بكل تجاه سلباً وايجاباً عن آيزنكوت الذي ابتدأ حياته جندي في لواء جولاني مروراً بضابط العمليات الشمالية ثم انتهى به المطاف – حتى اللحظة – بوصفه الرئيس الـ 21 لهيئة الأركان، ويعد ” آيزنكوت” من ابرز الشخصيات العسكرية التي عملت جاهدة على اصلاح الجيش المتهالك داخلياً، ولاسيما بعدما بانت عورته جراء الحروب الحقيقية في قطاع غزة و جنوب لبنان، لكن التحديات المتنامية في مقابل التراجع في العقيدة القتالية للجندي الاسرائيلي كانت أقوى من أي تغيير.
في هذا المقال محاولة لطرح بعض من أهم التحديات التي واجهت ” غادي آيزنكوت ” والتي لم يستطع حلها بل حاول مجاراتها بما استطاع اليه سبيلا، دون التطرق الى التحدي الذي فشل فيه فشلاً ذريعاً والمتمثل في القضاء على حماس وكابوس غزة، والتحديات هي:
اولا: ضعف القوات البرية، تكشف عورات "الجيش الذي كان لا يقهر" تباعاُ، لاسيما بعد حرب تموز من عام 2006، وما فتئت التقارير واللجان منذ ذلك التاريخ تتحدث عن تلك الاشكالية الجسيمة، وبالتالي كانت هذه المعضلة قائمة وفي حالة تفاقم حينما تسلم “آيزنكوت” رئاسة الأركان، وحاول عبر خطته التي عرفت باسم ” جدعون ” الوصول الى نظرية ”جيش لا يهزم“، والتي تقوم اساساً على مبدأ تقليص أفرع الجيش (العدو) ابتداءً من القوات النظامية وحتى قياداته، مقابل تعزيز حجم القوات الخاصة، معززاً في ذلك قوة فاعليتها، وبالتالي فإن ما سعى له ” آيزنكوت” هو ايجاد جيش محترف في تنفيذ المهمات السريعة، لكنه فشل في تحقيق ذلك، وخير دليل على ذلك هي تصريحات ” يتسحاق بريك” الذي شغل منصب مفوض شكاوى الجنود حول عدم جاهزية واستعدادات الجيش لخوض أي حرب مستقبلية.
ثانياً: استراتيجية الأنفاق، تعتبر الانفاق احد أهم الاساليب الفاعلة في المقاومة، اذ انها تشكل تهديداً حقيقياً لـ"اسرائيل" على رغم المحاولات الفاشلة للحد من هذه الظاهرة بشتى الطرق والوسائل، وبرزت ناجعة تلك الاستراتيجية في حرب غزة صيف عام 2014، في مطلع العام الماضي عندما اعلن “ايزنكوت” عن وجود خطة متكاملة لمحاربة الانفاق سواء على الجبهتين الشمالية والجنوبية، وتعتمد على استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، جاءت عملية “درع الشمال” لمحاربة انفاق حزب الله ذات الدوافع السياسية في الدرجة الأولى آخر اعمال “ايزنكوت” لكنه في واقع الامر لم يستطع ان يقدم حلاً جذرياً ولا مؤقتاً لتلك الانفاق.
ثالثاً: مسيرات العودة، شكلت مسيرات العودة على الحدود مع قطاع غزة خلال شهورها التسعة مأزقاً جدياً لـ “اسرائيل” على المستويين الميداني من جهة والدولي من جهة اخرى، حيث بذل الجيش (العدو) قصارى جهده في قمع تلك المسيرات التي لازالت مستمرة حتى كتابة المقال، ان المتابع لمسيرات العودة يرى بان “ايزنكوت” تطرق الى استخدام وسائل متعددة في محاولة لايقاف تلك المسيرات بداءً من التهديد باستخدام القوة والعمل على نشر القناصة على طول الحدود، مروراً بتشكيل فريق للبحث في سير احداث المسيرات بهدف استخلاص الدروس ودعم قوات الجيش (العدو)، وليس انتهاءً بمحاولات ابرام التفاهمات التي من شانها أن تخفف من وطأة الحصار المفروض على القطاغ و ادخال الاموال مقابل ايقاف تلك المسيرات أو ضبطها، وفي المحصلة لم ينجح “آيزنكوت” في اخماد جذوة المسيرات المستمرة.
رابعاً: الوضع الامني في الضفة الغربية، بات من المجمع عليه بأن الجبهة الجبهة الحقيقية التي تواجه ”اسرائيل” هي الضفة الغربية ، اضف الى أنها أكثر الجبهات اشتعالاً واسرعها، في ظل موجة العمليات الفدائية الاخيرة، والممارسات التي ينفذها المستوطنون تحت حماية الجيش (العدو) ذلك كله على رغم عمق التنيسق الامني مع السلطة الفلسطينية.
خامساً: عدم تحسين قدرة المناورة لقوات الاحتياط البرية بالجيش، – وهذا ما ذكره روني بن يشاي – حيث تبدو قدرة المناورة غير كافية وغير فعالة، خصوصا لو تطلب الأمر نقلاً سريعًا لقوات الاحتياط من الجبهة الجنوبية إلى الشمالية أو العكس
خلال شهر سبتمبر من العام المنصرم حذر ” آيزنكوت” المجلس الوزاري المصغر من خطورة الوضع في الضفة الغربية، واشار الى أن احتمالية الانفجار الميداني تتراوح بين 60 إلى 80%، مما دفعه الى تعزيز اعداد الوحدات العاملة في الضفة بموازاة ذلك اجتهد في الحد من اي تصعيد قد يحدث، لكن ما لوحظ في الآونة الأخير بان كل تلك الاجراءات كان مصيرها الفشل ولاسيما بعد موجة العمليات الاخيرة في رام الله، واعتبارها جزءاً من فقدان قوة الردع.
كما قلنا يعد “آيزنكوت” من أفضل رؤساء الأركان في تاريخ دولة الاحتلال، وأنه قد نجح في تحقيق العديد من الإنجازات خلال فترة ولايته، ويمكن لنا أن نستنج بعضاً مما يراه الكثير من الاسرائيليين انجازاً:
اولاً: البدء بتنفيذ خطة “جدعون“ وتقليص ودمج الوحدات في الجيش، بالاضافة الى تزويد الجيش بالاسلحة المتطورة والتكنولوجية، وتأهيله للقتال على جبهتين مختلفتين الجنوبية والشمالية في آن واحد، ومن اهم التغيرات التي اضفاها هو تقسيمه الجيش لاربعة أقسام، وهي:
1. الوحدات الخاصة ، حيث يرى فيها “ايزنكوت” انها رأس الحربة.
2. وحدات الاسناد، وهي التي تعتمد عليها القوات المحاربة في ارض العدو.
3. الجيش النظامي ، وهو الذي يعمل في الضفة في حال انشغال الجيش الخاص بالحرب على الجبهات الحربية.
4. الاحتياط، الذي سيكون دوره التوجيه ان لزم الأمر، مع ان التوجيه والقيادة اعطيت لاصغر مجموعات الجيش الى اعلاها.
ونلاحظ هنا بأن “ايزنكوت” قام بالتخلي عن فكرة “جيش الشعب”، بمعنى انه تخلى بشكل كبير عن الاحتياط.
ثانياً: تطوير سلاح الجو: حيث عمل “آيزنكوت” منذ توليه رئاسة الأركان على زيادة اسطول “ايتان” الجوي والعمل على زيادة مدى الطيران والبقاء في الجو.
ثالثاً: تبني مبدأ الحرب السرية، عمل “آيزنكوت” وفق هذا المبدأ الذي يقوم على المعلومات، والابتعاد كل البعد عن الاحتكاك المباشر مع ” العدو”، مما نتج عن ذلك استهداف “اسرائيل” المتكرر للقوافل ومخزان الاسلحة الايرانية على الأراضي السورية.
رابعاً: قوة العمل الالكتروني، حيث عمل “ايزنكوت” على تعزيز وحدات السايبر ضمن قسم ” الامن الالكتروني” الذي يتمتع بصلاحيات واسعة تماماً مثل باقي الأذرع، حيث كلف الاول منذ توليه منصبه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال هرتسي هليفي، بالقيام بالتحضيرات اللازمة لإقامة “سلاح السايبر”.
ختاماً، يمكن لنا القول بأن “غادي ايزنكوت” لم يفضل الدخول في حروب كانت من شأنها ان تضع الحكومة في مأزق، بل فضل نظرية المعركة بين الحروب والمواجهة المحدودة، لان الجيش ضمن الوضع الاستراتيجي الحالي بعد تعاظم قدرات حماس وحزب الله لا يريد اختبار نفسه في حرب برية جديدة، لذلك فهو يختار المواجهة المحدودة التي يتردد فيها احد الاطراف بالرد.