نقلت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن مسؤولين في "المجموعات المسلحة" في جنوب سوريا، أن "إسرائيل" قامت بتسليح وتمويل ما لا يقل عن 12 جماعة "معارضة" هناك. في محاولة منها لمنع "المقاتلين المدعومين من إيران" من السيطرة على مواقع قريبة من الحدود الفلسطينية المحتلة.
وقالت المجلة الاميركية في تقرير لها استند لما ذكره أكثر من 24 قائداً ومسؤول عن هذا الملف في هذه المجموعات، ان هذه المساعدات شملت التجهيزات العسكرية، كالبنادق الهجومية والمدافع الرشاشة وقاذفات الهاون وسيارات النقل، وان الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" هي من قامت بتسليم هذه الأسلحة عبر ثلاث بوابات تربط بين مرتفعات الجولان التي تحتلها "إسرائيل" وبين سوريا.
وأضافت المجلة الأميركية، بأن "إسرائيل" قدمت رواتب للمسلحين، ودفعت لكل واحد منهم نحو 75 دولاراً في الشهر، وقدمت أموالاً إضافية كانت تستخدمها الجماعات المسلحة لشراء الأسلحة في السوق السوداء السورية، وفقاً للمسلحين والصحفيين المحليين. التقديمات إلى جانب الخدمة التي تحصل عليها "إسرائيل" في المقابل، خلفت تقديرات وتوقعات بين المسلحين بأن "إسرائيل" سوف تتدخل إذا حاولت القوات الموالية للرئيس بشار الأسد التقدم في جنوب سوريا.
ويتابع تقرير المجلة، بأنه عندما قامت قوات "النظام" المدعومة بالقوة الجوية الروسية بالتقدم خلال الصيف الماضي، لم تتدخل "إسرائيل"، تاركةً الجماعات المسلحة تشعر بأنها تعرضت للخيانة. "هذا درس لن ننساه عن إسرائيل. لا يهمها الناس، لا تهمها البشرية،... كل ما تهتم به هو مصالحها الخاصة"، قال أحد المسلحين من إحدى المجموعات، التي تسمى "فرسان الجولان".
ووفق المجلة، حاولت "إسرائيل" إبقاء علاقتها بالجماعات سرية، ورغم أن بعض التقارير قد أبلغت عنها، فإن المقابلات التي أُجريت مع القادة السياسيين لهذه الميليشيات في الخارج من أجل هذه القصة، تقدم معلومات أكثر تفصيلاً حتى الآن عن دعم "إسرائيل" للجماعات، كل المسلحين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن أسمائهم وفصائلهم، كمية الأسلحة والمال التي نقلتها "إسرائيل" إلى المجموعات - التي تضم آلاف المسلحين - صغيرة مقارنة بالمبالغ التي قدمتها الدول الأخرى المشاركة في الحرب السورية التي مضى عليها أكثر من 7 سنوات، بما في ذلك قطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة، وحتى في أوج برنامج المساعدات "الإسرائيلية" في وقت سابق من هذا العام، اشتكى قادة المجموعات المسلحة من أنه غير كاف.
ويشير التقرير إلى أن هذه المساعدة مهمة لعدة أسباب، وهذا يشير إلى أن "إسرائيل" تحاول منع إيران من ترسيخ موقعها في سوريا - إلى جانب الضربات الجوية على المعسكرات الإيرانية والضغط السياسي الذي حصلت عليه "إسرائيل" من خلال روسيا، وسيط القوة الرئيسي في سوريا، حيث بدأت "إسرائيل" تسليح مجموعات مسلحة متحالفة مع "الجيش الحر" في عام 2013، بما في ذلك فصائل في القنيطرة ودرعا والمناطق الجنوبية من ريف دمشق، وكانت الأسلحة التي تم نقلها في ذلك الوقت معظمها بنادق هجومية أميركية الصنع M16، في وقت لاحق، تحولت "إسرائيل" إلى تزويد المسلحين بأسلحة غير أمريكية في الغالب - على ما يبدو لإخفاء مصدر المساعدات(...).
ويضيف التقرير، أن المساعدة لهذه المجموعات بقيت ثابتة لبعض الوقت، لكنها توسعت بشكل كبير في العام الماضي، تصاعد دعم "إسرائيل" من دعم المئات من المسلحين للوصول إلى مجموعات تضم الآلاف من المسلحين، تزامنت الزيادة في المساعدات مع تحول أوسع في سياسات "إسرائيل" في سوريا، بعد أن فشلت الإدارة الأمريكية والكرملين في التوصل إلى اتفاق يضمن بقاء الفصائل التي تدعمها إيران بعيداً عن جنوب سوريا(...).
وبحسب التقرير، تم تحديد هوية جماعتين من الجماعات التي تدعمها "إسرائيل"، هما "لواء فرسان الجولان"، وهو فصيل متمركز في بلدة جباتا الخشب الحدودية في القنيطرة، و"لواء عمر بن الخطاب"، المتمركز في بيت جن بريف دمشق، بلدة تحد جبل حرمون، على عكس المؤيدين الأجانب الآخرين للمعارضة السورية، بذلت "إسرائيل" القليل من الجهد لتنظيم وتعزيز برنامج المساعدات، وبدلاً من ذلك، كان يعتمد على ما يبدو على العلاقات التي طورتها مع القادة الأفراد، حيث قامت بتوجيه المساعدة إليهم مباشرة، ووفقاً للمسلحين في جنوب سوريا، فإن هؤلاء القادة يتواصلون مع المسؤولين "الإسرائيليين" عبر الهاتف ويلتقون بهم أحياناً وجهاً لوجه في الجولان الذي تحتله "إسرائيل"، عندما يقوم القادة بتغيير المجموعات والمواقع، تتبعهم المساعدات "الإسرائيلية"، من ناحية أخرى، عندما يتم قتل القادة أو إقصائهم من مواقعهم بسبب صراعات السلطة الداخلية، يتم إيقاف المساعدات "الإسرائيلية" لفصائلهم السابقة.
ووفق "فورين بوليسي"، فإن "فرسان الجولان" كانت المجموعة المفضلة لـ "إسرائيل"، في العام الماضي، أضافت انتسب مئات من المسلحين إلى صفوفها بسبب زيادة التمويل "الإسرائيلي"، وفقاً لأعضاء في الفصيل، كما عملت كموزع للأسلحة الموردة من "إسرائيل" إلى مجموعات أخرى، سمح ذلك للمجموعة بأن يكون لها تأثير كبير في كل من القنيطرة ومحافظة درعا المجاورة. ويتابع التقرير، أنه نتيجةً للمساعدات "الإسرائيلية"، فقد تصور العديد من سكان جنوب سوريا أنها حليف، نشرت "إسرائيل" برنامجها "حسن الجوار" باللغة العربية، بما في ذلك العمليات الإنسانية في جنوب سوريا ومعالجة بعض السوريين في المستشفيات "الإسرائيلية"، وأفاد أحد مسلحي "فرسان الجولان"، قبل بضعة أشهر: "إسرائيل هي الوحيدة التي لها مصالح في المنطقة ولديها القليل من الإنسانية، وتوفر المساعدة للمدنيين"، لكن مع تمكن القوات الموالية للأسد، بمساعدة القوات الروسية والإيرانية، من السيطرة على المزيد والمزيد من المناطق في سوريا، سعت "إسرائيل" إلى طرق أخرى لضمان مصالحها على طول الحدود.
في تموز من هذا العام، توصل المسؤولون "الإسرائيليون" على ما يبدو إلى تفاهم مع روسيا سمح بعودة قوات "النظام" إلى غربي درعا والقنيطرة، المناطق المتاخمة لمرتفعات الجولان، وفي مقابل ذلك، ورد أن روسيا وعدت بإبقاء الفصائل المدعومة من إيران على بعد 80 كيلومتراً (حوالي 50 ميلاً) من مرتفعات الجولان.
وجاء في التقرير، أنه حتى بعد بدء هجوم الجيش السوري على جنوب سوريا، تشبث العديد من السوريين في المنطقة بأمل أن تمنع "إسرائيل" الجيش السوري على الأقل من استعادة السيطرة على محافظة القنيطرة المجاورة، فر آلاف الأشخاص إلى المنطقة المتاخمة لهضبة الجولان، لكن "إسرائيل" لم تتدخل لحمايتهم، قال أحد قادة المجتمع المحلي "أبو خالد" أنه سرعان ما أدرك أن الاعتماد على "إسرائيل" كان خطأ،... "ثق بي، إسرائيل ستندم على صمتها على ما حدث في جنوب سوريا، نحن في مدينتنا ومدننا المجاورة نلتزم على مضض مع النظام، لكن هذه المصالحة ستؤثر على إسرائيل في المستقبل القريب"، وبينما كان الجيش السوري يقترب من هناك، تواصل بعض المسلحين مع "الإسرائيليين" وطلبوا اللجوء، ورد المسؤولون "الإسرائيليون" بالسماح لعدد صغير من قادة المجموعات المسلحة وأفراد عائلاتهم المباشرين بدخول "إسرائيل" ليلة 22 تموز، وتم إبعاد آخرين، مكان وجود هؤلاء القادة وأقاربهم لا يزال غير واضح، يُشاع أن البعض موجود في "إسرائيل"، والبعض الآخر في الأردن، فيما أبلغ أحد القادة السابقين مرؤوسيه أنه وصل إلى تركيا. أما بالنسبة للمسلحين، فقد اختار معظمهم البقاء في منازلهم والاستسلام لـ "النظام" بدلاً من الفرار إلى إدلب - آخر جيب متبقي للمجموعات المسلحة - وقد تم اعتقال بعضهم، على ما يبدو بسبب التعامل مع "إسرائيل"، بينما انضم آخرون إلى الفصائل الموالية لـ "النظام" أو الجيش السوري.