لا شك في أن الزيارة التي يقوم بها رئيس الفلبين، رودريغو دوتيرتي، إلى "إسرائيل" (الأراضي الفلسطينية المحتلة) تكشف بجلاء عن السياسة الخارجية التي تنتهجها هذه الأخيرة (السلطة الإسرائيلية)، سواء من حيث جوهرها، أو من حيث المصالح المُحركة لها، والتي باتت تفتقر إلى أي سمة أخلاقية أو قيمية.
ومن المعروف أن دوتيرتي، الذي تدل تصريحاته على تبنيه وجهة نظر عنصرية وإجرامية، سبق أن شبّه نفسه بهتلر، وادعى أن المحرقة النازية تسببت بإبادة 3 ملايين يهودي.
وهذا لم يمنع "إسرائيل" من أن تسارع إلى أن تكون الدولة الغربية الوحيدة التي وافقت على استضافته بعد نحو سنتين من انتخابه لهذا المنصب بأصوات 40% من الناخبين في بلاده.
وحظي دوتيرتي باحترام يليق برؤساء دول كبرى، فضلاً عن أن زيارته كانت محط إجماع في أوساط المؤسسات السياسية والأمنية والاقتصادية، من دون أدنى تحفظ يُذكر.
إن ما يجب قوله هو أن علاقات "إسرائيل" بأعتى الأنظمة الدكتاتورية والقمعية في العالم ليست جديدة، ولم تبدأ في فترة رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو. فرئيس الحكومة الأول، ديفيد بن غوريون، فهم أنه من أجل أن يكتب البقاء لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط العنيفة، يتعين عليها أن تقيم تحالفات مع أنظمة كهذه ومع أنظمة كولونيالية تزودها بالأسلحة وتستثمر في الاقتصاد. وتحت قيادته تحالفت "إسرائيل" مع الدولتين الكولونياليتين العظميين، فرنسا وبريطانيا، وحاربت مصر خلال عملية سيناء سنة 1956.
وفي سبعينيات القرن العشرين، وتحت قيادة حزب العمل بزعامة اسحق رابين وشمعون بيريس، أقامت "إسرائيل" علاقات سرية بنظام الأقلية البيضاء العنصري والإجرامي في جنوب أفريقيا، عبر خرق العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عليه.
وكانت لإسرائيل في تلك الفترة علاقات مشبوهة بأنظمة الطغم العسكرية في تشيلي والأرجنتين وغيرهما من دول أميركا الوسطى.
وفي تسعينيات القرن العشرين كُشف النقاب عن قيام حكومة رابين ببيع أسلحة إلى رواندا في أفريقيا، في الوقت الذي نُفذت عمليات إبادة جماعية في هذا البلد.
وبينما كانت إسرائيل في الماضي تحاول إخفاء مثل هذه العلاقات المشبوهة مع الأنظمة الظلامية وتخجل بها، فإن مثل هذا الخجل لم يعد قائماً في السياسة الإسرائيلية الخارجية خلال العقد الأخير.
وليس مبالغة القول إن هذه العلاقات قائمة على أساس المصالح الضيقة فقط، وتفتقر إلى أي سمة من القيم والأخلاق والمعايير الإنسانية. وتتمثل هذه المصالح أساساً في تزويد تلك الأنظمة بالسلاح والخبرات الأمنية وتقديم كل المساعدات المطلوبة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب الإسلامي، وذلك في مقابل قيام هذه الأنظمة بالتصويت لمصلحة إسرائيل في الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأُخرى في كل ما هو مرتبط بتكريس الاحتلال ومنع قيام دولة فلسطينية. وتسوّغ إسرائيل سياستها هذه بأن دولاً أخرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا تفعل الأمر نفسه، وتبيع أسلحة إلى أنظمة ظلامية.
كذلك لا بد من ذكر أن "إسرائيل" تمتلك أفضلية أُخرى في سياق الدفع قدماً بسياستها الخارجية هذه، فهي تتعهد لزعماء تلك الأنظمة الظلامية بتجنيد يهود العالم أو اليمين اليهودي غير الليبرالي لمصلحتهم، وبفتح أبواب البيت الأبيض الذي يجلس فيه صديقها دونالد ترامب.
المصدر: "معاريف ـ يوسي ميلمان"