لا يكفي غزة ما فيها لتزيد عليها أزمة خانقة تهدد «الأونروا» وخدماتها. أياً يكن السبب، إن كان الأميركيون يخنقون الوكالة أو إن كان ثمة نية دولية لإنهائها وإقفال ملف اللاجئين، فإن الأكيد أن الخطوات المنوي تنفيذها ستشعل مواجهة من نوع آخر، ربما يشتعل فتيلها من القطاع
غزة | تواصل إدارة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) سلوك طريقة ناعمة في إتمام تقليصاتها التي ستطاول خدمات أساسية وفرعية تقدم إلى اللاجئين، وتقشفات أخرى تمس أعداداً كبيرة من الموظفين، وقد بدأت التمهيد لذلك بإعلانها وجود عجز كبير في ميزانيتها لهذه السنة وحدها يقدر بأكثر من 125 مليون دولار. فبعد سلسلة إجراءات وتقليصات اتخذت في الشهور الستة الماضية، عَقد الشهر الماضي مسؤول كبير في «الأونروا» اجتماعاً ضم المستويات العليا والمتوسطة في مكاتب قطاع غزة، وهو أول لقاء يأتي عقب المؤتمر الدولي لجمع تبرعات للوكالة الذي تمّ في روما في آذار الماضي، وفق مصادر مطلعة، قالت لـ«الأخبار» إن هدف الاجتماع إطلاع المديرين على الواقع المقبل «في ضوء العجز الكبير في الميزانية».
وفق المعلومات، تنوي إدارة «الأونروا» تقليص خدمات أساسية في عدد من «البرامج الضرورية»، ما يعني تقليص عدد الموظفين المتعاقدين مع الوكالة وآخرين تحت بند المياومة (العمل اليومي)، فضلاً عن تقليص الدوام لفئات من الموظفين المثبتين ليتحول دوامهم إلى 4 ساعات يومياً بدلاً من 7، على أن يدفع لهم بمقدار الساعات الجديدة. أكثر من ذلك، طُرح في الاجتماع إيقاف رواتب المدرسين لديها وفئات أخرى خلال الإجازة السنوية التي تقدر بـ3 أشهر مدفوعة الأجر، على أن يكون ذلك إجراءً طارئاً لا دائماً، وبجانب ذلك تقرر ألا تقيم الوكالة مخيماتها الصيفية «ألعاب الصيف» لأطفال اللاجئين كما في الأعوام الماضية.
أيضاً، تؤكد المصادر أن حالة التقشف، التي ستدخلها الوكالة بدءاً من الشهر المقبل، ستشمل منع استيعاب أي مدرسين جدد خلال العام المقبل، بما في ذلك داخل قطاع غزة، رغم انتهاء خدمة 350 مدرساً لدخولهم في التقاعد، وهو القرار نفسه الذي سينطبق على أي توظيف جديد في جميع المستويات الخدماتية والصحية. وبينما تنفي مصادر في «الأونروا» أنه طرح في الاجتماع فكرة إيقاف رواتب 22 ألف موظف في المناطق كافة من بين عشرات الآلاف، فإن المؤكد حالياً أن «950 موظفاً يعملون على بند الطوارئ مصيرهم مهدد».
السيناريو الأخطر، تشرح المصادر نفسها، هو ألّا تنفع هذه التقليصات في حال لم توف الدول المانحة بما وعدت به، وهو ما يهدد افتتاح العام الدراسي المقبل «غير المعلوم موعده بعد»، ما يعني أن مصير مئات آلاف الطلاب مجهول.
وتقول «الأونروا» إن النقص في تمويلها بقيمة نصف مليار دولار، كانت تقدمه الولايات المتحدة، أدى إلى هذا المسلسل من التراجع في خدماتها، مع أنه سبقت ذلك تقليصات أخرى على مدار السنوات الثلاث الماضية. وبينما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في كانون الثاني الماضي، تخفيض 65 مليون دولار من دعمها هذا العام، تؤكد الأمم المتحدة أن التخفيض الفعلي بلغ 300 مليون، لأن واشنطن قادت الوكالة إلى الاعتقاد أنها ستوفر 365 مليوناً لعام 2018. أما إجمالي العجز (عن هذه السنة وما قبلها)، فإنه يصل إلى 217 مليوناً بعدما تم تأمين 238 مليوناً (أصل العجز كان 446 مليوناً)، وقالت الوكالة إن 150 مليوناً من المبلغ المؤمّن دفعته قطر والإمارات والسعودية.
رغم هذه التحذيرات، وظهور «وكالة الغوث» بمظهر المناشدات حالياً، فإن القدر المتيقن أنها ستمرر إجراءاتها، الأمر الذي ترى فيه حركة «حماس» أنه مساهمة بطريقة أو بأخرى في «صفقة القرن»، إذ قال عضو المكتب السياسي في الحركة، سهيل الهندي، إنه «لو كان هناك قرار سياسي بإنهاء الوكالة، فلتنته إدارة العمليات مرة واحدة، وليتحمل العالم المسؤولية، بدلاً من التقليصات البطيئة والمتدرجة التي ستصل في النهاية إلى إنهاء الخدمات... هذا أمر خطير تتحمل مسؤوليته إدارة الوكالة والمجتمع الدولي».
وكان مدير عمليات «الأونروا» في غزة، المنقول من لبنان ثم من سوريا إلى القطاع، ماتياس شمالي، قد حذر من خطورة تقليص عمل الوكالة في القطاع، قائلاً: «نحن قلقون إذا ما اتخذت الأونروا قرارات صعبة، والمؤسسات الأممية الأخرى... من أن تعم حالة الفوضى التي ستحدث، لأن حجم الخدمات المقدمة من الوكالة ضخم جداً، و70% من السكان يعتمدون على خدمات الوكالة، وأي قرارات صعبة ستؤثر في اللاجئين». وأضاف شمالي في حوار صحافي أمس: «أقول دائماً في اجتماعاتي مع شركائنا في المجتمع الدولي إن ما أقلق منه ليس حماس، بل الفوضى التي ستحدث بأن يتحول القطاع إلى بيئة خصبة لوجود داعش... إذا خرج 270 ألف طالب من مدارسنا، فبلا شك سيكونون هدفاً لمنظمات أخرى، وسيكونون بيئة خصبة لاستثمارهم في أهداف أخرى».
الاونروا: غزة في ازمة إنسانية عميقة
وقالت الانروا في بيان، وزعته، انه "من المتوقع أن يكون لإعلان اتخاذ تدابير جديدة لتعليق الصادرات من قطاع غزة وتقييد استيراد السلع إلى الإمدادات الإنسانية، عواقب عميقة وبعيدة المدى على المدنيين اليائسين بالفعل في غزة".
اضاف البيان : "ان حوالي 75 في المائة من هؤلاء المدنيين لاجئون فلسطينيون مسجلون لدى الأونروا وأن اكثر من نصفهم من الأطفال".
ولفت الى "انه من المرجح أن تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة الطلب على خدمات الأونروا في وقت تشهد أزمة مالية غير مسبوقة".
اضاف ان "غزة اليوم في خضم أزمة إنسانية عميقة ومتمادية وان هناك اضطرارا لما يقرب من 80 في المائة من السكان (1.2 مليون) إلى الاعتماد على المساعدة الإنسانية لتغطية احتياجاتهم الأساسية ، بما في ذلك الغذاء ، حيث يبلغ معدل البطالة 49.1 في المائة اعتباراً من الربع الأول من عام 2018
وأكد البيان ان "هذه القيود الإضافية تعاقب جميع السكان في غزة دون اعتبار للمسؤولية الفردية. وانه يجب أن تتسق التدابير التي تتخذها إسرائيل مع التزاماتها القانونية الدولية".
وقالت الانروا في بيانها : "هذه التطورات من شأنها أن تزيد من تفاقم أسوأ آثار الحصار وتزيد من القدرة الاقتصادية وسبل العيش اللازمة لدعم مليوني نسمة".
ولفتت الى ان "الأمم المتحدة كانت دعت مرارًا وتكرارًا إلى رفع الحصار بالكامل ،الذي هو شكل من أشكال العقاب الجماعي يتعارض مع التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي".
ونقل البيان عن المفوض العام للانروا، بيير كراهينبول قوله ، إلى أن "هذه التدابير الجديدة تثير قلقا بالغا. فهي تؤدي إلى نتائج عكسية ليس أقلها أنها تؤثر على السكان بأكملهم وتؤثر سلباً على اقتصاد غزة. وسيكون لها تداعيات خطيرة خاصة للنساء والشباب".
وقال انه "وبعد 11 سنة من الحصار ، ستزيد هذه الإجراءات من الإحساس باليأس والعزلة ، مما سيزيد من حرمان الجيل القادم من الأمل والكرامة، مضيفاً "هذه التطورات تذكرنا بالضرورة الحتمية لمعالجة الأسباب الأساسية للصراع واتخاذ إجراء سياسي ذي مغزى ، بما في ذلك إنهاء الحصار غير القانوني على غزة".
المصدر: الاخبار ووكالات