ما الذي يجب أن نفعله لنواجه هذه الحرب النَّاعمة في العملية التربوية؟ وكيف ننتصر فيها؟ وما هي بعض التطبيقات العملية التي تكشف خلفيات هذه الحرب النَّاعمة؟.
1- حريَّة الشهوة: أبرز نقطة تواجهنا في المجتمع، الحديث عن أنَّ الإنسان مخلوقٌ حر، ومن حقه أن يتصرَّفَ بحريَّة كاملة من دون أي ضوابط, التي لا تتوقف إلَّا عند حرية الآخرين!. نسأل: هذه الحرية الكاملة التي تتوقف عند حرية الآخرين, هل تعني أن يُطلق الإنسان العنانَ لشهوته وغريزته الجنسية؟ وأن يتصرف بجسده كما يشاء؟ الغرب يقول: نعم، من حقِّه أن يتصرَّف كما يريد فلا محرَّمات أو ممنوعات، طالما أنَّه لا يعتدي على الآخرين! تبدو الفكرة جميلة للوهلة الأولى، فالإنسانُ مخلوقٌ حر ويفعل ما يشاء، ولكنَّ السؤال: هل يحقُّ للإنسان في الحياة أن يستخدم حريته الجسدية بلا قيد أو شرط؟ يقول الإسلام: حريةُ جسدك مُقيَّدةٌ بعدم إتِّباع الهوى، وعدم الإنجرار وراء الرغبة التي تتبع الشهوة المحرَّمة، هذا الإتجاه ممنوع وحرام، لأنَّه يخرِّب النَّفس والمجتمع، ويفتح باب الخيانة, ويوجِّه العلاقة بين الرجال بالنساء بطريقة خاطئة، ويضرب بُنيان الأسرة، ويُحوِّل المرأة إلى سلعة لللَّذة المحرَّمة، ما يعطِّل إنسانية الرجل وإنسانية المرأة في الحياة.
لذا طلب منّا نهيَ النَّفس عن الهوى: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"(1)، فلا يصح أن تنجرف وراء رغباتك، فللرغبات حدودٌ وضوابط، وضَّحها الإسلام وبيَّنها. أمَّا في الغرب المادي فلا ضوابط أخلاقية. ولا يكفي أن لا يعتدي الإنسان على الآخرين، فهذه فكرة خاطئة وغير صحيحة، لأنَّ حريتك لا تكون محدودة بعدم المسِّ بحريات الآخرين فقط، وإنما بتحمُّل مسؤوليتك بعدم ترك نفسك على هواها، حيث تتضرَّر على المستوى الشخصي, وينعكس سلوكك على الآخرين تربيةً وأداءًا, فالمنهجية تختلف بين الإسلام والغرب، هذا نموذج.
2- الكتب المدرسية: بعضُها أجنبي وبعضها محلي، ترد فيها قصصٌ وصور، بعض القصص تتحدث عن عادات وتقاليد المجتمع الأمريكي أو الغربي، في كيفية تعاطي الشاب مع الفتاة، والرجل مع المرأة، أيْ صورة طبق الأصل عن تركيبة المجتمع الغربي. أما الصُّور، فيكثرون (عن قصد) تلك التي تُبرز المرأة بثياب البحر، أو بشكل سافر، وأخرى تعطيك مشهد السهرات الماجنة وهم مجتمعون باللِّباس الفاضح! تبدأ الحرب النَّاعمة من خلال توجيهات الكتاب وصُوره التي تعتبر الحياة الغربية حياةً نموذجية، وعندما يُقنعك بالقصة، فتستأنس بها, بسيئاتها وسلبياتها واتجاهاتها المنحرفة. بينما علينا أن نلتفت بأن لا تُوجِّهُ كتبُنا أولادَنا بالإتجاه الخاطئ, وأنْ لا تكونَ الرسومُ والصُور الفاضحة تعويدًا على الإنحراف والأُلفة معه.
3- الرسوم المتحركة للأطفال: أَدْخَلُوا فيها ما يُسمِّم أفكار الأطفال ويحرفهم, ومنذ فترة من الزمن أصبحوا يضعون إشارة على بعض الرسوم المتحركة, لتحذير حضورها إلاَّ للكبار, أي أكبر من 15سنة! حتى الرسوم المتحركة لعبوا بها لتكون فاضحة ومؤثرة على الأهواء والمشاعر. ومن جهة ثانية, يروِّجون لبطلٍ فيصبح محبوبًأ للأطفال، مثلاً طرزان، ثم عجيب أمر طرزان هذا, فهو لا يذهب إلى أي مكان إلاَّ وطرزانة معه بلباسها البحري الفاضح! وهي لا لزوم لها ولا لدورها في الفيلم أو المسلسل، ولكن المطلوب حضورها لدورٍ وهدف، هم يريدون القول للبنت الصغيرة: انظري مكانة المرأة التي تلبس هذا اللباس (الفاضح), فهي مع طرزان معزَّزَة ومكرَّمَة الخ.. هذا الشكل يعطيها جمالًا وحضورًا, واحترام طرزان لها، أمَّا طرزان ففخرُهُ بأنْ تكون هذه الجميلة شبه العارية بصحبته, فبدل أن يمتنع عن صحبيتها بهذا الشكل, يُصبح اصطحاب أمثالها هو المقياس الصحيح للأجيال.
4-المسلسل الاجتماعي: يقدِّمونه بحبكةٍ جميلة ومشوِّقة, نشاهد رجلًا سيء الخُلُق والطِّباع إلى درجةٍ لا توصف، يدخل إلى بيته متوترًا, يتحدَّث مع زوجته باستفزاز، ويسألها أسئلة لا معنى لها، ثم يبرحها ضربًا, وهذه ليست المرَّة الأولى، لكنَّها تنفجر في هذه الليلة من كثرة الضرب, فتخرج من المنزل. يتعاطف المشاهدون مع هذه المرأة بشكل كامل, فزوجها قد ظلمها, ومن باب المصادفة, يلاقيها جارها, فيتعاطف معها, ويدعوها إلى منزله لتنام ليلتها ويعالجها من رضوضها, ثم شيئًا فشيئًا تنهار من البكاء على صدره, وتدريجيًا يتبادلان القُبَل, ثم يرتكبان الحرام. ما هو الانطباع عند المشاهد؟ سيقول المشاهد بأنَّ الحقَّ معها في أنْ ترتكب الحرام, فزوجُها ظالمٌ لا يُطاق, وهو الذي أوصلها إلى هذه النتيجة!. هنا بدل أن يكون حرام الزوجة مُنكرًا عند المشاهد, يُصبح مُبرَّرًا بسبب ظلم الزوج, ما يؤدي إلى أُلفة هذا النموذج في المجتمع.
5- الغانية والراقصة: أو ذاك المسلسل حيث لا تجد المرأة الثكلى أو المطلَّقة عملًا لإطعام أولادها, فتصبحُ غانيةً أو راقصةً في الملاهي الليلية, وتُعرَضُ القصة بطريقةٍ يتعاطفُ معها المشاهد, ويتقبَّل ما تقوم به لحاجتها! إذًا يمكن لكل إمرأة تتعرض لمشكلة مشابهة أن ترتكب الحرام, وعلى المجتمع أن يتقبَّلها, بدل أن ينهاها ويساعدها على سلوك طريق الحلال.
6-إحتفالُ نهاية العام الدراسي: أو الإحتفالات الأخرى، تقوم بها المدرسة للترفيه عن الأولاد, ويمكن إجراؤها بصِيَغٍ مختلفة, فما الداعي لتكون حفلة راقصة خليعة؟ أو بوجود المطرب الفلاني أو المطربة الفلانية؟ أو باختيار الطعام المحرَّم والخمر؟ أو التزيُّن باللباس الفاحش والخليع؟ فهذه المظاهر غير مقبولة، وإن كانت مرة واحدة في السنة، فهذا السلوك هو جزءٌ من العملية التربوية التي تبني شخصية الولد، وهذه المظاهر المنحرفة هي من الحرب النَّاعمة.
7- ملكات الجمال: أقلقوا راحتنا بدعايات ملكات جمال العالم، وتبيَّنَ معهم بأنَّ انحصار المباراة بعنوان الجمال يزجُّ عددًا قليلًا من النساء في هذا الفساد, فاخترعوا ملكة جمال اللباس، وملكة جمال الوجه، وملكة جمال القبح، وملكة جمال النصاحة، وملكة جمال البحر..., يريدون إشراك كل نساء العالم بهذه المسابقات، لإخراجهنَّ إلى ساحات الإستعراض الجسدي. هذا أمر غير طبيعي، فهم لا يقيمون مثلًا مسابقات ملكة جمال الأمومة أو الفكر أو التربية أو الأخلاق أو التضحية..., لأنَّها مسابقات تشجِّع على المُثُل والصلاح ومكانة المرأة, وهذا ما لا يريدونه! فيشيعوا مسابقات الجمال الآثمة, لتصبح محلًا للتنافس, وكي نألف هذه البرامج أو العادات ونتمثَّل بها.
8- "ثقافةُ الحياة": شعارٌ أطلقه بعض المعترضين على المقاومة, ردًا على الشهادة, التي نعتوها بـ "ثقافة الموت", فهم يريدون الحياة ولا يريدون الموت!. ما معنى ثقافة الحياة؟ وكيف ستحصلون على الحياة بوجود الإسرائيلي؟ وهل تريدون الحياة المصحوبة بالإستسلام والموقف السياسي المتخاذل الذي يُعطي الأجنبي والمحتل السيطرة على حياتكم؟ أمَّا المقاومة فهي جهادٌ وقتلٌ وقتال, تؤدي إلى النَّصر أو الشهادة، وتُعطي الحريَّة والعزَّة والكرامة والإستقلال, وهي الحياة الحقيقية, وهذه هي ثقافةُ الحياة، ثقافةُ الحياة العزيزة، فمن الذي قال بأنَّنا لا نريد الحياة؟ ولكن كما قال أمير المؤمنين علي(ع): "فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ, والْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ"(2). فهذا هو المعنى الصحيح للحياة، ولا حياة للمستسلم الذليل. إنَّ طرح ثقافة الحياة للترغيب بها كيفما كانت, جزءٌ من الحرب النَّاعمة, وبديلٌ عن الموقف الشَّريف والعزيز, ما ينسجم مع مطلب إسرائيل والغرب, ليسهُل عليهم إحتلال أرضنا واستثمار خيراتنا.
9- تعليمُ الديمقراطية: تذكرون عند سقوط حسني مبارك, أُنشأت في مصر مئات الجمعيات المموَّلَة أمريكيًا وأوروبيًا لتأهيل المصريين وتدريبهم على معرفة وإحترام حقوق الإنسان، وتعلُّم مبادىء الديمقراطية! ما هي فلسفة هذا التعليم؟ هم يريدون نشر الأفكار الغربية عن الحرية, والحياة الزوجية, والنظرة الماديَّة إلى الحياة, ورفض مبادىء الدين وتشريعاته بحجة المواطنة والمعاصرة, وقبول إحتكار الدول الكبرى للعالم وخيراته!... هؤلاء لا حياء لديهم, يقولون بأنهم يريدون نشر الديمقراطية ومبادئها وأفكارها، ولكنْ كبديلٍ عن أية أفكار؟ وما تعليقكم على ديمقراطية الدول الظالمة التي تدعمونها؟ وما هو موقفكم من الأنظمة الإستبدادية؟ يقولون: لكلِّ بلدٍ ديمقراطيته!. علينا ان ننتبه، فهذه حربٌ ناعمة علينا، وهي محاولةُ تثقيفٍ وتوجيهٍ خطرٍ جدًا، تهدف إلى تغيير منظومتنا الثقافية والفكرية.
10- طريقةُ اللباس والطعام: ومضمونهما, في المنزل أو المدرسة أو الشارع، هي جزءٌ من الحرب النَّاعمة, عندما يوجِّهونها بحسب تقاليدهم وعاداتهم, وقد نجحوا نجاحًا باهرًا بما يسمُّونه الموضة, لنلحق بهم بالشَّكل والمضمون. سألتُ تاجر ألبسة منذ سنوات، ما معنى أنْ تكون هذه السنة سنة اللون الأزرق، والتي تليها سنة اللون الأحمر, والتي قبلها سنة اللون الأصفر ...؟ وكل سنة يأتون بموديل جديد، فما هو المعيار؟ قال: هناك مؤسسات متخصصة في أمريكا والغرب, إذا ما قالت هذا هو المعيار، فيعني أنَّه المعيار! فالأمر كما يقولون، ومن خلالها يجعلون الناس يشترون دائماً، ومن خلالها يعممون ثقافة معينة من اللباس، وهذا هو التوجيه إلى الرموز بطريقة اللباس والتصرف والطعام وغيرهما.
مقتطفات من كلمة الشيخ نعيم قاسم المحاضرة التي ألقاها في لقاء مع مدراء المدارس نظمته التعبئة التربوية في حزب الله في 25/12/2013
1- سورة النازعات, الآية: 40.
2- نهج البلاغة، من الخطبة رقم: 51.