مقالات :: أمّي معلّمتي.. من كتاب "عندما كان طفلاً"
من كتاب "عندما كان طفلاً، 16 قصة قصيرة تحكي طفولة السيد الخامنئي القائد (دام ظله)" للكاتبة الدكتورة أميمة عليق/إصدار: الجمعية اللبنانية للفنون- رسالات 2016.
أجال المعلم "السيد أحمدي" بنظره على الطلاب الجالسين في الغرفة. لفت نظره اللمعان في عيونهم، رغم الفقر والحاجة لم يقلّ جهدهم لطلب العلم.
إنّها السنة الأولى التي ينتقل فيها "علي" إلى "دار التعليم ديانتي"، فقد أنهى صف الرابع الإبتدائي في مدرسة الحي، وها هو يريد أن يبدأ الدروس الحوزوية في هذه المدرسة الجديدة. -سندرس "جامع المقدمات"، من منكم سمع باسم هذا الكتاب؟.
رفع "علي" إصبعه واستأذن الأستاذ وأجاب: إنه مجموعة كتب في قواعد اللغة العربية والنحو والصرف والمنطق يا أستاذ. وقد كتبها علماء كبار كالفيض الكاشاني من إيران وبهاء الدين العاملي من لبنان و.. -أحسنت، أحسنت يا سيد!.
ابتسم الأستاذ لأصغر التلامذة عنده وأكمل، وهو يكتب على اللوح: "أوّل العلم.."، فأكمل "علي" الحديث الشريف: "أول العلم معرفة الجبّار".
أومأ المعلم برأسه، ابتسم مشجعاً ثمّ أكمل أسئلته. كان كلّ مرة يتفاجأ بإجابات هذا السيد الصغير "علي".
الهدوء يلفّ الصف، فالأطفال يرهبون المعلم ويخافونه. لا وقت استراحة بين الحصص، بل ها هو المعلم ينهي درسه الأوّل ثمّ ينتقل إلى درس جديد.
أراد مرة ثانية أن يختبر مستوى تلامذته، أكمل أسئلته في النحو، كان "علي" الأسرع في الإجابة، وكأنه قد درس هذا الكتاب للتو قبل أن يأتي إلى الصف!. -ومن علّمك النحو بهذه الطريقة الجيدة يا علي؟. -إنها أمي يا أستاذ. درّستني إياه خلال العطلة الصيفية في السنة الماضية.
تفاجأ المعلم أن والدة "علي" قد درّسته هذه الكتب، في زمن كان القليل من الأمهات بالكاد يعرفن القراءة والكتابة باللغة الفارسية، فكيف وهذه العلوم باللغة العربية!. انتهى وقت الدرس، بدأ التلامذة يجمعون كتبهم للرحيل، تغاضى الأستاذ عن ضجيج فرحة الحرية بعد يوم متعب.
حين أراد "علي" الخروج من الصف، كان المعلم يردّد بصوت عال، تعمّد أن يُسمعه لرفاق "علي" أيضاً: -بوركت يا بني وبوركت معلمتك.
خرج "علي" وبسمة الفخر تعلو وجهه، أمّا المعلم فكان يتبعه بنظره وهو يفكر: -"سيأتي يوم، لن تسع مشهد هذا الطفل بذكائه الوقّاد، لن تسعه هذه المدينة، وربما هذا البلد..".