الوعــي
عن أمير المؤمنين (ع):"إذا لم تكن عالماً ناطقاً فكُن مستمعاً واعياً".
إنّ أكثرَ ما ركّز عليه الرسول (ص) كهدف للإنسان المسلم هو الوعي، فجعله الله الغاية التي تُحيي الإنسان وتقوده إلى السرور والسعادة والخير الوفير.
والوعيُ هو ما يترتّب على الإحساس من الإدراك والشعور، فالواعي هو الذي إذا رأى أو سمِع أدركَ وتعقّل وفهِمَ ما قد أحسّ به، وأعقبَ ذلك شعورٌ وحفظٌ وعملٌ موافِقٌ للإدراك. فهناك ثلاثةُ مواضِع، تبدأ بجوارح الإنسان كالعين والسمع وتنتقِلُ إلى العقل ومنطقة التفكير لتصلَ إلى القلب الذي هو المشغِّل للإنسان.. فلو سمِعَ ولم يُفكِّر أو فكَّرَ ولم يشعُر أو يعمل فهناك خلل على مستوى وعيِهِ وتدبيره. فالواعي هو الذي يربطُ قلبه بعقله فلا يرجّح أحدهما، بل يجعل العقلَ حاكماً على القلب، وينتقل إدراكه العقلي إلى شعور قلبي ويعمل وفقَ ذلك.
تؤكِّد الروايات على هذا المستوى من الفهم الصائب والدرجة الرفيعة التي لا يصل إليها إلا من سلك طريقاً خاصاً في الإيمان والمجاهدة والتزكية، حيث يصف الإمام علي (ع) العاقل: "...إنُ تكلَّمَ أصاب وإنْ سمِعَ وعى", وعنه (ع): "رحِمَ اللهُ امرءً سمِعَ حُكماً فوعى". وفي وصفه لآل محمد، يقول الإمام علي(ع): "عقلوا الدين عقلَ وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فإنَّ رواةَ العلم كثير ورعاته قليل".
فالوعي الذي تؤكِّده الروايات هو الحفظ والفهم والقبول، حيث لا يكتفي المسلم بما سمعه بل يدركه ويشعر به ويحفظه، وهنا تكمن حقيقة الإيمان.
والمؤمن هو الذي أصبح يعي حقائق الأمور وعواقب المسائل فيقصُرُ في مشيه ويُدرك في سمعه ويصيب في حديثه وكلامه، فيكونُ قلبُه ثابتاً راسخاً مع الدين والعقيدة حتى لو أصابته المصائب والخطوب، ولا يميل قلبه مع هوى نفسه ولا يتقلّبُ مع شهواته وغرائزه، ويكون مثالاً للآية وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (سورة الحاقة/12 ) أي تَفهّمَها وحفِظَها. إنّّ مِن أفضلِ العباد وأجلّهم عند الله، من استطاع أن ينتقل في الإيمان من مرتبةِ القوة الحرارية حيث يحتاج إلى دفعات متجدّدة ليتوقّد إيمانه إلى منزلةِ الوعي حيث يصبح الإيمان ملكةً راسخة لا تهزُّها العواطف ولا تثنيها الرياح، فلا يكفي التعبُّد بل يجب أن يرفدَه وعيَاً وفَهماً، فالخوارج كانوا أشدَّ الناس عبادة، لكن الجهل أطبقَ على قلوبهم فأخطأوا الحق وحاربهم أمير المؤمنين (ع)، لذلك وردَ عن رسول الله (ع):"لا تغرنَّكم هذه المصاحفُ المعلَّقة، إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ قلباً وَعى القُرآن".
إنَّ الشابَ المؤمنَ هو الذي يُدركُ معاني الكلمات ومرامي الآيات ويعلم عواقب الأمور فيحفظها، ويعتبرها نهجَاً يقتدي به وطريقاً يسلكه، فتكون له تذكرةً وتعيَها أذنُه الواعية.