" الأربعون قبل الأربعين" حديقةٌ متنوعة يمكن أن يستفيد منها الشباب في حياتهم،حيث يستفيدون من أربعين حديثاً قبل أن يبلغُوا أشدّهم ويصلوا إلى الأربعين عاماً. حيث يتصدّرُ كلّ موضوع حديثٌ من نور المعصومين، ثم يترشّحُ منه كلمات بسيطة، تحاول بالرغم من عجزها أن تُدرك شيئاً من عبق الحديث وأريجه بإذن الله تعالى...
عن الإمام زين العابدين (ع): "إنّ أبغضَ الناسِ إلى الله مَن يَقتدي بسنّةِ إمَام ولا يقتدي بأعمالِه"(1).
لم يترُك القرآن الكريم أسلوباً من أساليب التربية إلا واعتمده لهداية البشر وتنبيههم وإيصالهم إلى درجات الرقّي والكمال الإنساني. ومِن هذه الطرُق أنّه يسردُ قصّة الإنبياء، ويروي لحظاتهم المصيريّة ومواقفهم المُحرِجة التي انتصروا فيها على النفس والشيطان. وما ذلك إلا ليجعلهم مثالاً يَقتدي به الناس ويؤوبُ إليه البشر، وليساعدهم على تخطّي الصعاب وتحمُّل المشاق، كما كان الأنبياء يفعلون.
لذلك وردَت آياتٌ كثيرة تحثُّ على جعل المقرّبين إلى الله صوَراً عالية يسعى إليها الكادِحون في طريق الله، ولو تأمّلنا القرآن جيداً لوجدنا أنّ القدوات فيه تمثِّل كلّ أنواع البشر. فالنبي يوسف وإسماعيل وفتيةُ أهل الكهف قدوات للشباب، والسيدة مريم وبنات شعيب قدوات للفتيات، وامرأة فرعون قدوة للنساء وخاصة الأغنياء، وأمّ موسى وهاجر قدوتان لكلّ من يُسلِّم بأمر ربّه ويرضى بقضائه...
ويجعل الله الأنبياء القدوة والأسوة العالية للجميع، حيث يقول سبحانه : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ(2) ثم يقول عزّوجل : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الأخِرَ(3)، وحين يذكرُ سيّد المرسلين يقول : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(4)، ولما يعدّد عدداً من الأنبياء يقول:أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده(5 ).
هذا التأكيد العظيم من القرآن على اتّباع هؤلاء الصالحين والإلتزام بجعلهم القدوة لكلّ الناس يرفده المولى بوجوب التبرّؤ من أهل معصية الله، فمكان القدوة هو القلب ولا يمكن أن يجعل الإنسان في قلبه مودّةً لأهل طاعته ومحبّة لأهل معصيته في زمان واحد. فلا يمكن أن تحبّ الأنبياء والصالحين وتقتدي بهم وبنفس الوقت تحبّ الفاسق أو الفاسقة أو الفاجرة، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.... والإقتداء يعني المودّة والمحبّة والإتّباع والإلتزام والعمل والفعل، فالقلب إن لم يُلزم الجسد بالعمل وفقه، فهذا خلَلٌ يجب تداركه، لأنه لا فائدة من سكون المحبة وسكوتها.
وذُكرَ أن الرسول(ص) أراد ان يشجّع أصحابه للإقتداء به فسأل:"ألا أُخبركُم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله، فقال (ص):"أحسنُكم خُلُقاً، وألينُكم كنَفاً (جانباً)، وأبرُّكم بقرابته، وأشدُّكم حُبّاً لإخوانه في دينه، وأَصبرُكم على الحق، وأكظمُكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدّكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب"(6). فمن كانت فيه هذه الصفات فقد تأسّى بالرسول (ص) وذلك هو الفوز العظيم.
1- الكافي، الكليني، ج 8، ص 34.
2- سورة الممتحنة / 4.
3- سورة الممتحنة / 6.
4- سورة الأحزاب / 211.
5- سورة الأنعام / 90.
6- الكافي، الكليني، ح 2، ص 241.