داعش تنظيم تكفيري، إجرامي بكل ما للكلمة من معنى، وقد انشق عن تنظيم القاعدة، أو بشكل أدق، عن رئاسة تنظيم القاعدة.
على المستوى المذهبي، داعش من سلالة السلفية التي تعود لابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب وآخرين. أما على المستوى العسكري والأمني، فإن لهذا التنظيم امتدادات عربية وغربية وتركية. وفي الوظيفة، هو المجموعة الأكثر تعبيرًا عن رفض الآخر، وممارسة أعلى مستوى من مستويات الاغتيال بحق الرمز والقيم.
من هنا، يحق لنا أن نسأل إن كان للداعشية المذهبية ما يضاهيها على المستوى الأيديولوجي أو السياسي؟ خاصة إذا عرفنا أن تمثيل الداعشية للسلفية باهتٌ ومشوّه. من هنا، هي “سلفية مُستحدَثة”، أو بدقة أكثر هي بِدْعةٌ في السلفية، لكنها صارت اليوم الوجه الأبرز للسلفية. فهل لدينا داعشية سياسيّة؟ أو داعشية أيديولوجية تمثّل أصلًا عملت على تشويهه؟
في الواقع السياسي والأيديولوجي لجماعات الرفض الديني، نحن نشهد حالات مشابهة، فالعلمانية التي أرادت أن توجد مساحات مشتركة بين الجماعات الإنسانيّة، عملت على رفض الحواجز العرقية والقومية والدينية والعصبية. وقد مثّل بهذا المعنى اتجاهًا في إدارة شؤون الحياة والجماعات الإنسانية. لذا، كنا نشهد أحيانًا كثيرة توافقًا بين اتجاه علماني ما، وبين جماعة دينية أو حزب ديني. إلى أن بدأت تنظيرات بعض العلمانيين تقتل روح المساحات المشتركة التي توفرها أصل الأهداف والمقاصد العلمانية، وبتنا نقرأ أو نسمع حول أن العلمانية ليست نظرية في العلم، بل هي رؤية للحياة والعالم، وأنها تقوم، بل يجب أن تقوم على فصل الدين عن السياسة، ثم بعد ذلك إقصاء الدين عن شأن الحياة العامة وقضايا الناس. إلى أن وصل المطاف إلى إعلان حرب على الدين وأهله.
فزُجَّ المصلّون في الزنازين، وأُجبرت النساء على خلع الحجاب، وارتفعت المشانق في حق أصحاب المآذن.
وبات من الممنوع المجاهرة، فضلًا عن المشاهرة، برمزية دينية تمثّل فكرًا أو نهضة أو حركة في السياسة والإبداع الحياتي، وطالت الأزمة شخصيات إسلامية وطنية كبيرة، من أمثال جمال الدين، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وحسن البنا، والسيد موسى الصدر، وغيرهم… حتى تحوَّل الأمر في العالم العربي إلى ما يشبه الكارثة.
ففي الحراك العربي الفكري والثقافي والإعلامي – السياسي نشهد منحيين:
المنحى الأوّل: هو ممارسة أقصى النقد على كل ما يمتّ للدين بصلة، أو لكل ما يمكن أن يهادن الدين والتراث الديني، ومن ضمن من يمثّل هذا الاتجاه جماعات صغيرة ممن عملوا على ربط العلمنة بالإلحاد، واعتبروا أن الأصول الفلسفية للعلمنة إنما تقوم على الإلحاد واغتيال الرمزية الدينية، فضلًا عن أصل القيم والنصوص الدينية.
المنحى الثاني: هو المنحى الترويجي الذي استهدف، وما زال، المقدّس الديني سواءً أكان نصًّا أم تاريخًا أم شخصية ما، وخاصة علماء الدين.
ويتخذ هذا المنحى من الدعاية والإشاعة، والسخرية، ووسائل التواصل الاجتماعي سبيلًا لمثل هذه الحملات والحرب الافتراضية ضد الدين بعامة، والإسلام بنحو خاص، بحيث ليس من المستغرب أن نجد اشتعالًا لمواقع التواصل الاجتماعي في مواجهة فكرة، أو خاطرة صدرت من شخصية دينية، سواءً أكانت مقصودة أم زلة لسان. وتحت عنوان حق التعبير، يمارس هؤلاء أقسى أنواع فرض القلق والتبكيت في صفوف من يخاصمونهم من جماعات العلمنة السياسية والأيديولوجية. إلى حد أن البعض بات يسأل إن كنا أمام ظاهرة داعشية جديدة تشوّه أصالة العلمنة، وتسعى لاغتيال الرمزية الدينية، وهي التي يمكن تسميتها بالداعشيّة الأيديولوجية والسياسية!!
وقبل طي هذه الصفحة، أود القول: إن التجربة لطالما أثبتت أن الحركات الإسلامية كانت تتمدّد ويزداد نفوذها في كل مرة يحاول فيها الخصوم اغتيال الوجدان الدينيّ والرمزية الإسلامية، مما يحفّزنا على القول: إنّ للحديث صلة.
الشيخ شفيق جرادي