في شباط الماضي و عندما اقترب الجيش السوري و حلفاؤه من حلب بعد تطويقها من الجنوب بالإمساك ب 85% من الريف الجنوبي و من الشمال بتنفيذ تلك العملية الإبداعية التي أدت الى فك الحصار عن نبل و الزهراء و ربط الإنجاز الميداني الهام هذا بما كان سبق تحقيقه في الشرق من حلب و تطهير كويرس و مطارها و البدء بالتحضير للاندفاع شمالا باتجاه مدينة الباب ، عند ذلك وجدت اميركا ان أوراق اللعبة كلها تكاد تفلت من يدها فهددت روسيا بان الاستمرار في الميدان بهذا الزخم يعني الاجهاز على العملية السياسية و الدخول في صراع عسكري على ارض سورية لا ينتهي ، مطالبة بوقف العمليات و الذهاب الى جنيف للعمل على المسار السياسي ، ما اضطر روسيا الى الاستجابة حرصا على حد قولها على العملية السياسية .
لقد خشيت اميركا من إتمام الجيش العربي السوري مهامه الميدانية في المنطقة والاجهاز على الإرهابيين في حلب ومنطقتها لان في ذلك يحمل مدلولا استراتيجيا واحدا لدى من يقرأ الميدان بعين ثاقبة وبعيدة المدى ويقرا ما خلف الأفق فيه. فحلب لها من الخصائص والمزايا ما يجعل الانتصار فيها والحسم لصالح أي طرف من أطراف الصراع، يجعله ممتلكا لأوراق اللعبة الأساسية بما يمكنه من فرض شروطه والتعامل مع ما تبقى في الميدان بنفس طويل لا يخشى من الانقلابات.
وعلى الأقل ومن الوجهة السورية فان حلب تستجمع في طبيعتها وموقعها أربعة مزايا هامة هي:
1) انها المدينة الثانية في سورية والتي تشكل في ديمغرافيتها نموذجا حيا يختصر الشعب السوري كله ففيها كل اعراق هذا الشعب وكل أديانه وكل مذاهبه، وقد قدمت في مسارها الإنساني نموذجا فذا للعيش المشترك بروح وطنية نموذجية يتعامل الناس بموجبها مع بعضهم على أساس انهم سوريون وسوريون فقط اما عقائدهم واعراقهم المتعددة فهي في المدينة حوافز تنافس وعمل للتقدم والتكامل والتطوير وليست مطلقا كما يبتغي دعاة المشروع الصهيواميركي والوهابي التكفيري مدعاة فرقة وتناحر كما يريد هؤلاء اشاعته في المنطقة كلها. وبالتالي تكون استعادة حلب الى كنف الدولة وترسيخ هذه المزية من العيش الوطني فيها عاملا هاما حماية لهذا النموذج الوطني خدمة لوحدة سورية في مواجهة مشاريع التقسيم والتجزئة المترافقة مع التهجير والقتل والتشتيت. فحلب الوطنية نقيض للمشروع التفتيتي ومن هنا يجب ان يفهم كلام السيد حسن نصر الله الأخير بان الدفاع عن حلب هو دفاع عن المنطقة عن لبنان وسورية والعراق والأردن الخ أي دفاع عن الوحدة والعيش المشترك فيها.
2) انها المدينة التي حلم بها التركي اردغان لتكون بوابة عدوانه على سورية والمنطقة، والتي بدأ فيها بالإجهاز على صناعتها وسرقة المعدات من 1200 مصنع من المصانع الحديثة المتطورة (حسنا فعلت الحكومة السورية بملاحقته بجريمة السرقة) فهي كانت المدينة الصناعية الأولى ليست في سورية فحسب با في الشاطئ الشرقي للمتوسط. مدينة عجزت الصناعة التركية عن منافستها ، اما من الناحية العسكرية و ربطا بتركيا فان امتلاك السيطرة على حلب يعني ببساطة اقفال باب الشر التركي الذي يمرر الريح الإرهابية السموم من الشمال الى الداخل السوري و اذا عطفنا الامر على ما جرى في لبنان و قطع طريق الإرهاب منه الى سورية و ما جرى في الأردن و تحركه الى اقفال طرق الإرهاب الى الداخل السوري و ا يجري في العراق و تقهقر الإرهاب فيه امام الجيش و الحشد الشعبي ، فاننا نصل و ببساطة الى القول بان استعادة الدولة للسيطرة على كامل حلب و منطقتها تعني عزل الشر التركي لا بل قطع يد العدوان عن العبث بسورية و فتح الطريق واسعا لاستكمال هين و سريع لتحرير ما يتبقى من بؤر , و لهذا قلنا سابقا ان معركة حلب تنهي الحرب و نؤكد على ذلك اليوم بمعنى ان الحرب تدخل طور التصفية بعد الإمساك بحلب و ريفها كله .
3) انها المدينة او لنقل المنطقة التي تدخل الأطلسي بقوات منه بشكل مباشر لإبقائها الإرهاب فيها، عبر ارسال مفارز عسكرية يدعي انها للتدريب والقيادة والتنظيم والتخطيط، ولكنها في الحقيقة قوات نخبة من اجل معالجة المسائل المعقدة التي لا تقوى المجموعات الإرهابية او "قسد" على مواجهتها، ولهذا بلغ تعداد هذه القوات في سورية اليوم 2500 جندي وضابط من اميركا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وتركيا طبعا وتستعد النروج بعد موافقة مجلس نوابها الى ارسال مفرزة من 180 عسكري من قوات النخبة أيضا. فالاطلسي الذي رسم بقياة أميركية خطا احمرامام الجيش العربي السوري و ارسل اكثر من رسالة ضغط لمنعه من السيطرة على حلب ( كثيرا ما تحدثنا يومها و باستهجان عن القلق الذي ابداه هؤلاء بسبب تحضيرات الجيش العربي السوري لتطهير حلب ، و يمكن هنا مراجعة ما كان صرح به قلقا الرئيس الفرنسي و مسؤولون اميركيون و انكليز و المان حتى كدنا نعتقد بان حلب هي مدينة اروبية تريد سورية مهاجمتها ) .لقد جاء الأطلسي بقواه مباشرة و ووزعها للعمل مع "قسد" و "جيش الفتح" الذي قوامه جبهة النصرة الإرهابية ، من اجل حماية الخط الأحمر الذي رسمه حول حلب . وبالتالي فان معركة حلب تعني بالنسبة لسورية اسقاط هذا الخط وهي بصيغة أخرى معركة تحرير مدينة سورية من يد اجنبية استعمارية باتت تعمل على الأرض السورية بكل عدوانية ووقاحة. اما الفشل في التحرير فهو تكريس للاحتلال وفتح الباب امام اما تمرير المشاريع العدوانية الاستعمارية التي تستهدف سورية.
4) و أخيرا ان تحرير حلب وريفها يعني ان ما قيل عنه إنجازات ميدانية لهذه الجهة او تلك من الجهات المدعومة او المسيرة اطلسيا بقيادة أميركية ستفرغ من محتواها و يكون الحديث عن انتاج بيئة التقسيم و الفيدرالية و إقامة كانتون هنا و كانتون هناك نوع من الخيال الذي يهدر الوقت ، ثم ان الانتهاء من معركة حلب معطوفا على الإنجازات العسكرية الهامة التي سبق تحقيقهاعلى يد الجيش العربي السوري في ريف اللاذقية ، سيؤدي الى محااصرة ادلب و مثلثها من جسر الشغور الى سهل الغاب و اسقاط الإرهابيين فيها بشكل اسهل من أي تصور او توقع .
لكل هذه الأسباب باتت معركة حلب عند محور المقاومة معركة مصير وطن و اوطان و منطقة ، و لذلك وبكل شفافية و موضوعية نقول ان محور المقاومة ماض الى معركة حلب لن يثنيه عنها خط احمر يرسمه عدو او خصم اونصيحة يسديها حليف او صديق ، خاصة و انه أي محور المقاومة يمتلك من القدرات و جهز و حشد من الطاقات ما يمكنه من خوض هذه المعركة باسلوبه و توقيته و قراره ، و قدراته وحدها فاذا توفرت قدرات إضافية من صديق او حليف فانها ستكون موضع ترحيب و ستؤدي الى اختصار المهل في التحرير و خفض مستوى التضحيات في المعركة و ان لم تتوفر فان سورية و معها محور المقاومة ماضية لتحقيق الوعد الذي اطلقه الرئيس الأسد امام مجلس الشعب المنتخب حديثا ، حيث وعده بان حلب ستحرر مهما كانت التضحيات .
ان سورية صمدت و منعت العدوان من تحقيق هدفه الأصلي في اسقاطها و نقلها من موقعها ، و هي اليوم بصدد اسقاط الهدف البديل الذي تراجع اليه قادة العدوان و هو التقسيم الذي يروج له ، و في حلب سيقبر مشروع التقسيم أيضا ، و لهذا يجب ان لا يفاجأ من يتباعد الميدان اذا شاهد حجم التحشيد في حلب من كل الأطراف و حجم المعركة التي تلوح في افقها ، فحلب وريفها بات اليوم مسرحا مصغرا تدور فيه و عليه الحرب الكونية كلها و كل من يبحث عن دور في النظام العالمي الجديد يأتي اليوم الى حلب ليثبت وجوده و يحجز مقعده ،لكن سورية و محور المقاومة بما هم عليه من قوة ذاتية و تحالفية باتو اليوم في حال من الطمأنينة الى نتائج معركة حلب القادمة ينتظرون نصرا مؤزرا مؤكدا و لن تمنعه مجددا مناورة أميركية أخرى او ضغوط لوقف النار و هدنة لمنع المعركة .
د.أمين حطيط/موقع النشرة