حين نتكلم عن الإبداع نجد بصمتَه جليّة، وحين نبحث عن التألق تُبهرنا تلك الشخصيات العلمية التي اتخذت العلومَ والمعارف ديدناً لها، فكان عملها الدؤوب في سبيل إبراز العلم كقيمة فُضلى، مكرسين مفهومَ العلمِ الهادفِ المنتج. ولما كانت زكاةُ العلمِ إنفاقُه؛ كانت مسيرتُه الحافلة بالعطاء.
فؤاد الحاج حسن ليس مجرد اسم؛ ولا هو شخصية عابرة، بل هو من غزل من خيوط الشمس وشاحاً فكانت مشكاةَ نور ونار، نور علم يضيء سناءً وضياء..
فؤاد الحاج حسن، وللتصويب فقط، لقد كرّمك الوطن ولكن وجودك ووجود أقرانك وإخوانك هو أعظم تكريم للوطن.
قصدناه حاملين لواء الفخر بأن أخاً لنا رفع اسم لبنان عالياً، ولمناسبة تكريمه -ونخبة من زملائه- لإنجازاتهم على صعيد البحث العلمي، قابَلَنا بخجل وتواضع يعكس حب البذل في سبيل تقدم البشرية.
فؤاد الحاج حسن في سطور
حصل البروفسور فؤاد الحاج حسن على درجة الدكتوراه في العام 2000 في فيزياء علوم المواد من جامعة ميتز، فرنسا. إنضم الى الجامعة اللبنانية - كلية العلوم (I) في العام 2001 حيث يعمل حاليا أستاذاً محاضراً في فيزياء الجوامد وعلوم المواد. هو مدير مركز الأبحاث والتحاليل في علوم المياه والبيئة التابع للمعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا في الجامعة اللبنانية منذ أيلول 2015. عمل منسقاً لشعبة كلية العلوم (4) في بعلبك بين عامي 2009 و2013.
يدير فريقاً بحثيا في الجامعة اللبنانية يعمل على دراسة المواد وهو مؤسس ومنظَم العديد من المؤتمرات العلمية الدولية مثل MEDGREEN-LB 2011، ICM2013 IEEE وICM2015 IEEE. هو محاضر في العديد من المؤتمرات الدولية وعضو هيئة تحرير مجلة "Condensed matter physics " ومجلة " the scientific world journal ". محكّم لأكثر من 11 مجلة علمية دولية. نشر أكثر من 90 بحثاً علمياً في مجلّات عالمية حيث أستخدمت هذه الابحاث كمصادر لأكثر من ألف وخمسماية بحث علمي. هو مؤلف كتاب "النظرية الإلكترونية والذبذبات من البلورات" باللغتين الإنجليزية والفرنسية.
يفخر الحاج حسن بأن أعماله خضعت لمعايير علمية عالمية برهنت
للعالم بأن وطناً صغيراً كلبنان يمكن أن يساهم في بحوث مفيدة
فاز بجائزة أفضل بحث علمي في الفيزياء بمناسبة السنة العالمية للفيزياء 2005 التي أعلنتها منظمة اليونسكو. حاصل على جائزة وتنويه رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر في عام 2006 لجهوده في البحث العلمي.
كان عضوا في المركز الدولي للفيزياء النظرية (ICTP) التابع لمنظمة اليونسكو ومنظمة الطاقة الذرية، تريستا-إيطاليا بين عامي 2006 و2014. أستاذ مدعو أكثر من 15 مرة إلى الجامعات الفرنسية ودول أخرى. حاضر في العديد من المؤتمرات الدولية.
مكانة المركز
يتابع الحاج حسن حالياً عمله في إدارة مركز الأبحاث الذي "أنشئ عام 2009 وهو يضم 3 أقسام: قسم العلوم، قسم الكيمياء وقسم خاص بالمياه والتربة ويميزه التجهيزات العالية الجودة والثمن؛ في الوقت الذي تفتقد فيه كليات الجامعة اللبنانية هذه التجهيزات. فتكون أبواب المركز مفتوحة لكل الكليات التي يهمها هذا الأمر (العلوم، الزراعة، الصيدلة، الصحة، كلية الهندسة..). هذه الكليات على تماس مباشر مع المركز وبالتالي أصل فكرة إنشاء هذا المركز هو توفير الأرضية والتجهيزات للأستاذ الجامعي كي يكون لديه المقدرة على البحث. أضف إلى ذلك أنه باستطاعتنا القيام بتحاليل للمياه والتربة، وحاليا نحن نعمل مع وزارة البيئة على مشروع معالجة تلوث التربة في أماكن محددة. أما بالنسبة للمياه لدينا عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه التي تتناول خطورة الوضع في نهر الليطاني وغيره حيث كان لهذا الموضوع الأولوية منذ افتتاح المركز حتى اليوم.
أمّن المركز حاضنة لطلاب الماستر والدكتوراه أي أصبح بإمكانهم اللجوء بمشاريعهم التي يعملون عليها إلى مختبر بتجهيزات حديثة ومتطورة وبالتالي يقدمون رسائل الماجستير أو الدكتوراه بمستوى يعادل ما يقدم في الدول المتقدمة.
هناك خطوة أخرى نعمل عليها بالتعاون مع الزملاء في كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية حيث بدأنا بإنشاء مختبر فحص الأغذية ولكنه يحتاج إلى تجهيز وتمويل وهو في ظل الظروف التي نعيشها مهم جدا فمن خلاله نستطيع فحص الأغذية. و هناك خطوة نتمنى أن ننجزها حيث حضّرنا لها كثيراً وهي مركز لتربية الحيوانات (animal house) لإجراء التجارب عليها، فالكثير من الزملاء ترتكز أبحاثهم على الخلاية السرطانية وتطوير الأجهزة أي إيجاد جزيئات تقتل الخلايا السرطانية، وهذا يحتاج إلى أن نملك مدجنة فئران، وقد بدأنا السعي والعمل مع العلم أن المشروع مكلف ويحتاج إلى تمويل وقرار من الجامعة ونعول هنا على المجلس الموقر ورئيس الجامعة المساعدة في إنجاز المشروع خاصة مع توفر المكان المناسب في المركز.. وإذا أنجزنا هذا المشروع نوفر الكثير على الزملاء"..
المركز يجذب طلاب الجامعات اللبنانية
يؤكد الحاج حسن في معرض حديثه أن المركز يستقطب الطلاب من كافة الجامعات "وهو صرح وطني جامع، نعمل وفق برنامج وآلية تؤمن الاستفادة من التجهيزات وفق حجوزات سابقة، بحيث يعمل الباحث بحرية وراحة تخوله التطبيق والاستنتاج ومتابعة الأبحاث والدراسات..".
دور الدولة
يشدد الحاج حسن على أهمية رعاية الدولة للأساتذة والطلاب وواجبها "هو تحصين الجامعة اللبنانية التي تحتضن كل اللبنانيين وخاصة الطبقة الفقيرة منهم التي لا قدرة لديها لمتابعة الدراسة خارجها، ودعمها مالياً هو العامل الأساسي الذي يعطي هذه المؤسسة الدفع لكي تبقى عاملة، إضافة إلى ذلك يجب أن يهتم المعنيون بتوجيه الطلاب في المرحلة الثانوية وتقديم المنح وفق برنامج ورعاية المتفوقين..".
"يأمل الحاج حسن أن تؤمن الدولة الرعاية للطاقات ليستفيد منها البلد وتأمين
التوجيه اللازم منعاً لتفاقم أزمة فرص العمل وتحديد
احتياجات السوق من الاختصاصات"
كيف يصف الحاج حسن الجائزة الأخيرة التي حصل عليها ؟
"هي جائزة التميز العلمي، يمنحها المجلس الوطني للبحوث العلمية (CNRS). استحدثت منذ 4 سنوات حيث اخذ المجلس على عاتقه أن يمنح جوائز للأشخاص المميزين بمسيرتهم العلمية، وهذه تعتبر خطوة ايجابية. وهي ليست لعمل معين إنما لمسار علمي لشخص معين وعلى أساس ذلك يتم التقييم. ولدى هذا المجلس مجالات علمية محددة هي حاليا 4 أو 5 مجالات. والجائزة التي فزت بها هي في مجال علم الطاقة.
هذا التكريم يعتبر بمثابة مكافأة، لكن الإنسان لا يجب أن يكون عمله للحصول على جائزة او تكريم، بل بهدف الحصول على أفضل نتيجة ممكنة على قاعدة قول الإمام علي (ع):" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ، وهذا من شأنه أن ينعكس أيضا على أداء الباحثين الأشخاص الذين أعمل معهم فيمنحهم الرغبة للعمل باجتهاد واندفاع. وطبعا التفوق والفوز بجوائز عالمية يؤكد مكانة الجامعة اللبنانية الوطنية، وهذا يثبت أيضاً أن مؤسسات الدولة يمكنها ان تكون منتجة وأنها على مستوى عال وأنها تشارك بالبحث العلمي على مستوى محلي و عالمي..".
رسالته لزملائه في الجامعة اللبنانية
يختصر الدكتور فؤاد دور الأستاذ الجامعي فيصفه بأنه "يملك طاقة كبيرة للبحث وإنتاج العلم والمعارف، وهو أشبه بمحرك يعمل دائماً إن كان من خلال القراءة أو البحث أو الكتابة ولا يقتصر دوره على التدريس؛ فواجب الأستاذ الجامعي أن يبحث ويقدم العلوم المفيدة؛ فالتحصيل بالنسبة للأستاذ ليس رفاها فكرياً. ومن موقعي أنصح بالتخصص والتركيز على موضوعات معينة لتقديم الأفضل وتعميم الاستفادة من البحوث والمنشورات..".
أجرى الحوار: بشرى الحاج-طالب جرادي
تصوير: رضا بيضون
