خاص موقع التعبئة التربوية
هو حارس من حراس الأرض، حمل إسماً من ورد، ولكنه اختار أكثرها حمرة في إشارة إلى أنه وضع دمه على كفه مذ عشق نهج الجهاد واختار محاربة المحتل حتى كانت المنازلة في تموز 2006 وكان النصر الإلهي بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من المعارك الضارية. معارك تؤرخ هزيمة جيش قيل يوماً أنه لا يُقهر أمام شعب قليل العدد وبلد صغير المساحة ومقاومة شعبية محدودة الإمكانات المادية والبشرية ولكنها صلبة الإرادة والإيمان.
وبينما المقاومة تنهض وتستمر وتروي قصص البطولة لا يزال الاسرائيلي يحاول لملمة الجراح التي أصابته في روحه وإرادته وثقته كما أكد قائد المقاومة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله.
إلتقينا هذا الحارس في إطار لقاءات ذكرى الانتصار لنسجل ونؤرخ بعضاً من حكايات المقاومة البطلة، فكانت أسئلة وشرح عن صورة المعارك التي لا نمل من السؤال عنها لنختزن لأجيالنا كماً من القصص لنرويها ويحفظها التاريخ.
يسارع هذا "الحارس الأمين" وهو أحد الضباط في المقاومة لإعادة شرح ظروف بداية الحرب هازئاً من قرار اتُخذ على عجل، أُخذ من أدراج وزارة الحرب الإسرائيلية لتدمير قوة حزب الله، بذريعة استعادة جنديين مخطوفين.
بدأت المعارك، التحق الشباب من كل المناطق، حتى أن أحدهم أتى من البرازيل، يقول الضابط. والبعض التحق سيراً على الأقدام من بعض القرى لتعذر وجود النقليات، مشيراً إلى أن ما يتبين مع نهاية الحرب مَهول، فالأعداد التي شاركت ضمن قوات العدوان لا تقل عن 35 الف مقاتل مقابل فئة قليلة من المقاومة قاتلت طوال 33 يوماً وكانت في نهاية المعركة منتصرة.
بدأ العدوان وشرع العدو في تنفيذ خططه: الجزاء المناسب، قشرة الأمان، خيوط الفولاذ، تغيير الاتجاه.. خطة تلو الخطة والمعارك تطول والإسرائيلي بات يفكر بتحقيق لو جزءًا بسيطًا لحفظ ماء الوجه.
يتذكر الضابط هذه الأسماء ساخراً من المحاولات الإسرائيلية الفاشلة، ندخل معه إلى جغرافية المحور الذي كان فيه خلال الحرب فيشرح لنا قائلاً: "كنت في محور التقدم الإلتفافي الاسرائيلي الضروري نحو نهر الليطاني وهو محور يمتد من بلدة عديسة على الحدود مع الجليل الفلسطيني المحتل والمقابل لسهل رب ثلاثين المفتوح على هونين المحتلة مروراً ببلدة الطيبة فالقنطرة وعدشيت القصير ووادي البراك وصولا إلى الحجير ثم صعوداً نحو الغندورية وفرون، وهنا، يتابع الضابط، حشدَ الاسرائيلي أهم قواته التي عرفت بمجموعة 162 الفولاذية والتي ضمت فرقة مؤللة من اللواء المدرع الثاني 401 ولواء المشاة الخاص"ناحال" ولواء المشاة الأول بالإضافة الى كتيبة غولاني وكتيبة المظليين وكتيبة جعفاتي وكتيبة هندسة وكتيبة إستخبارات. وفي حساباته أن الجغرافيا ستكون لصالحه، كما يقول الضابط، وانطلقت الشرارة في هذا المحور –محور وادي الحجير- كما سمي في اليوم السادس عشر للعدوان. بدأ الإسرائيلي بالتسلل ليلاً عن طريق العديسة وقبل التسلل عمد إلى ما يعرف عسكريًا بالنار التمهيدية التي يقصف عبرها القرى. ويضيف أنه للوصول إلى الطيبة كان أمام الإسرائيلي خطان: عبر رب ثلاثين أو من خارج عديسة وصولا إلى الطيبة من جهة أو إلى رب ثلاثين عبر مركبا أو هونين المحتلة (وهي من القرى السبع) ومنها إلى الطيبة.
وكان الاختيار أن يسير بالخطين: الأول عبر كفركلا وصولا إلى تلة العويضة في عديسة لتغطية وتأمين محور التقدم الرئيسي (وهو الخط الثاني) الذي بدأ من هونين المحتلة مرورًا بالطريق الفاصلة ما بين رب ثلاثين وبين عديسة باتجاه الطيبة. وبدأ الاسرائيليون بمحور التغطية قبل المحور الرئيسي.
اشتعلت تلة العويضة بوجه الاسرائيلي وبعدها رب الثلاثين، كابَرَ الاسرائيلي وتقدم على أطراف القرى نحو الطيبة وهنا كانت المواجهة حيث كان الضابط محدثنا.
يأنس باستعادة ذلك الشريط من المواجهات، يضحك قائلاً قبل حرب تموز كنا نتنافس على النيل من أحد الصهاينة ونغبط من ينجح في عملية أو كمين أو ما شابه ويحقق نصراً أو انجازاً بوجه العدو.
في عدوان 2006 وجدنا الاسرائيلي أمامنا فكانت الفرصة لتلقينه الدرس.
نسأله عمّا حصل معه بالتحديد، يقول: "كنت في المعركة والشباب موزعين كل في مهامه، علمنا ببدء الزحف نحو الطيبة، كنّا مستعدين وجاهزين وقد جهزنا كمائن الأسلحة المضادة للدروع وعلى رأسها صواريخ كورنيت".
نطلب منه تفاصيل أكثر عما حدث معه تحديداً، فيشرح: كنت أستعد لبداية المعركة فإذا بي ألمح خيال أحد الجنود في فيلا من 3 طبقات مقابل نقطة تمركزي، سألت شابًا في موقع آخر فأكد لي دخول مجموعات كبيرة من الصهاينة إلى الفيلا، حتى أنه قال لي أن دخولهم استغرق أكثر من نصف ساعة في إشارة منه إلى عددهم الكبير. ويضيف:"كنّا سبعة ممنوع علينا أن نرتاح لأننا كنا مقسمين وكل واحد منا كان مكلفًا بمهام محددة، ومع اشتداد المعركة كنا في بعض الأماكن نفقد الاتصال مع أشخاص ومجموعات ولم نكن نعرف مصيرهم".
يتوقف الضابط بعض الشيء عند المشقة التي كانوا يعشيونها في الحرب ولكنه يؤكد أنه كان في الأمر سرّاً كان يقويهم.
يعود لشرح المعركة التي كان فيها فيشير إلى "قرار بتوجيه الضربة إلى الفيلا التي احتلها الصهاينة، في ظل تحليق منخفض لطائرات الاستطلاع، بدأت المواجهة، وكان القرار أن يرمي أحد الشباب "بي 7" على اثنين من الصهاينة كان الواضح أنهما ضابطان لأنهما بديا وكأنهما يعطيان الأوامر، فكانت الإصابة بطرف الشباك وبدأ الدك، وكان الواضح أن نتائج مهمة تحققت على صعيد الإصابات".
فجأة يأتي صوت عبر الجهاز ينادي الضابط قائلاً: "الحاج بسلم عليك فوت ليهن عالبيت". وسريعاً كانت التلبية.
يضيف الضابط وصلت على بعد 20 مترًا ورميت اثنين "انيرغا"، ثم على بعد 15 مترًا بدأت برمي القنابل، وما إن وصلت إلى البوابة الرئيسية للفيلا حتى سمعت أصوات همس ونوع من النحيب، صرخت بصوت عالي "الله اكبر، سلم تسلم" فإذا بصوت النحيب والصراخ يتعالى وعندها بدأت المواجهة وكانوا يوجهون النار باتجاهي بشكل عشوائي وكثيف محاولين إبعادي.
يتوقف هنا ضاحكاً مؤكداً أنه مع صوت النحيب الذي كان يسمع كان يسمع بعض الكلمات العبرية عبر الجهاز تتوجه بالنداءات إلى الجنود بأنكم إذا لم تقاتلوا فسيأتون إليكم.
ومع كثافة النيران الموجهة نحوه أصيب الضابط في ركبته فما كان به إلا أن ركن إلى جانب حائط، محتسباً كم الذخيرة التي نفذت. حاول أن يقوم بإسعافات أولية كما يقول، ليبدأ انسحابًا تكتيكيًا فنزل إلى الطريق العام ولجأ إلى حفرة كانت معدّة للزراعة. قضى ليلته هناك، ولمّا استيقظ في الصباح حاول التستر من جديد كي لا تكشفه طائرات الاستطلاع، حاول مقاومان البحث عنه لمساندته فإذا بطائرات (إم كا) تستهدفهما ويرتفعان شهيدين.. لم يفقد الضابط الأمل وظل يحدث نفسه بإيجابية مستحضراً أقوالا للرسول الأكرم (ص) رافضاً الاستسلام للألم والنزيف، بقي أربعة أيام على حاله، وفي أثناء محاولته تغيير مكانه في إحدى المرّات، تفاجأ بجثة أحد رفاق الدرب شهيداً على الأرض استأذنه الاستعانة بسلاحه وجهازه اللاسليكي للتبليغ عن المستجدات، تفاجأ المتلقي من جهاز الإرسال أنه على قيد الحياة فكان أن أرسلوا له مجموعة أخرى قامت بسحبه وإسعافه.
"اللي إلو عمر ما بتقتلو شدّة" مثل شعبي يؤكده المقاوم فهو نموذج لها، ولكنه يتوقف عند نتائج المعارك في الطيبة فيشير إلى أن ما تحقق كان انجازًا، فأكثر من 12 آلية عسكرية دُمرت في الطيبة إضافة إلى ما يقارب ثلاثين قتيلا و150 جريحًا إسرائيليًا، فيما لم يستشهد من المقاومة سوى شابين ليس في المواجهات بل في قصف طائرات "إم كا".
ينتهي اللقاء على عجل، يستأذننا فنستودعه الله ونقرئه السلام للأبطال الأشداء.. فيا حارساً حرسته الملائكة فكتب الله له العمر، بكم نستمر وبكم نعيش بأمان، وهذا عهدٌ منّا أن نبقى عضدًا لكم وأننا سندكم وحصنكم لتبقى راية الحق مرفوعة في زمن لن يسجّل إلا الإنتصارات بإذن الله...