في الذكرى السادسة عشر لعيد المقاومة والتحرير، ماذا يقول الحاج محمد فنيش؟
مناسبة عيد المقاومة والتحرير هي مناسبة فرح وإعتزاز وإفتخار لم تأت دون تضحيات جسيمة وإصرار ونهج صحيح ودون ثقافة ووعي وعمق لدى كل مجاهد وعامل في مسيرة المقاومة.
في هذه المناسبة نتوجه بالتحية لعوائل شهدائنا الصابرة والمؤمنة المحتسبة والتي أثبتت في محطات المواجهة أنها تربّت في مدرسة الإسلام الأصيل ومدرسة آل البيت ومدرسة كربلاء. وتحمّلت بصبر فقدَ فلذات الأكباد، وأن تفقد عوائل كل أفرادها في مسيرة هذه المقاومة ونهجها وتبقى صابرة فهم يستحقون منا دائماً أن نذكرهم بكل تقدير ومحبة وإحترام ونشعر دائماً بأننا مدينون لهم بكل ما لدينا من عزة وشعور بالكرامة. وتحية لمجاهدي المقاومة الذين لا يزالون على عهدهم ولم يبدلوا تبديلا في التصدي للمحتل الإسرائيلي وفي ملاحقة مشاريع التآمر وأدواتها في مختلف المناطق لا سيما في سوريا، والتحية أيضاً لأهلنا الحاضنين للمقاومة الذين يزدادون رسوخاً وقناعةً ودعماً لمسيرتها. والتهنئة لكل من ساعد في هذه المسيرة، ولكم أنتم أيضاً فقد كان للتعبئة التربوية جزءاً مهماً في تدعيم مسيرة المقاومة في مختلف مراحل المواجهة. ولا تزال التعبئة التربوية ترفد المقاومة ليس بالفكر والوعي والحضور الشعبي والطلابي والتعليمي فحسب بل كانت ولا تزال جزءاً في مسيرة المجاهدين في مختلف مواقع المواجهة.
هذا الإنجاز التاريخي الذي تحقق في 25 أيار، ما هي العوامل التي ساهمت به؟
عندما احتل الإسرائيلي لبنان، شعر الناس بالإحباط والإنكسار والهزيمة، وكان المطلوب أن تترسخ في أذهان الناس والأجيال فكرة أننا أمام عدو لا يمكن أن يُهزم وأن قدرَنا أن نعيش مرارة الهزائم وأن لا نفكر وأن لا نطمح. والمقولة السائدة كانت آنذاك أن لبنان والمنطقة بعد إجتياح 82 دخل مرحلة العصر الإسرائيلي الذي يعني أن دور الكيان الصهيوني على مستوى المنطقة سيكون الدور المحوري الذي يتحكم بكل مجريات الأحداث وخيارات شعوبنا وإرادتهم انطلاقاً من لبنان باعتباره يمثل حاجزاً يمكن كسره ويمكن إزالة هذا الحاجز عندما تسقط بيروت لتصبح بعدها كل العواصم العربية مفتوحة أمام الإمتداد الصهيوني وأطماعه وفساده في المنطقة.
وبهذه الظروف -عندما تقوم المقاومة المتوكلة على الله وبإرادة قلة من المؤمنين المجاهدين الذين وعوا مسؤولياتهم وتحملوا هذه المسؤوليات ومن خلال ركيزة ثقافية وإرتباط بنهج قائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني (قدس)- عندما تقوم هذه الثلة من المؤمنين بتحمل مسؤولية التصدي لهذا المشروع وإسقاط هذه المقولات وهذا لم يكن أمراً بسيطاً وسهلاً، نستذكر هنا طلائع لبنان من المجاهدين والمقاومين والشهداء والقادة بدءاً من الشهيد الشيخ راغب حرب وسيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي والشهيد عماد مغنية وآخرهم الشهيد مصطفى بدر الدين وآخرين كثر من قادة المقاومة، وكل شهداء المقاومة قادة.
استطاعت المقاومة في 25 أيار 2000 أن تلحق بالعدو الإسرائيلي هذه الهزيمة وأن تسقط كل هذه المقولات وأن تحطم جبروت جيشه وأن تعطي لشعوبنا ولأمتنا أملاً جديداً بإمكانية الإعتماد على الله وقدراتنا الذاتية وعدالة قضيتنا إذا ما سلكنا الطريق الصحيح واتّبعنا النهج الأقوم وعدنا إلى جذورنا الأصيلة نستطيع أن نحقق هذه الإنتصارات وهذه الإنجازات. فوصل هذا النهج الجهادي والإستشهادي بفترة زمنية ليست طويلة إلى تحقيق الانتصارات وبتضحيات مهمة وعظيمة، لكن ما كنا ندفعه من أثمان أثناء الإعتداءات الإسرائيلية لا يقاس بالخسائر التي كان يبذلها شعبنا دون أن يكون هناك حد أدنى من الإطمئنان أو العزة أو الكرامة.
هذا حدث له بعده ليس في زمن إنتصار المقاومة في 25 أيار أو في زمننا الحاضر بل ستكون له تأثيرات ونتائج على مستقبل المنطقة.
المحور الأول: ذكريات عن الشباب والأسر..
إذا عدنا للوراء قليلاً، كيف استطعتم أنتم الأجيال الأولى التوفيق بين التحصيل العلمي وبداية انطلاقة المقاومة؟
المسألة هي مسألة تنظيم وقت وشعور بالمسؤولية، فالحافز والمحرك للإنسان هو ثقافته وفكره قبل أي شيء آخر وبمقدار ما يكون لدى الإنسان وعياً فكرياً يصبح الإنسان معنياً بالاستفادة من وقته استفادة قصوى. وإذا كان الحافز هو الإرتباط بالله سبحانه وتعالى والتقرب منه وحمل هذه الرسالة والأمانة كمسؤولية فالإنسان لديه طاقات لا تُقدر تفرض التحديات عليه أن يستخدمها.. زكاة العلم العمل.
انطلقت المقاومة على أيدي مجموعة شابة ضمن بيئة معروفة، ما هي أهم الخصائص التي ميزتها في تلك الفترة؟
نتحدث هنا عن مجموعة واعية من المؤمنين، هذه المجموعة بكفاءتها وإخلاصها وحُسن تدبيرها ومواكبتها للتطورات إستطاعت أن تنهض بالواقع اللبناني وأن تستفيد من الكثير من المتغيرات لا سيما مسألة الثورة الإسلامية في إيران، ونجحت بجهود عديدة من علماء وعاملين وشباب وشابات في تعزيز وبناء هذه المسيرة، لكن الفضل الأول يعود لمن قدّم نفسه ودمه في الدفاع عن هذه المسيرة. وكل المرارات والتحديات ساهمت في صقل شخصية الجيل الأول من المؤسسين وأعطته حوافزاً وسعى لامتلاك كم هائل من الإطلاع والمعرفة مقروناً بحجم كبير من العمل والجهد والتحصيل العلمي والثقافي.
حاج محمد.. حدّثنا قليلاً عن تلك الفترة.. فترة الشباب والجامعة؟
في البدايات كان هناك مجموعة من الشباب المتدين وحركات إسلامية منها حركة الإمام الصدر التي لها أثر مهم في إيقاظ وعي الناس ودفعهِم نحو التحرك والمطالبة بحقوق المحرومين والمضطهدين ومواجهة جور السلطة والدعوة إلى الدفاع عن الجنوب. نحن كنا نعيش هذا المناخ إلى جانب دور العلماء الرسالي في طرح الإسلام كأطروحة فكرية وثقافية للحياة. كانت التحديات أمامنا هائلة من سيطرة "إسرائيل" والدعم الإستعماري لها، بالمقابل كان من يتصدى "لإسرائيل" تيارات فكرية بعيدة عن الإسلام ما أعطاها حضوراً فهي كانت تحمل لواء المطالب الإجتماعية وتغيير النظام فكان شباب الجيل الجديد يتأثر بأطروحات فكرية كالماركسية أو الرأسمالية أو غيرها. وعندما دخلنا الجامعة، واجهنا هذا الواقع البعيد عن الإسلام.
فالفرد إذا أشهر إسلامه أو قام بواجباته الدينية كان محل سخرية بالغة في الجامعة. وهنا نتحدث عن الإسلام المتكامل فكرياً وثقافياً وليس التقليدي البعيد عن الشأن الإجتماعي والثقافي. فكان الإسلام يحركنا ويدفعنا للبحث والمطالعة والنقاشات الفكرية والإيديولوجية والثقافية. وحركة الإمام الصدر كانت تحمل الهوية الإسلامية في البعد المطلبي دون أن يكون هناك تركيز على البناء الفكري المحض. وقد تأثرنا بالتأكيد بالمناخ الذي أوجده الإمام الصدر وبالوعي الذي ينشأ نتيجة الإحتكاك بالإيديولوجيات الأخرى. لكننا بلورنا شخصية مختلفة ذات أبعاد متعددةٍ علمياً ومجتمعياً ونضالياً.
هل عايشتم في الفترات الأولى شخصيات أثرت فيكم وقرأتم لها..؟
بالطبع حينها كان السيد موسى شخصية إستثنائية تصدت لقضايا المجتمع المحلي والإقليمي وكان يملأ البلد والمنطقة حراكاً من أجل حماية لبنان وحماية الجنوب من خطر "إسرائيل". وفي نفس الوقت كان هناك علماء آخرين نذكر منهم السيد فيصل الأمين الذي كان له دوراً متميزاً في تلك الفترة وإستقطاب عنصر الشباب وجذبه نحو طريق الهداية وتعريفه بالإسلام ومفاهيمه. كثير من العلماء كان لهم دورهم كأفراد وكان الإحتكاك بالعلماء بالعناوين الإجتماعية والثقافية.
وكان للسيد محمد حسين فضل الله دوراً أساسياً في نشر الوعي الإسلامي كما الشيخ محمد مهدي شمس الدين. ومن المعلوم أن الساحة اللبنانية تتأثر دائماً بمحيطها والعالم وفي الوقت الذي كانت فيه الأرض تنزاح وكانت المتغيرات والتحديات تأخذ الأجيال إلى مشارب ثقافية وسياسية وفكرية أخرى برزت شخصية الإمام الخميني على الساحة الإسلامية وعندما أطلت مدرسة الإمام الخميني بدأ فكره يطل على الساحة اللبنانية. إلى أن حصل إجتياح 1982 فكانت الإنطلاقة التي ترافقت مع إنتصار الثورة الإسلامية في إيران وقد كان لنا الإهتمام بهذه الأجواء. كما نستذكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر، كان فيلسوف الحالة الإسلامية، المفكر، والمرجع وكانت كتاباته من العمق والمنهجية كأنها تلبية لحاجة التحدي الفكري بين التيارات المواجِهة أي الرأسمالية والماركسية. فكانت أطروحة الإسلام مقابل التيارات السائدة سواء في كتاب فلسفتنا أو كتاب إقتصادنا والمفاهيم التي أتت بعدها ضمن "كراسات الإسلام يقود الحياة" على مشارف إنتصار الثورة الإسلامية. طالعنا كتب مجموعة كبيرة من العلماء ممن ذكرناهم إضافة إلى آخرين، لكن التركيز كان على كتابات السيد محمد باقر الصدر في بناء وبلورة شخصيتنا الثقافية والفكرية.
كنت ممن تحملتم الآلام في فترة الإحتلال الإسرائيلي للبنان، فقد إعتقلت عام 1984 في معتقل أنصار، أخبرنا عن تجربة الإعتقال آنذاك؟
مواجهة الإسرائيليين كانت وهماً في السابق، وفي البدايات كان هناك رهبة عند الإحتكاك بالنار خاصة عند أولى المواجهات، ففي ذهنك هناك أوهاماً حول هذا الجندي وعندما تحتك معه في البداية يكون أمامك حواجز تبدأ بالتضاؤل شيئاً فشيئاً لتشعر بعدها أنك تتعاطى مع إنسان عادي وكغيره له نقاط قوة ونقاط ضعف ويُهزم وتكتشف نقاط قوتك ونقاط ضعفك. كذلك في الأسر، كثير من الناس كانوا يعتقدون أن الإسرائيلي يعرف كل شيء ولكنه في الحقيقة ليس كذلك وما يعرفه هو منّا، فإذا كنا نُدير صراعاً ومنعنا عنه مصادر المعرفة ولم نمكنه من إختراق مجتمعنا لئلا يتزود بمعلومات، فإنه لن يعرف شيئاً. تكتشف في مرحلة الأسر هذه الحقيقة وغيرها وتخوض الصراع معه.
فأنت لا تريد السماح له بالاستفادة منك للحصول على معلومات أكثر مما لديه ولا تريد تأكيد ما بحوزته من معلومات، وهذا كان كباشاً، فالعدو كان يكشف أوراقه وأنت تحافظ على ما تملكه من معلومات ولا تسمح له بأن يخترق معلوماتك ولو استخدم الترحيب والتخويف والضغط ولا بالوسائل التي يجيد استخدامها. وتكتشف أيضاً في هذا الصراع أن الإسرائيلي غير قادر على معرفة كل شيء وتستطيع الصمود والمقاومة وحصر العدو بالمعلومات التي يعرفها فقط.
تجربة الأسر كانت مفيدة لهذه الجهة وقد تعرفنا على أساليب التحقيق التي يعتمدها الإسرائيلي. كما تتعرف على تركيبة مجتمعك سواء في الزنازين أو في معسكرات الإعتقال أو الداخل. وهنا تعتز بإخوانك، فالإسرائيلي بدأ يستشعر وجود جهة أكثر خطورة من الذين واجههم سابقاً ومعلوماته عنها قليلة جداً وكان يعتبر أية معلومة مهما كانت صغيرة كنزاً.
وهنا تكتشف مدى صلابة إخواننا أثناء التحقيق وليس فقط في المقاومة. كما تكتشف أيضاً ضعف الآخرين في هذا المجال رغم أنهم كانوا مقاومين لكن التأثيرات الإسرائيلية كانت تجعلهم يعترفون بكل ما لديهم من معلومات، وهذا هو الفارق بالتربية. كما أنك تخوض حوارات سياسية مع فصائل أخرى وتتعرف على الآخرين.
وأذكر أحد الأخوة الشيوعيين أخبرني "أن أحداً ما أعطى معلومات للإسرائيليين عنك" ونشأت صداقة بيننا في الزنزانة، وبعد الخروج من المعتقل، استمرت هذه الصداقة، وقد توفي هذا الشخص ولكن أثناء قيامي بواجب التعزية علمتُ أنه صار ملتزماً بالواجبات الدينية ويُكّن الاحترام لي. هذا دليل على أن الإنسان يجب أن لا يعطي أحكاماً مسبقة على الآخر، فالأمل دائماً موجود بأن يزرع الإنسان بذرة هداية ومعرفة من خلال أسلوبه في التعامل مع الآخرين.
إذاً نجح الحاج محمد فنيش في مواجهة الإسرائيلي في فترة الأسر في معتقل أنصار؟
بالمقارنة مع الأخوة الأسرى نتحدث هنا عن فترة أسر قصيرة استمرت لستة أشهر. أحمدُ الله سبحانه وتعالى أن أَعانَني أن أصمد ولم يستطع الإسرائيلي أن يأخذ مني شيئاً، بحيث أن العلاقة بيني وبينه كانت "كباشاً" وعلى الرغم من أنه اتهمني بامتلاك معلومات كنتُ أنكر.
من الضروري أن يخص الإنسان نفسه بالجانب الروحي والإهتمام بالجانب العبادي لأنه في حاجة دائمة إليه وبكل الأوقات وخاصة في فترة الأسر لتقوية إرادته وصموده المستمد من الله.كل إنسان يملك طاقات دفينة أقوى من الجبل وعليه أن يستثمر المنهج التربوي الإيماني بشكل صحيح وسليم. وبالطبع كانت تجربتي محدودة فالإسرائيلي اليوم يملك إمكانيات كبيرة، فعلى المعتقل أن يعي جدية الإمتحان الذي يخوضه فإما ينجح أو يفشل.
هل اعتمدوا معك أساليب تعذيب معينة؟ يقال أنك تعرضت للضرب؟
الإسرائيلي عادة هو أكثر "حضارة" من التنظيمات التكفيرية (ضاحكاً)، فاستخدام العنف عند الإسرائيلي ليس بهدف العنف فهو بذلك يستخدم أسلوب الضغط والإغراء من أجل الحصول على المعلومات. فالركيزة المعتمدة كانت أنه هناك إحتمال إمتلاكي معلومات قد تفيد أمنه.
ماذا تستذكر فيما يخص لحظات التبادل والخروج من المعتقل؟
بعد عملية التبادل استقبلَنا السيد عباس الموسوي (رض) بعد رحلة طويلة جداً استمرت 17 ساعة براً من سوريا إلى لبنان. تناولنا العشاء وجلسنا مع السيد وباقي الأسرى في مسجد الإمام علي(ع) في البقاع.
المحور الثاني: حديث في بعض الملفات التربوية
في ما يخص موضوع سلسلة الرتب والرواتب، من هي الجهة التي تعرقل هذا الملف منذ أكثر من سنتين؟
الجهة الوحيدة التي كانت صادقة في موقفها وثابتة عليه هي حزب الله سواء في المجلس النيابي أو في الحكومة. وأعتقد أن مواقف القوى الأخرى بهذا الموضوع غير ثابتة ضمنياً أو في المواقف. وقلة من القوى السياسية تستطيع أن تطمئن لموقفها وثباتها. أما من عارض فهم جماعة 14 آذار وعلى رأسهم تيار المستقبل الذي وقف في وجه السلسلة ومعروف موقف الرئيس السنيورة واللجنة التي تشكلت وطرحت موضوع السلسلة. السلسلة حق للمعلمين والإداريين وخصوصاً بعد اقرار سلسلة الأساتذة الجامعيين والقضاة.. بانتظار انعقاد مجلس النواب والبعض يعطل قيام المجلس بدوره التشريعي. المطلوب من القوى السياسية أن تحسم أمرها وأن تعطي الحق لأصحابه.
في ظل التحديات التي نعيشها، ما هو دور المعلم المربي لمواجهة الغزو والتغريب الثقافي وفي بناء جيل راسخ؟
لا يقتصر دور المعلم على نقل المعرفة الأكاديمية للطالب بحكم الإحتكاك اليومي والحوار وهذا يعتمد على شخصية المعلم، فهناك معلمين ممدوحين وناجحين ولديهم خبرة تعليمية لكنهم لا يحملون الهم العام أو أطروحة إجتماعية وليس لديهم مشروع أو إلتزام فكري أو ثقافي أو عقائدي أو سياسي.
في مرحلة ما، يترك المعلم تأثيراً بمسلكه على الطالب بحسب المستوى التعليمي والمراحل التعليمية. فكيف إذا كان المعلم -في المرحلة الثانوية بالذات وأمام هذا الإحتدام وتلاطم الأمواج الفكرية والثقافية- لديه مشروعاً ورؤية وثقافة ويحمل هم إيصال الأفكار للناس. إذا كان هذا المعلم يمتلك القدرة على التأثير، سيقترن تأثيره المعرفي بالتلقين العادي للعلوم والآداب مع المشروع الفكري الثقافي الذي يحمله وبالتالي يكون للمعلم الدور في صوغ شخصية الطلاب الذين لم تتبلور شخصيتهم بعد.
بحكم تجربتك حاج محمد في التعليم، هل اعتمدت هذا الأسلوب مع طلابك؟
خلال تجربتي، كنت أتعمد إجراء حوار مع الطلاب أثناء الدرس وخارجه والمقصود من هذا الحوار دفع الطالب إلى التساؤل حول مجتمعه والتطورات والأوضاع السياسية والثقافية. وبالتالي كانت تنشأ علاقات بيننا وبين الطلاب وبعدها نكتشف أن الإنسان يبذر بذرة فتأتي أكلها بعد حين..
ما زالت هذه العلاقة لليوم؟
نعم.. بالتأكيد
المحور الثالث: في الوضع المحلي والإقليمي
ما تقييمكم لنتائج الانتخابات البلدية لا سيما في المحافظات الكبرى مثل بعلبك-الهرمل والجنوب والكلام الذي أثير حولها من ناحية ضعف المشاركة و..؟
الإنتخابات البلدية لها بعدها السياسي ومقولة "العائلات" هي مقولة لا تصلح لمعرفة وفهم هذا الاستحقاق الإنتخابي ولا يجوز أن نحصرها في هذا البعد فقط لأن ذلك يؤدي إلى إنحدار الشأن العام.
فالإنتخابات البلدية في حسابنا لم تكن منافسة سياسية بيننا وبين الخصوم. فمن كان في لوائح التنمية والوفاء هو داعم للمقاومة ومن خارجها كان أيضاً داعماً للمقاومة. فعنوان المواجهة كان من يصلح أن يكون في المجلس البلدي مؤهلاً وأفضل ليتولى هذه المسؤولية، ونحن كنا نقيم ذلك، وأخذنا من الطاقات المتاحة ما يتلاءم مع هذا العدد. ولم نتفاجأ بالنتائج لا على مستوى الجنوب ولا على مستوى بعلبك ولا على مستوى الضاحية. هذا يعكس مدى حجم التأييد والثقة بقيادة المقاومة وإرادتها. بالعموم التجربة متعبة ونحاول إستخلاص الدروس ونستفيد من أخطائنا. ونوجه تحية لأهلنا لهذا الدعم وهذه الثقة الكبيرة التي نعتز بها.
كما أتوجه هنا للفائزين بكلمة "وفاءً لأهلنا يجب أن نُحسن إدارة هذه المجالس".
ماذا عن انتخابات جزين الفرعية.. أي دور لعبه حزب الله فيها؟
لقد خضنا إنتخابات جزين الفرعية دعماً لحليفنا التيار الوطني الحر وقد ساهمت جهودنا بشكل كبير في إنجاح مرشح التيار الوطني. وهذا جزء من خطنا السياسي أن نتعاون مع حلفائنا بإخلاص.
بعد الإنتخابات البلدية، ما العائق الذي يبقى أمام قيام إنتخابات نيابية؟
صحيح مثلما يتردد بعد إجراء الإنتخابات البلدية أنه لم يعد هناك سبباً للقوى السياسية بأن لا تجري إنتخابات نيابية. فلم تعد حجة التذرع بالأوضاع الأمنية والظروف المهيئة للإنتخابات عذراً مقبولاً. أصبح التمديد للمجلس النيابي صعباً لكن العائق الآن هو الإتفاق على قانون الإنتخابات. هناك فرقاء سياسيون يريدون قانون إنتخابات يلبي مصالحهم دون النظر في مسألة الإصلاح ومعالجة المشاكل التي نشأت عن القوانين السابقة وعدالة وحُسن التمثيل.
وبالتالي عند إقرار قانون يوافق عليه الجميع نذهب إلى إنتخابات وصولاً لإنتخابات رئيس الجمهورية. وبالتالي الإنتخابات البلدية قد خلعت الذريعة وإمكانية التمديد للمجلس النيابي لذلك يجب أن نحث القوى على القانون الذي نراه القانون الأمثل وهو القانون النسبي الذي يُتيح المشاركة للقوى السياسية.
كيف استطاعت المقاومة الإسلامية المزاوجة بين الهوية الوطنية والإسلامية والعربية؟
إنّ ميزة حزب الله كحركة إسلامية ومقاوِمة أنه قدّم أطروحة إسلامية من خلال تجربته في لبنان مستنيرة ومتميزة عن الآخرين من الحركات الاسلامية.
فحزب الله في فهمه للهوية أعمق وأوسع من فهم الكثير من الحركات الإسلامية، وتجربته تجربة رائدة ستكون قدوة للحركات الأخرى. لم نجد تعارضاً بين انتمائنا الديني والقومي والوطني, نحن لا نقارن أطروحة ثقافية رسالية عقائدية في مسألة انتماء عرقي أو مذهبي أو وطني. فلا نستطيع أن نقارن مسألتين ليستا متماثلتين، فأطروحة الدين أسمى وأرقى من هذه المسائل وتحتوي الموضوع القومي الوطني. انطلاقاً من ذلك ومن فهمنا لهذا الدين هو رسالة هداية وإقامة عدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنظومة قيم ومواجهة ظلم وارتباط بالله تعالى.
بين المقاومة عام 1982 وعام 2012كنا نقاتل عدواً واحداً واليوم سقطت الأقنعة وكثر الأعداء.. كيف تقيمون التطورات التي حصلت وهل كنتم تتوقعون مثل هذا الأمر؟
الكلام يطول في هذا الجانب, منذ انجاز التحرير بدأت سهام العداوة تنكشف وكنّا ندرك ذلك، وحتى قبل التحرير. لم يكن هناك اجماع على المقاومة في لبنان. فبعد انتصار المقاومة خفتَ صوت الأعداء الذين جاهروا بعدم قناعتهم بها، لكن المقاومة في كل مراحلها عانت من مثل تلك الأصوات، فحاولوا أن يجعلوا الإنسحاب الإسرائيلي مناسبة لإسقاط مشروعية المقاومة وهذا كان سبب خلاف ولا يزال كذلك. ولم تقتصر المحاولة على جهات محلية بل أيضاً قوى دولية وإقليمية تريد إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل انتصار المقاومة عام 2000، وتريد إسقاط هذا الدور حتى لا يكون هناك أي خطر على اسرائيل أو قوى تردع إسرائيل وبالطبع توقعنا هذه التحديات، فكانت المقاومة بجهوزية تامة وحالة يقظة واستعداد في 2006 كانت المقاومة تنتظر عدوها وألحقت به الهزيمة مرة أخرى واستطاعت أيضاً بالداخل مواجهة كيد وبعض الألاعيب من بعض القوى المحلية. ولكن بعد غزو الأميركان للعراق وفشل مشروع حرب تموز, بدأ اللعب على الموضوع الطائفي والمذهبي ومحاولة حرف الصراع, فبدلاً من أن يكون الصراع مع اسرائيل فتحظى المقاومة بالدعم والتأييد من قبل الشعوب الإسلامية والعربية, أصبح الصراع شيعياً سنياً أو عربياً ايرانياً لأنه يخدم اسرائيل. فمراكز القرار المعنية في المنطقة والداعمة لإسرائيل والمستفيدة من اسرائيل لعبت على هذا وساعدتها أدوات تكفيرية وإرهابية وبعض المدارس الوهابية وبعض الأنظمة التي كان دورها التاريخي حماية أمن الكيان الصهيوني وتأمين اختراق في نسيجنا العربي والإسلامي لتأمين مصالح قوى مستفيدة من دعمها لتبقى في السلطة، بالتأكيد إنني أقصد في كلامي نظام آل سعود بشكل واضح. أمام هذا الواقع، التحديات والتطورات والتحولات التي ترافقت مع أحداث في العالم العربي فرضت على المقاومة تحديات من نوع آخر, بقيت المواجهة مع إسرائيل لكن اتسعت أشكال هذه المواجهة.. اليوم الجماعات التكفيرية هذه ما هي إلا وجه آخر للعدو الإسرائيلي لأنها لا تخدم إلا العدو الصهيوني، فأي تفرقة بين المسلمين هي خدمة للعدو الإسرائيلي وأي تهديد لوحدة المجتمعات هي خدمة للعدو الإسرائيلي وأي تطاول على المقاومة هو خدمة للعدو الإسرائيلي. مع الأسف الشديد هذه الدول العربية دورها فقط تضييع الفرص، فهناك فرص ثمينة جداً اليوم وهي قوة المقاومة وقوة الجمهورية الإسلامية في إيران، فبدل الاستفادة من هذه الفرص والبناء عليها من أجل التركيز على قضية فلسطين وهي القضية الأساس، هم يحوّلون الصراعات باتجاهات أخرى وينسون قضية فلسطين ويتركونها للعدو الإسرائيلي ويظهِرون مدَّ اليد للعدو الإسرائيلي من أجل حماية سلطاتهم.
حاج محمد.. قتال حزب الله في سوريا أبعده عن قضية فلسطين أم قربّه منها؟
كلا، فنحن نقاتِل ونقاتَل في سوريا لأننا نحمل القضية الفلسطينية، ولو تخلينا عن هذه القضية لما كنا تعرضنا لهذه الجماعات، فما نتعرض له من حملات سواء نحن أو الجمهورية الإسلامية في إيران أو حتى سوريا فقط لأننا ثبتنا على مواقفنا وجعلنا من موضوع دعم الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه هو قضيتنا الأساس والأولوية ولم نقبل التخلي عن سلاحنا في مواجهة استمرار الإحتلال الإسرائيلي لأرضنا في لبنان أو في مواجهة الخطر الذي يمثله الكيان الإسرائيلي على لبنان والمنطقة، هذا هو جوهر الأزمات في المنطقة.
فسوريا تُستهدف بشكل وحشي وتدميري منهجي عبر الأوراق التكفيرية، استغَلوا حركة إحتجاجية مطلبية محقة، لكن هم لا يريدون الإصلاح بل يريدون تدمير سوريا، إمّا أن تسقط سوريا بيدهم ليصبح قرار سوريا خارج منظومة المقاومة وخط المقاومة ومشروع المقاومة، أي أن تقطع سوريا علاقتها بحزب الله وبإيران، وإما استخدام هذه الأدوات التكفيرية الإرهابية في العنوان المذهبي. فهذه المجموعات المتوحشة التي أفلتوها في منطقتنا هي أدوات ولا تحمل مشروع تستطيع أن تنفذه وتحققه لذاتها، إنما تملك قدرات تدميرية وقدرة على إثارة الفتنة والقتل وإرتكاب المجازر لكنها لا تملك القدرة لا على إدارة مجتمع ولا على الإمساك بقرار مجتمع، لذلك إستخدموها والهدف كان إمّا أن تسقط المنطقة وخصوصاً سوريا لقطع الطريق على مشروع المقاومة وإمّا أن يُترك العنان لهذه الجماعات حتى تدمر كل شيء لكن بحمد الله سبحانه وتعالى صمود المقاومة ومبادرتها للتصدي لهؤلاء الوحوش وصمود الدولة في سوريا والجيش السوري وغالبية الشعب السوري عطّل ذلك، فاليوم الشعب السوري أصبح ضحية فلم يعد هناك للمعارضة قضية. نتيجة لصمودنا ولخطر هذه الجماعات -ليس فقط على الشعب في سوريا بل على العديد من الدول- نرى اليوم بعض المحاولات لإيجاد حلول لأن هذه الدول بدأت تشعر بأن مشروعها قد فشل وتداعيات استمرار الحرب في سوريا ستكون نتائجها عكسية وخارج مصلحتهم وبالتالي نحن لم نغير ولم نبدل في وجهة صراعنا لكن إذا أردنا أن نحمي ظهر المجاهدين والمقاومين في مواجهة العدو الإسرائيلي يجب أن نحفظ طريق إمداد المقاومة ونحفظ ظهر المقاومة ونتصدى لهؤلاء كي لا يصبحوا في عقر دارنا، لذلك كانت مبادرتنا بعد طول صبر وإنتظار لمنع أذى هذه الجماعات ولدفع خطرهم ونجحنا في ذلك إلى حد كبير.
هل هناك أفق للعلاقة مع السعودية أم أن الأمور ذاهبة للقطيعة التامة؟
هذا مرتبط بفهمنا لدور السعودية ودور هذه الأسرة الحاكمة. لكن دائما نحن نسعى في السياسة إلى ترتيب الأولويات فمشكلتنا مع السعودية أنها هي التي أظهرت العداء للمقاومة في حرب تموز بشكل خاص وهي التي أكملت هذا العداء وقرَنَته بمشاريع دعم للجماعات التكفيرية والإرهابية وفي تدخلها في سوريا بالشكل المدمر الذي تدخلت به، كما أنها نصبت العداء للمقاومة بكل أشكالها من فلسطين إلى لبنان. وإذا ما استمر هذا النهج فإننا لا نستطيع أن نسكت على جرائم السعودية ولا على ممارساتها سواء في اليمن أو في البحرين أو في سوريا. نحن نملك سلاح الموقف ولا نستطيع إلا أن نواجه هذه المشكلات التي تستهدف دور المقاومة ووجودها. إذا استمرت السياسة السعودية على ذلك, سيستمر هذا التباعد ونحن سنبقى ثابتين على مواقفنا, وإذا طرأ تغير ما, يمكن أن يتم التعامل مع هذا التغير بقدر ما يخدم إسقاط المشروع وإحباط الأهداف وحماية المقاومة وتعزيز دورها.
في الختام.. حاج محمد كلمة لكم لموقع التعبئة التربوية عشية اطلاقه بحلة جديدة:
أحييكم في التعبئة التربوية على جهودكم في الجانبين التربوي و الإعلامي. نحيي حهودكم ونتمنى لموقعكم الجديد أن يكمل دوركم وأن يكون صلة الوصل مع مساحة وشرائح واسعة من الناس وأن يتمتع الموقع كما نعهدكم بالمصداقية والموضوعية التي هي جزء من مسلكنا ومن ممارستنا. فليس المهم أن نكسب الناس بالإثارة, المهم أن نكسب ثقة الناس في مصداقيتنا وأن تصل كلمة الحق إلى الناس وأن نكون صادقين بما ننقله لهم من معلومات. إدراككم لأهمية استخدام هذا التطور التكنولوجي يعني التطور في أدائكم وفي وسائل تواصلكم وهذا يعكس شعوركم بالمسؤولية في الإستفادة من التطور التقني لإبقاء صوت المقاومة قوياً دائماً ومنطقها واضحاً ومواقفها تصل إلى من يريد التعرف إلى كلمة الحق والحقيقة.
بالتأكيد واضح أهمية هذا التطور والتواصل بين الناس، اليوم نرى في الإعلام تراجعاً لدور الصحف الورقية ونحن ندعو إلى ضرورة معالجة مشاكل هذه الصحف، ومساعدتها للبقاء لأنه لا يمكن الاستغناء عنها. لكن واضح أنه مع التطور التكنولوجي ودور مواقع التواصل واستخدام الانترنت أصبح هناك حاجة ملحة للإعلام الالكتروني. والاعلام الالكتروني وهذه المواقع التي تستفيد منها التكنولوجيا تلعب دوراً كبيراً في إيصال الفكرة وتوعية الناس ونقل المعلومات.
فريق موقع التعبئة التربوية
أجرى الحوار: فاطمة شحرور، بتول شعيتو، مروى ناصر، طالب جرادي.
تصوير: رضا بيضون، محمد شرف الدين.