يخوض الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة واحدة من معاركه في الوسائل المتاحة له لاظهار حقوقه التي طمسها المشروع الاستكباري العالمي منذ زرع الكيان الصهيوني المؤقت في قلب العالم العربي والاسلامي..، ووجدَ الفلسطينيون في مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لترسيخ هويتهم بين الشعوب، وبذلوا جهدًا كبيرًا في دحض الرواية الإسرائيلية، وما يتبعها من أساليب ممنهَجة لطمس الحضارة الفلسطينية.
ومنذ احتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية، سعت السلطات الإسرائيلية لخلق ذاكرة فلسطينية جديدة، هدفها تهويد المعالم التراثية والحضارية والدينية التي تحكي تاريخًا عظيمًا، ومنحها مصطلحات عبرية جديدة ومحاولة تثبيتها في عقول الجيل الجديد، لكن ما جرى كان العكس، فورثت الأجيال روح البحث والتقصّي عن الحقيقة وكشف زيف المحتل وادّعاءاته.
وفي الوقت الذي تتعرض فيها مدن وقرى الضفة والقدس المحتلتَين لعملية تهجير من قبل سلطات الاحتلال، خُلقت في قطاع غزة المحاصر حملة "مسمهاش هيك" الإلكترونية، لتغزو مواقع التواصل الاجتماعي ولتذكّر بأسماء الأشياء الفلسطينية الحقيقية وليس كما يروِّج لها الاحتلال.
لم يقتصر التفاعل مع وسم "مسمهاش هيك" على الفلسطينيين فحسب، بل شاركهم بعض النشطاء العرب، خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي توفِّر مساحة كافية للتفاعل مع القضايا الوطنية، وتساهم في نجاح الحملات الإلكترونية، لا سيما ذات الطابع الوطني.
كيف جاءت الفكرة؟
صاحب الحملة الصحفي والأكاديمي محمد السيقلي (34 عامًا)، جاءته الفكرة خلال تدريسه مادة لطلابه في الجامعة، حيث يقول: "انطلقت فكرة الحملة نتيجة المصطلحات المشبوهة التي غزت ألسنتنا ومناهجنا وتفاصيل كثيرة من حياتنا (..) لذا تستهدف الحملة إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني والعربي بما يتوافق مع المسارات السياسية".
وأضاف السيقلي: "جاءت الحملة حتى لا يطلق على حارة المغاربة حارة اليهود، وحتى لا يصبح حائط البراق هو المبكى، والاحتلال يصبح "دولة إسرائيل"، والقدس تصبح أورشاليم، والحاجز العسكري يصبح معبرًا"، معتبرًا أن مبادئ الحملة تشتبك مع الرواية الإسرائيلية من نقطة الصفر، وحققت أهدافًا عديدة في مرمى العدو.
وذكر لـ"نون بوست" أن وسم "مسمهاش هيك" لاقى تفاعلًا كبيرًا، وحقّق وصولًا محليًّا وعربيًّا حتى ساهمَ في تشكيل الوعي تجاه الهوية الفلسطينية، ومواجهة الدعاية الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن اللافت كان هو التفاعل العربي على مستوى النخبة من إعلاميين وقادة رأي عبر حساباتهم وتبنّيهم لأفكار الحملة.
وكانت من بين المتفاعلين مع الحملة إذاعتا "الصمود" و"الاقتصادية" اليمنيتان، عبر حلقة إذاعية مفتوحة لتسليط الضوء على المصطلحات الفلسطينية التي يحاول الاحتلال تهويدها، كما وعدَ سياسيون يمنيون على مستوى مجلس رئاسة الوزراء تبنّي الحملة وتعميمها في اليمن، وحظيت باهتمام بالغ من قبل الإعلامَين المحلي والعربي.
وتصدّر وسم "مسمهاش هيك" منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وحصل في موقع تويتر على "تريند" متقدِّم -لدى إطلاق الحملة-، وسط مشاركة وتفاعل كبير من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينيين والعرب.
وأكثر ما كان لافتًا هو تفاعل عدد كبير من النخب العربية والمحلية في استخدام المصطلحات العربية الفلسطينية، كما أحدثت الحملة وعيًا كبيرًا لدى تلك الفئة المهمة، لينتج عنها سلسلة من المقالات والحملات المشابهة مثل #قلولاتقل.
ويؤكّد السيقلي أن الحملة ستواصل دحض الدعاية الإسرائيلية التي تعبث في كل مفردة ومصطلح ومسمى فلسطيني كمحاولة من الاحتلال سرقتها، خاصة المصطلحات وأسماء القرى والمفردات المتداولة.
وأشار إلى أن الحملة استخدمت فكرة الكتابة على غبار السيارات العمومية، وهي فكرة غير تقليدية لجذب انتباه الجمهور، والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، خاصة أن المركبات العموميات تجول لمسافات بعيدة، ويقع عليها أنظار الكثيرين.
وعن تفاعل طَلَبته، تحدّث الأكاديمي السيقلي أن الحملة عملت على توعيتهم، خاصة أنهم في عمر صغير، فقد تفاجأ بعدم اهتمامهم بالعلامات بقدر محاولاتهم إنجاح فكرتهم والعمل على تطويرها وترجمتها إلى عدة لغات.
أهمية الحملات الإلكترونية الفلسطينية
من خلال التجارب السابقة، هناك هجمة شرسة على المحتوى الفلسطيني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إما بالتقييد وإما بالحذف وإما بالحظر، لذا بات يدرك النشطاء الفلسطينيون كيفية التعامل مع خوارزميات تلك المنصات، لا سيما في الأحداث الوطنية التي تراقبها فرق إسرائيلية وترسل تقارير إبلاغ تتجاوب معها إدارة تلك المنصات.
ويرى سمير النفار، المختص في مواقع التواصل الاجتماعي، أن الحملات الإعلامية الفلسطينية تحدث الزخم المطلوب عند طرح أي قضية للتفاعل معها، وينجح القائمون عليها في رفع حالة الوعي المجتمعي للشعب الفلسطيني.
وذكرَ لـ"نون بوست" ما أحدثه التفاعل مع وسم "أنقذوا حي الشيخ جراح" العام الماضي، وعاد النشطاء للتغريد عليه خلال الشهور الحالية، على أنه نقل لقضية المهجّرين قسرًا من بيوتهم إلى العالم، وأدّى إلى تراجع سلطات الاحتلال عن تطبيق قراراتها في عدة أحياء مهدَّدة بالتهجير، بعدما أُحرجت "إسرائيل" أمام المجتمع الدولي جرّاء فضحها.
وأوضح النفار أن الحملات الوطنية تؤثّر على دوائر صنع القرار لدى الاحتلال الإسرائيلي، كونها تهزّ صورته أمام العالم وتفضح ممارساته القمعية للمدنيين.
ولفت إلى أن هناك فِرَقًا متخصِّصة لدى الاحتلال، مهمتها تصيُّد ومتابعة كل ما يصدر من محتوى فلسطيني على منصات التواصل، حيث يتمّ تحليله، وفي حال ثبت أنه معادٍ له تتمّ مراسلة إدارة المنصة لحذفه، في المقابل تنشر الدعاية الإسرائيلية دون قيد أو حذف على هذه المنصات التي تتماهى مع متطلبات الاحتلال.
وبحسب متابعة النفار، فإن الحملات الإعلامية الفلسطينية، ومنها "مسمهاش هيك"، ذات فعل كبير وتفرض قوتها على دولة الاحتلال، مشيرًا إلى أن إبراز القضايا اليومية على المنصات يحدث صدى عاليًا ويجب عدم التراجع.
وأكّد على أهمية الحملات الإلكترونية لدحض الرواية الإسرائيلية التي تحاول شطب أسماء المدن الفلسطينية والتراث الفلسطيني، وسرقة حتى أكلاته ونسبها إليه كالفلافل والكنافة والحمّص التي بات يُكتب بجانبها عند البحث "إسرائيل"، لافتًا إلى أن الاهتمام بالمصطلحات الفلسطينية له أثر بالغ على الأجيال القادمة، حتى لا تنشأ على مصطلحات مشوَّهة.
ولا تزال الحملة مستمرة، وكان ذلك واضحًا حين وقعت عملية فدائية في الضفة الغربية المحتلة، وسارع الاحتلال بالإعلان عن مكان الحادثة بأنها في مستوطنة "العاد"، لكن سرعان ما تفاعل النشطاء وغرّدوا بالتعريف عن الاسم الحقيقي للمكان، وهو المزيرعة، وراحوا يروون أصل حكاية المكان.
المصدر: نون بوست
بتوقيت بيروت