أصدر «المجلس الوطني للبحوث العلمية» و «المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ـ ifpo»، الشهر الماضي، كتاب «أطلس لبنان: تحديات جديدة». صدر ذلك باللغتين العربية والفرنسية، وبدعمٍ من «اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو» وبرنامج «سيدر للتعاون اللبناني الفرنسي»، ومن إعداد الأمين العام للمجلس الدكتور معين حمزه، ومدير «المركز الوطني للاستشعار عن بعد» التابع للمجلس الدكتور غالب فاعور، والأستاذ في «معهد العلوم السياسية» في باريس والخبير الجغرافي الدكتور إريك فرداي، بمشاركة باحثين لبنانيين وفرنسيين.
يضمّ الأطلس ستة أجزاء: يركّز الأول على الجغرافيا السياسية الإقليمية، والعنف السياسي الداخلي وأثره المحلي، وتحديد أماكن إقامة اللاجئين السوريين، وبيّن الثاني هشاشة النموذج الاقتصادي الذي تنفّذه حكومة إعادة الإعمار بالاعتماد على الاستثمارات الأجنبية وتحويلات المغتربين وتراجع الصناعة والزراعة، أمّا الثالث فيلحظ زيادة العمران الكثيف بنسبة 80 في المئة خلال السنوات العشرين الماضية على حساب المناطق الريفية والزراعية والساحل. من جهة أخرى، يتناول الجزء الرابع القضايا البيئية الرئيسية وحرائق الغابات والانهيارات الأرضية والفيضانات. ويركّز الخامس على أزمة الخدمات العامة من شحّ المياه، وعدم التكافؤ في الحصول على مياه الشّفة، وأزمتي والنفايات. ويشير الجزء السادس الى تنامي دور البلديات في المناطق وهيئات المجتمع المدني في ظل تراجع دور الدولة.
يحتلّ لبنان، وفق معطيات الأطلس، المرتبة الحادية عشرة في المنطقة، والمرتبة الأولى عربيا بين الدول غير المنتجة للنفط والغاز، بحسب مؤشر التنمية HDI (0.765 في عام 2014) ويعود المستوى العالي في لبنان في المقام الأول الى ارتفاع متوسط العمر المتوقع (79.4 أعوام في عام 2015 وفقاً لمنظمة الصحة العالمية)، وإلى مستوى عال في المؤشرات التعليمية. تمثّل الإناث نسبة 54.2 في المئة من عدد طلاب الجامعات في عام 2014، وتمثل النساء نسبة 25 في المئة من القوة العاملة. مع الإشارة الى أن الفقر (أقل من 4 دولارات للفرد في اليوم) كان يشمل 28.6 في المئة من مجموع السكان في عام 2008، والفقر المدقع (أقل من 2.4 دولار في اليوم للفرد) يشمل نسبة 8 في المئة.
يتم الاعتماد على تحليل الصور الجوية العالية الدقة لدراسة العمران. وقام المجلس بعمل منهجي على صور السنوات 1994، و2005، و2013 ما أظهر زيادة في المناطق المبنية والمصطنعة بنسبة تقارب 80 في المئة، أي من 472 الى 858 كيلومترا مربعا، أي 8 في المئة من الأراضي اللبنانية. فعلى سبيل المثال، زادت نسبة المنطقة العمرانية من المساحة الإجمالية في النبطية من 3 في المئة (1994) إلى 9 في المئة (2013). أما في محافظة الجنوب، فمن 4 في المئة إلى 10 في المئة. يؤكد فاعور أن محافظتي الجنوب والنبطية شهدت حركة عمران كثيفة بعد حرب تموز واستقرار الأوضاع.
تلحظ معطيات الأطلس محدودية وصول الأفراد في لبنان إلى البحر. يبلغ عدد المخالفات المرتبطة بإشغال الأملاك العامة البحرية 1036 في عام 2014، ويقع العدد الأكبر منها في جبل لبنان، يليه الجنوب.
يشير فاعور الى أن لبنان شهد تغيرات مناخية مهمة منها: زيادة درجات الحرارة على الصعيد الوطني وزيادة الأيام ذات درجة حرارة عالية، ما يفاقم الجفاف وخطر حرائق الغابات، وتضاعف فترات الأمطار الغزيرة، ما يهدد بالفيضانات وانجراف التربة وانزلاقات الأراضي.
يتمتّع لبنان نسبيا بموارد مائية جيدة على مستوى المنطقة، حيث يبلغ متوسط تساقط الأمطار 855 ملم في السنة، غير أنه يظهر إدارة سيئة على المستوى الوطني. يعتبر تخزين المياه السطحية ضعيفا جدًا، ويغطي الاستخدام المكثف للمياه الجوفية نسبة خمسين في المئة من احتياجات الزراعة، و80 في المئة من احتياجات مياه الشفة. ويشكل غياب معالجة مياه الصرف الصحي خطرا كبيرا على صحة السكان الذين لا يستطيعون دوما الوصول الى شبكة مياه الشفة. يلحظ فاعور دور البلديات في التخطيط العمراني وتطوير المشاريع فتظهر اتحادات البلديات، اليوم، مستوى جديدا للعمل والحوكمة.
يكشف «الأطلس»، وفق فاعور، عن نتائج بحوث ودراسات مرتبطة بالتغير المناخي، والتمدد العمراني، والجغرافيا السياسية وغيرها، ما يلبي حاجة وطنية علمية في ظل ندرة المصادر المتوفرة. وتساعد هذه المعطيات على وضع السياسات والمشاريع المتعلقة بالتنمية المستدامة وبمواجهة الأزمات.
يقول فاعور إنه يمكن لطلاب الجامعات والباحثين والمؤسسات والجمعيات المعنية بالتنمية المستدامة الاستفادة من «أطلس لبنان» المتوافر في مقر «المجلس الوطني للبحوث العلمية»، وفي «المعهد الفرنسي للشرق الأدنى» وفي مكتبات عدة في لبنان وفرنسا اذ يهتم الباحثون الفرنسيون والاقتصاديون بمحتوى «الاطلس» لوضع المشاريع التنموية وتنفيذها في لبنان.
ملاك مكي/جريدة السفير