أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
في البداية أرحب بكم جميعاً
في هذه الأمسية الرمضانيّة من ليالي شهر الله، شهر رمضان المبارك، وأوجه التحية
لكم جميعاً الحاضرين في المناطق المختلفة، في قاعة شاهد وفي مبرة الإمام الخوئي
(قدس سره) في بعلبك وسحمر والغازية والنبطية وصور والطيري، وأسأل الله سبحانه
وتعالى أن يتقبل صيامكم وقيامكم وجهادكم في هذا الشهر الكريم والمبارك. كما أبارك
لكم جميعاً هذه الأيام وهذه الليالي التي هي أفضل الليالي وأفضل الأيام، وأسأل
الله سبحانه وتعالى أن يشملنا جميعاً برحمته وعفوه وغفرانه ولطفه وكرمه وجوده في
هذا الشهر العظيم.
بطبيعة الحال نحن في شهر رمضان المبارك لدينا مناسبات دينية وسياسية كثيرة، وخصوصاً هذه السنة، حيث يتزامن شهر رمضان مع شهر تموز، فما بين الشهر الميلادي والشهر الهجري قمري المبارك يوجد حشد كبير من المناسبات، وباعتبار أنّ الوقت لا يتحمل ولا يتسع وباعتبار أنّ هناك مناسبات مقبلة وسوف نحيي سوياً يوم القدس فنتحدث عن فلسطين وعن وضع المنطقة وعن سوريا ومصر وعن كل الذي يجري في المنطقة. أيضاً إن شاء الله بعد العيد إن بقينا على قيد الحياة من الطبيعي أن نحيي ذكرى حرب تموز، الإنتصار الإلهي في حرب تموز في يوم الإنتصار في 14 من آب، وإلى ذلك اليوم مناسبات عديدة قد يتاح الفرصة فيها للحديث، ولذلك اسمحوا لي في الوقت المتاح هذه الليلة أن أركز ـ كما هي العادة في إفطار هيئة دعم المقاومة ـ على الجانب اللبناني حيث لدينا الكثير من القضايا والموضوعات والاهتمامات التي بالتأكيد لن يتسع لها وقت هذه الخطبة.
النقطة الأولى: عندما نتحدث عن المقاومة في لبنان بالأساس ومنذ البداية كان لديها رؤية، تستند إلى رؤية واضحة وأهداف واضحة ووظيفة واضحة وطريق واضح، كل شيء كان واضحاً منذ منذ البداية وهذا نسمّيه بأدبياتنا البصيرة. هذه المقاومة تتمتع منذ البداية بالبصيرة، أي كل واحد يعرف أين يذهب ومن أين وبأي طريق وإلى أين يريد الوصول. هذا الوضوح في الرؤية يضاف إلى الإيمان والعزم والإرادة وإلى الإستعداد للتضحية وإلى فعل الميدان، هذا أوجد المقاومة المتواصلة التي تمتد عبر الأجيال، وإذا تحدثنا فقط منذ العام 1982 هناك أجيال دخلت إلى المقاومة وواصلت طريق المقاومة. عندما تتوفر هذه البصيرة التي هي من أهم العوامل وهي الضمانة، لأنّه يمكن أن يكون هناك إيمان وعزم وإرادة واستعداد تضحية وفعل ميدان، لكن إذا لم يكن هناك بصيرة ووعي وانتباه للأهداف وللطريق وللأولويات ولا يكون هناك حذر من الأفخاخ والكمائن بالتالي يمكن أن يتيه الإنسان في وسط الطريق وينحرف في معركته عن بوصلتها الحقيقية وهدفه الحقيقي.
المقاومة في لبنان في الدائرة الوطنية كانت تسعى إلى أهداف، وهنا لا نتحدث عن أمور جديدة، لكن نعيد البحث بطريقة مفيدة لِمَا يناقش في هذه الأيام.
أولاً: تحرير الأرض اللبنانية المحتلة، وهنا أتحدث في الدائرة الوطنية.
ثانياً: الإسرائيلي قبل عام 1982 كان يحتل جزءاً من أرضنا اللبنانية كان عنده معتقلون وبعد عام 1982 توسّع الإحتلال وأصبح لديه معتقلون أكثر، ثانياً تحرير الأسرى والمعتقلين في سجون العدو وعملائه من جيش لحد واستعادة أجساد الشهداء.
ثالثاً: المساهمة، المقاومة لا تدّعي أنها تتحمل مسؤولية حماية لبنان ومواجهة الأخطار وإنما المساهمة في حماية لبنان أرضاً وشعباً من الإعتداءات والتهديدات والأخطار الإسرائيلية العسكرية والأمنية إلى جانب الجيش والقوى الأمنية.
الهدف الأول أنجز على مراحل منذ العام 1985 إلى الخامس والعشرين من أيار عام 2000، بقيت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، هذا استحقاق وطني ولبناني ما زال قائماً.
الهدف الثاني: تحرير الأسرى والمعتقلين في سجون العدو، أيضا هذا الهدف أُنجز على مراحل، كان آخر شيء (من خلال) عملية الرضوان بعد حرب تموز وبقيت بعض الملفات العالقة مثل ملفات الأخ الأسير يحيى محمد سكاف والأخ عبد الله خليل عليان وملفات لمفقودين وأجساد شهداء ما زالت محتجزة عند العدو. طبعاً على ضوء عملية التبادل الأخيرة هو كان ينكر وجود معتقلين أو وجود أجساد شهداء، لكن هذا استحقاق ما زال قائما على المستوى الوطني واللبناني.
الهدف الثالث: المساهمة في الحماية وفي دفع العدوان. الخطوة الأولى في الحقيقة فيما يعني هذا الهدف ـ وهنا نعود قليلا بالذاكرة ـ تعود إلى تموز 1993 عندما حصلت مواجهة في الجنوب سماها العدو الإسرائيلي عملية تصفية الحساب قبل عملية نيسان 1996 عملية عناقيد الغضب، ونحن أسميناها يومها حرب الأيام السبعة، وطبعا بعدها عندما حصلت حرب تموز صرنا نقول عملية الأيام السبعة أو حرب الأيام السبعة...
في تلك المواجهة قامت المقاومة بقصف المستعمرات الصهيونية بشكل واسع رداً على قصف العدو الإسرائيلي للقرى والبلدات الجنوبية. بنتيجة المعركة وبعدها الوساطات الدولية جرى وقف للمواجهات مما أدّى إلى ما سُمّيَ في ذلك الحين تفاهم تموز وهو تفاهم شفهي ولم يكن هناك شيء مكتوب خطياً، وأذكر يومها أنّ الإخوان في دمشق اتصلوا بنا وقالوا ما مطلبكم حتى نصل إلى وقف إطلاق نار، قلنا إنّ كل ما نريده وقف الإعتداء على القرى والبلدات والمدنيين.
المقاومة ستستمر لأن هناك أرضاً محتلة، فليوقفوا قصف القرى وقتل المدنيين عندنا ونحن من طرفنا نوقف قصف المستعمرات، وحدث اتفاق على هذا الأمر، وسمّي في ذلك الحين بتفاهم تموز الشفهي. هذه كانت أول معادلة تصنعها المقاومة لحماية القرى والبلدات والمدنيين، معادلة في الميدان وهي وضعت المستعمرات الشمالية في مقابل القرى والبلدات الجنوبية، ومنذ ذلك الحين أستطيع القول إن المقاومة دخلت على هدف المساهمة في حماية الشعب اللبناني والبلدات اللبنانية ولبنان أرضاً وشعبا.
طبعا هذا التفاهم استمر لسنوات، حصلت بعدها حرب نيسان 1996 التي سماها العدو بعناقيد الغضب، وبعد صمود المقاومة وصمود الجيش اللبناني وصمود لبنان وصمود سورية أيضاً أمام الضغط الدولي الهائل في ذلك الوقت تم التوصل وأيضا بمساعدة إيرانية وأوروبية ـ وكالعادة العرب كانوا غائبين ـ تم التوصل إلى ما سمي بتفاهم نيسان، وهو في الحقيقة تفاهم تموز لكن (بشكل) مكتوب وفيه تفصيل أكثر. جاء تفاهم نيسان ليكرس هذه المعادلة وهي حماية البلدات والمدن والبنى التحتية والمنشآت والمدنيين اللبنانين في مقابل عدم قيام المقاومة بقصف المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة. ويومها كان كل الحديث عن الشمال، المستعمرات في الشمال، لم يظهر وقتها سلاح يطال أكثر من هذا المدى ولا قوة ميدان أكبر من ذلك. هذه المعادلة تكرست في تفاهم نيسان ما ساعد المقاومة أن تستمر في عملياتها النوعية والمتطورة، ووصلنا للتحرير عام 2000.
جاءت حرب تموز 2006 لتثبت هذا المعنى ميدانياً: هناك شيء جديد في لبنان، هناك معادلة جديدة في لبنان، وهناك وضع جديد بلبنان. قصة أن إسرائيل تأتي و"تشم الهواء" وترسل لنا فرقة موسيقية وتقوم بنزهة وتفرض شروطها وتحقق أهدافها وأطماعها، هذا انتهى وبات هناك شيء يسمى بتوازن الردع أو توازن الخوف وتوازن الرعب. طبعاً نحن لا ندعي ولا لحظة أننا نملك عديداً بعدد الجيش الإسرائيلي واحتياطه، ولا ندعي اننا نملك عدة وسلاحاً وإمكانات ومقدرات عسكرية كتلك التي يملكها الإسرائيلي. أبداً، عندما نتحدث عن توازن ردع وتوازن خوف لا نتحدث بذلك، بالعكس هنا مدرسة المقاومة في لبنان مختلفة، لأنه في النظرة الكلاسيكية او التقليدية يجب لتحقيق التوازن أن يكون لديك عديد وعدة وسلاح وقوة ومقدرات ـ ليس فقط عسكرية ـ عسكرية وبشرية واقتصادية وسياسية وأمنية، وجغرافيا موازية أو تفوق قدرة العدو حتى تصل للتوازن. ما حدث في لبنان أن هناك مقاومة شعبية، باحتضان شعبي، بإيمان، بما تحدثنا به قبل قليل، إيمان وبصيرة وعزم وإرادة وفعل ميدان واستعداد التضحية وإمكانات وحسن استفادة من الإمكانات، وصلنا لمرحلة توازن خوف، توازن رعب، توازن ردع، سمّوه ما شئتم.
معنى هذا أن لبنان بات يُحسب له ألف حساب وكل حساب، إذا أراد العدو أن يعتدي عليه أو على مياهه أو على ثروته النفطية أو على مدنييه أو على قراه أو على بنيته التحتية وما شاكل.
بهذا الهدف الثالث، لبنان كما تحدثنا بتحرير الأرض، بقي لدينا استحقاق وطني بتحرير أو كشف مصير المفقودين واستعادة أجساد الشهداء لدينا استحقاق وطني. أما الاستحقاق الوطني الكبير والدائم والمستمر والذي لا يقف عند حدود قطعة أرض صغيرة أو عدد قليل من الأفراد ـ وإن كانوا أعزّاء وكرام ـ وانما هذا الأمر يعني لبنان كله على المستوى الوطني وعلى المستوى الشعبي، مصيره وجوده وثرواته ومستقبله، وهو الأطماع والأخطار والتهديدات الإسرائيلية.
هل يناقش أحد في لبنان ـ ومن هنا ندخل لموضوعنا ـ هل يناقش أحد أن لبنان بات خارج دائرة التهديد وخارج دائرة الأطماع الإسرائيلية وخارج دائرة الأخطار الإسرائيلية، في الحقيقة إذا كان هناك أحد في لبنان يناقش في هذا الأمر يكون هناك مصيبة حقيقية.
هذا الإسرائيلي نرى (ما يفعل في) فلسطين، والطرح الجديد الذي سنتحدث عنه في يوم القدس، موضوع صحراء النقب والوضع الجديد الذي له علاقة بالمفاوضات، موضوع الضفة وموضوع تبادل الأراضي، هذا الإسرائيلي لا حدود لأطماعه.
منذ مدة كان هناك كلام واضح أيضاً لوزير الطاقة ودق ناقوس الخطر على اللبنانيين جميعاً، "على شوي الإسرائيلي يستطيع أن يمد انابيب ويستطيع أخذ نفطنا وغازنا التابع للبنان"، لكن كما العادة لم يحرّك أحد ساكناً. هذا الإسرائيلي إذا كان يستطيع أن يمد يده على النفط ويمد يده على المياه ويمد يده على الأرض ويمد يده على السيادة وعلى القرار إلخ..، هذا موضوع محسوم.
إذاً، هذا ما يزال استحقاقاً كبيراً، هذه الوقائع. أنا لا أتحدث عن زمن كنا فيه صغاراً وأطفالاً، نتذكر أو لا نتذكر، ولا أتحدث عن وقائع لها علاقة بالتاريخ، أتحدث عن وقائع نحن كلنا عايشناها وعاصرناها ورأيناها وتألمنا بآلامها وفرحنا بفرحها وانتصاراتها وهذه عبرها وإستنتاجاتها موجودة أمام أعيننا.
تعالوا اليوم حقيقة ـ بالرغم من وجود مشاكل كبيرة في البلد، لكن لا يجوز أن يغيب هذا الهم الوطني السيادي الكبير والخطير عن مجالسنا وعن عقولنا وعن نقاشاتنا ـ تعالوا نتحدث عن المخاطر الجدية، هل هناك مخاطر جدية أم لا وما هو حجم وطبيعة المخاطر الجدية، أتحدث من الناحية الإسرائيلية، وثانياً ما هي الخيارات المتاحة أمامنا كلبنانيين وما هي جدوى هذه الخيارات وتلك الخيارات؟
وعندما يقارب أي موقع، سواء كان دينياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً، عندما يقارب موضوعة الجيش أو موضوعة المقاومة أو موضوعة الدبلوماسية أو أو أو يقاربها من هذه الزاوية، الأخطار الجدية وحجم الأخطار، الخيارات والإمكانات المتاحة لبنانياً وجدوى هذه الخيارات، هذا على كل حال ليس نقاشاً جديداً، لكن الجديد الذي أود أن أطالب به قد لا يكون جديداً، أن لا نبقى نناقش بجنس الملائكة، لا نبقى نناقش علمياً وقانونياً ودستورياً وفنياً وهو هذا السلاح شرعي أو السلاح غير شرعي، دعوا هذا النقاش جانبا لنسأل سؤالاً ثانياً: هل المقاومة ضمن خريطة الخيارات المتاحة لبنانياً؟ هل هناك حاجة للمقاومة؟ هل هناك حاجة لهذا السلاح؟ هل هناك حاجة لهذه المقدرات أو ليس هناك حاجة؟.
نحن نأتي إلى السؤال الكبير: على ماذا نراهن حتى ندفع هذه الأخطار الإسرائيلية والأطماع والتهديدات عن بلدنا ونحمي بلدنا كلبنانيين؟
على ماذا مثلاً: على الأمريكان؟ نذهب ونأخذ ضمانات من الأمريكي أو نبرم تحالفاً مع الأمريكي؟ بوجه من؟ بوجه إسرائيل؟
اثبتت التجربة عقم هذا الكلام، ليس من سنة أو سنتين، من عام 1948. نحن الشعوب العربية والإسلامية نعيش هذه التجربة منذ أن ضاعت فلسطين. أمريكا تبيع العرب كلهم وجامعة الدول العربية كلها والأمة الإسلامية كلها من أجل إسرائيل، لأن إسرائيل هي مشروع أمريكا الأول في المنطقة.
حتى لو أخذنا ضمانات من اميركا أو أقمنا حلفاً مع أميركا أو أتينا وقلنا نحن لبنان بلد أمريكي مئة في المئة، أميركا صديقتنا وحليفتنا وعلاقة إستراتيجية وعلاقة تاريخية ونحن في خدمة الامريكان. ولكن أمام أطماع إسرائيل، هذا كله لا ينفع.
حسناَ، ألا نرى ما حولنا؟ كيف تتخلى أمريكا عن حلفائها الذين خدموها عشرات السنين من أجل مصالحها وعلى رأس مصالحها في المنطقة هي إسرائيل. ألا نرى أن أميركا اليوم لم تعد هي القوة القادرة على أن تفرض ما تريد على العالم، هُزمت في العراق وخرجت مهزومة، الآن تبحث كيف تلم هزيمتها من أفغانستان، عندما تريد أن تقارب أي ملف من ملفات المنطقة تقاربه بخوف وبحذر لأنها لم تعد تلك الأمريكا القوية، أوروبا كذلك، تصوروا أوروبا يجلس نتانياهو ويسخر منهم ويتهمهم ويهاجمهم من أجل أي موضوع من الموضوعات، سواء موضوع حزب الله ووضعه على لائحة الإرهاب الأوروبية أو موضوع المنتوجات الزراعية للمستعمرات الاسرائيلية في الضفة وما شاكل، وهذا الوضع.
حولنا ماذا يوجد؟ هذا الوضع العربي، أصلاً لما كانت الدول العربية كلها بألف خير، بالمعنى العام، بمعنى الأمن والاسقرار، جامعة الدول العربية في وضع متين، ماذا كانت من الممكن أن تفعل؟ هذه ليست أسئلة للمستقبل، هذه أسئلة اجوبتها موجودة في الماضي، ونحن اللبنانيين كلنا عايشناها، أجيالنا المتعددة عايشت هذه الحقائق وهذه الوقائع. وبالتالي واضح تماماً، مثل البدايات، لا جامعة دول عربية، لا منظمة تعاون إسلامي، لا مجلس أمن دولي، لا أميركا، لا أوروبا، نحن هنا المشكلة مع إسرائيل يا إخوان وليس مع أحد آخر.
في المشكل مع إسرائيل ليس لكم أيها اللبنانيون إلا الله سبحانه وتعالى وأنتم، أنتم، إرادتكم وعزمكم وفعلكم وإيمانكم وإستعدادكم للتضحية وكرامتكم وإستعدادكم للدفاع عن هذه الكرامة، وإذا كان يوجد أي صديق في سوريا وفي إيران أو أي مكان من العالم يقف معنا ويساعدنا ويدعمنا يكون هذا من بركات ونعم الله سبحانه وتعالى. هذه الحقيقة، أنا "ما عم جيب" الليلة شيئ جديد، لكن احياناً الناس تبدأ بالنسيان في غمرة الفتن والتضليل والتشتت الذهني وتشعب القضايا والملفات، القضايا الواضحة خصوصاً إذا كانت مصيرية بالنسبة لبعض الناس تصبح فضيحة.
من هنا أنا أود أن أؤكد الليلة أن هذه المقاومة التي تدعمونها وتحتفلون بها في مثل هذه الليلة، هي تستند إلى هذا المنطق، إلى هذه الحجة، إلى هذه التجربة، إلى هذا البرهان، وتستند أيضاً إلى الانجازات، إلى الانتصارات التي تثبت الجدوى.
بموضوع المقاومة نحن لا نتكلم نظريات، لا نؤلف كتباً، لا نخطب، نحن نأتي بوقائع ونقول تعالوا لنأخذ من هذه الوقائع العبر والاستنتاجات الصحيحة التي نبني عليها كيف نواصل للمستقبل وكيف نحمي بلدنا. لأن المقاومة تستند إلى هذا المنطق وتستند إلى هذه الارادة الشعبية، لأن ما أتكلم عنه الناس مقتنعون به، ولست أنا فصيلاً في المقاومة أمليهاعلى الناس، هذه القناعات الناس آمنت بها بالتدريج وعلى ضوء التجربة وعلى مضي السنين وجربت ورأت وانتصرت وتألمت وقدمت شهداء وقدمت جرحى وقصفت وهجرت وأنجزت ورأت الصديق والعدو ومن معك ومن ليس معك و"مين سائل عنك ومين مش سائل عنك".
لذلك، اليوم، في الـ"2013"، عندما نأتي للناقش الناس، هذه قناعات أصبحت موجودة في وجدان الناس كالدم الذي يجري في عروق الناس، جزء من روحهم، من أرواحهم، من قلوبهم، من عقولهم، من وعيهم، من لا وعيهم، من شعورهم، من عواطفهم. فلذلك المقاومة في لبنان هي قوية وهي راسخة في الوجدان الشعبي والتأييد الشعبي وتحظى بهذا الدعم وهذا الحب وهذا الاحتضان الكبير وهي ليست حالة عابرة "تمر مر الطريق" أو طارئة أو وافدة من الخارج، ولذلك هي عصيّة، عصيّة على الكسر. كل الذين حاولوا أن يكسروا المقاومة منذ بدايتها وإنطلاقتها ، وأنا لا أتحدث عن حزب الله فقط، الذي هو فصيل من فصائل المقاومة، كل فصائل المقاومة في سياق المقاومة، كل من حاول ويحاول كسر هذه المقاومة أو عزل هذه المقاومة هو يفشل لأن المقاومة ليست تنظيماً، ليست حزباً، ليست حركة، ليست فصيلاً. المقاومة هي إرادة شعبية عارمة وصلبة مع إيمان وبصيرة وإستعداد كبير للعطاء.
بالادبيات التي تستخدم في مثل هذه الايام، حتى عندما يتكلمون في السياسة وفي غير السياسة، يقولون لك الاستثمار، لا تستثمر في كذا. الناس شرفاء هذا البلد استثمروا في المقاومة بأعز ما لديهم، بفلذات أكبادهم، بدمائهم، بأرواحم، بأعزائهم، ولذلك المقاومة هم، المقاومة ليست حزباً او تنظيماً يمكنك أن تحاصره أو تعزله أو أن تمس به.
حسناً، تبقى هذه الخيارات، خيارات مفتوحة تدخلنا إلى النقطة الثانية. نحن دائماً لدينا استعداد للحوار ضمن أي إطار أو صيغة طاولة الحوار الحالية أو أي صياغة أخرى لمناقشة استراتيجية وطنية للدفاع، لسبب بسيط لأننا صادقون في حماية بلدنا ومقدراته وشعبنا وكرامته وجاهزون لنذهب إلى أي حوار بلا قيد وبلا شرط والآن أيضاً، قبل تشكيل حكومة تريدون أن تقيموا حواراً نحن جاهزون، بعد تشكيل الحكومة تريدون أن تقيموا حواراً نحن جاهزون.
تعلموا أيها الاخوة الاعزاء والكرام من آخر جلسة أقيمت لطاولة الحوار قبل حرب تموز، " لأني الآن نسيان في آخر حزيران أو بأول تموز كانت آخر جلسة". حسناً، أنا عرضت، لم يكن أحد جاهزاً أن يعرض، قالوا تفضل، عرضت استراتيجية دفاعية. حسناً، إلى اليوم كم جلسة حوار أقيمت؟ لم يأتِ أحد ويأخذ هذه الاستراتيجية الدفاعية ويناقشها، نقاشاً فنياً، نقاشاً علمياً، نقاشاً عسكرياً، نقاشاً تقنياً. "أنه يا أخي" هذا الذي تحكونه، موضوع الجيش والمقاومة ودور الجيش ودور المقاومة ونقاط ضعف العدو ونقاط قوة العدو ونقاط ضعف لبنان ونقاط قوة لبنان، هكذا نواجه وهكذا.. كل الذي حكيناه وقتها، هل أتى أحد وجلس معي من الفريق الآخر الذي لديه رأي آخر ـ ممكن في فريقنا يوجد خبراء ودارسون ومحققون وكتاب كتبوا شيئاً ـ لكن في الفريق الآخر هل جاء أحد قد وناقش، على طاولة الحوار حصل نقاش؟ وحتى أنا أقول لكم، خارج طاولة الحوار، هل جاء أحد من الفريق الآخر وعقد ندوة بحثية مثلاً أو ندوة تلفزيونية أو كتب مقالات أجرى نقاشاً لهذه الاستراتيجية وهذا الطرح؟ لا، لأنه في الحقيقة لا يوجد جدية في البحث عن استراتيجية دفاع وطني، استراتيجية وطنية للدفاع.
مثل ما حكيت لكم في السنة الماضية ، من وقتها إلى الآن يتأكد يوم بعد يوم أنه يوجد موضوع واحد، أنه يا شباب أعطونا هذا السلاح "والله يعطيكم العافية" "هلقد"، ونختبئ وراء أصبعنا واستراتيجية وطنية للدفاع ونتكلم كلاماً استراتيجياً، لم نرَ شيئاً منهم. حسناً، وأكثر من ذلك، وصل الإنكار إلى مرحلة انه يقال، البعض ما زال حتى الآن يقول أن حزب الله لم يقدم أصلاً رؤيته للإستراتيجية الدفاعية، مع أنه نحن أول من قدم، ولما قال لهم تفضلوا لنناقش، قالوا له هذا كلام كبير ومهم ودقيق ويحتاج إلى تفكير ويحتاج إلى تأمل ونريد أن نراجع خبراء، ذهبوا ولم يعودوا، عادوا لكن لم يشاوروا الخبراء ولم يناقشوا الخبراء.
أنا مجدداً أقول: نحن جاهزين، هذا البلد بلدنا كلنا مع بعض ونريد أن نحميه كلنا مع بعض وندافع عنه كلنا مع بعض ومهددون فيه، كلنا مع بعض وخيراته وثرواته المهددة هي لنا كلنا مع بعض، هذا يعني أنه هناك، بمعزل عن المناكفات الحزبية " ومين عم يزرّك مين" ومن يريد أن يحشر من، هناك حاجة وطنية جدية لأن يضع لبنان إستراتيجية دفاع وطني.
في مواجهة الأخطار وفي مواجهة التهديدات هناك حاجة (لإجابة).. أجل هذا الموضوع (النقاش) لماذا لا يحصل؟ هذا يجب أن يحصل. وفي هذا السياق أنا أسأل حتى في كل ما يقال في وسائل الإعلام وبالخطابات وعلى مدى سنوات، حسناً، من يهاجم سلاح المقاومة أو يصفه بأنه سلاح غير شرعي، ما هو البديل ؟
نحن يا جماعة "نريد أن ناكل العنب" نحن نريد أن نحمي بلدنا. الله سبحانه وتعالى يقول: "كُتب عليكم القتال وهو كره لكم ". الذي يظن اننا نحب القتال هو مشتبه. الناس بطبيعتهم يحبون العافية. وحتى بالأدبيات الدينية نحن في كل صلاة بآخر سجدة وبآخر ركعة نقول: يا ولي العافية نسألك العافية عافية الدنيا والآخرة.
بالمنطق الفطري وبالمنطق الديني نحن وكل الناس طلاب عافية، "بدنا عافية" .. لكن عندما يُفرض عليك القتال، عندما يكون هناك عدو يتهدد شعبك وأهلك ووطنك ومقدّراتك وكرامتك ووجودك فمسؤوليتك أن تقاتل وأن تدافع وأن تحمي وأن تصون. حسناً، كيف؟ ضمن أي رؤية؟ ضمن أي استراتيجية؟
بطبيعة الحال أمام أي خطر داهم من هذا النوع ـ وهذا طوال التاريخ كان موجوداً.. البعض يقول إن هناك استثناء في لبنان ـ لا، طوال التاريخ، كان (الوضع) انه عندما يهجم عدو على بلد، فالدولة، الشعب، الجيش، العشائر، القبائل، أهل البلدات، أهل المدن، من يستطيع أن يواجه.. يواجه. نعم إذا أمكن أن تكون هناك مركزية قيادة وإدارة فهذا ممتاز. لكن تاريخياً كان احياناً يكون هناك مركزية إدارة وقيادة. ليس هناك أحد، عندما يُعتدى عليه يجلس وينتظر نظريات من هنا وتنظيراً من هناك. نعم اذا كان هناك استراتيجية وإدارة واضحة وهناك إمكانات محضرة وخطط و... نعم هذا يحقق الهدف ويوصل للمطلوب .
النقطة الثالثة: بالنسبة إلينا أيضاً هذا شهر رمضان شهر المراجعات ... نقول لهم هذا شي طبيعي، أنا أحب أن أقول للمقاومين ولمؤيدي المقاومة ولجمهور المقاومة وللناس جميعاً عندما تتواجد في لبنان مقاومة فاعلة وجادة ومؤثرة ومقتدرة ومخلصة بهدفها في مواجهة العدو وأيضاً تحقق الانجازات وتتراكم لديها عناصر الخبرة البشرية والقدرات المادية، من الطبيعي جداً أن تكون دائماً في دائرة الاستهداف، انه يعني لماذا تستغربون؟ لما تقول في مقاومة للعدو الاسرائيلي، للمشروع الصهيوني، هذه المقاومة من الطبيعي جداً أن تكون في دائرة الاستهداف .
هذا منطق الأمور، منطق الصراع أيضاً طوال التاريخ، وعندما لا تكون هذه المقاومة في دائرة الاستهداف معناه أن العدو لا يراها وليست مؤثرة وليست فاعلة، هذه النتيجة. أما عندما تكون هناك مقاومة فاعلة ومؤثرة ويحسب لها العدو حساباً ويعتبر أنها تعطّل له مشاريعه وأهدافه وتمنعه من الهيمنة، من الطبيعي أن يستهدفهاأ ومن الطبيعي أن تكون في دائرة الاستهداف، وأن تستهدف على كل صعيد، أن تستهدف بنيتها وأن تستهدف بيئتها، وأن يستهدف من يقف إلى جانبها وأن تستهدف فكرتها على كل صعيد، أمنياً، عسكرياً، ثقافياً، سياسياً، إعلامياً، اقتصادياً، اجتماعياً، نفسياً، معنوياً.
هذا طبيعي، وهذه كانت دائماً جزءاً من معارك المقاومة، من قبل 1982 (حصل ذلك مع) كل حركات المقاومة التي سبقتنا من 1980 كل حركات المقاومة التي تعاونت وصولاً إلى الدور المميز لحزب الله. نعم نحن إلى جانب معركتنا مع العدو كنا نخوض معركة مواجهة الاستهداف، والاستهداف الذي يذهب إلى كل شيء. الاستهداف الامني واضح، يريد (العدو) أن يخرقك، يريد أن "يعمل نفوذ" بداخلك، يجمع عنك معلومات، ويحدد أماكن قواعدك وصواريخك ومنصاتك ومخازنك وغرف عملياتك وقياداتك والاختراق الامني للساحة، ويستهدفك عسكرياً من خلال الحروب والعمليات العسكرية الواسعة، ويستهدفك ثقافياً واجتماعياً بالمجيء الى بيئتك، واقتصادياً ليدمرها ويحطمها، يفقرها، يجوّعها، يفتنها، يأخذها إلى حروب الزواريب ويشغلها بكل شيء آخر حتى تصبح بيئة ضعيفة متعبة.
اليوم، هذا العالم العربي الطويل العريض أين هو؟؟ وبقدر ما أقول ساذهب الى يوم القدس وبالنهاية لا يمكننا إلا أن نرجع للحديث عن فلسطين، أين هو هذا العالم العربي؟ أين هو هذا العالم العربي، أين علماؤه، أين فتاواه؟ "وين وين وين"... من الذي يجري في صحراء النقب ؟؟
حسناً، هذا الاستهداف وصولاً إلى الاستهداف الاقتصادي، الاستهداف المالي والحرب النفسية، إلى الشتائم إلى الاتهام، إلى محاولة عزلك وكسرك، إلى محاولة المسّ بمعنوياتك وبإرادتك وبعزمك وبإيمانك وخياراتك. هذا جزء من المعركة، هذا طبيعي، لماذا؟ لأن المقاومة في لبنان منذ انطلاقتها بنسختها الجديدة بعد 1982 وبكل فصائلها استطاعت أن تعطّل الأهداف الأميركية الاسرائيلية لاجتياح لبنان في العام 82 واستطاعت أيضاً أن تغيّر الموازين والمعادلات، معادلات الصراع تغيرت بـ 25 ايار 2000 لمصلحة المقاومة وحركات المقاومة في المنطقة، وفي عام 2006 استطاعت أن تحطم مشروع الشرق الاوسط الجديد، المشروع الأميركي للمحافظين الجدد. من الطبيعي جدا أن تكون هذه المقاومة مستهدفة..
نحن اللبنانيين كنا أخذنا خيار أن لبنان سيبقى لشعبه وأهله وأن مياهنا ستكون للبنانيين وثروتنا النفطية للبنانيين وسيادتنا لا نقبل أن تمس وأرضنا لا نقبل أن تُحتل. ما زالوا يخطفون أناساً، يأخذون مزارعاً ومواطناً لبنانياً وتجري الاتصالات، 24 و48 ساعة وتحل، ولكن أكثر من هكذا فالإسرائيليون يعرفون أن هذا الموضوع لا يمكن التسامح فيه. اذا نحن أخذنا هذا القرار وهذا له تبعات، من 82 كان له تبعات، هذا اسمه اثمان وتضحيات لبلد حر مستقل كريم عزيز أرضه محررة، ناسه يعيشون بكرامة. هذا طبيعي جداً. نحن حملنا وتحمّلنا هذه التبعات منذ البداية إلى الآن، وتجاوزنا الكثير من الصعوبات والكثير من المحن والكثير من المؤامرات وتجاوزناها بعون الله عز وجل وبفضل من الله سبحانه وتعالى وبإرادة الناس وصبر الناس وتضحيات الناس وشهامة الناس وصدق الناس وصبر الناس معنا. نعم نحن دخلنا كلبنانيين، والمنطقة كلها دخلت، في مرحلة جديدة. أنا أقول لكم أيضا إن شاء الله بنفس الايمان بنفس البصيرة بنفس العزم والارادة بنفس الفعل والدقة والصبر والتحمل والاستعداد للتضحية سنتجاوز هذه المرحلة.
كونوا على ثقة، ما حدا "يهبّط حيطان" على الناس في لبنان وفي المنطقة. هذا المشروع، هذه المقاومة هي إن شاء الله قادرة وتستطيع بكل جدية وبكل قوة أن تتجاوز كل الصعوبات القائمة والحاضرة والآتية.
نحن اليوم في سنة 2013، وفي هذه اللحظة، حتى قبل مدة، الإسرائيلي يعيد النظر في كل الخطط وكل المناورات والنقاشات، على ضوء المستجدات التي حصلت في الأشهر الأخيرة، ولا نريد أن ندخل في التفاصيل، نأتي على ذكرها في وقت آخر. الإسرائيلي يعرف أنه أمام قوة حقيقية مقتدرة، وإذا توفر للبنان أن تكون هذه القوة في موقعها الطبيعي في إستراتيجية دفاعية وطنية كاملة، الإسرائيلي قبل أن تكون عينه على بيروت على ضوء المستجدات الأخيرة ستكون عينه ـ الآن بالقدرات الصاروخية كنا قد تكلمنا سابقاً من كريات إلى إيلات ـ ولكن ستكون عينه على الجليل.
في يوم من الأيام أنا تكلمت في هذا الموضوع، وطبعاً أخذ هذا الكلام بشكل جدي، الإسرائيلي يعني بيننا وبينه لا يوجد مزح، طبعاً هذه معركة مصير، أخذ الكلام بشكل جدي، وأقام له حسابات وأدخله بخطط. لكن أنا أعتقد أن الإسرائيلي أكثر جدية في أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار. إذا نحن اليوم في نقطة، الإسرائيلي يعرف ومن خلفه الأميركي ومن خلفه كل العالم وهم يتكلمون في الموضوع. على كل الحال، يوصفون هذه القوة وإمكاناتها وامتداداتها وقوتها، أنا لا أريد أن أوصف ولكن نعم كما نقول في المناسبات الماضية، اليوم لبنان لم يعد لقمة سائغة في فم العدو، أي عدو وخصوصاً العدو الإسرائيلي. لا يقدر أحد أن يعتدي على هذا البلد دون أن يدفع ثمن عدوانه على هذا البلد وعلى هذا الشعب. ولا يستطيع أحد بعد اليوم أن يفرض على لبنان شروطه ومشاريعه. لبنان إن شاء الله بات قوياً بما يكفي لأن لا تُفرض عليه شروط ولا مشاريع. الآن لا أريد أن أكبر الموضوع وأقول إن لبنان هو الذي يفرض شروطه ومشاريعه.
النقطة الرابعة، أريد أن أتكلم في الحقيقة عن موضوع الجيش في كلمتين الذي يكمل المشهد بالنسبة لنا، فنحن بفهمنا، بموقفنا، نحن نحتاج إلى تكرار هذا الموقف الآن في الظروف الحالية، نحن نقول: ندعو اللبنانيين إلى الحذر الشديد في ضوء المستجدات السياسية والأمنية وحدّة الانقسامات الموجودة في البلد، إذا لا سمح الله هذا الجيش سقط أو تشرذم أو قسّم ، إذا نريد أن نقول إنه لن يبقى سلم واستقرار في البلد.
اليوم، أي مشكلة تقع بين جهتين أو فصيلين أو حزبين أو تيارين أو عائلتين أو عشيرتين نجد أننا نحن ـ كل اللبنانيين ـ بحاجة إلى الجيش لكي يمسك الوضع ويمنع الفلتان. لن يبقى لا سلم ولا استقرار إذا أصاب الجيش هذا الأمر، لن تبقى دولة. تصبح الأمور مثل أي دولة تجلس وراء المكاتب ليس لها حضور وليس أي فعل وليس لها أي تأثير وليس لها أي فعل ولا أية هيبة، إذا لا سمح الله حصل هذا الأمر على الجيش لن تبقى دولة ولن يبقى بلد.
يعني بالدرجة الأولى لن يكون هناك سلم ولا استقرار، ثانياً لن يبقى هناك دولة، ثالثاً لن يبقى هناك بلد، لذلك فضلاً عن أن الجيش هو عامل أساسي في حماية البلد وفي مواجهة الأخطار في وجه التهديدات الإسرائيلية، هذا طبعاً ضمن إيماننا واعتقادنا وفهمنا، لذلك نحن بدأنا هذه الليلة المباركة بالقول لنأتِ جميعاً نحن اللبنانيون فيما بيننا على تحييد هذه المؤسسة، الحد الأدنى، طبعاً نحن ندعو إلى تقويتها، إلى تعزيزها، ولذلك كنا دائماً نقول فليؤتَ لها بالسلاح ولتعطَ الإمكانات والموازنات، وعرضنا في يوم من الأيام أكثر من مرة موضوع الجمهورية الإسلامية في إيران، واستعدادها، ولكن طبعاً الإرادة الأميركية الغربية وبعض الإرادة العربية لا تريد أن يكون للبنان جيش قوي خدمة لإسرائيل، ولذلك لا يعملون على تقويته ولا يسمحون له أن يصبح قوياً.
حسناً، إذا كنا لا نستطيع أن نصنع جيشاً قوياً بمستوى الأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية، بالحد الأدنى هذا الجيش ضمن إمكاناته الحالية وعديده الحالي وقدراته الحالية، هذا الجيش الذي تحول حقيقة إلى جيش متماسك وموحد وطنياً، فلنحافظ عليه ولا نفرط به ولا نضيعه ولا نمزقه ولا نشتته، وهذا لا يعني أننا نقول، نعم هذا الجيش معصوم، أبداً، ولكن حتى لو فرضنا أنه حصلت أخطاء هنا وهناك، يجب أن تعالج بحدودها، ولكن المؤسسة كمؤسسة يجب أن لا تمس يجب أن يحافظ عليها.
أنا أتكلم بالنيابة عن حزب الله، أنا لا أُنظّر على العالم، يمكن أن يأتي أحدهم ويقول لي إنني أعطي مواعظ في هذا الموضوع، كلا، أنا أتكلم عن أمر نحن سلكناه ومارسناه وأنا مضطر أن أعيد، لأني اكتشفت في الأسابيع الأخيرة أنه يوجد أناس ينسون، وهناك أناس بلا ذاكرة، نحن عندما نقول هذا الكلام، فهذا يعكس ثقافتنا في العلن كما ثقافتنا في الداخل.
نحن في الجلسات الداخلية لكوادرنا وشبابنا في معسكرات التدريب وفي اللقاءات التنظيمية، نثقفهم أن الجيش اللبناني هكذا، ونقول لهم إن الجيش هو ضمانة الدولة، وهو ضمانة البلد والسلم الأهلي، وهو شريك المقاومة، فالمقاومة هي عامل مساعد، يفترض أن يأتي يوم يصبح هذا الجيش قادراً على أن يدافع عن لبنان، ونحن نعود إلى حوزاتنا ومدارسنا وأشغالنا، هكذا نحن نثقف قواعدنا وجمهورنا وأناسنا. نحن لا نقول لهم هذا جيش صليبي وهذا جيش صفوي وهذا جيش أميركي وهذا جيش بريطاني وهذا جيش غربي و... كلا، هذا جيش وطني، هذا جيش لبنان، لأن هذا الجيش هو المؤسسة التي يجتمع فيها أبناء وشباب لبنان من كل الطوائف ومن كل المناطق، ونحن مارسنا هذه الثقافة.
إذا أريد أن أذكّر، ففي 13 أيلول 1993 نحن كنا نتظاهر ضد اتفاقية أوسلو عند جسر المطار في الغبيري، وأطلق علينا النار في وضح النار، والذي أطلق علينا النار هو الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، ضباط الجيش وجنوده، وسقط لنا عشرة شهداء وخمسون جريحاً وجراحهم في الرأس وفي الصدر، أي في الجزء الأعلى من الجسد، يعني كان من الممكن أن يكون لدينا 60 شهيداً. أنا أريد أن أسألكم، هذه الضاحية والتي كل العالم يعرف ـ وأنا لا أكشف سراً ـ لا يوجد منزل إلا ويوجد فيه سلاح، هل قاموا في الغبيري وفي الشياح في حارة حريك، والضاحية كانت مليئة بالحواجز للجيش اللبناني، ولم يطلق أحد رصاصة واحدة على الجيش اللبناني. انتشلنا عشرة شهداء من على الأرض ونقلنا خمسين جريحاً إلى المستشفيات، وأذكر يومها أنا وعدد من الإخوان نزلنا إلى الأرض، ولم نكن بحاجة إلى جهد كبير لنقول للناس فلنتجمع ونهدأ، لا نريد أن نطلق النار على الجيش، الناس لم تطلق النار على الجيش، لماذا؟ لان هذه هي ثقافتها، هذه قناعتها، وهذا ليس تدبيراً تنظيمياً، هذا ليس قيادة وسيطرة. حسناً يمكن أن يكون لحزب الله وحركة أمل سيطرة على عناصرهما، ولكن هل لدينا نحن سيطرة على كل منزل توجد فيه قطعة سلاح يخرج (صاحبه) إلى الشرفة ليطلق النار على الجيش لأنه قتل الناس في الشارع، هل حصل هذا أم لم يحصل؟ هل شهدتم هذا أم لم تشهدوه؟ هذا يعبر عن هذه الخلفية.
بعدها بمدة سقط 5 شهداء بمنطقة حي السلم، قريباً وانا اسف اني سمعت بالاسابيع الماضية نواب بالمجلس النيابي وحتى رؤساء (رئيس حكومة سابق) عندما يستشهد ان الحزب اعتدى على الجيش يقوم بالاستشهاد بحادثة مار مخايل، في الوقت الذي يعرف فيهكل الناس انه في مار مخايل قتل 7 مدنيين شباب كانوا يتظاهرون برصاص الجيش اللبناني ولم يطلق الرصاص على الجيش اللبناني .
نتيجة هذه الثقافة .. نعم بكل هذا الأرشيف يوجد مثل يأتون لنا به بالليل وبالنهار "الضابط الطيار الشهيد سامر حنا" نحن قلنا إننا أخطأنا وصار خطأ، والأخ سلّم إلى القضاء والملف تحول إلى القضاء، هذا حجم الموضوع .
لم يرتكب الجيش خطأً في 13 ايلول؟ بلى. قتل الناس في الشارع، وقتل الناس في الشارع في مار مخايل، وقتل الناس في الشارع في حي السلم.
احسبوا: 10 شهداء و7 شهداء و5 شهداء ، حتى احياناً عندما يكون هناك مداهمات في البقاع، لـضيع وقرى وبلدات وبيوت، مثل ما يقول المثل أحياناً "تكون اليد مالحة قليلاً".
ولكن ما يكون فعلنا نحن؟ نقوم بتذكير الجيش ـ أحياناً بيننا وبينهم - أن انتبهوا يا إخوان، هؤلاء الناس أهلكم، الضابطة القانونية أن لا نسفك الدماء.. نوابنا ناسنا مشايخنا..
اذاً نحن لا ندعي العصمة للجيش، أبداً. لكن عندما يُقتل الجيش يجب أن نقف الى جانبه ،وعندما يخطئ الجيش يجب أن نقف إلى جانبه لنعالج الخطأ. أما المؤسسة كمؤسسة فيجب العمل على الحفاظ عليها بكل جهد، أنا أعتبر أن هذا الامر من أهم الواجبات الوطنية في هذه المرحلة إذا أردنا أن نحافظ على آخر الضمانات ـ هي هذه آخر الضمانات ـ طالما هذه المؤسسة موجودة والبلد محفوظ، يمكننا أن نجري انتخابات.. وبالنهاية الحكومة نستطيع أن نشكلها ، والتعيينات الإدارية تحصل، ومعالجة لكل شيء يحصل.. لأن البلد ما زال موجوداً، الدولة ما زالت موجودة، يوجد نسبة عالية من الاستقرار في البلد، رغم الشحن الموجود. اذاً نستطيع أن نعالج بقية الملفات . ولكن اذا ذهب هؤلاء كلهم ضاع كل شيء.
في هذه الأيام المباركة أنا احببت أن أؤكد على هذه التوصية.
بالوضع الأمني أريد أن أتكلم فقط كلمتين لأني تجاوزت الوقت: نحن دون أي شك في وضع جديد، الآن لا يوجد وقت لأناقش ان كان هذا من تبعات التدخل في سوريا أو ليس من تبعات التدخل في سوريا.
على اساس يا إخواننا قبل تدخل حزب الله في سوريا البلد كان مثل "الساعة ماشي امنياً"، لا يوجد أي مشكل، ولا أحد يقتل أحداً، ولا يوجد اشتباك ولا يوجد إطلاق نار، ولا يوجد تفجير ولا يوجد شيء.. على كل حال هذا الأمر نناقشه في وقت آخر، الآن ليس وقته، الآن ندعو إلى الانتباه، إلى الحذر، الناس كلهم يجب أن يكونوا حذرين، ليس فقط في بيئة المقاومة كما حاول بعض الناس الكلام. كلا، الذي يريد أن يفتعل فتنة في البلاد ، يمكن أن يضرب في أي مكان ، يمكن أن يستهدف كائناً من يكون. الحذر مطلوب من الجميع وفي كل المناطق، مطلوب تعاون بين الجميع ، الأمن الداخلي هو مسؤولية الدولة وأجهزة الدولة، الجيش والقوى الأمنية المختلفة، الناس يقدرون أن يكونوا مساعدين ـ أن يكونوا خفراً ـ مطلوب من كل واحد أن يفتح عينيه ويرى ويشاهد ويذهب ويقوم بالاجراءات، يجب أن نكون منتبهين في هذه المرحلة وبالتعاون إن شاءالله نستطيع أيضاً أن نتجاوز هذه المرحلة الصعبة، وما زلنا بألف خير رغم كل الذي يحصل، وما زلنا بألف خير إذا ما قيس الوضع بما يجري في كل المنطقة بما حولنا.
أيضاً في الوضع الامني أنا لدي دعوة لوسائل الاعلام ، مثل العادة أنا أشكو منهم، وهم يعترضون على شكواي، أعني قصة الخبر العاجل، أحياناً هناك خبر عاجل يكون قاسياً، مثلاً حتى الآن إذا أردت أن أحصي عدد السيارات التي قيل إنها صارت مكتشفة، وسيارات مفخخة وتم اكتشافها ما شاء الله، وهذا كله غير صحيح. مثلاً في المكان الفلاني مقطوع الطريق لأنه تم اكتشاف عبوة ويتم تفكيكها، غير صحيح. أحياناً يكون الجيش اللبناني يقيم حواجز في بعض المناطق ويقوم بإجراءات تفتيش، فتحصل عجقة سير، فيخرج أحد ما من الموكب العالق في العجقة ويزعم أنهم اكتشفوا عبوة ويقومون بتفكيكها، في حين يكون الجيش يقوم بإجراءاته الطبيعية "لحّق على أخبار عاجلة". ماذا يصنع هذا؟ هذا جزء من الحرب النفسية، يوتر الناس. نحن غير محتاجين لأن نوتّر الناس ولا أن نخوّفهم ، الناس لديهم من الحذر ما يكفي ولديهم من الوعي ما يكفي ولديهم من القراءة السياسية والامنية ما شاءالله عنها ، الفتيان الصغار يحللون سياسة في هذا البلد و"يحللون أمن ."
فلنقم بمعروف أيضاً، نضبط قليلاً موضوع الأخبار العاجلة والأخبار غير الدقيقة ، يوجد شيء لا أساس له، ويوجد شيء ممكن أن يكون له أساس يتم تضخيمه احياناً، هذا في الحقيقة يصبح مساهمة في توتير الوضع الأمني في البلد، الذي يجب علينا جميعاً أن نتعاون على ضبطه وعلى جمعه وعلى "لمّه" وعلى تهدئته معا .
كنت أود أن أتكلم قليلاً في موضوع الحكومة، موضوع الشروط التعجيزية، موضوع العلاقة بين الأطراف السياسية.. لكن أحب أن أختم ـ طالما أن لدينا ليالي كثيرة وسنتكلم بها فسنترك شيئاً لليالي القادمة - ولكن أنا أحب أن أختم بشيء، أحب أن أقول من وحي نفس الكلام الذي تكلمت به عن الاستراتيجية الدفاعية وهذا البلد بلدنا كلنا سوياً، نظريات الإقصاء والعزل لا توصل إلى مكان، نحن بالنسبة لنا نحن لسنا مع إقصاء أحد ولسنا مع عزل أحد، ونحن دائماً جاهزون للتواصل والتحاور واللقاء ونفتش على مخارج ولدينا تجارب في هذا الموضوع. يمكن أن يكون هناك قوى سياسية معينة نختلف معها على الموضوع السوري نستطيع أن نحيّد الموضوع السوري ونتفق على الموضوع اللبناني. حتى بالموضوع اللبناني نستطيع أن نتفق ونستطيع أن نختلف، لماذا نحن اللبنانيون في أغلب الأحيان إذا كان هناك نقاط اتفاق ونقاط اختلاف نجمد عند نقاط الاختلاف وننسف كل نقاط الاتفاق؟ ففي النهاية بلدنا سوف يتأثر ودولتنا سوف تتأثر واقتصاد البلد سوف يتأثر وأمن البلد سوف يتأثر.
بالنسبة لنا أنا أحب في هذه الليالي الكريمة والمباركة أن اقول ـ طبعا نحن لا نخشى، أنا لا أقول هذا لأننا نخشى أن نُقصى ـ على كل حال هذه تركيبة البلد وهذه مكوناته وهذه تحالفاته وهذه أحجام القوى والتيارات السياسية فيه، لا يوجد خشية من هذا النوع . أنا أتكلم في المبدأ، أحب أن أقدّم دعوة في هذه الليالي المباركة ـ في النهاية، احتقان، احتقان، صراع ومنابر ونهجم على بعضنا ـ وأنا طبعا في هذه الليلة أطرح: دعونا ولو في هذا الشهر أن نهدئ البال على بعضنا، وأنا طلبت اليوم من الإخوان أنه حتى لو كنا نريد أن نناقش بعض الأفكار مع الفريق الاخر إعلاميا أن نناقشها بهدوء. يمكن الطريقة، ممكن اللغة، ممكن بعض الأدبيات تكون مستفزة، أتمنى على الفريق الآخر والأطراف الأخرى والقوى السياسية كلها أن يدعوا الناس تقطع في شهر رمضان وتقطع العيد قليلاً رغم الظروف الصعبة، ولكن نحن نقدر أن نهدئ الجو ونقدر أن نوتّر الجو أكثر، ولكن بنهاية المطاف مثل ما علمتنا التجارب، مثل ما ندعو السوريين وندعو المصريين وندعو العراقيين وندعو الفلسطينيين وندعو الناس كلها أنه لا يوجد خيار أمام أي شعب يريد أن يعيش مع بعضه، يريد أن يبني دولته، يريد أن يواجه تحديات مستقبله، الا أن تقوم الناس بالكلام مع بعضها وتتحاور مع بعضها وتلتقي مع بعضها، مهما كانت العداوة ومهما كانت القطيعة ومهما كانت الخصومة.
أنا في هذا الشهر الكريم وهذه الليلة المباركة أحب أن أعلن: نحن حزب الله رغم ما بيننا وما بين بعض القوى السياسية من خصومات أو من اتهامات أو من قساوة في الموقف أو في التعبير أو في الخلفية أو حتى في الموقف النفسي، ببركة هذا الشهر الكريم أقول نحن يدنا ممدودة ومستعدون لكل حوار ولكل نقاش ولكل تلاقٍ، لأن الناس في النهاية سترجع للجلوس مع بعض والكلام مع بعض وتتفاهم مع بعض.
دعونا نستفيد من الوقت ولا نضيع هذا الوقت، وأيضاً أدعو إلى أن نهدأ البال قليلاً في الخطاب السياسي، في الإعلام، في الموقف العام. ربما هذا أيضاً كله يساعد أن نتجاوز هذه المرحلة، هذا لا يعني أنه إذا ذهبنا إلى الحوارات وإلى النقاشات أمورنا ستكون سهلة، كلا وأنا أعرف وأنتم تعرفون، لكن في النهاية هذا أفضل من الوضع الذي نحن فيه.
مبارك هذا الشهر، أيامه ولياليه، أسأل الله سبحانه وتعالى لكم التوفيق جميعاً والشكر مجدداً على حضوركم ودعمكم وتأييدكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بتوقيت بيروت