أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبدالله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السادة العلماء، السادة النواب، الأخوة
والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك يا سيدي ومولاي، يا أبا عبد الله الحسين، يا بن
رسول الله، وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك وأناخت برحلك، عليكم منا جميعاً سلام
الله أبداً ما بقينا وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منا لزيارتكم.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
إنني في
البداية أتوجه بالشكر إليكم جميعاً إلى الرجال والنساء والكبار والصغار الذين
جاؤوا من مختلف بلدات البقاع ومن مختلف المناطق اللبنانية لإحياء هذا الأمر العظيم
وهذه المناسبة الجليلة، وأخص بالشكر أولئك الذين جاؤوا من أماكن بعيدة ومشوا
لساعات طويلة، وباتوا ليلهم في هذه البلدة او تلك البلدة.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يُحسن جزاءكم وعزاءكم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمصاب حفيده صلوات الله وسلامه عليه سيد الشهداء، وأنتم كنتم دائماً تلبّون نداء رسول الله ونداء حفيد رسول الله سيد الشهداء عليه السلام في كل المراحل في كل الميادين، في كل الساحات، في كل المواجهات، ولم تبخلوا لا بمال ولا بدم ولا بحضور ولا بصوت ولا بصرخة ولا بموقف ولا بتضحية مهما غلت وتعاظمت هذه التضحيات.
اليوم، هذه
المسيرة، هذا الحشد، هذا الحضور، في هذا المكان، حيث في سنة 61 للهجرة جاءت
السبايا والرؤوس ووُضعت حيث أنتم الآن في موقف صعب ومأساوي ومؤلم ومحزن. اليوم من
خلال مسيركم على نفس الدرب ونفس الطريق الجغرافي تقدمون رسالة للعالم على أن هذا
الطريق المعنوي والإيماني والروحي والجهادي الذي قام بتضحيات جسام منذ اليوم الأول
لبعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصولاً إلى بدر وأحد، وصولاً إلى كربلاء،
هذا الطريق سوف يبقى حياً قوياً متدفقاً مستمراً قادراً على صنع الأمة، على دفع
الأمة إلى مواقع عزّتها وكرامتها ومجدها.
اليوم عندما
ننظر اليكم نعرف مَن المنتصر في كربلاء سنة 61 للهجرة، ومَن الغالب، عندما ننظر
إلى وجوهكم، إلى إرادتكم، إلى حشودكم، إلى تصميمكم، إلى عزمكم، إلى حضوركم.
عندما
ننظر إلى تلك الملايين المجتمعة والمحتشدة حول ضريح أبي عبدالله الحسين عليه
السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام في مدينة كربلاء اليوم وخلال هذه
الساعات نعرف مَن المنتصر في تلك المعركة ومَن كان الغالب وأي منطق هو الذي سجل
لنفسه خلوداً، هل منطق "كد كيدك واسعَ سعيك وناصب جهدك فوالله لن تمحو ذكرنا
ولا تميت وحينا" هو الذي انتصر أو منطق "لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء
ولا وحي نزل" هو الذي انتصر، يعني منطق زينب أو منطق يزيد، منطق الحسين أم
منطق يزيد، منطق الإسلام أم منطق الجاهلية، مشروع الإسلام أم مشروع الجاهلية.
اليوم ما نشهده
على امتداد العالم وما شهدناه على امتداد القرون يؤكد مَن الغالب الذي تحدث عنه
إمامنا زين العابدين عليه السلام قائد موكب الأحزان والإباء والعزم والإرادة
والوفاء عندما دخل إلى المدينة وسأله شامت وقال له: من الغالب؟ فقال عليه السلام
ما مضمونه: إذا سمعت الأذان عرفت من الغالب، إذا سمعت الأذان يصدح بـ "أشهد
ان لا إله الا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" صلى الله عليه وآله وسلم
عرفتَ من هو الغالب.
واليوم أيضاً نعرف من هو الغالب عندما نسمع اسم محمد رسول الله يُصدح به من على المنابر والمآذن والفضائيات والإذاعات خمس مرات في اليوم على امتداد المعمورة نعرف أن الدم انتصر على السيف في كربلاء، وأن مشروع الحسين حفيد محمد هو الذي انتصر في سنة 61 للهجرة، وأن السبايا وزين العابدين، أن الرؤوس المرفوعة على الرماح والنساء المقيّدات بالسلاسل اللاتي جيء بهنّ على مسافة طويلة إلى بعلبك ومنها إلى دمشق الشام هو الغالب وهو المنتصر وهو الحاضر.
نحن
اليوم، من خلال هذا الإحياء، نؤكد هذا المعنى، معنى حياة هذا المشروع، حياة هذه
الأمة، حياة هذا الدين، كما نعبر عن وفائنا وشكرنا واعترافنا بالجميل لرسول الله،
لأهل بيت رسول الله، لصحابة رسول الله، للشهداء مع الحسين في كربلاء، الذين
بتضحياتهم حفظوا لنا هذه الرسالة الإلهية وأوصلوها عبر الأجيال لنكون في هذا الزمن
من المؤمنين بها، الملتزمين بها، العاملين بها، والتي نصنع بها انتصاراتنا
وأمجادنا وحاضرنا ومستقبلنا ووحدة أمتنا وكرامة شعوبنا.
أيها
الأخوة والأخوات: أهمية الإحياء لهذه المناسبة الجليلة
والعظيمة، خصوصا هذه الأعوام، لها دلالة خاصة، كما كان يحصل في بعض مراحل التاريخ.
اليوم (فيما
يتعلق بـ ) المشي إلى كربلاء، الإنسان يمشي وهو في معرض التهديد والتفجير
والعمليات الانتحارية والمجازر والقتل الجماعي من خلال هذا النهج التكفيري
التقتيلي الذي تستخدمه اليوم أمريكا لصنع فتنة دامية بين أبناء هذه الأمة ومختلف
طوائفها ومذاهبها، ولكن هل استطاعت التفجيرات والعمليات الانتحارية خلال سنوات أن
تحول دون أن يعبّر هذا العشق للحسين ولجد الحسين عن نفسه بمسير الملايين مشياً على
الأقدام إلى ضريح أبي عبدالله الحسين عليه السلام؟
لا القتل سيوقف الباكستانيين الذين تفجّر حافلاتهم على الحدود في الطريق إلى الزيارة، ولا الاغتيال والقتل والتفجيرات سوف توقف الزوار الإيرانيين أو الزوار العراقيين أو الزوار اللبنانيين أو أي زائر للحسين عليه السلام يأتي من أي مكان في هذا العالم. لن يمنع خطف الزوار من أن تتواصل الزيارة، أمر هذا الإحياء، وهذا الأمر قدّم من أجل بقائه وخلوده آلاف الشهداء وعشرات آلاف الشهداء طوال التاريخ.
وأنا أقول اليوم لهؤلاء القَتلَة، لمرتكبي المجازر، إن هذا الأسلوب لن يجدي نفعاً، وهذا أسلوب خاطئ، هذا الأسلوب سيؤدي إلى المزيد من التمسك، وإلى المزيد من القناعة وإلى المزيد من الرسوخ في هذا المسار، بل هذا الأسلوب لا يمكن أن يبدّل فكر أحد ولا قناعة أحد ويجب أن يُعاد النظر بهذا الأسلوب، سواء في داخل الدائرة الإسلامية، تجاه من يختلف معهم هؤلاء التكفيريون في الرأي أو الفكرة أو المذهب أو المسلك أو الطريقة، سواء في الدائرة الشيعية أو في الدائرة السنيّة وكذلك أيضاً في الدائرة العامة.
ماذا يعني أن نشهد في الأعوام الأخيرة وخصوصاً في العام الأخير تفجيرات لكنائس في أكثر من بلد إسلامي وعربي، أو ذبح لمسيحيين في كنائس بحجة أنه يُمنع عليهم أن يحيوا أعياد الميلاد أو أعياد رأس السنة. حتى من الناحية الإسلامية والفقهية من يقول إنه يجوز لكم أن تفعلوا ذلك؟
هذا
جزء من الشعائر وإحياء الشعائر التي احترمها الإسلام طوال التاريخ، منذ دخول
الإسلام إلى كل هذه المناطق هذه الكنائس تحيي أعياد الميلاد وتقيم قداديسها
ومناسباتها.
إذاً أنتم
تأتون بدين جديد، أنتم تأتون ببدعة جديدة، عندما تريدون أن تفرضوا حتى تفاصيل
فكركم بالذبح وبالقتل وبالمجازر وبالتفجيرات، وهذا لن يوصل إلى نتيجة، هذا طريق
مسدود ويجب أن يتوقف على كل حال.
المنطقة تعيش أخطر مراحلها
أيها الإخوة والأخوات:
نحن نعيش، في
لبنان وفي المنطقة، واحدة من أهم وأخطر المراحل وأكثرها حساسية، والذي يسيطر على
مناخ المنطقة بشكل عام هو أجواء الفتن. وللأسف الشديد بالنسبة لكثيرين ضاعت
البوصلة، واختلطت الأولويات وتبدلت، بل ضاعت وتاهت المقاييس والموازين، وغلبت
المشاعر والعواطف والضغائن والأحقاد. حتى الخطاب الذي نسمعه من على مختلف المنابر
بل للأسف الشديد عندما نستمع للمنابر أو نشاهد الفضائيات والبرامج الحوارية لم نعد
نسمع حواراً، لا يوجد حوار، هناك شتائم، يجلس الاثنان يشتمان بعضهما، تجلس ساعة أو
ساعة ونصف تسمع للشتائم، إلا ما شذّ وندر.
هذه مرحلة
خطيرة جداً، وهذا يعني أن الانسان في مثل هذه المرحلة يجب أن يكون أكثر هدوءاً
وأكثر استماعاً وأكثر دقة وأكثر تحملاً للمسؤولية، لأن المرحلة حساسة وتختلط فيها
الأمور بشكل كبير.
أخطر ما تواجههه منطقتنا وأمتنا في هذه المرحلة، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، هو مشروع إعادة تقسيم المنطقة، تقسيم المقسَّم إلى دويلات صغيرة على أساس طائفي ومذهبي أو عرقي أو جهوي. حتى البلد الذي دينه واحد ومذهبه واحد سيقسمونه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، أو يُقسمونه على أساس قبلي أو ما شاكل.
نحن هنا، في يوم الإسلام وإحياء الإسلام وإحياء الأمة، نؤكد موقفنا المبدئي والعقائدي في رفض أي شكل من أشكال التقسيم، أو دعوات الانفصال أو التجزئة في أية دولة عربية أو أية دولة إسلامية، وندعو بكل تأكيد وإصرار إلى الحفاظ على وحدة كل بلد، مهما غلت التضحيات ومهما كانت الصعوبات ومهما كانت المظالم، ومهما كانت المطالب محقة. ونحن لا نتحدث عن أوهام أو خيالات، هذا الأمر اليوم يهدد العديد من البلدان العربية، من اليمن، إلى العراق الذي يُعاد إحياء الفتنة الطائفية فيه، إلى سوريا المهددة أكثر من أي وقت مضى، إلى مصر، إلى ليبيا، حتى إلى السعودية، إلى أكثر من بلد عربي ودولة عربية.
مواجهة مشاريع التقسيم والتعاطي مع الأزمة السورية
هناك
مشاريع تقسيم ومخططات تقسيم، ويجب أن تُواجه مخططات التقسيم هذه. نعم في كل بلد
يستطيع أن يتفاهم أهل البلد على إدارة شؤونهم، وعلى شكل الحكم الإداري، هذه الأمور
مفتوحة، ولكن تحت سقف وحدة البلد، وعدم الاندفاع إلى التجزئة وإلى التقسيم،
بالتأكيد وصولاً إلى لبنان، الذي يجب أن نؤكد فيه اليوم أكثر من أي زمنٍ مضى، على
تمسكنا بوحدة لبنان وطناً وأرضاً وشعباً ودولة ومؤسسات، وإذا أطلّت من هنا أو من
هناك مشاريع دويلات أو مشاريع إمارات، فيجب أن يرفضها اللبنانيون جميعاً، ولبنان
هذا أصغر من أن يُقسّم أو يُجزّأ، إذا كان هذا المشروع له إمكانية حياة في أي بلدٍ
آخر، فهذه الإمكانيات غير متوافرة على الإطلاق. اللبنانيون اليوم مدعوون إلى إحياء
هذا المنطق، منطق الحفاظ على وحدة هذا الوطن ووحدة هذا الشعب، الأرض والمؤسسات،
ورفض أي شكل من أشكال التجزئة أو التقسيم.
ثانياً
أيها الأخوة والأخوات: يجب أن نعترف، ولا نختبىء خلف إصبعنا،
بأن لبنان هو أكثر بلد يتأثر بما يجري حوله، وخصوصاً بما يجري في سوريا، بسبب
تركيبة لبنان الداخلية، وتعدّد وتنوع الموجود في لبنان، الطائفي والمذهبي
والسياسي، بسبب تعارض المصالح الداخلية وبسبب هامش الحريات الجيد المتاح في لبنان،
في التعبير عن الرأي أو الموقف أو الممارسة السياسية، وبطبيعة الحال يتأثر بما
يجري في سوريا أكثر مما يجري في أي مكان آخر في المنطقة، بسبب الحدود الطويلة،
الجار الوحيد، وطبيعة العلاقات وتشابك المصالح، وبالأخص من لبنان الذي يتأثر أكثر
البقاع والشمال.
البقاع والشمال بسبب الحدود وبسبب التواصل الجغرافي والتواصل الأهلي والتواصل الشعبي التاريخي بين أهل الشمال وسوريا وبين أهل البقاع وسوريا. قد لا تشعر بقية المناطق بنفس التأثيرات التي يشعر بها أهل البقاع وأهل الشمال، هذا واقع موجود اليوم في سوريا، يوجد حرب حقيقية على أكثر من صعيد، لبنان في جوار سوريا، ويتأثر بهذه الحرب.
منذ الأيام الأولى كان يوجد في لبنان نهجان، للتعاطي مع هذا الموضوع، لنضع حكاية النأي بالنفس جانباً، لنتكلم بالجد، يوجد نهجان:
النهج الأول يقول: نحن كلبنانيين لنختلف حول موضوع سوريا، لا توجد مشكلة، كل واحد له رأيه وله قناعاته وله قراءته وله رؤيته وله موقفه، يُعبر عن هذا الموقف بأشكال مختلفة، وبوسائل الإعلام، ممكن أن نتناقض، وبالموقف السياسي نتناقض، ولكن تعالوا حتى لا نتقاتل في لبنان، أن لا ننقل القتال إلى لبنان، هذا نهج.
النهج الثاني: هو الذي كان يريد منذ اليوم الأول وما
زال يريد إلى الآن، ومستعجل على نقل القتال إلى لبنان، ويحاول أن ينقل القتال إلى
أكثر من ساحة، وتوجد بعض الساحات قد تأثرت بهذا المنهج، أنا لا أريد أن أدخل في
الأسماء، وإذا عجز عن أن ينقل القتال إلى هذه الساحات يُهدد بالقتال في وقت قريب،
بناءً على رؤية أو استنتاجات لها علاقة بخواتيم الأمور في سوريا.
هذا نهج خاطئ،
نحن منذ البداية كنا مع النهج الأول، وقلنا: جيد، فلنختلف حتى في الحكومة
اللبنانية، فمن عمل هذه "التخريجة"، طيب ما هي المشكلة؟، يوجد أناس في
الحكومة اللبنانية لديهم موقف من سوريا، ويوجد أناس آخرون لديهم موقف مختلف مئة
وثمانين درجة، مختلف بالرؤية وبالموقف وبالجوهر وبالمضمون وبالشكل وبالأدبيات
وباللغة، هذا لا يعني أن نتصارع وأن نتقاتل، وأن يقتل أحدنا الآخر في لبنان.
هذا كان موقفنا، وبالمقابل هناك أناس اشتغلوا من خلال التحريض الطائفي والتحريض المذهبي والاستفزاز الميداني والشتائم، من أجل جر أطراف أخرى إلى القتال في الشارع، ولم يُوفروا كل ذلك، هنا يجب أن أُسجل أولاً وأن أؤكد ثانياً، يجب أن أسجل أولاً أن موقف فريقنا السياسي وأن موقفنا وموقف الحكومة اللبنانية الحالية هو الذي يعود إليه الفضل بالدرجة الأولى بعد الله سبحانه وتعالى، في أنه منع انتقال القتال إلى الساحة اللبنانية، ولو كان الفريق الآخر هو الذي يدير البلد في هذه المرحلة الحساسة جداً، لورّط البلد ليس فقط في قتال داخلي، بل في قتال مع سوريا أيضاً، وكلنا يعرف هذا المعنى، وثانياً: هو التأكيد على الالتزام بهذا المنهج. أنا أدعوكم، خصوصاً في منطقة البقاع التي تتأثر بما يجري حولها، وكل اللبنانيين وفي الشمال بالتحديد أيضاً، إلى مزيد من الصبر، وإلى الثبات وإلى الهدوء، وإلى عدم التأثر بالاستفزازات وإلى عدم الإنجرار إلى أي تصادم.
اليوم
نحن مدعوون، كل الطوائف وكل المذاهب وكل القوى السياسية، إلى مزيد من الإصرار على
التمسك بالعيش الواحد في مناطقنا المختلفة وفي مدننا وفي قرانا وفي بلداتنا، وفي
مرحلة الأزمة لا يجوز للعالم أن تبعد عن بعضها البعض، بالعكس الآن مطلوب أكثر من
أي وقت مضى، من العلماء ورجال الدين من كل المذاهب والطوائف، سياسيين ومثقفين،
والنخب والناس والوجهاء وأهل البلد وأهل الضيعة والجيران والضيع مع بعضها البعض،
مزيداً من التواصل لمحاصرة أي مسعى للفتنة، ولتنفيس أي احتقان، ولمنع أي تراكم
يمكن أن يؤدي إلى نتائج خطرة.
هذه المسؤولية
هي مسؤولية الجميع، مسؤولية الجميع من دون أي استثناء، لنحافظ على بلدنا وعلى
سلمنا الأهلي، وعلى عيشنا الواحد وعلى أمن واستقرار بلدنا يجب أن نعمل ضمن هذه
المنهجية.
طبعاً لطالما دعونا إلى تحمل المسؤوليات تجاه أولئك الذين يُحرّضون ويشتمون في الليل وفي النهار، ولم يحرك أحد ساكناً، نحن علينا أن ندعو وعلينا أن نلتزم نحن، علينا أن نلتزم وهذا ما أدعوكم إليه، هذه هي قوة الموقف اليوم وليس الضعف، لا أحد يفهم أن هذا ضعف على الإطلاق، القوة اليوم هي أن يسيطر عقلك على أعصابك، وأن تسيطر إرادتك على موقفك، وأن تُعمل بصيرتك، وأن تتصرف بمسؤولية، وهذا هو المطلوب من الجميع.
النازحون السوريون إلى لبنان
ثالثاً: موضوع النازحين إلى لبنان: أول نتائج وتأثيرات هذا الوضع المستجد، عندما نتكلم عن النازحين، سواء العائلات السورية أو العائلات الفلسطينية أو العائلات اللبنانية التي كانت تعيش في سوريا وتقيم وتعمل في سوريا، هؤلاء كلهم نازحون إلى لبنان في هذه المرحلة، الآن نسمي هؤلاء نازحين وهؤلاء لاجئين وهؤلاء مهجرين، هذا تفصيل. بالمضمون لا يوجد فرق كثير، هؤلاء النازحون اليوم هم ملف وحالة إنسانية كبيرة جداً، طبعاً لا أحد يملك تقديراً واضحاً بالأعداد، آخر كلام اليوم صدر عن وزير الداخلية، يتكلم عن 200 ألف نازح إلى لبنان، قد تكون الأرقام أكبر من هذا أيضا.
في هذا الملف نحن ندعو أولاً: إلى التعاطي مع قضية النازحين ومع ملف النازحين من زاوية إنسانية بحتة، وعدم تسييس هذا الملف من قريبٍ ولا من بعيد، وبالتالي العائلات النازحة اللائذة بلبنان وبحكومة لبنان وبشعب لبنان، يجب أن تحظى بالعناية، سواء كانت موالية للنظام في سوريا أو معارضة للنظام في سوريا، أو من المنطقة الرمادية، يعني ليس لها موقف لا مع ولا ضد. هذا موضوع إنساني، لا يجوز أن يُسيّسه أحد، وإذا كان هناك أية ملاحظات حول تسييس هذا الملف، يجب أن يُصغى إليها وتُعالج.
أيضاً نحن لا نستطيع كلبنان لأي اعتبار أن نُغلق الحدود مع سوريا، لا نقدر، مع تفهّمنا وتقديرنا للمخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذا النزوح الكبير والكثيف، ولكن لنفس الاسباب التي ذكرتها في البداية، لا نستطيع أن نأتي ونقول: تفضلوا لنأخذ قراراً بإغلاق الحدود لأي سبب من الأسباب. يجب أن نتقبّل هذه النتيجة الإنسانية ونعمل على معالجة تداعياتها الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية، لا أن نذهب إلى الخيار السلبي، فمخاطره أكبر بكثير من أي خيارٍ آخر.
إستيعاب ملف النازحين يحتاج إلى موقف رسمي كبير وواضح، وأعتقد أن الحكومة ستناقش اليوم أو في وقت قريب خطة كاملة على هذا الصعيد، وإلى تعاون شعبي أيضاً، وأنا اليوم أدعوكم وأدعو اللبنانيين جميعاً، كما كنا ندعو في السابق، إلى احتضان هذه العائلات في مختلف المناطق، في بيوتنا وفي أماكننا العامة وفي مؤسساتنا، أن نحتضن هذه العائلات، ومن موقع إنساني وأخلاقي ومسؤول، بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها الكثير من العائلات اللبنانية، ولكن هذه المسؤولية مفترض أن لا نتخلى عنها. نحن من جهتنا نبذل جهدنا وطاقتنا، ولكن على الجميع أن يبذلوا جهودهم، رسمياً وشعبياً.
طبعاً الحل الحقيقي لملف النازحين ليس إغلاق الحدود، الحل الحقيقي لملف النازحين هو معالجة السبب، يعني العمل من أجل أن يكون هناك تسوية سياسية في سوريا، توقف نزف الدماء وتوقف القتال وتوقف الحرب الدائرة، حتى يعود هؤلاء الأهل إلى بيوتهم، إلى ديارهم وإلى أرضهم، وهذا هو المطلوب اليوم، فالذي يتحمل مسؤولية استمرار النزوح هو نفسه الذي يتحمل مسؤولية استمرار نزف الدم، هو ذلك الذي يعيق ويمنع السوريين من الذهاب إلى حوار سياسي وإلى تسوية سياسية، سواء كان داخل سوريا أو على مستوى دول الإقليم، أو على مستوى المجتمع الدولي، هؤلاء لا يُفكرون إلا بمشاريعهم ومصالحهم، ولديهم تقديرات خاطئة تحدثت عنها سابقاً، منذ بداية الأحداث في سوريا، قالوا شهرين، رجعوا شهرين، رجعوا شهرين، الآن صرنا سنتين، وكل المعطيات تؤكد أن هذه المعركة إذا استمرت فيها الخيارات العسكرية، هي معركة طويلة ودامية ومدمرة، وهناك أفق للحل السياسي مفتوح، ولكن هناك من يُعطّل الحل السياسي. مجدداً اليوم نريد أن نقول إن الظالم وإن المجرم، وإن الذي يتحمل مسؤولية سفك الدماء في سوريا، ومسؤولية المأساة الإنسانية للنازحين الذين خرجوا إلى لبنان أو إلى تركيا أو إلى الأردن أو العراق أو غيرها، هم أولئك الذين يمنعون الحوار السياسي والحل السياسي والتسوية السياسية في سوريا.
وهنا أيضاً، في إطار هذه النقطة، أدعو الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية إلى تطوير موقفها السياسي، وهذا لا يتنافى مع مسألة النأي بالنفس، بمعنى أن الدولة اللبنانية معنية اليوم أن تقول للأمريكيين، للأوروبيين، للأمم المتحدة، لجامعة الدول العربية: يا جماعة، أنتم بهذه الطريقة تحمّلون لبنان ما لا يطيق اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، لا يكفي أن نقف في لبنان ونخطب ونعقّب على آثار هذه الأحداث على لبنان، يجب أن يكون هناك حركة سياسية جادة، يعني أن يطوّر لبنان موقفه السياسي باتجاه الضغط أو المساعدة إلى جانب كل أولئك الذين يضغطون من أجل أن يكون هناك حل سياسي وحوار سياسي وتسوية سياسية، وأن لا نبقى على النأي بالنفس ونجلس مكتوفي الأيدي ونتحمل آثار وتداعيات هذه الأحداث.
المخطوفون
اللبنانيون في سوريا
رابعاً: المخطوفون اللبنانيون في سوريا، أيضا من التداعيات. خلال كل الفترة السابقة، لاحظتم أنني وإخواني في حزب الله كنا دائما نحاول أن نبتعد عن مقاربة هذا الملف، حتى لا يساء استخدام أي تعبير أو موقف أو كلام. لكن للأسف الشديد اليوم، وبعد كل هذه المدة الزمنية اتضح ويتضح أنه يتم استغلال هذه القضية وهذا الملف بشكل سياسي وأخلاقي وإعلامي سيئ وكريه، ويُستغل للتحريض على دول، وللتحريض على قوى سياسية، ولإحداث شروخات في مجتمعنا اللبناني ومحاولات الإيقاع بين اللبنانيين ومحاولات الإيقاع بين الناس.
نحن منذ اليوم الأول قلنا لأهل المخطوفين: حمّلوا الدولة المسؤولية، والدولة هي المعنية، والدولة معنية بتحمّل المسؤولية، وطالبناهم بأن لا يقطعوا الطرقات، وطالبناهم بأن لا يلجأوا إلى السلبية، وكان هذا موقفاً وطنياً عاماً.
اليوم، بعد مضي كل هذا الزمن الذي لم يتم التوصل فيه إلى نتيجة مطلوبة، عندما يتحرك الأهالي تأتي بعض الجهات لتفسر الموضوع سياسياً. هذا حقهم الطبيعي، لم ينسّقوا مع حزب الله، ولا مع حركة أمل، ولم يسألوا وهذا خيارهم الطبيعي.
لكن عندما يلمس الأهالي من المسؤولين في الدولة أن الدولة تتحرك بشكل جدي وحقيقي فهم ليسوا بحاجة للجوء إلى الشارع. أنا شخصيا أعتبر أن حركة الدولة وكل الدولة وليس الحكومة فقط في هذا الملف غير مقنعة وغير مرضية، مع احترامي لكل الجهود التي بُذلت، رؤساء وبعض الرؤساء وبعض المسؤولين وبعض الوزراء يقولون إننا هاتفنا، اتصلنا، وذهبنا وجئنا وعقدنا جلسة، هذا لا يحلّ الموضوع.
اليوم، الدولة التي تقول إنها دولة
تتحمل مسؤولية مواطنيها، يجب أن تبذل جهداً مختلفاً.
هنا يوجد نقطتان:
النقطة الأولى: أنا أدعو، بكل وضوح، الدولة اللبنانية أو الحكومة اللبنانية إلى التفاوض المباشر مع الخاطفين. أين المشكلة؟ وهذا يحصل في كل العالم، وأكبر دول في العالم تقوم بذلك، الدول التي تقول إنها ترفض أن تتفاوض مع الإرهابيين تتفاوض، ولا يضع لنا أحد اعتبارات سياسية ليس لها قيمة.
إذا بقيت أماطل، أنا أتكلم أي اللبناني يتكلم مع التركي، والتركي قد يفهم عليّ عربي أو يتحرك قليلاً، لا نعلم أين نصبح بهذه الطريقة، لا نصل إلى أي نتيجة. انا أدعو أولاً إلى تفاوض مباشر، والحكومة اللبنانية تكلف أحد المسؤولين اللبنانيين الرسميين أن يذهب إلى تركيا ويلتقي مع أحد الخاطفين ويتفاوض معه، بالنهاية هذا طريق وهذا أحد الطرق المتبعة، العقلاء يتبعونه وكل الدول تتبعها.
ثانيا: إن الحكومة اللبنانية تبذل جهداً خاصاً في اتجاه الدول المؤثرة على الجهة الخاطفة، ولا نضحك على بعضنا البعض، هل هناك مجموعات في سوريا لا أحد يؤثر عليها؟ هذا ليس صحيحاً، هناك دول تموّل، ودول تسلّح، ودول تفتح الحدود. يعني بعبارة واضحة هناك ثلاث دول مؤثرة وقادرة أن تحسم هذا الملف، هي تركيا والسعودية وقطر. لماذا نجلس ونمغمغ (نضيّع) الأمور؟ هذه الدول الثلاث هي التي تدفع فلوسا، وهي التي تمول، وهي التي تسلح، وهي التي تتواصل مع المجموعات المقاتلة، وتركيا هي تعطي كافة التسهيلات على الحدود. تتفضل الدولة اللبنانية، لها علاقاتها، هي عضو في جامعة الدول العربية، هي عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي، لم يعد مقبولاً أن يقول المسؤول الفلاني اتصلنا وتكلمنا، هذا لا يعني أنه هناك متابعة جدية من قبل الدولة في ملف المخطوفين.
أنا ما زلت أدعو الأهالي إلى الرهان على الدولة وسعي الدولة، ولكن في نهاية المطاف، يا دولتنا الكريمة: إذا وجدتِ نفسك عاجزة، اذا وجدت الدولة نفسها عاجزة، قولوا لأهل المخطوفين، قولوا للقوى السياسية في لبنان، وليقولوا لنا نحن أيضاً، نحن الدولة اللبنانية عاجزون. في تلك الساعة يذهب الناس ليعرفوا كيفية معالجة هذا الموضوع وهذا الملف، وكيف يتصرفون وماذا يفعلون؟ في النهاية الخيارات ليست معدومة.
إذاً في هذه النقطة أنا أدعو الدولة اللبنانية إلى تصرف مسؤول جاد حقيقي، وأن لا تكتفي بلوم الأهالي، أو أن تأتي وتعلّق على تحذيرات الأهالي أو غضب الأهالي، وهم محقّون في غضبهم وفي انفعالهم وفي سخطهم، لأنهم لم يجدوا من هذه الدولة التصرف والممارسة الجدية في هذا الملف.
ملف النفط والغاز
خامساً ومنه نصل للختام: اليوم لدينا ملف كبير تعلق عليه آمال كبيرة في معالجة أو مساعدة لبنان في معالجة أزماته الاقتصادية والمعيشية والحياتية والاجتماعية، وهو ملف النفط والغاز. طبعاً نحن دائما نصرّ أن هذا الملف معالجته هي مسؤولية الدولة، الدولة وحدها قادرة من خلال مسؤوليتها ومؤسساتها وسلطاتها على معالجة الملف المعيشي، والحكومات المتعاقبة هي التي تتحمل مسؤولية ما وصل إليه لبنان على المستوى الاقتصادي والمعيشي والحياتي والاجتماعي.
والآن حتى لا نهاجم بعضنا البعض لنقُل إن هناك باب أمل باب الأمل هو ثروة النفط، الغاز الواعدة التي يتكلم عنها المسؤولون اللبنانيون كافةً وإن شاء الله تكون هذه النعمة (نعمة ولا تتحول إلى نقمة لأن هناك كلاماً في بعض الوثائق وفي بعض التقارير الصحفية وبعض الدراسات تقول إن أحد أسباب ما يجري في بعض دول الجوار له علاقة بالنفط والغاز، أي أنه قد تدمر دول من أجل أن تأتي جهات دولية ما لتضع يدها على هذه الثروات الوطنية).
اليوم لدينا أمل، إذا لبنان استطاع أن يستفيد بشكل جدي من هذه الثروة فهذا سوف يوفر إمكانات مالية معقولة وكبيرة للبنان لسدّ ديونه ومعالجة الأزمة الاجتماعية، وأن لا نبقى نتقاتل على سلسلة الرتب والرواتب، وعلى تفريغ أساتذة الجامعات وعلى إغناء المناطق المحرومة، لأن الفقر هو الذي يأتي بالمشاكل، لكن أيضا المال والغنى مع ظلم، مع طائفية، مع عدم إخلاص، من الممكن أن يسبب نقمات ومصائب من نوع آخر.
الحكومة الحالية أنجزت المراحل الأساسية في هذا الملف، وهذا يسجّل لها، وهذا ملف ليس سهلاً، هذا ملف معقد، معقد لأكثر من سبب. نذهب الان لمراحل أساسية أخرى. يجب أن نسجل هنا أسفاً كبيراً أن عدوّنا المغتصب المحتل السارق والناهب لثروات الشعب الفلسطيني أنجز كافة المراحل، وخلال ثلاثة أشهر كما قيل في وسائل الإعلام سوف يبدأ بالاستخراج وبالبيع والتصدير. ونحن اللبنانيين، كنّا ما نزال منشغلين بالمقدمات.
المرحلة
الثانية كم من الوقت سوف تستغرق؟ الله أعلم. هذا طبعا يتطلب تصرفاً جدياً ووطنياً
ومختلفاً ومسؤولاً من جميع القيادات والمسؤولين في هذه الدولة، والتعاطي مع ملف
النفط (يجب أن يكون مختلفاً)، هو ليس ملفاً حزبياً ولا ملفاً شخصياً ولا ملفاً
طائفياً ولا ملفاً مذهبياً ولا مناطقياً، وإذا كان هناك من ثروة نفطية في بحر
لبنان، سواء كانت قبالة الجنوب أو قبالة الشمال، هي ثروة نفطية لكل لبنان، ولكل
الشعب اللبناني، ويجب أن نتصرف مع هذا الملف على أنه فرصة تاريخية وطنية لإخراج
لبنان مما هو فيه. هذه الخلفية تفترض تصرفاً مختلفاً.
هناك سؤال آخر
ومهم يجب الإجابة عليه في هذا الملف، وهو أن هذه الثروة قد تستقدم تهديدات أو
مخاطر إسرائيلية وخصوصاً فيما يعني المناطق أو الآبار التي يمكن أن تتداخل تحت
الأرض أو تحت البحر، ولكن حتى شركات التنقيب أو الشركات التي ستلزم قد توجه لها
تهديدات من هنا أو من هناك، من قبل الإسرائيليين أو أسياد الإسرائيليين لمنع لبنان
من الاستفادة من هذه الثروة. كيف ستعالج الدولة اللبنانية هذا الموضوع؟ هنا ندعو
إلى استراتيجية وطنية، إذا أرادت أن تترك الموضوع علينا فنحن جاهزون.
بكل صراحة، في الماضي تركت الدولة تحرير الأرض على الشعب اللبناني، وكانت غائبة، بل كانت سلبية. الشعب اللبناني من خلال فصائل وحركات وأحزاب مختلفة قام وقاتل وصنع تحريراً سنة 1985 وصنع تحريراً آخر في عام 2000، وأثبتت المقاومة الشعبية في لبنان أنها قادرة على حماية البلد، تحبون أن تتركوا هذا الموضوع للشعب اللبناني، حينئذ الشعب اللبناني وفئات الشعب اللبناني تنظر ما هي خياراتها، خياراتها واضحة، أو تحبون أن تضعوا استراتيجية وطنية لحماية الثروة النفطية؟
إسرائيل لديها استراتيجية واضحة، إسرائيل، يا إخوتي وأخواتي، واللبنانيون جميعاً يجب أن يعرفوا، إسرائيل فقط لأنه استجد عندها شيء اسمه آبار نفط وغاز في البحر، ذهبت ونفذت تعديلات في القوة البحرية وفي القوة الصاروخية وفي القوة الجوية وحركة المناورات، وما يستلزمه الحفاظ وحماية الثروة النفطية عسكرياً وأمنياً على المستوى التقني والمعلوماتي والتكنولوجي والتسليحي قامت به إسرائيل في نفس الوقت الذي كانت تبني فيه منصات وتقوم بأعمال التنقيب.
ماذا فعلنا نحن في لبنان؟ "لدينا بارودتين أو صاروخين" نستطيع أن ندافع بهم عن البلد، نستيقظ في الصباح وننام في المساء (ونجدهم يتحدثون عن) سلاح المقاومة وسلاح المقاومة! بهذه الطريقة تريدون أن تحموا الثروة النفطية، (وهي) الفرصة التاريخية للبنان ولإخراج لبنان (من أزمته)؟
إذا
أردتم أن لا يتحمل الشعب المسؤولية لوحده فتفضلوا كدولة وابنوا استراتيجية. غير
قادرين على وضع استراتيجية دفاع وطني شاملة لأن هناك اناساً يضعون شروطاً وشروطاً
تعجيزية ليعودوا إلى طاولة الحوار، في الحد الأدنى إما طاولة الحوار أو الحكومة
اللبنانية أو مجلس الدفاع الأعلى، فليجلسوا ويقولوا هذه استراتيجيتنا لحماية
الثروة النفطية الوطنية، وما هو المطلوب منا كمقاومة في هذه الاستراتيجية الوطنية
نحن جاهزون (لأن نقوم به) ولطالما تحملنا الغرم، تحملنا التبعات
ولم نكن شركاء في الغنم وأنتم تعرفون ذلك، وحاضرون أن نحمل المسؤولية من جديد لأن
بركات هذا الأمر ستعود على وطننا كله وعلى شعبنا كله، ونحن لا نبحث لا عن حصة ولا
على سهمية ولا على "لحسة أصبع"، ولكن يعنينا كثيراً أن يتمكن لبنان كوطن
وشعب ودولة من استخراج هذه الثروة ومن الاستفادة منها للصالح العام.
يوم الوفاء لأبي عبد الله الحسين عليه السلام
في هذا السياق، يجب أن أؤكد في يوم أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام)، في يوم الوفاء والموقف الصلب والثبات الذي عبّرت عنه زينب عليها السلام وزين العابدين عليه السلام حتى الأطفال الصغار الذين كانوا في هذا الموكب، نحن أيضاً نعبّر عن نفس الموقف ونعرف أننا في العام المقبل، في مسألة المقاومة، نحن أمام تحديات كبيرة ومهمة جداً، وأن الإسرائيليين والأميركيين يعملون على محاصرتنا في كل العالم وفي الإقليم، وهناك جهود من أجل وضع حزب الله على لائحة الإرهاب الأوروبية، وهناك قرارات أميركية لمنع أي نشاط أو حركة في أمريكا اللاتينية، وهناك عمل في العالم العربي والإسلامي على شيطنة المقاومة في لبنان وعلى الثأر من هذه المقاومة التي هزمت إسرائيل وأحرجت الحكام والأنظمة العربية، بل أحرجت الكثير من القوى التي تدّعي المقاومة في هذه الأمة، ولكن أنا أقول لكم في أربعين أبي عبد الله الحسين عليه السلام: كل هذه الجهود سوف تذهب هباءً. اليوم بدأوا يناقشون في أمريكا وإسرائيل ما هي تأثيرات الأحداث في سوريا على مستوى التسليح لدى حزب الله ولدى المقاومة في لبنان، يقومون بالتدقيق: هل لا زال هناك نقل للسلاح أو توقف؟ هذا المخزون بدأ يتراجع أم لم يبدأ بالتراجع؟ ما هو أفق هذا المخزون في المستقبل؟ وطبعاً هناك أناس يقومون بمساعدتهم؟ يعني هم شغلهم الشاغل أن في لبنان توجد هذه الإمكانية للقوة، يجب أن نحاصرها وأن نعزلها وأن نحاربها وأن ننهيها. ولكن اليوم، في يوم زينب سلام الله عليها، نحن نقول لأمريكا ولإسرائيل ولكل من يقف معهم ويتآمر معهم: كد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فو الله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحيَنا.
اليوم في أربعين الحسين عليه السلام، نستعيد موقف العاشر من المحرم ونقول لكل هذا العالم الذي يفكر ويراهن أنه يمكن أن ينال منا نقول له: في سنة 85 ماذا كانت تملك المقاومة من سلاح ومن عدّة ومن عديد، ولكنها هزمت إسرائيل أقوى جيش في المنطقة. وفي سنة 2000 ماذا كانت تملك المقاومة من سلاح وعديد وعدة، ولكنها هزمت إسرائيل في الـ 2000. وحتى في الـ 2006، صحيح أن الإمكانات كانت أفضل ولكنها لا تقاس بإمكانات إسرائيل ومقدرات إسرائيل. أنتم تخطئون عندما تقرأون قوتنا بمعادلة العدد والسلاح والصاروخ، إن قوتنا الحقيقية تكمن في إيماننا، في إرادتنا، في عزمنا، في عشقنا لله ولرسول الله ولسيد الشهداء، في إرادتنا وطلبنا للحياة الكريمة، في ثقافتنا التي تقول: الحياة في موتكم قاهرين، والموت في حياتكم مقهورين. أنتم تخطئون عندما تقرأون حقيقة القوة في موقفنا التي نستمدها من كربلاء والتي نرددها في كل يوم وفي كل ساعة، بالموقف وبالممارسة ومن جديد: ألا إن الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين، وعلى طوال التاريخ، قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة.
اليوم نستعيد موقف إمامنا زين العابدين( ع)، وهو مكبّل بالسلاسل في موكب السبي، الذي له آثاره النفسية والطبيعية القاهرة، ولكن عندما يهدد بالقتل من قبل ابن زياد، يقول كلمته المعروفة "أبِالموت تهددني يا بن الطلقاء"، وهذا ما نقوله لكل من يهددنا، نقول كلمة إمامنا وهو المقيّد بالسلاسل، أما نحن نقول اليوم كلمة إمامنا ونحن كنّا وما زلنا ننتقل من قوة إلى قوة ومن نصر إلى نصر: أبِالموت تهددنا يا بن الطلقاء، إن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة". أليست هذه هي ثقافتنا، هذا فكرنا، هذا إيماننا، وأثبتنا ذلك خلال ثلاثين عاماً؟ لذلك أقول للعدو كما أقول للصديق، لكل المحبين القلقين، واليوم هم كثر في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي، أقول لهم: لا تخافوا على هذه المقاومة لأن إرادتها ومنشأ قوتها من مكان آخر.
نحن
اليوم في ساحة مرجة رأس العين، بالقرب من مشهد رأس الحسين ومأوى السبايا، من ساحة
وقف فيها إمام المقاومة الإمام موسى الصدر خطيباً ومستنهضاً ومثيراً للهمم، من
ساحة سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي، من ساحة الانطلاقة الأولى
لنهضة المقاومة الإسلامية في لبنان، نقول ونجدد عهدنا لنبينا صلى الله عليه وآله
وسلم، لأنبياء الله عليهم السلام، لأئمتنا عليهم السلام، لسيد شهدائنا، للشهداء
جميعاً، ولكل الأحرار، ولكل الشرفاء، ولكل المقدسات، ولكل رافضي الظلم والذل
والاحتلال: نحن هنا باقون في ساحة كربلاء الحسين
عليه السلام لا يحول بيننا وبينه لا برد قارس ولا حر قاس ولا موت ولا قتل ولا
تهديد ولا فداء ولا تضحيات مهما بلغت التضحيات، ويبقى النداء النداء: لبيك يا حسين.
السلام
عليك يا سيدي ومولاي يا ابا عبد الله الحسين عليه السلام وعلى الأرواح التي حلت
بفنائك، عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله
الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين عليه السلام، وعلى علي بن الحسين
عليه السلام، وعلى أولاد الحسين عليه السلام وعلى أصحاب الحسين عليه السلام، وعظّم
الله أجوركم من جديد، وشكر الله سعيكم، وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
بتوقيت بيروت