لم تقتصر مفاعيل خطابات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على معنويات جمهور كيان العدو وجنوده، بل كان لها أثرها الفعال أيضاً على صنّاع القرار السياسي والأمني في تل أبيب، وهو ما شهدت به أكثر من محطة قبل حرب عام 2006 وخلالها وبعدها.
لكن الجديد ــ القديم هو المزيد من المعطيات الإسرائيلية التي تكشف أن مواقف السيد نصرالله وخطاباته تحولت الى مادة أساسية في الدراسات الأكاديمية التي تتناول دور الحرب النفسية في المعركة في تشكيل الوعي القومي. ومن أبرز المواقف التي بدا أن حضورها في إسرائيل، جمهوراً ونخباً، لا يقل عمّا هو عليه في لبنان والعالم العربي، خطاب «ما بعد بعد حيفا»، واستهداف سفينة «ساعر».
تحول خطاب السيد نصرالله الذي ألقاه في تموز عام 2006، «الى حيفا، وصدقوني الى ما بعد حيفا والى ما بعد بعد حيفا»، محوراً لأطروحات في الأكاديمية الاسرائيلية عن أثر هذا الخطاب، ومثالاً ممتازاً عن القدرة على الإقناع، بحسب رئيس مركز أبحاث الامن القومي والاعلام في جامعة ارييل، والباحث في مجالات حرب المعلومات، الدكتور رون شلايفر، في مقابلة مع موقع «واللا» الاسرائيلي.
وكشف شلايفر عن حقيقة أن هذا الموقف تحول الى مادة على ألسنة الجمهور الاسرائيلي، موضحاً ذلك بالقول إن «السخرية الكبرى أن الجمهور في إسرائيل هو الذي حوّل هذا الخطاب الى شعار»، واصفاً إياه بأنه «رسالة تلتقطها الأذن جيداً»، منتقداً الاعلام في إسرائيل لأنه سار خلف الجمهور.
ورأى شلايفر أن إسرائيل لمست أهمية الحرب النفسية من خلال أداء نصرالله. وأوضح: «بفضل نصرالله فهمنا أن الحرب النفسية مهمة، وأن حرب القذائف والغارات ليست هي حصراً ما يحسم المعركة». ورأى أن الأمين العام لحزب الله يركّز على هذه الحرب ضد إسرائيل، كونه «لا يملك القدرات التي نمتلكها، والفكرة الاساسية التي تقوم عليها (الحرب النفسية): إذا لم تكن قادراً على التأثير على بندقية عدوك، عليك أن تؤثر على الإصبع الذي يضغط على الزناد. وفي هذه القضية بالذات نصرالله ممتاز».
ورأى شلايفر أن «أكبر كوارثنا هي أننا نستخف بالعالم العربي ونعتبره متخلفاً على المستوى التكنولوجي والاستراتيجي. لكننا نرتكب بذلك خطأً فادحاً»، مشيراً الى أن «العالم أصبح يعجّ بوسائل الاتصالات ونشر الشائعات، والحرب النفسية هي بُعد إضافي يحتاج إليه القتال». وأضاف الخبير الاسرائيلي أن «حزب الله، وحركة حماس التي تعلمت منه، يستخدمان أفلاماً معدّة جيداً ويحرصان على إخضاع عناصرهما لعملية إعداد شامل في هذا المجال، ويطلقان خطابات مدوية وكجزء من منهج هجوم، وعندما لا ترد عليهما تبدو كطرف مهزوم».
وتناول موقع «واللا» هذه المواقف في مقالة حملت عنوان «المعركة على الوعي: هكذا حفرت حرب لبنان الثانية في الذاكرة القومية». واستهلها بمقولة وزير الامن خلال الحرب على لبنان، عمير بيرتس، التي تعهد خلالها بأن نصرالله لن ينسى اسمه»، ورأى الموقع أن حرب عام 2006 لم تكوِ الوعي فقط بسبب خسائرها الكبيرة وفقدان ثقة الجمهور الاسرائيلي بقادته، بل لكونها شكَّلت الحرب الاولى التي أُديرت فيها المعركة على الوعي بشكل مخطط.
في السياق نفسه، أقرّ الناطق الأسبق باسم الجيش، العميد آفي بنياهو، بأن «حزب الله سبق الجيش الاسرائيلي» في الحرب النفسية، موضحاً ذلك بأنه «قبل 20 سنة، وضع حزب الله مصوِّراً حربياً في كل وحدة عسكرية، ليشارك في الهجمات على مواقع جيش لحد ويوثق السيطرة عليها. وخلال وقت قصير كانت الصور تنتشر في أنحاء العالم، وكانت تُحرج إسرائيل». واعترف بأن «المصداقية هي الكلمة الاساسية في الحرب النفسية» التي يشنّها حزب الله. وتابع أن «حزب الله ونصرالله حافظا لسنين طويلة على مستوى عال من المصداقية، وعندما يهددان يصدّقهما الجمهور في إسرائيل والعالم». ورأى أن «حرب لبنان الثانية شكلت تحولاً في القدرة على الحفر في ذاكرة العدو، حتى لدى المواطنين القاطنين في منازلهم». وكنموذج على المصداقية التي تحلى بها السيد نصرالله في حربه النفسية على إسرائيل، أورد بنياهو العديد من الامثلة، منها إعلان الامين العام لحزب الله اعتقال «العقيد تننباوم، وتعهّده بإطلاق الصواريخ الى «ما بعد بعد حيفا»، وبعدها أطلق صواريخ الى الخضيرة وقيصرياه». وتناول أيضاً خطاب نصرالله الشهير عن «استهداف سفينة ساعر بالصواريخ، في لحظة الحقيقة»، مشدّداً على أن «الجمهور والعالم يصدق تهديدات نصرالله وحزب الله».
علي حيدر/جريدة الأخبار