كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الحفل التأبيني للعالم الشيخ محمد خاتون 3-1-2016
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي
القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى
جميع الأنبياء والمرسلين.
السادة والعلماء، الإخوة، الأخوات، السلام عليكم جميعاً
ورحمة الله وبركاته.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" صدق الله العلي العظيم.
إنني في البداية، إذ أرحب بكم جميعاً في هذا الحفل
التأبيني التكريمي للأخ العزيز والغالي سماحة العلامة المجاهد الشيخ محمد خاتون
رحمه الله، أجدد التعبير عن مشاعر المواساة والعزاء لعائلته الشريفة، لأقاربه
ولمحبيه، وللإخوة والأخوات جميعاً في هذه المسيرة الجهادية المباركة.
أيضاً في البداية، وإن كان
لنا عود للتأكيد على هذا الموضوع، أود أن أتوجه إلى عائلة العلامة المجاهد الشهيد
الشيخ نمر باقر النمر وإلى أهله الكرام، وإلى أهلنا في القطيف وفي الأحساء وفي
المنطقة الشرقية، وإلى المسلمين في كل العالم، وإلى مراجعنا الكبار، إلى العلماء
المسلمين، إلى الحوزات العلمية، إلى كل مطالب بالحق والحقيقة والحقوق، أعزّيهم
بالشهادة المظلومة لهذا العالم الجليل والشجاع، وأبارك لهم أيضاً هذه الشهادة التي
هي إرث الأنبياء والأوصياء ومدرسة كربلاء التي ينتمي إليها الشهيد الشيخ النمر على
كل حال لنا عود إلى هذا الموضوع إن شاء الله في سياق الكلمة.
معرفتي بأخي العزيز سماحة الشيخ خاتون، الذي عادة عندما
نكون جالسين مع بعض نقول له الشيخ محمد، تعود إلى بدايات 1977، كنا مجموعة من
الشباب الصغار السن في ذلك الوقت، بعضنا في ال17 وآخرون في ال18 من عمرهم، التقينا
في حوزة النجف الاشرف، حيث هؤلاء الأفراد لا يعرفون بعضهم في لبنان، جمعتنا حوزة
النجف وطلب العلم، ومنّ الله سبحانه وتعالى علينا، يعني الشيخ محمد وأنا ومجموعة
من الإخوة، منّ الله سبحانه وتعالى علينا بأن ألقى بنا بين يدي وفي رعاية إنسان
مؤمن ومخلص وتقي ومجاهد وأب ومعلم وأستاذ ومرشد هو سيدنا وأستاذنا وسيد شهداء
مقاومتنا وأميننا العام الشهيد السيد عباس الموسوي رضوان الله عليه. هذه كانت من
نعم الله سبحانه وتعالى علينا، على هذه المجموعة، وعادة نحن نتحدث عن الذين قضوا
نحبهم ولا نتحدث عن الأحياء، هذا تقليدنا غالباً، قضى من هذه المجموعة بعض الرجال
نحبهم، في هذا الطريق، الشهيد السيد عباس الموسوي رضوان الله عليه، الشهيد سماحة
الشيخ علي كريم رضوان الله عليه من خربة سلم، المرحوم سماحة الشيخ علي خاتون الذي
قضى في طائرة كتونو، المرحوم سماحة الشيخ أيمن همدر، ولا زال البقية من هذه
المجموعة ينتظرون وما بدّلوا تبديلا، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبّتهم جميعاً
على هذا الطريق.
مع سماحة الشيخ محمد خاتون كنا ـ كما قلت ـ زملاء دراسة،
منذ قليل التقرير الذي رأينا يلخّص جانباً من هذا الموضوع، كنا زملاء الدراسة ولكن
كنا إخوة وأصدقاء، يعني لم نكن طلاباً فقط، نأخذ الدروس ونذهب، (بل) كنا نعيش
سوياً في النجف الأشرف، وبعد ذلك عندما رجعنا إلى لبنان، نعيش سوياً في الليل، في
النهار، في الذهاب، في الإياب، في الجوع، في الشبع، في العطش، في الأمن، في الخوف،
بالأمل، بالآمال، بالآلام، بالتطلعات، مجموعة أشخاص تجمعهم روح واحدة وثقافة واحدة
ونفَس واحد، هو في الحقيقة روح وثقافة ونفَس السيد عباس رضوان الله عليه، وأكملنا
رفاق الطريق إلى أن توفاه الله سبحانه وتعالى.
الشيخ خاتون، منذ البداية، كان مثال طالب العلم الجاد
والمحصّل والمسؤول والمتديّن والتقي، في صفات المتقين في خطبة المتقين الإمام علي
يقول "حريز دينه"، الشيخ محمد كان من المتقين الذين كانت تنطبق عليهم كل
الصفات الواردة في الخطبة، ومنها حريز دينه، كان حريصاً جداً على أن لا يتبّع هواه
وعلى أن لا يعصي مولاه. ولذلك كان الحلال والحرام حاضراً عنده بكل قوة.
في عام 1978 حصل في النجف الأشرف أنه قام نظام صدام حسين
بحملة واسعة على الطلاب اللبنانيين، على العلماء اللبنانيين، واعتقل جماعة كبيرة
منهم، بعضهم اعتقل وبعضهم تمكّن من الخروج بدون اعتقال. سماحة الشيخ خاتون، كان من
الجماعة التي اعتقلت وسُجنت وعُذبت في سجون صدام حسين. طبعاً التهمة التي وجهت إلى
الطلاب اللبنانيين، والشيخ خاتون منهم، الانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامية، ولم
يكن أي واحد منهم منتمٍ إلى حزب الدعوة الإسلامية، يعني لم يكن حزب الدعوة قد دخل
على اللبنانيين بعد، أو الذين اعتقلوا من هؤلاء اللبنايين، والتهمة الأخرى كانت
المخابرات السورية، وهذه قصة قديمة وليست جديدة، وفي ذلك الوقت لم تكن الثورة
الإسلامية في إيران قد انتصرت، وإلا لقيل مخابرات إيرانية وجالية إيرانية وجماعة إيران
وعملاء إيران، كما ينسج من اتهامات واهية اليوم لأي عالم دين، لأي مجاهد، لأي طالب
علم، في أي مكان في العالم العربي والاسلامي.
في كل الأحوال أطلق سراح سماحة الشيخ خاتون، والآخرين الذين اعتقلوا. التقت المجموعة مجدداً عند السيد عباس في بعلبك، وتأسست الحوزة الدينية في مدينة بعلبك برعاية وإدارة السيد عباس وسمّيت مدرسة الامام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الدينية، التي ما زالت قائمة وعامرة إلى اليوم، ولهذه المدرسة عليَّ وعلى الشيخ محمد وعلى الكثير من إخواني فضل كبير لا يُنسى. كان الشيخ خاتون في حلقتها الأولى واستمر فيها طالباً واستاذاً ومبلّغاً في بلدات البقاع.
عام 1982 عندما حصل الاجتياح الاسرائيلي، وكانت بدايات تشكّل المقاومة الاسلامية وحزب الله، كان الشيخ خاتون من أوائل العلماء الذين التحقوا بمعسكرات التدريب، مثل ما رأيتم في الفيلم الوثائقي، مثل الشهيد السيد عباس وآخرين، نزعوا اللباس الديني، ووضعوه على جنب، واحتفظوا بالعمائم لرمزيتها ولبسوا الثياب العسكرية، لأننا دخلنا في مرحلة جديدة هي مرحلة المقاومة المسلحة، هي مرحلة القتال، لما ذهب الشيخ خاتون وإخوانه إلى الدورة العسكرية، إخوانه من العلماء ليكونوا مقاتلين عسكريين مقاتلين في صفوف المقاومة، وكان دائما مستعداً للالتحاق في ميادين القتال.
بطبيعة الحال تشكيل
المقاومة، تشكيل حزب الله، منذ البدايات، كان بحاجة إلى الكادر الذي يتحمل
مسؤوليات مثلاً في ساحات متعددة. واحدة من هذه كانت الأهم فيها هي العلم العسكري،
ولكن لتنمو وتكتمل وتتواصل المقاومة وتحقق أهدافها كانت بحاجة إلى من يحمل
المسؤولية في البعد التعبوي، البعد التبليغي، البعد التثقيفي، في البعد التحريضي،
تحريضي على مستوى الجهاد، في زمن كانت تسود فيه ثقافة الهزيمة والاستسلام واحتقار
النفس والإيمان بالعجز والضعف والشك في القدرة على مواجهة الاجتياح والاحتلال،
فضلاً عن القدرة في تحريض الأرض.
وكان هذا في البداية عملاً شاقاً، وأنا أذكر، والإخوة
العلماء والإخوة المسؤولون هنا في القاعة يذكرون تلك الأيام والنقاشات الحادة
والصعبة، حتى في بيوتنا، حتى في بيئتنا، عندما كان يقول لنا البعض: أنتم مجانين،
أنتم متحمسون، أنتم بلا عقل، أنتم لا تفهمون المعادلات، ولا تعرفون قواعد اللعبة،
ولا تعرفون قوانين اللعبة، هل تقاوم العين المخرز؟ هل يمكن للدم أن ينتصر
على السيف؟ هل وهل وهل وهل؟ أنتم مجموعة من الشبان تربدون أن تهزموا أقوى جيش في
الشرق الأوسط الذي هزم في أيام قليلة مجموعة من الجيوش العربية.
كان تحدياً كبيراً لا تقيسه على اليوم، في ذلك اليوم، في
تلك المرحلة كانت المقاومة غريبة حتى على مستوى ثقافة الناس وفكر الناس ووعي الناس
وقبول الناس وإيمان الناس، وكان يُنظر إليها على أنها مشروع انتحاري ومشروع جنوني
ومشروع غير عقلائي ومشروع غير عقلاني.
على كلّ، من الذين أوكل إليهم أن يتصدوا في هذه المساحة
وينتقلوا من منبر إلى منبر، من مسجد إلى مسجد، ومعسكر إلى معسكر وساحة إلى ساحة
وحسينية إلى حسينية كان سماحة الشيخ خاتون رضوان الله عليه، وقام بكل ما ألقي على
عاتقه خيرَ قيام، إلى أن بدأ التشكل التنظيمي والإداري أو إيجاد هيكلية واضحة لهذه
المسيرة الفتية، ومنذ البداية كان سماحة الشيخ خاتون من المسؤولين الأوائل في هذه
الهيكلية وفي هذه المسيرة.
تولى مسؤوليات مهمة جداً، سواء في تشكيلة منطقة البقاع في
البداية، مسؤولاً لمنطقة الجنوب بعد العام 1985، ثم مسؤولاً لمنطقة البقاع، ثم
مسؤولاً ثقافياً مركزياً، ومسؤولاً للتبليغ المركزي، والعمل التبليغي، ومسؤولاً
للشمال والجبل ـ ما يُصطلح عليه باسم المنطقة الخامسة ـ وفي السنوات الأخيرة أيضاً
كما ورد في التقرير هو فضّل أن يعود إلى المكان الذي يرغب أن يعمل فيه، مع الناس،
مع المؤمنين والمؤمنات، في المساجد والحسينيات والبلدات، في السهرات، في التواصل
المباشر، وأن يبتعد عن المسؤوليات التنظيمية والإدارية، ويتحمل هذا العبء الذي ـ
طبعاً ـ فيه جهد كبير وجهاد كبير، وأيضاً له طعم خاص ولذة خاصة.
في كل الأحوال أمضى سنواته الأخيرة بين الناس خطيباً
مثقفاً ومبلّغاً ومعلماً ومحرضاً على الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى وصوتاً
للوعي وصوتاً للوحدة وصوتاً للتقوى وصوتاً للقيم الأخلاقية التي كان يجسّدها خير
تجسيد.
كلّ من يعرف الشيخ خاتون، في هذه الشهادة المختصرة التي سأقدمها عنه، يصدّق على كل كلمة أقولها الآن. الشيخ خاتون ـ وهذا أمر معروف ـ كان يُعرف عنه إيمانه وتديّنه وتقواه وثقافته الواسعة وعلمه الوفير وصدقه وإخلاصه وأخلاقه الحسنة وعشرته الجميلة وترابيته وتواضعه للجميع، للصغير والكبير، وطيبته وطهارته وتحمله للمسؤولية وحمله للهم ومحبته للناس. كان الشيخ خاتون شخصية لأنها كذلك، كان شخصية غير صعبة وغير معقدة، كما يصف أمير المؤمنين عليه السلام المتقين، واحدة من الصفات حريز دينه، واحدة من الصفات سهل أمره، سهل أمره، المؤمنون هكذا يجب أن يكونوا، العلماء يجب أن يكونوا كذلك، وكلما ترقى الإنسان في مدارج السمؤولية وتحمل الأعباء، يجب أن يكون كذلك سهل أمره. ماذا يعني سهل أمره، يعني ليس شخصاً معقداً إذا تحدثت معه أو أردت طلب منه شيء أو تتطلب منه شيئ، أو تكلّفه بمسؤولية أو تأخذ منه مسؤولية أو ترسله إلى مكان أو تبدي له ملاحظة أو تنتقده أو تعترض عليه على أداء معين، لم يكن أحد يحمل همّاً ماذا أقول له، ما هي الجملة، ما هي العبارات، ومتى وكيف. لماذا؟ لأن الشخصية الصعبة والمعقدة تصبح محاطة بمجموعة حيثيات واعتبارات وانانيات، تصبح تشعر نفسك أمام مجموعة عقد لا تعرف كيف عليك ان تفكفك هذه العقد أو تتوغل فيها أما المتقي فسهل أمره، لأنه طيب، لأنه طاهر، لأنه متواضع، لأنه ليس لديه أنا.
مثلما تحدثت ذلك اليوم، في ذكرى الشهيد القائد الشهيد محمد الحاج، أبو محمد الإقليم، عندما كنت أقول ان هذا الأخ ليس في داخله شيءاسمه محمد الحج، ولا يوم. نفس الشيء، كلنا نعرف الشيخ محمد، ليس هناك شيء في داخله اسمه محمد علي خاتون، هناك شيء اسمه عبد فقير تقي ورع، يريد رضا الله سبحانه وتعالى، حريص على آخرته، حامل همّ ذلك الوقوف الطويل بين يدي الله سبحانه وتعالى، ذلك نعم، لم يكن أبداً لا شخصاً معقداً ولا نفسية معقدة ولا شخصية صعبة. كان شخصية سهلة انسيابية طريّة ناعمة هادئة طيبة، وكذلك كان لا يتوقف عند الخطر الشخصي. في أي مكان كان يجب أن يتوجه إليه ويحضر فيه، وأنا أذكر شواهد وقصصاً كثيرة في هذا المجال.
على كل حال اليوم استطيع ان ألخص شخصية الشيخ محمد خاتون
وأقول: هي هذه مدرسة السيد عباس الموسوي، هذه مدرسة الشيخ راغب حرب، هذا تجسد آخر،
تمثّل آخر لهذه الشخصية، لهذه الثقافة، لهذه الأخلاق، لهذه العناوين، لهذا النهج،
لهذا النمط، لهذا السلوك.
ومن خلال مجموع الصفات هذه، كان وجود الشيخ خاتون مباركاً جداً في سنوات عمره التي عاشها بيننا، ولأنه كان مباركاً جداً كان تأثيره في الناس وفي الشباب وفي جميع من علّم معه ومن تتلمذوا عليه واستمعوا إليه كان تأثيره كبيراً وعميقاً لأنه لم يكن فقط يتحدث، كان القدوة والأسوة والمجسّد لما يؤمن وما يقول على مدى 35 عاماً على الأقل أمضاها معلماً ومبلغاً وخطيباً على المنابر ومسؤولاً يحمل همّ المسؤولية ومتاعب المسؤولية وآلام المسؤولية.
مع الشيخ محمد يجب أن نتذكر الجيل الأول من إخواننا وأخواتنا الذين أمضوا عمرهم وشبابهم في هذه المسيرة، وصار اليوم أغلبهم شيبة بالخمسينات والستينات أو بأواخر الأربعينيات، الذين أمضوا عمرهم وشبابهم في هذه المسيرة، ومنهم من استشهد ومنهم من توفاه الله، وإن كان عاشقاً للشهادة وله أجر الشهداء ومنزلة الشهداء، ومنهم من ينتظر، وهم أنتم وكثيرون من امثالكم وما بدلوا تبديلا.
ببركة هذا الجيل الأول الذي لا نستطيع أن نحصي وأن نقف ونعدّد شهداءه أو الذين توفاهم الله منهم، انطلقت هذه المسيرة وتواصلت حتى الآن وعبر أجيال هذه المسيرة ببركة هذا الجيل الأول يصح أن نقول فيها إنها أسست على التقوى من أول يوم، ولذلك استمرت لأنها كانت لله وفي سبيل الله ولذلك كانت في عين الله وفي رعاية وفي حفظ الله سبحانه وتعالى.
كان الجيل الأول لا يتطلع
ولا يرجو شيئاً من حطام هذه الدنيا الفانية. كانوا يعيشون في أصعب الظروف الأمنية
والاجتماعية والمعيشية، يتوقعون الموت أو القتل في كل لحظة وفي كل يوم وفي كل مكان
وفي كل ساحة وعند مفترق كل طريق. كان الخطر يتهددهم في كل مكان وزمان. كانوا
يعملون لأداء تكليفهم بعشق ويبحثون عن الشهادة بشوق.
أثبتوا في كل المحطات لله صدقهم من خلال الصبر والتحمل،
فثبّتهم الله تعالى وأعزّهم ونصرهم وكثّرهم حتى باتوا اليوم هذه المسيرة الكبيرة.
من بركة الجيل الأول أن أبناء الجيل الأول وأحفاد الجيل الأول بالحد الأدنى، نستطيع أن نتحدث عن الجيل الأول وجيل الأبناء وجيل الأحفاد، "ممكن حدا يعملهم أربعة أو خمسة" هذا له علاقة بمعايير كيف نحسب الأجيال.
لكن أبناء الجيل الأول أيضاً كانوا على شاكلته وأحفاد الجيل الأول كانوا على شاكلته وكل من لحق بهم وانتمى إلى هذه المسيرة مع الوقت يواصلون المسير بنفس الهمة والمعنويات والاخلاص والتفاني.
"شو
بدكون" بالذي يحكى كثيراً في وسائل الاعلام والذي يكتب في الأوراق الصفراء
والذي يُخترع في المواقع الالكترونية التي أسست فقط لتشويه صورة هذه المسيرة.
الدليل هم الشهداء، الشاهد هو الشهيد، هؤلاء الشهداء من
أبناء الجيل الأول، الشهداء من أحفاد الجيل الأول، الذين نقرأ وصاياهم ونسمع
كلماتهم ونرى وجوههم المنيرة ونشهد تضحياتهم الجسيمة التي ساعدت وساهمت في صنع
الانتصار في الألفين، وكان لها الحظ الأوفر في صنع انتصار 2006، وهي اليوم تحمل،
هؤلاء أبناء الجيل الأول وأحفاد الجيل الأول هم الذين يحملون على أكتافهم وبدمائهم
مسؤولية إلحاق الهزيمة بأخطر مشروع أمريكي استكباري صهيوني من خلال الوجه التكفيري
الذي يريد أن يدمرالمنطقة ويسقط مشروع المقاومة.
هؤلاء يحملون نفس الثقافة، نحن يجب أن نحافظ على هذه
الروحية، هذه الروحية هي روحية مستهدفة في يئتنا ومسيرتنا وناسنا، من خلال الحرب
الشعواء على كل صعيد، مستهدفون بروحيتهم، بمعنوياتهم، بإرادتهم، بعزمهم، بتصميمهم،
بثقتهم، بخطهم، بثقتهم، بفكرهم، باعتمادهم على مسيرتهم، بثقتهم ببعضهم البعض مما
يشار وينشر من هنا وهناك من شائعات.
الحرب التي تشن على هذه المسيرة هي ـ منذ اليوم الأول ـ ليست فقط حرباً عسكرية وأمنية ودموية، بل دائما كان يراد أن تصاب في عقلها، في قلبها، في إرادتها، في عزمها، وكانت تصمد ويشتد عودها ويقوى عزمها وتتقدم وتتقدم.
ومسيرتنا اليوم أيضاً ببركة
هذه الأجيال، من الجيل المؤسس إلى الأبناء إلى الأحفاد، ببركة دماء الشهداء، ببركة
الأنفاس الطاهرة لسماحة الشيخ محمد خاتون وإخوانه من العلماء والقادة والمسؤولين
والمجاهدين الذي قضوا نحبهم وهم يأملون بالشهادة.
هذه المسيرة ستتابع بكل ثقة، بكل يقين، بكل إيمان، وأنا
اقول لكم: لن يستطيع أحد أن ينال من مسيرة المقاومة الاسلامية في لبنان. هكذا كان
يقول السيد عباس الموسوي، لن يستطيع أحد أن ينال من مسيرة حزب الله، لا من
معنوياتها، ولا من عنفوانها ولا من عزتها ولا من كرامتها ولا من صلابة إرادتها ولا
من قوة عزمها ولا من إيمانها ويقينها ولا من تصميمها القاطع على مواصلة الحضور في
كل ساحات التحدي في كل مكان فيه موقف لله وجهاد في سبيل الله وكلمة لله وتضحية في
سبيل الله وعطاء لله سبحانه وتعالى. هذا يقين لأن هذه المسيرة كانت لله وستبقى لله
والله حافظها والله ناصرها والله معينها.
رحم الله شيخنا الغالي والعزيز وحشره مع الأنبياء الشهداء
والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
على كل حال في لبنان أتيحت
الفرصة لعلماء كبار مضوا، ولعلمائنا الموجودين في الزمن، حفظهم الله، أن ينتقلوا
من منبر إلى منبر ومن ساحة إلى ساحة، وأن يصدحوا بالحق ويقولوا كلمة الحق وأن
يبقوا على قيد الحياة دون أن تنال منهم أيدي القتل إلا أحياناً
لكن هناك أماكن كثيرة في العالم، هذا الأمر غير متاح.
أحد هذه الأماكن الذي نريد
أن ندخل عليه هو قصتنا اليوم. دعوني أكون واضحاً اليوم. "بدنا نحكي كل شي
بوضوح، إذا كان بعد في مكان للمجاملة أو المداراة بدنا نخلي هذا كله
جانباً". أعتقد هذا الزمن انتهى، في أرض شبه الجزيرة العربية التي أنشئت فيها
دولة وسميت هذه الأرض تزويراً وظلماً وباطلاً وبهتاناً بالمملكة العربية السعودية،
أرض الحرمين، أرض رسول الله (ص) وأهل بيته وصحابته الكرام، أرض المجاهدين الأوائل
في بدر وفي أحد، أرض الإسلام، تسمى باسم عائلة عائلة هي آل سعود فرضت نفسها على
شعب الجزيرة العربية بالمجازر وبالقتل وبالترهيب، وهذا موجود في كتب التاريخ، حتى
الذين أرّخوا من جماعة آل سعود لآل سعود يتحدثون عن هذه الحقائق ويقدمونها كمفاخر
للملك المؤسس وللعصابات الإجرامية التي كانت تقل وتسبي وتذبح على عظام شعب الجزيرة
العربية وعلى سيل من دماء هذا الشعب وقبائله وعشائره أسست مملكة بدعم إنكليزي،
بمال إنكليزي، بمدافع إنكليزية، كجزء من المشروع الاستعماري البريطاني للسيطرة على
بلادنا، وفي شكل متزامن كان يحضّر فيه لإقامة كيان آخر أيضاً على المجازر، على
الأشلاء، على العظام، على سيل الدماء اسمه إسرائيل في فلسطين المحتلة.
في تلك الأرض لا مجال لعالم دين ولا لرجل إصلاح. هذا أمر
لا يخص الشيعة والمنطقة الشرقية، سواء كان شيعياً أم سنياً، إسلامياً أم غير
إسلامي، وطني، قومي، ليبرالي، في تلك الأرض، في تلك المملكة، ممنوع النقد، ممنوع
الاعتراض، ممنوع النقاش. ولذلك نحن اليوم ـ "ما بدنا نفتح كل التاريخ، نروح
على الحاضر مباشرة" ـ أمام حادثة مهولة، حادثة ضخمة جداً، آل سعود يمكن أن
يكونوا استخفوا بما أقدموا عليه لأنهم يستخفون بهذه الأمة، ولكن هذه الحادثة لا
يمكن الاستخفاف بها.
الإقدام على إعدام عالم دين كبيرٍ وجليلٍ ومجاهدٍ وإصلاحي كسماحة الشيخ الشهيد نمر النمر، هذه ليست حادثة يمكن العبور عنها هكذا، على الإطلاق، هم مخطئون ومشتبهون كثيراً، ويقرأون الأمور بشكلٍ خاطىء.
لندخل إلى الموضوع بشكلٍ متسلسل وهادىء ومنطقي:
أولاً: لماذا أعدموا سماحة الشيخ النمر؟ ما هو ذنبه وما هي جريمته؟ ماذا قالوا للعالم؟ لم يقدروا أن يقولوا شيئاً، أنا طبعاً لا أعرف الباقين، يعني أنا لا أتابع ملفاتهم، ظالمين أم مظلومين، يستحقون أم لا يستحقون، الله أعلم. مع هكذا قضاء وهكذا دولة لا تستطيع أن تبني من بعيد، ولذلك لا أريد أن أدين ولا أن لا أدين، لكن أتوا بسماحة الشيخ الشهيد وجعلوه ضمن مجموعات فجّرت وقتلت وأرهبت وكذا... وهو معهم إرهابي، ما هي جريمته؟ هل استطاع القضاء السعودي أن يثبت بأن الشيخ النمر ـ مع حفظ الألقاب ـ أن الشيخ النمر حمل سلاحا؟ وأنه قاتل بالسلاح؟ بمعزل عن المشروعية أو عدم المشروعية، هل أنه أنشأ مجموعة مسلحة؟
تستطيع أن تقول عني أنا وعن إخواني وعن السيد عباس، أنتم أنشأتم مجموعات مسلحة من أجل مقاتلة "إسرائيل"، هذه طبعاً جريمة ضخمة جداً، هل أنشأ مجموعة مسلحة؟ وهل دعا إلى القتال؟ وهل دعا إلى حمل السلاح؟ أم أن كل مسار الشيخ النمر هو مسار سلمي، مثل كل العلماء في المنطقة الشرقية بالتحديد، مثل اليوم العلماء والقادة في البحرين، الذين يُزج بهم إلى السجون، كلهم، نذكر الشيخ سلمان والشيخ المقداد والإستاذ عبدالوهاب حسين والإستاذ حسن، تدخل على مجموعة من الأسماء، لماذا زُج بهم في السجون؟ محكومين سنوات طويلة، هل دعوا إلى العنف؟ وهل دعوا إلى القتال؟ هل حملوا السلاح؟ على الإطلاق قبل أيام، "وهم بعدهم في السجن"، يصدرون من سجون آل خليفة في البحرين، يصدرون بياناً ويوقعون عليه يصرون فيه على الشعب البحريني بمواصلة المسيرة السلمية، والتأكيد على السلمية، وهذا البيان هو إدانة لآل خليفة وسلطة آل خليفة، التي تسجن أناساً وتعذبهم وتظلمهم، ومن داخل سجونهم وعذاباتهم يصرون على سلمية التحرك، ولو أمروا بشيءٍ آخر لكان، ولو أمروا بشيءٍ آخر لكان، ولكن هذه ثقافتهم وهذا خيارهم وهذا سلوكهم.
هذه هي مشكلة الشيخ النمر،
مشكلته الحقيقية أنه صدح بالحق وكان رجلاً شجاعاً جداً، واقعاً، يعني أنه أي شخصية
تكون لديه مجموعة مواصفات جميلة وجيدة ومتقدمة، لكن عادةً إحدى المواصفات أو إحدى
الصفات تتقدم بدرجة عالية على صفات أخرى، يمكن أن تصف الشيخ الشهيد نمر النمر،
تصفه بالشجاع، شجاع جداً، فيما كان يقول، في المكان والزمان الذي كان يقول فيه،
وقف وتكلم بقوة، لكن كان يتكلم بحق، وكان لا يحمل سلاحاً، كان ينتقد ويعترض، هؤلاء
يحاولون أن يشوّهوا صورته، كلا، هو رجل إصلاحي، هو كان يطالب بحقوق شعب الجزيرة
العربية المسماة زوراً المملكة العربية السعودية. هو كان يطالب بأن هذا الشعب من
حقه أن يختار حكامه، لا أن يرثهم أميرٌ عن أمير. وهو كان يطالب بأن يحصل هذا الشعب
على ثرواته، لا أن ينهبه أمراء آل سعود، فيزدادون ثراءً ويزداد شعبهم فقراً. هو
يطالب بالحريات الطبيعية التي يطالب بها أي إنسان في أي مكان في العالم، ولكنه
يطالب بشجاعة وبوضوح وبصراحة، ولذلك هذه هي جريمته فقط.
من يتكلم يعدم ومن يعترض يعدم، هذه هي السعودية التي تريد
أن تنشر الديموقراطية في المنطقة، وتريد أن تدافع عن الحريات في المنطقة.
هذا اليوم هو يوم إدانتها الكبيرة والعظيمة والواضحة جداً جداً جداً، دماء الشيخ النمر اليوم تملأ وجوه وأجساد وتاريخ وحاضر ومستقبل آل سعود إلى يوم القيامة، وستلاحقهم في الدنيا وفي الآخرة.
هل دعا الشيخ النمر إلى
إنشقاق عن البلد؟ وهل دعا إلى تقسيم البلد؟ هل جاء وقال.. الأمريكان كانوا يريدون
بكل صراحة من الشيعة في المنطقة الشرقية أن يقولوا هذا الشيء، أن يقولوا: النفط
عندنا في المنطقة الشرقية ونحن نريد أن ننشق ونريد دولة مستقلة، والأمريكان عرضوا
قبل سنوات على بعض قادة الشيعة في المنطقة الشرقية ذلك، ولكن علماء الشيعة وقادة
الشيعة في المنطقة الشرقية رفضوا الانشقاق ورفضوا الإنقسام ورفضوا التقسيم، وأصروا
أن يبقوا في بلدهم وجزءاً من بلدهم، كيف يقابل هذا الوفاء الوطني وهذا الوفاء
الإنساني وهذا الوفاء القومي؟ يقابل بالسيف لكل من ينتقد أو يعترض.
ثانياً: هذه هي حقيقة الشيخ النمر وهذه هي قصته، لا يوجد
شيء آخر، فلتأتوا بشيء آخر، طبعاً للأسف الشديد بعض الكتبة الذين يكتبون ويتقاضون
الأموال، يقول لك نعم هذا حكم شرعي ونافذ ، على أي أساس هذا حكم شرعي؟ يعني أنت
اطلعت على الملف؟ وذهبت لتحقق؟ هل حصلت محاكمة حقيقية؟ كلها محاكمات صورية، حتى
محامي الدفاع ممنوع عليه أن يتكلم، وحتى المتهم ممنوع عليه أن يتكلم وأن يدافع عن
نفسه.
ثانياً: السؤال الكبير أيضاً، لماذا الإصرار على الإعدام
وفي هذا التوقيت الآن وفي هذه الظروف الموجودة بها المنطقة؟ لماذا؟
خلال السنوات الماضية، توجد
دول وحكومات وشخصيات وجهات ومرجعيات دينية شيعية وإسلامية بذلت جهود كبيرة جداً
وبعثت برسائل إلى الملك السعودي، وإلى أمراء آل سعود، وإلى المسؤولين في السعودية،
يتمنون عليهم أنه يا أخي فليصدر عفو، أو في الحد الأدنى لا ينفذ حكم الإعدام، هو
كان قادراً أن لا ينفذ حكم الإعدام، خير إن شاء الله، وأن يبقي الشيخ في السجن
ويخليه بعد سنة أو سنتين أو ثلاث.. ويرى فيما بعد ماذا يحدث.
لماذا الإصرار على الإعدام الآن؟ وفي هذا التوقيت، هو كان
يستطيع أن يؤجل الموضوع وكان يستطيع أن لا يعدم وكان يستطيع أن يعفي ويربح الناس،
ويمد جسوراً، بالمناخ الذي كان في كل المنطقة أنه ما زال يوجد أناس يتأملون بتعقل
سعودي، ويتأملون بإعتدال سعودي، ويتأملون بأنه توجد هناك إمكانية أن يقبل هذا
النظام بحوار سياسي مع إيران ومع دول المنطقة ومع القوى السياسية الأخرى، وحوار في
اليمن وحوار في سوريا وحوار في العراق، وحوار في المنطقة، وحوار في البحرين وحوار
في ليبيا، كانوا ما يزالون يتأملون أن هذا النظام قد يفتح الأبواب للخروج من
الأزمات المدمرة الموجودة في المنطقة، من خلال مفاوضات ومن خلال حوار ومن خلال
إيجابية ومن خلال لقاءات.
ولذلك، جاء هذا الإعدام
صادماً جداً، صادماً جداً، ومفاجئاً جداً. بالنسبة لي لم يكن مفاجئاً، لأنني
والإخوان نفهم النظام في السعودية بطريقة مختلفة، والإعدام يؤكد هذا الفهم.
إعدام سماحة الشيخ نمر النمر يحمل للعالم العربي وللعالم
الإسلامي رسالة مفادها: هذه الرسالة سعودية بالدم وبالسيف وبقطع الرؤوس تقول ما
يلي: إن السعودية ـ لا أريد أن أقول السعودية ـ أن هذا النظام السعودي لا يعنيه لا
عالم إسلامي ولا طوائف إسلامية ولا رأي عام إسلامي ولا رأي عام دولي ولا رأي عام
عالمي، هو يستهين بكل شيء اسمه رأي عام وعقول وإحترام على مستوى العالم، ولا يعتني
لا بأصدقاء بعثوا إليه برسائل وطلبوا منه وهناك أناس توسلوا له، ولا يعتني بمشاعر
مئات ملايين المسلمين في العلالم، الذين ستجرح مشاعرهم من خلال قول معين أو فعل
معين، والأنكى من ذلك ليس فقط يعدم الشيخ الشهيد، بل يمنع أن يسلّم جسده الطاهر
لعائلته وأهله، أراد أن يصادر صوته حياً وأن يصادر جسده شهيداً.
الرسالة أيضاً تقول، من
ينتقدنا كآل سعود أو يعترض علينا سنسفك دمه. ألم يلاحقوا المعارضين لهم وقتلوهم في
أكثر من عاصمة في العالم، من ألفوا كتب اعتراض على آل سعود، كل من قال كلمة أو
اتخذ موقفاً تآمروا عليه ولو احتاج الأمر إلى أن يدمروا بلداً أو يسببوا حرباً
أهلية في بلد، ليس هناك داع لأذكر أسماء، أنتم تعرفون هذا الشيء. هم يقولون: نحن
نظام لا يتحمل أي نقد، لا يتحمل أي اعتراض، لا يحتمل أي نقاش، إما أن تعيشوا في
مملكتنا كالغنم أو تُذبحوا كالغنم، ليس هناك شيء آخر، هذه رسالة.
النقطة الثالثة في الرسالة، أنه ليس أن السعودية تعمل فتنة
جديدة، لا، هي توغل في الفتنة، الفتنة القائمة، التي هي أسستها وهي موّلتها وهي
أشعلتها، هي من خلال هذا القتل وهذا الإعدام توغل في الفتنة وتزكيها وتدفع بها إلى
مديات خطيرة وبعيدة.
رابعاً، رسالة الإعدام هي تقول لكل العقلاء ولكل الصابرين ولكل المتحملين ولكل الهادئين الذين كانوا يراهنون كما قلت على تعقل أو اعتدال أو أبواب مفتوحة أو حوار سعودي مع جهات أخرى هي تقول لهم لا حوار، لا تعقل، لا اعتدال، لا مفاوضات، المزيد من القتل وسفك الدماء والحروب المدمرة. هذه هي الرسالة.
وأيضاً، خامساً، هذا العمل وهذه الرسالة تقدم السعودية أكثر من أي وقت مضى، تقدم وجهها الحقيقي للعالم، الوجه الاستبدادي، الوجه الإجرامي، الوجه الإرهابي، الوجه التكفيري، وهي تفعل ذلك كل يوم، ليس يوم قتلت الشيخ نمر النمر. على مدى عشرة أشهر هي تفعل هذا يومياً في اليمن، تقصف وتقتل وتدمر وتهجر وتشرد وتعطل أي حوار وأي تفاوض وأي حل سياسي وترتكب المجازر.
في مرحلة من المراحل كنا
نقول إن حرب السعودية على اليمن هدفها إعادة السيطرة على اليمن، إخضاع اليمن. يبدو
بعد عشرة أشهر يجب أن نقول إن هدف الحرب السعودية على اليمن هو تدمير اليمن، هو
قتل شعب اليمن، هو الانتقام من شعب اليمن، تماماً كما انتقمت من الشيخ نمر النمر،
لأن في اليمن رجالاً ونساءً وشعباً قال لا لآل سعود، اعترض، انتقد، رفض الخضوع،
دعا إلى الحرية، تخلى عن أسر العبودية، كيف؟ لا يقبل آل سعود أن يكون في اليمن في
جانبهم هناك، يخرج عالم أو سياسي أو قائد أو زعيم أو حزب أو تنظيم أو جماعة ويقول
لهم لا، ويحكي حقيقتهم ويفضحهم ويكشف فسادهم وظلمهم وتجبرهم وإرهابهم، هذا لا
يتحملونه. لذلك هم لا يريدون حلاً سياسياً في اليمن، هم يريدون تدمير اليمن، بمعزل
عمّن يكون البديل، هل البديل عبد ربه منصور أو البديل داعش أو البديل القاعدة أو
البديل حرب أهلية أو البديل فوضى عارمة، غير مهم.
أنا أشعر أن الذي يدير المعركة الآن في اليمن، الحرب على
اليمن هو روح الانتقام، ليس عقلاً سياسياً، ليس هدفاً سياسياً، وهذه حقيقة آل
سعود، الحقد الدفين، الحقد الذي يسيطر على عقولهم وعلى قرارهم وعلى إرادتهم.
إذاً هذه هي رسالة الأمس،
رسالة الإعدام بهذا الوضوح أن النظام السعودي مصرّ على مواصلة طريق القتال والقتل
والمواجهة الدامية ولا مكان فيها لحوار أو تفاوض أو تعقل أو اعتدال.
ثالثاً: المسؤولية اتجاه هذه الأحداث. إذاً أولاً جريمة
الشيخ النمر، ثانياً لماذا الإصرار على الإعدام؟ ثالثاً، المسؤولية اتجاه هذه
الأحداث هذا الحدث بالتحديد وما شابهه من أحداث. أيضاً عدة نقاط سريعة.
أولاً، هناك مواقف اتخذت بالأمس وتقدمها فيها مواقف المرجعيات الدينية الشيعية والجمهورية الإسلامية في إيران، هذا طبيعي، تقدمت مواقف لعلماء من إخواننا أهل السنة، علماء مسلمين سنة ومرجعيات سنية وأطر سياسية وجهادية تنتسب مذهبياً إلى الطائفة السنية الكريمة، هذه مواقف عظيمة وجليلة وتجلّ وتقدّر وتشكر، لأنها أساس في إحباط أهداف آل سعود.
آل سعود يريدون فتنة سنية شيعية، وهم الذين أشعلوها منذ سنوات طويلة وهم الذين يعملون على إشعالها في كل مكان في العالم، في كل مكان، أفغانستان وباكستان ونيجيريا وأندونيسيا ولبنان وسوريا والعراق أينما تريدون، هناك شيعة سنة وهناك مشكل بين الشيعة والسنة فتشوا على السعودية وفكرها ومالها وتحريضها. عندما تقف مرجعيات سنية وعلماء سنة ليدينوا هذا الإعدام هم يساهمون بدور تاريخي وإسلامي عظيم في منع تحقيق هذا الهدف.
ثانياً: يجب أن نلفت نظر الشيعة، الآن مراجعنا هم أساتذتنا هم الذين يلفتون نظرنا، علماؤنا أساتذتنا، لكن أناسنا في كل البلاد يجب أن ينتبهوا أن لا يحولوا هذا الموضوع إلى موضوع شيعي سني ويفتحوا ملفات من هذا النوع. آل سعود هم الذين قتلوا الشهيد الشيخ نمر النمر، نقطة على أول السطر. هذا الموضوع لا يجوز وضعه في خانة أهل السنة والجماعة، الذهاب من خلال هذا الدم إلى فتنة سنية شيعية هو خدمة لقَتَلة الشيخ النمر وخيانة لدماء الشيخ النمر. ولذلك كل شاب شيعي عنده قلم، جالس على موقع تواصل اجتماعي، يظهر على تلفزيون، يظهر على إذاعة، جالس في مدرسة، في جامعة، يعمل في شارع، يعمل في مصنع، في متجر، في وظيفة، لا يجوز أن يستغل هذا الأمر، لأنه أيضاً في داخل البيئة ممكن يوجد بعض الناس المتحمسين وأيضاً هناك اختراقات في بيئتنا الشيعية، نحن أناس موضوعيون وواقعيون، هناك اختراقات في بيئتنا الشيعية، هناك أناس يعملون مع المخابرات البريطانية، هناك أناس يعملون مع المخابرات الأميركية، هناك أناس يعملون أيضاً مع مخابرات آل سعود، وهناك أناس لا يعلمون ماذا يعملون، يمكن أن يستخدموا عبارات أو ينبشوا ملفات أو يتخذوا مواقف تخدم هدف القتلة وليس هدف الشهيد، هذا أمر يجب أيضاً ثانياُ أن نلفت إليه.
النقطة الثالثة، هي بالمسؤولية، هي مسؤولية أن نقول للعالم الحقيقة، أما آن الأوان - ليس لحزب الله أحكي هذا الكلام - أما آن الأوان لكل المواقع الدينية والسياسية والإعلامية والحزبية والاجتماعية والثقافية والحقوقية في عالمنا العربي والإسلامي بل في كل العالم أن تقول الحق الذي كان يقوله الشيخ نمر النمر، أما آن الأوان.
أما آن الأوان أن تقال كلمة
الحق في وجه هذا الطاغوت الذي يدمر الإسلام والأمة. أما آن الأوان أن نقول بشجاعة
ودون أي حسابات ـ وليعملوا الذي يريدونه آل سعود ـ أن نقول بشجاعة وبدون أي حسابات
للعام كله أن منشأ ومصنع وأساس ومبدأ ومنطلق الفكر التكفيري الذي يدمر ويقتل
ويرتكب المجازر ويهدد شعوب العالم كله من مسلمين ومسيحيين هو من هذا النظام ومن
هذا الآل ومن هذه العائلة ومن هذه المدرسة في السعودية.
لماذا يجب أن يبقى هذا مخبأ ومحل مجاملات. الكتب التي
تدرسها داعش هي نفس كتب نظام آل سعود، ولذلك نفس التربية ونفس المنشأ ولذلك تشابه
بالسلوك، شاهدوا نفس السلوك، "جيبوا مئة سنة لآل سعود وكم سنة لداعش وطابقوهم
بيطلعوا ذاتهم هم ذاتهم" لأنهم من نفس كتب التربية الدينية يتعلمون.
أما آن الأوان بأن يقال للعالم بحق، إن هذه الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تقتل وتذبح هي مجرد أدوات وأن ممولها الذي يقدم لها المال، والسلاح، والامكانيات، والتسهيلات، ومعسكرات التدريب، والخبرة، وكل الدعم هو نظام آل سعود، ولذلك هؤلاء شركاء في كل دم يسفك في بلادنا العربية والإسلامية.
أما آن الأوان أن يقال هذه الحقيقة للعالم، أن هناك ـ وهو ما بدأت به ـ أرض إسمها شبه الجزيرة العربية سميت زوراً، وتزويراً، وظلماً، وبهتاناً، وباطلاً، وعدواناً بـ "المملكة العربية السعودية" فيها شعب مظلوم تحكمه مجموعة فاسدة، سارقة، ناهبة لخيراته، وعندما يتكلم أو ينطق تقطع رأسه بالسيف، وتتهمه بالحرب على الله ورسوله، كأنهم هم الله ورسوله، هؤلاء الذين يحملون هذه الروحية المتكبرة والمتجبرة.
أما آن الأوان لهذا العالم
أن يطرد من منظمات ومؤسسات حقوق الإنسان، نظام غارق في استباحة حقوق الإنسان، وعدم
الاعتراف حتى بأبسط الحقوق الإنسانية لأبناء شعبه؟
أما آن الأوان لهذا العالم أن يصنف هذا النظام في خانة
الأنظمة الإستبدادية، الإجرامية، والإرهابية، في حين أنه يُشغل نفسه بتصنيف جماعات
إرهابية، وآل سعود هم أبوها، هم أمها، وهم أساسها.
لماذا ذهبوا إلى التفاصيل وتركوا الأساس، لماذا ذهبوا إلى الذَنَب وتركوا الرأس؟ أما آن الأوان أن يقال للعالم على مدى مئة سنة كم قدّم هذا النظام من خدمات لبريطانيا في منطقتنا، وبعدها لأميركا ومعها لإسرائيل، كم ألحق من أضرار بشعوب منطقتنا وحكومات ودول منطقتنا، وقضيتنا المركزية في فلسطين؟
أما آن الأوان ليقال هذا الحق كله؟
نعم، عبيد المال، عبيد السلطة، عبيد الدنيا سوف يمسحون الجوخ للطاغوت، لكن في هذه الأمة، في علمائها، في سياسييها، في زعمائها، في نخبها، في مثقفيها، في صحفييها، في شعوبها، في رجالها، في نسائها خير عظيم، وأحرار كثر.
أما آن الأوان لذلك؟ نعم أيها الإخوة والأخوات: اليوم أهم رد على إعدام الشهيد الكبير الشيخ نمر النمر هو أن نتحمل هذه المسؤولية، لماذا قتلوه؟ لأنه كان ينطق كلمة الحق بشجاعة، هم أرادوا أن يُسكتوا كلمة الحق الشجاعة في حنجرته، مسؤولية الأمة كلها أن تصبح حنجرتها حنجرة الشهيد الشيخ نمر النمر، وأن تصدح بالحق الذي كان يصدح به، وأن تقول الحق على الملأ بكل شجاعة ولو كان ثمن النطق بالحق هو الإعدام.
آل سعود لن يستطيعوا أن يقتلوا الناس جميعاً.
هذا التزوير يجب أن ينتهي
وأن يسقط، شراء الذمم بالمال يجب أن ينتهي ويجب أن يسقط، وهذا زمن النطق بالحق
والصدح بالحق الذي يدفع ثمنه كبار من الكبار دمائهم، يجب أن تنتهي هذه المداراة،
هذه الممالأة، لقد سقط الرهان على أي حوار أو تعقل سعودي.
نحن أمام نظام موغل في الفتنة، موغل في القتل، موغل في سفك
الدماء، يرفض أن يفتح أي كوة في الجدار الأسود الذي بناه.
هذه المسؤولية هي مسؤولية العلماء، مسؤولية الخطباء، مسؤولية الجميع ويجب أن لا نخشى لومة لائم في تحمل هذه المسؤولية، يجب أن نشرح هذه الأمر لشعوبنا، لأمتنا، للعال،م وهذا من أعظم الجهاد في هذه الأيام، نعم من أعظم الجهاد أن يقف الإنسان ويقول الحق في آل سعود. هذا من أعظم أنواع الجهاد، هل تعلمون لماذا؟ لأنه سيهدد أناسه بقطع أرزاقهم، لأنه سيُشتم، لانه سيٌهان، وسيٌسب، وستُنفق ملايين الدولارات، ومئات ملايين الدولارات على النيل منه، ومن اسمه، ومن عائلته، ومن كرامته، ومن كل شيء يخصه.
ولكن هذا كله شيء بسيط، يعني أنظروا اليهم كم هم حقراء، قبل عشرة أشهر عندما خطبت بموضوع اليمن، أنا عادةً لا أتكلم في الموضوع الشخصي ولكن لأنه يحضرني هذا المثل، وأنا تكلمت نصرةً للشعب اليمني وعبرت عن موقفي.
ثاني يوم، في الصحافة السعودية، في مواقع التواصل الإجتماعي السعودي كُتبت مقالات، وقاموا بحملة طويلة عريضة انه ابن "فلان" الشهيد هادي نصر الله ـ انتم تعلمون أنا لا أتكلم عن ابني منذ 17 عام ـ هو لم يقتل في المقاومة، وإنما كان في "كباريه" في بيروت، ووقع إشكال في الكباريه، ووقع إطلاق نار فقتل، وتم نعيه شهيد.
نحن
أمام أناس على هذا المستوى من الإسفاف، على هذا المستوى من الإنحطاط الأخلاقي،
عندما أنت تأخذ موقفاً حتى الشهيد الذي شرّفنا الله به يصبح قتيل بـ
"كباريه" عندهم، لأنهم هم أولادهم، أولاد أمرائهم، الذين يسمون أنفسم
ولاة أمر المسلمين لا يفارقون "الكباريهات"، هم من يموتون في
"الكباريهات" وليس أولادنا من يموت في "الكباريهات".
أولادنا ماتوا ويموتون في جبهات القتال دفاعاً
عن لبنان، وعن فلسطين، وعن الأمة، وعن الإسلام. هؤلاء هم أبناؤنا وأولادنا.
لذلك اليوم هذا هو الجهاد الأعظم، لا يستهينّن أحد بما نقوم بفعله، الرد على إعدام الشيخ الشهيد العالم الجليل نمر باقر النمر هو الرد "الزينبي"، أن يقف الناس جميعاً ليقولوا الحق كـ "زينب" في مجلس إبن زياد، ومجلس يزيد بن معاوية ولا تخاف من أحد ولا تحسب أي حساب.
يجب أن تتحول هذه الدماء المسفوكة ظلماً في اليمن، وعلى أرض الجزيرة العربية، وفي سجونها، وعلى كل أرض عربية وإسلامية يسفك فيها دم نتيجة فكر هؤلاء، ومال هؤلاء، وسلاح هؤلاء، هذه الدماء المسفوكة ستكتب نهاية هذا النظام، وهذه العائلة، ستكتب النهاية. السنن الإلهية تقول هكذا، السنن التاريخية تقول هكذا، عندما يفقد نظام عقله ويفقد حتى أبسط المشاعر الإنسانية، وأبسط شكل من أشكال الممارسة الإنسانية هذا معناه أنه وصل إلى الهاوية وإلى الإنحدار.
أنا أضم صوتي إلى صوت الجميع الذين قالوا بالأمس إن ملامح نهاية هذا النظام الفاسد، المجرم، الظالم، المستبد، التكفيري، الإرهابي بدأت تلوح في الأفق.
للشيخ النمر ولكل الشهداء الرحمة وعلو الدرجات، ويمكن فيما بعد إن شاء الله أن نتكلم أكثر. لكن جملة أخيرة لمن ينتظر الرد ـ مر إسبوعان على استشهاد الأخ سمير القنطار، الشهيد سمير القنطار ـ يعني هي قوة دمه، وقوة المقاومة ما زالت تفرض على جنود وضباط العدو من البحر إلى آخر نقطة في الحدود الاختباء في الجحور، ماذا أستطيع أن افعل لكم إذا هم مختبئون؟ هم ينتظرون ونحن ننتتظر، هم خائفون ونحن راغبون، وأملنا بالله سبحانه وتعالى كبير، المهم أن يفهموا جيداً أن قتل إخواننا، وسفك دمائنا لا يمر هكذا، بل عليهم أن يخافوا وأن يختبئوا، والآن جاء الثلج و"ثقّلهم" أكثر، حبسهم في جحورهم أكثر، لكن في كل الأحوال نحن أيضا ننتظر والله يحب المنتظرين، وهذا الرد آت، آت إن شاء الله.
أيها الإخوة والأخوات: مجدداً أشكر لكم جميعاً حضوركم ومشاركتكم هذا الاحتفال التأبيني التكريمي لعالم مجاهد، وعلامة مخلص، وصادق، وأخ حبيب وعزيز، سماحة الشيخ خاتون. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشره مع الأنبياء والصالحين والصديقين والشهداء وحسُن أولئك رفيقا. والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
العلاقات الاعلامية في حزب الله
بتوقيت بيروت