نعيش في هذه الأيام في خضم ثورة من وسائل التواصل الاجتماعية حيث أصبحت في بيوتنا، مدارسنا وفي مراكز أعمالنا هل نتهرب منها؟ هل نرفضها؟ هل نعيش بين أربعة جدران ونصم أذاننا ونغمض أعيننا؟ هل نوقف الزمن ونتوهم أنها غير موجودة؟. إن سنة الحياة الطبيعية تحتم علينا أن نماشي الزمن، وتحتم علينا أن نواكب كل جديد، وأن نعايش مبدأ التطوير، لأن التطوير من ثمار العقل، والعقل من ميزات الانسان وقد خص الله الانسان بهذه الميزة، والانسان هو خليفة الله على الأرض.
كل ما سلف جميل لكننا نعيش الآن في عاصفة، وربما عند البعض اعصار، ولا يخفى على أحد أن وسائط التواصل الاجتماعي لا سيما " الفايس بوك ، الواتسأب، اليوتيوب، الاي باد " تفعل فعلها في مجتمعاتنا ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك.
لا يزال موضوع هذه الوسائط موضوعاً جدلياً في مراكز الأبحاث العالمية من حيث الايجابيات والسلبيات على الفكر والجسد والعلاقات الاجتماعية، ونحن نقرأ كل يوم أبحاثاً تظهر سلبيات هذه الوسائط على الدماغ والعلاقات الاجتماعية والعلاقات الزوجية، على القيم والحياء والتحصيل الأكاديمي عند الطلاب، وفي الوقت نفسه نحن نقرأ أبحاثاً تظهر إيجابيات هذه الوسائط على الدماغ والجسد والذاكرة، على المساهمة في تعلم اللغات ومحو الأمية، على العلاقات الاجتماعية وتمتين العلاقات الأسرية وعلى نشر القيم والمبادئ وعلى التقدم في التحصيل الأكاديمي عند الطلاب.
في هذه الورقة ليست الاشكالية هي إشكالية رصد إيجابيات وسائط التواصل الاجتماعي أو سلبياتها؛ إنما الاشكالية التي نود طرحها تتجلى في الأسئلة التالية ويمكن من خلال هذه الأسئلة (..) والنقاش الوصول الى توصيات.
- ما هي مظاهر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي وما هي الآثار السلبية لهذا الاستخدام وما المقترحات العملية لإستخدامها إستخداماً ايجابياً؟
من مظاهر إستخدام الوسائط أنها أصبحت موجودة في البيوت والمدارس والمؤسسات والشركات، ربما وجودها في البيوت له أسباب كثيرة من بينها الحاجة الى الاستخدام لا سيما في الظروف السياسية والأمنية السائدة في مواكبة للتطور، التأثير الاعلامي والاعلاني والرغبة في التحرر من قيود تواصل تقليدية، وسدّ رغبات عند الاولاد.
في
المدارس نلاحظ أمرين: بعض المدارس استعملت هذه الوسائط كوسيلة تعلم وتعليم ذو فائدة
ولكن نسبتها قليلة، والبعض الآخر كموضة لاستقطاب الطلاب، كما أيضاً تستعملها
المؤسسات لتسهيل العمل، ونلاحظ إن إنتشار هذه الوسائط يظهر من خلال إنتشار المحال
التجارية التي تبيعها.
- ما هي الآثار السلبية لإستخدام وسائط التواصل الاجتماعي في مجتمعنا؟
تبذير للوقت وللمال، إنطواء على الذات تضعضع في العلاقات العائلية والاجتماعية، إدمان، ترهل جسدي يتبعه كسل فكري، خواء نفسي وهو أمر خطير جداً، إضطراب في العمل اليومي والنوم، تراجع في العمل عند الكبار وتراجع في الأداء المدرسي عند الاولاد، سرعة في التوتر وهروب من الواقع وأخيراً إنخفاض نسبة الحياء.
- ما هي المقترحات العملية ؟
- أمام هذا الكم من السلبيات ماذا نفعل؟
في المقترحات العملية هناك نظريتان إثنتان: 1- نظرية القمع 2- نظرية العقلنة.
نظرية القمع: يلجأ فيها المربون والأهل الى القمع في موضوع معالجة إستخدام الوسائط من إقفال تام الى مراقبة شديدة وصولاً الى الضرب أحياناً وربما تكسير الوسائل المستخدمة وهذه التدابير تكون ردة فعل إنفعالية ويكون سببها سوء إستخدام وسائط التواصل.
نظرية العقلنة: تعتمد على جانب فلسفي وتعتمد على مقترحات علمية وأكثرها مجرب حتى في المدارس والبيوت.
فلسفياً العقل قاهر الجهل، ونستمد من الحديث الشريف حيث قال رسول الله (ص): "لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله"، ويقول الامام علي (ع): "العقل والشهوة ضدان، مؤيد العقل العلم، ومزين الشهوة الهوى، والنفس متنازعة بينهما فأيهما قهر كانت الى جانبه".
فماذا يحصل في مدارسنا وبيوتنا، وكيف تطبق مناهجنا التربوية، مناهجنا التربوية في لبنان هي كم هائل من المعارف على حساب تنمية المهارات والمعارف. وحدها تؤسّس لجهل لأنها تتعب الدماغ وتغلق النوافذ على نور القلب، كل معرفة لا يرافقها سلوك علمي قد تتحول الى خردة والى وهم، وقد تتبخر وتتحول الى فراغ، والفراغ جهل، والمعارف اذا أسّست لمهارات ورافقها سلوك عملي تحولت الى طاقة والى نور للعقل يكمل معها العقل والعقل قوة، وإن انتصار العقل على الهوى هو السبيل الذي يؤدي بنا الى إستخدام أي شيئ إستخداماً صحيحاً.
سأل
الامام علي (ع) صف لنا العاقل فقال:" هو الذي يضع
الشيء مواضعه"، وقيل له صف لنا الجاهل فقال: "لقد فعلت " أي
أنه العكس. هذا في الجانب الفلسفي.
وأما في الجانب العملي:
- يجب التقنين وتنظيم الوقت في إستخدام وسائل التواصل حتى يتم تأسيس جيل يتمتع بمناعة عقلية ضد إستخدام هذه الوسائط.
- إعادة النظر في استخدام طرائق التدريس لا سيما تقديم المعارف، فالتاريخ مثلاً لا يزال يدرس ويقدم بطريقة لا تليق بالقرن الحالي، ولا نستطيع الاستفادة ولو بعبرة واحدة من هذه الدروس، وعلينا إعادة النظر السريع في تطبيق المناهج التربوية، إذ أن حشو الأدمغة بالمعلومات ليس هدف التربية، إنما غاية التربية هي تحصين العقل وتدريبه حتى لا يتغلب عليه الجهل، وهنا علينا أن لا ننتظر مبادرات من الوزارات المعنية فهي تعيش تحت وطأة الـ 6 والـ6 مكرر وتعيش تحت نير المساعدات والهبات الخارجية وتحت عبودية المحسوبيات، ونحن نكاد نخسر أولادنا وأجيالنا.
لذا كما لم نأخذ إذناً من أحد للدفاع عن أرضنا، علينا وفي الميدان التربوي أن نبادر كي ندرّب ونعوّد أولادنا في بيوتنا ومدارسنا على:
- التفكير والتفكر.
- العادات الحسنة.
- تنظيم الوقت.
- الخدمة الاجتماعية.
- العمل اليدوي وهو مهم جداً.
- الانتاج أي أن يعتاد الانسان أن يكون منتجاً ولا أعني مادياً فقط ، وأن لا يكون مستهلكاً.
إن ما نقترحه قد نصت عليه المناهج التربوية الحديثة لكنها للأسف لم تطبق؛ لذا نستطيع أن نقوم وإنطلاقاً من مؤسساتنا ونكون قدوة لغيرنا، وما سنحصله في أجيالنا هو تنمية ثقافة الإنتاج في موازاة الاستهلاك، إنتصار العقل على الجهل، ومتى تمت ثقافة الانتاج فينا وفي أجيالنا ومتى إنتصر العقل فينا وفي أجيالنا ظهرت الآثار الطيبة. ويقول الامام علي (ع): "العقل شجرة ثمرها الحياء والسخاء"، وهذا الحياء والسخاء يحصنان فينا الزهد الحقيقي في إستخدام أي شيئ لا سيما وسائط التواصل الحديثة ، ويمكننا من إستثمار هذه الوسائط بما يرضي الله وما يعود بالمنفعة علينا وعلى الانسان. " إذ ليس الزهد ان لا تملك شيئاً بل ان لا يملكك شيء"، بالجهل تملكنا الأشياء وتتحكم بنا فتكون نقمة، وبالعقل نملك الأشياء ونتحكم بها وتكون نعمة.
مركز الأبحاث والدراسات التربوية
بتوقيت بيروت