بلا مبالاة واضحة أجابت والدها: "لا يهمّني أن أشترك في دورات دينية، ولماذا أُربك عقلي بالمسائل الفقهيّة وأحلّل الطروحات العقائدية، وأغرق في نظريّات أخلاقيّة وغيرها؟ أنا مؤمنة بالله وقد ربّيتني على أفضل وجه.. فما حاجتي إلى الدراسة الدينيّة الممنهجة وغير المجدية؟!".
حاول الأب استيعاب كلامها، فبسمة، في السابعة عشر من عمرها، ولم تنضم يوماً إلى أيّ معهد للدراسة الدينيّة، وهو يُدرك أنها تستقي أفكارها السلبيّة تلك من محيطها، فقرّر استخدام أسلوب جديد هذه المرة لإقناعها: "بسمة، الشهر المقبل سيصير عمرك ثمانية عشر عاماً. أليس كذلك؟" قاطعته مزهوّة بنفسها وصاحت: "وسوف تعلّمني قيادة السيارة! أرجوك أبي"، فصاح مصطنعاً الحماسة: "أجل ولكن بشرط!" تنفّست بعمق وثقة: "أيّ شيء تريده، أنا بالخدمة". نظر إليها بعينين ثاقبتين وأردف: "أن تشتركي لمدة شهر في دورة الجنود التي يقيمها المعهد ولك ما تريدين".
ساد الصمت الثقيل، كان خلاله الأب يبتهل إلى الله أن يُوفّق لإقناع ابنته بأهمية تلك الدورة من خلال الترغيب، وكم كان سعيداً حين أجابت باستسلام: "حسناً، غداً سأسجّل اسمي، ولكن يا أبي هذه تضحية كبيرة مني.. يجب أن تفي لي بوعدك فور الانتهاء من الدراسة الدينية وتعلّمني قيادة السيّارة".
وتسجّلت بسمة في المعهد، كانت تذهب بشكل منتظم، وقررت أن تجتهد بما أنّه لا مفر من تلك الدراسة، فوالدها منذ شارفت على التخرّج من المدرسة يشدّد على أهمية التزوّد من العلوم الدينية قبل خوض المعترك الجامعي.
ومضت الأيام، كانت خلالها تتجنّب الحديث عن المعهد والمعلمات، بينما كان والدها يراقبها بصمت، ويحترم التزامها بالدوام وعدم التأفّف والشكوى. وفي اليوم الأخير من الدورة، ذهب بنفسه ليقلّها بالسيارة من المعهد، جلست على المقعد الأمامي، إلى جانبه، بهدوء، فقال لها: "أنا فخور بك يا بسمة، وتأكيداً على وفائي بالوعد، سجّلت اسمك في مكتب لتعليم القيادة، وستبدئين الدروس من الأسبوع المقبل"، نظرت إليه بارتباك قائلة: "الأسبوع المقبل؟! أي يوم؟" استغرب تلك البرودة في صوتها: "اعتقدت أنك ستفرحين.. الإثنين التاسعة صباحاً أول درس لك"، هزّت كتفيها قائلة: "لا أستطيع، فقد تسجّلت بدورة الأنصار، والافتتاح سيكون الإثنين صباحاً.. وأنا متحمسة جداً للمرحلة القادمة، يوم الثلاثاء مناسب أكثر لتعلّم القيادة!".
ديمـا جمـعة فواز
بقيـة الله
بتوقيت بيروت